الدالاي لاما اختبار الحقيقة عبر الوعي السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وقد قدّم الدالاي لاما خلال سنوات طوال العديد من خطط للسلام في التيبت تحترم حقوق الانسان وتحمي اليبيئة الطبيعية، وقد جوبهت بالرفض الصيني دومًا، على طريقة سائر الدول "العظمى"؛ حيث أن "عنجهية" امبرطورية عظيمة كالصين منعت من تقبل "انفصال" أرض عنها سيطرت عليها منذ عام 1951. وبالرغم من ان الدالاي لاما يقيم في منفاه في الهند بمنطقة دهار مسلا في شمال الهند حيث حكومته المنفية وهي منطقة بعيدة عن نيودلهي، تتطلب من المرء ان يقطع البنجاب كله من اجل الوصول اليها، وهو الذي طالب بداية باستقلال التيبت، فإن حكمة روحه دفعت به الى حلٍّ عملّي سياسي يُبعد شبح الحروب والعنف من جهة ويحفظ للصين "جبروتها وعنجهيتها " فقد تخلى عن المطالبة بالاستقلال واختار حلا سلميًّا وطريقا وسط" يقضي بالمطالبة "بحكم ذاتي وثقافي". وهو الذي اختار اللاعنف و"غانديّة الممانعة " طريقًا له وفلسفة" أهمسا" (اي كفّ الأذى " في مسيرة الروح، وهو الذي يرى ان قيمة الحقائق في المجتمعات الانسانية عندما تكون محور العمل السياسي هي في تحقيق السلام وان ما نشهده اليوم من حروب سببه تنافس بين قوة الروح وقوّة المادّة، وهو المؤمن دوما ان الحقيقة خالدة وان لعبت وسائل الاعلام دورًا سلبيًا في تشويهها من خلال الدعايّات المنظمة. إنَّ المُتابع للاحداث في كافّة مناطق النزاع في العالم يجد ان "الدول الكبرى" عادة ما تمارس "فوقية وعنفًا " بحق الضعفاء، وتجيز لنفسها إحراق الأخضر واليابس، فمن أجل مصانعها لا تتورع عن تلويث البيئة، ومن أجل نفوذها السياسي تجيز لنفسها ممارسة العنف ضد البشر وما العراق وفلسطين عنا ببعيد.
إذن "جبروت " إدارات الحروب يمنع من تقبل "السلام" القائم على احترام الانسان وحقوقه، والرفق بالمخلوقات الأخرى واحترام البيئة الطبيعية، لانه ببساطة يدّمر لها مشاريعها الاقتصادية والعسكرية القائمة على "المادة" . استقلال التيبيت بين المآرب الدولية والحقوق المشروعة
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، كون الصين دولة مناوئة للولايات المتحدة، فهل الدلاي لاما يمثل المآرب الاميركية في مناوئة الصين؟؟ وهل الاتحاد الاوروبي سيتخلى عن مواقفه في التيبت لأجل إرضاء الصين ووقفها الى جانبة في الأزمة الإقتصادية؟؟
بطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في إضعاف الصين ولا أحد ينكر ذلك، غير أن فلسفة العمل السياسي التي ينبني عليها عمل الدلاي لاما القائمة على اللاعنف وكونية الروح الانسانية وحماية البيئة، تتنافى جملةً و تفصِيلا مع عمل "الادارة الاميركية " الدّاعمة للنزاعات والحروب في العالم والتي ألغت "الروح من قاموسها" وتعاملت مع المادة بشكلٍ مفرط لدرجة أوقعتها في انهيارٍ اقتصادي مدمر! وبرغم من مرور ما يزيد عن عشرين عامًا على إطلاق الدالاي لاما لخطة السلام التي عُرفَت بالخطة الخُماسية التي اطلقت في نوفمبر تشرين الثاني 1987 في ستراسبورغ في اوروبا واعقب ذلك اعمال عنف دامٍ في الاقليم، فإن الصين عادت اليوم كما بالامس، الى السلوك الرافض دومًا بالرغم من خفض سقف المطالب التيبتية حيث ألغت اجتماع قمة مع الاتحاد الاوروبي التي كانت مقررة مطلع الشهر للبحث في الازمة الاقتصادية العالمية بعد ان أغضبها خطط زيارة الدلاي لاما لاوروبا.
وبطبيعة الحال فإن للاتحاد الاوروبي مصالح اقتصادية مع الصين -لاسيما الآن - ولا يريد اغضابها، وهو إذ عبَّر عن أسفه إزاء قرار بكين غير انّه تعهد بمواصلة تشجيع الشراكة الاستراتيجية "في وقت يحتاج فيه الموقف الاقتصادي والمالي العالمي الى تعاون وثيق بين اوروبا والصين."
وكانت الخارجية الصينية قد حذرت في وقت الشهر الفائت الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي من ان الاتحاد يغامر بخسارة مكاسب "حصل عليها بصعوبة" في العلاقات مع بكين اذا اجتمع مع الدلاي لاما. ماذا بعد فشل العمل السلمي؟
لا شكّ في ان التيبتيين اليوم يواجهون خطرا متزايدا و كبيرا في غياب استراتيجية وهو ما اكده الدالاي لاما بعد ان فقد ثقته في السلطات الصينية بعد فشل سنوات من المفاوضات مع بكين.
فهل ستقرأ الصين هذه المرّة بجدية تصريحات رئيس البرلمان التيبتي في المنفى كارما شوفيل الاخيرة ًّ الذي أكد على ان "الاغلبية اعلنت تأييدها لمواصلة سياسة الطرق الوسط لتسوية مع بكين حول وضع المنطقة الصينية التي تتمتع بحكم ذاتي محدود"؟
وهل سيحافظ التيبيتيون على مسيرتهم السلمية التي دفعوا ثمنها باهظًا في مسيرة كفاحهم؟؟ وهل ستستطيع الصين جرّ التبيت الى "عسكرة ممانعتها " وتحولها الى العنف المقاومة المسلّحة؟ وهل سيثق التيبتيون مرّة أخرى بالمبادئ الاخلاقية "الصينية "؟
نعم او لا، لا ندري، ولكن ربما تنبه "الزعيم الروحي" الى ذلك حينما قال "اذا لم نكن متنبهين في تحركاتنا واستراتيجيتنا في السنوات العشرين المقبلة فستكون المجموعة التيبتية في خطر كبير".!
نأمل كأفراد نؤمن بكونية الانسان ومن دعاة اللاعنف التام مهما كانت اسبابه ودواعيه في أن ينجح "السلام " في التبيت وان ينجح اختبار الحقيقة الروحية في ارساء الوعي السياسي، وربما يكون لنا في ذلك أسوة حسنة في ايقاف العنف الدامي في منطقتنا، وما ذلك على الله بعزيز!
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
هل انت بوذية?
محتار -الامركيين يريدون ان يستخدموه وهو يجب ان لا يقف بوجه قيام الصين وعودتها الى السياسة العالمية،المقال حلو .. ولكن المقاومات ان لم تكن مسلحة تصبح في المنفى ! شكرا للكاتبة اللاعنفية سؤال : منذ فترة وانا اتردد سؤال حولك فهل انت بوذية ؟ ام غنوصية ؟ ارجو من ايلاف النشر وارجو من الكاتبة الاجابة
شكرا
Ana -شكرا للكاتبة على المعلومات القيمة عن الشخصية الدينية الدالاي لاما .
الدين الروحاني
Meetra -البوذية تقوم على مبدأ القدرة على وصل الذات البشرية بالذات الكونيّة والتوحد فيها.ولكي تكون قادرا على عملية الوصل والتوحد تلك يجب أن تطهر نفسك البشرية أولا. لا يستطيع الإنسان، وفقا لتلك الفلسفة أن يطهّر نفسه، حتى يمتلك قدرة عالية على الإحساس بالشفقة نحو الآخرين.التمارين التي يقوم بها البوذييون، والتي تدعى Meditation تركّزعلى بؤرة واحدة وهي الشفقة،أي الإحساس بآلام الآخرين. لديهم قناعات بأنه وعندما يكون الإنسان قادرا على أن يحس بآلام غيره سيفعل ما بإمكانه للتخفيف من تلك الآلام وأيضا لتجنب حدوثها، وبالتالي سيكون الكون أكثر أمنا وسلاما.
الورقة التبتية
سعيد دلمن -يعتبر الدالي لاما جزء من مخلفات النظام الثيوقراطي الذي حكم مناطق التبت خلال الحقبة 1642 حتى 1959 عندما أطاحت الثورة الصينية بهذا النظام ، وقد لجاء إلى الهند مستفيدا من الخلافات الصينية الهندية ، بالرغم من عرض الحكومة الصينية عليه خلال العقود الماضية بالرجوع إلى الصين بعد أن يتخلى عن المطالبة باستقلال التبت، فأن محاولات الإقناع التي بذلتها الحكومة الصينية لم تفلح مع الدالاى لاما وأعوانه . واستغل أعوانه الفرصة التي قدمتها الحكومة الصينية لهم بزيارة التبت وبذلوا قصارى جهدهم لبذر بذور الفتن بين اهالى التبت . وفي يوم 21 سبتمبر من عام 1987ألقى خطابا في مجلس النواب الامريكى قدم فيه اقتراح النقاط الخمس لتسوية قضية التبت . ووفقا لاقتراحه يتعين إن تكون التبت منطقة فاصلة بين الصين والهند وان تبقى الصين على عدد من قوات الدفاع في التبت وان يتفاوض مع الحكومة الصينية حول أمور تتعلق بالوضع المستقبلي للتبت . وبعدها بستة أيام حرضت الحكومة في المنفى بقيادة الدالاى لاما على القيام بإعمال الشغب في لاسا عاصمة منطقة التبت والمعروفة تاريخيا باضطرابات 27 سبتمبر . وخلال فترة زمنية قصيرة مدتها عامان تم القيام بالعشرات من إعمال الشغب في مناطق مختلفة من التبت . إما على المستوى السياسي فقد استغلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية ، وضع الدالي لاما السياسي في حروبها التجارية والاقتصادية والثقافية والسياسية مع الصين الشعبية .
thank u
bilal -شكرا للمقال الجميل وشكرا لايلاف وشيئ جيد ان نرى في ايلاف تنوع بالموضوعات من الصين وغيرها والتألق الدائم للكاتبة مروة كريدية التي حصلت على كتابها الرائع في معرض الكتاب
رأي
أبو الجوج -تقول الكاتبة أن الدول العظمى من أجل مصانعها لاتتورع عن تلويث البيئة. الخطأ في هذه المقولة هي أن الشركات مملوكة من القطاع الخاص الذي يرتبط بحكام دول تصبح فيما بعد مقبرة نفايات نووية مثلاً. تأتي الكاتبة بأمريكا والأتحاد الأوروبي من دون أن تعرف بأن أمريكا والإتحاد الأوروبي لن ينظر بإهتمام إلى التبت لفقرها بالمواد المهمة: نفط، غاز، يورانيوم...الخ. تكلمت الكاتبة عن مادعته بالخطة الخماسية وتكلمت عن رفض الصين لها. ماإقترحه الدالاي لاما في ١٩٨٧ هو مادعي بخطة النقاط الخمس وليست بالخماسية أي خمس سنين للتطبيق كما هي العادة. كانت أحدى النقاط الخمس التي وضعها الدالاي لاما في خطة النقاط الخمس هي تجارب الصين النووية في التيبت ونفايات الصين النووية في التيبت فكيف مرت هذه على الكاتبة؟ نرجوا من إيلاف الجريدة الجيدة أن تدع المختصين يكتبون عن العالم ومشاكله...وشكرآ لإيلاف