(نهاية التاريخ)، عند نيتشه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ففي "خواطر في غير أوانها" يطرح نيتشه للمرة الأولي قضية "التبعية"، أو ذلك التطرف في الوعي التاريخي الذي يحاصر الإنسان، ويمنعه في الوقت نفسه من ابتكار أي تجديد تاريخي حقيقي. (1).
وهو يشير إلي التضخم " التاريخي " أو حمي التاريخ التي أصابت ألمانيا في القرن التاسع عشر، بسبب ذيوع النزعة التاريخية التي أعلت من شأن فكرة التطور. ويعيب نيتشه علي رجال التاريخ " الذين يعتقدون أن معني الوجود يتجلي شيئا فشيئا خلال التطور، في كونهم لا يلتفتون إلي الوراء إلا لكي يفهموا الحاضر انطلاقا من التطور السابق. إنهم لا يعلمون أنهم بالرغم من معرفتهم التاريخية، فإن أفكارهم وأعمالهم بعيدة عن التاريخ " (2).
إن " التبعية " تمنعهم من امتلاك أسلوبهم الخاص، إلي درجة أنها تقصرهم علي استلهام كل شئ من الماضي، الذي تحول بالنسبة لهم إلي مخزن كبير للملابس المسرحية. وهو ما يصفه نيتشه بالمرض التاريخي الذي يصعب الشفاء منه.
بيد أن كتابه " إنساني، إنساني جدا " هو الذي أحدث تبدلا عميقا في موقفه من " المرض التاريخي "، فإذا كان في كتابه " خواطر في غير أوانها " عام 1874 كان يرقب بفزع (إنسان عصره) وهو يعود للماضي ويجتر أساليبه اجترارا، فإنه في بداية عام 1889 كتب واحدا من الخطابات الهاذية التي بعث بها إلي صديقه الفيلسوف الألماني " بوركهارت "، يقول فيه: " في واقع الأمر، أنا كل أسماء التاريخ " (3).
ورغم أن هذا التصريح قد جاء أثناء الانهيار النفسي الذي لم يشف نيتشه منه حتي وفاته عام 1900، فإنه يضئ موقفه الجديد تجاه التاريخ منذ كتابه " إنساني، إنساني جدا " عام 1878. ففي هذا الكتاب الأخير يطرح نيتشه تصوره لما يمكن اعتباره شفاء من المرض التاريخي بصوره جديدة ومبتكرة للغاية، أو فلنقل نهاية " الحداثة " ونهاية تصور التاريخ المرتبط بها، وذلك بتحليل الاتجاهات والعناصر التي تتشكل منها.
فإذا اعتبرنا أن الحداثة تتميز بأنها حقبة التجاوز والجدة التي تهرم مع الوقت وتترك مكانها لجدة أكثر حداثة منها، في حركة لا تنضب، تثير اليأس أمام كل طاقة خلاقة بإصرارها علي فرض " الحداثة " علي انها الإنموذج والشكل الوحيد للحياة، فإن الخروج من دائرتها عن طريق " التجاوز "، يصبح أمرا مستحيلا.
لذا رأي نيتشه أن " التجاوز " فكرة حداثية أصيلة، لا تستطيع أن تخرجنا من الحداثة، التي لا تتأسس فقط انطلاقا من فكرة التجاوز الزمني: بمعني تتالي الظواهر التاريخية والأحقاب والمراحل الزمنية، والتي يعيها الإنسان من خلال أكداس الكتب التاريخية، وإنما تتأسس أيضا عن طريق تسلسل شديد الصرامة من خلال فكرة " التجاوز " النقدي ذاتها. (4).
من هنا فإن قرار " نيتشه ": إجراء نقد للقيم الكبري عبر " الجنيالوجيا " أسفر في النهاية عن " تحلل " قيمة " الحقيقة " ذاتها، ذلك لأن الاعتقاد بتفوق الحقيقة علي اللاحقيقة أو " الخطأ "، هو اعتقاد مبني أساسا علي قناعة بأن الإنسان يستطيع معرفة الأشياء في ذاتها، لكن " الجنيالوجيا " تكشف عن انها محض سلسلة من الاستعارات والتأويلات، مما يجعل مجرد إدعاء المعرفة مستحيلا.
وعن طريق تحلل مفهوم " الحقيقة "، يصبح قول نيتشه: " موت الإله " في الشذرة (125) من كتابه " العلم المرح "، هو المحصلة النهائية لبلوغ التحليل آخر مداه. وحسب " هيدجر ": " فإن فكرة " موت الإله " لا تنصب علي الإله المسيحي، ولا علي آلهة الأديان بوجه عام، بل ان المقصود بها هو (عالم ما فوق المحسوس) وعالم الميتافيزيقا والمثل بوجه عام " (5).
فهو في عبارته الشهيرة: أن الله قد مات، لا يعبر عن موقفه الشخصي في الإلحاد فحسب، بل يعبر عن اعتقاده بأن العالم الآخر، بكل صوره الفلسفية، فقد دعامته وإنهار من أساسه. وبفضل هذه النتيجة " العدمية " يمكن الخروج - حسب نيتشه - من " الحداثة "، مادام مفهوم " الحقيقة " لم يعد قائما، ومادام قد زال كل أساس للاعتقاد في " الأساس "، وتم إلغاء البحث عن " الأساس "، فلن نستطيع الخروج من الحداثة بتجاوز نقدي، وإنما يجب البحث عن مخرج آخر.
هنا بالتحديد سنعثر علي (لحظة ميلاد ما بعد الحداثة) في الفلسفة، وهي اللحظة التي لم ندرك بعد كل مدلولاتها وأبعادها.... والتي سنتوقف أمامها طويلا في المقال القادم. هوامش:
1- جياني فاتيمو: نهاية الحداثة - الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة، ترجمة: فاطمة الجيوشي، منشورات وزارة الثقافة بالجمهورية العربية السورية، دمشق 1998، ص: 184.
2- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
3- المرجع نفسه، ص: 185.
4- المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
5- فؤاد زكريا: نيتشه، سلسلة نوابغ الفكر الغربي (1)، دار المعارف، 1956، ص: 39. dresssamabdalla@yahoo.com
التعليقات
مات
نبي اردني بدوي -نعم لقد مات الله فقد كان فكرة بشرية عنصرية
كيف يسير التاريخ ؟
رمضان عيسى -أولا لايمكن النظر الى التاريخ كشىء مجرد ، كمفهوم ، بعيدا عن حياة الاٍنسان الاٍجتماعية واٍنتقاله من مرحلة الوحشية والبربرية والرعي والتنقل الى الزراعة والاٍستقرار ، ثم الى التمدن ونشوء المدن وتطور الصناعة . والسؤال الآ ن : هل هذا سار بشكل عشوائى أم بوعي ؟ أقول نعم ، سار بشكل عشوائي لأن الاٍنسان لم يكن لديه الوعي ولا التخطيط لتنظيم مجتمعه بشكل جديد، ولكن هل كان هناك اٍنفصال بين كل مرحلة عن الأخرى ؟ أى هل أن كل مرحلة جاءت منفصلة عن سابقتها ، أم لها ارتباط وثيق بها ؟ هكذا نفهم التاريخ الاٍنسانى بأنه عبار ة عن مراحل مترابطة ومتسلسلة بشكل تطوري الى الأعلى والأرقى ليس في درجة تطور الأداة المستخدمة في الحصول على الغذاء ، بل وفي العلاقات اللاٍقتصادية والاٍجتماعية والفكرية التى تعكسها كل مرحلة , ولكن هل اٍنتقلت المرحلة الأدنى الى التالية الأرقى دون تناقضات وصراعات تبدأ بأجزاء وتتراكم التناقضات ثم تشمل المجتمع ككل ، أى تحدث ثورة ، أو انتقال من مرحلة الى أخرى ، أى يحدث نفي للمرحلة السابقة التى أدرك الناس من خلال علاقاتهم الاٍجتماعية أنها لم تعد تناسبهم ، ويجب الاٍنتقال لمرحلة أكثر تطور، أليس هذه هي النظرة الجدلية للتاريخ والتي تثبته حركة المجتمع على مدى التاريخ منذ أن وعى الاٍنسان نفسة . من هنا كان التاريخ ليس مخططا من قبل قوة عليا خارجة عن حياة الاٍنسان والاٍنسانية ، ولا من فعل العظماء الذين قد يؤثرون في تأجيل أو تعجيل حدث ما ولكن لم يصنعوا الحدث برمته ، انما العظماء عوامل مساعدة أحيانا . كما أن فهم الانسان ووعيه لمراحل التطور يجعلة يصبح أكثر نشاطا وثورية في البناء والتطوير لكي ينتقل من مرحلة أدنى الى مرحلة أرقى ،اٍن هذه الحركة للتاريخ والمجتمع يفهمها البعض كما يفهم الحركة في قوانين الطبيعة الحتمية ، ان هذا خطأ فاحش لأن الحركة فى المجتمع البشري تختلف عن الحركة في الطبيعة ، حيث الاٍنسان ممكن أن يخطط وينظم ويسرع حدوث شىء مرغوب ،أما الطبيعة فمستحيل . وهذا الفهم بالذات هو الذي نحتاجه كعرب ومسلمين لكى نرتقي بمجتمعاتنا من مرحلة أدنى الى مرحلة أرقى علاقاتيا واجيماعيا وفكريا وسياسيا وقوانين ونظم حكم تتناسب مع هذا العصر وهذا الزمان ، فلكل زمن دولة ورجال .- ويجب ألا نبقى أسرى للتاريخ واعتباره مخزن للمعلومات والخبرات ، فهذا يجعلنا غير مؤهلين لتجديد حياتنا وقوانيننا وعلاقاتنا حسب
رائع نيتشة
ابو عراق -نيتشة من اروع الفلاسفة الذين قرأت لهم يتميز بنوع من التصوف والفلسفة وله رؤية رائعة للحياة هذا من وجهة نظري ويقول ان الحياة اذا لم يكن فيها حرب فهي ليست حياة وهذا بالفعل افضل تعبير للحياة اليوم لان الحياة بدون حرب تجر الشعب الى التميع والانعدام ولاحظ الامثلة كثيرة من دولة المنطقة التي سادها التميع والانحلال بسبب عدم وجود نزعة الحرب ضد شئ معين.
الحقيقة كمفهوم
رمضان عيسى -الوا قع أو الموجود لا يمكن اٍعتبارة حقيقي أو كاذب . اٍنه موجود وحسب بغض النظر عن وجودنا نحن ، اٍن الحقيقي أو الكاذب هو فكرنا عن الواقع ، آرائنا حول الواقع ،والخطأ يقاس بمدى عدم مطابقتة للواقع ، والحقيقة وهم اٍذا لم تكن متطابقة مع الواقع ،مع فكرنا عن الواقع ، فمثلا النار تحرق الخشب ،لهذا لانشعل النار بالقرب من الدولاب الخشبى ، معنى هذا أن مفهومنا عن النار صحيح ولن يكون وهما يوما ما ، هذا هو الفهم الديالكتيكي ، من هنا الاٍستنتاج أنه لا توجد حقيقة بعيدة عن التجربة ، أي لا توجد حقيقة مطلقة سابقة على الوجود الاٍنساني وتجربته . وان ما نحصل عليه من حقائق هي نسبية تتراكم مع بعضها وصولا لحقائق أكبر وهكذا فاٍن المكتشفات العلمية ما هي اٍلا شذرات من الحقائق النسبية الصادقة عن الواقع . ومفهوم نيتشه عن الحقيقة كفكرة فلسفية قد انهارت بسبب اٍنهيار الأساس عند نيتشه وهذا الأساس هو موت الاٍله حيث وصل الى العدمية في كل شىء وأغى الأخلاق والقيم ليحل محلها أخلاق جديدة تخلق الظرف الملائم لظهور المتفوق ، السوبر مان .
نتيشه في واد آخر
علي -بعد قرائتي لمقالك لم أفهم شيئا، و استنتجت بأنك أسئت كثيرا لنيتشه، فأنت كنت في واد و نيتشه في واد آخر حتى المراجع التي اعتمدتها يفتقد اصحابها لإعادة تناول المفاهيم النيتشوية و التي تحمل عمقا كبيرا كانت أساس تطور المجتمعات الغربية ، و إذا أردت أن تفهم معاني نيتشه عليك أن تقرأ كتاباته الشذرية الشعرية الفلسفية إما في لغتها الأصلية أو الفرنسية أو الأ نجليزية و لتقريب المسافة لك ما عليك إلا بكتاب لكارل ياسبرس - أو ميشيل دولوز و غيرهم من المفكرين الفلاسفة المعاصرين و الذي تعمقوا في الفكر النيتشوي و أنتجوا قراءات نقدية في فكره الفلسفي ...!1؟؟