كتَّاب إيلاف

أثرياء الحصار الجدد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قديماً قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد. وهذا القول ينطبق الآن على تجّار الأنفاق في القطاع. فمنذ بدأ الحصار الخانق مع تسلّم حماس للسلطة, شرعَ هؤلاء في حفر الأنفاق على حدود الرّفحين: رفح الفلسطينية ورفح المصرية. وبدأت البضائع المهرّبة تتدفق إلى الجانب الفلسطيني. بضائع تصل المواطن العادي بأضعاف سعرها الحقيقي على الجانب المصري. ما نتج عنه, وخلال أقلّ من سنتين, تكوّن شريحة من الأثرياء الجدد, لا أحد يعرف عددها بالضبط. لكنّ كبارها أو حيتانها, لا يتعدّون الألف بكل حال. ألف حوت هم الآن المهيمنون على الوضع الاقتصادي في كامل قطاع غزة. ألف حوت لا يعرفون شفقة ولا رحمة. وكيف لا وهم مُطلقو السراح, يسرحون ويمرحون, دون أن يُحاسبهم أو يُسائلهم أحد. بعضهم يربح في الليلة الواحدة مئة ألف دولار. وبعضهم يربح في الصفقة الواحدة نصف هذا المبلغ أو ثلثيه. فيما الغالبية العظمى من سكان القطاع تعيش على مُدّخراتها السابقة. فلا راتب الوظيفة عادَ يكفي, ولا العمل الإضافي بعدها يكفي, ولا ما يحزنون. عملية استنزاف متواصلة لِ "شقا الناس وتحويشة عمرهم". وكل ذلك يحدث تحت علم وسمع وبصر حماس. بل يُقال إنّ حماس ذاتها تشارك في عمليات التهريب, مقابل مبالغ طائلة تجنيها من وراء ذلك. وإنّ لها شبكات من المُهرّبين, يُهرّبون ليس البضائع فحسب وإنما البشر أيضاً. ويأخذون على "الرأس" ألفي دولار جرّاء نقلها مسافة مئتي متر لا أكثر.
عموماً, سواء صحّ هذا القول أم لا , فإنّه لا يُغيّر من قتامة الوضع الكارثي في شيء. فالمفروض على حماس, بصفتها الحاكمة المطلقة للقطاع, ألا تترك تجار الأنفاق يتحكّمون في الأسعار على هواهم. فهؤلاء المهربون لا نهاية لجشعهم. ولذلك, لن يكون مفهوماً ولا مُبرراً, أن تتغاضى حماس عنهم. فالمسألة مسألة قوت شعب, ومصالح شعب, وآلام شعب.
وإذا كان الحصار الإسرائيلي الفاشي لا يرحم, فكيف تسمح حماس باستغلال حيتان المهرّبين لشعبها الواقع تحت أكثر من مطرقة وسندان؟
إنه استغلال لا يقلّ فاشية عن حصار أولمرت وليفني وبراك. بل إنه جريمة حرب هو الآخر. جريمة تُرتكب بحق 80 % من سكان واقعين أصلاً تحت خط الفقر, حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة.
فإلى متى يستمر هذا الوضع؟
وإلى متى يستمرّ طناش حماس؟
وإلى متى يُضحّى بمليون ونصف المليون من المواطنين من أجل عيون ألف مهرّب؟
لو شاءت حماس ضبطَ ومراقبة الأحوال, فلن تعجز. فلديها جيش من العاملين في أجهزة أمنها, يستطيع ضبط النملة. لكنها, على ما يبدو, لا تشاء.
ولو شاءت وضعَ تسعيرة لكل سلعة, لفعلت دون تعب كثير. فهي تعرف أسعار هذه السلعة في الجانب المصري, ومع وضع نسبة معقولة من الربح, تأخذ بالحسبان مصلحة التاجر ومصلحة المواطنين معاً, يمكن أن تسير الأمور بأقلّ الخسائر. لكنها, على ما يبدو, لا تشاء.
ولا تشاء, لأنّ في ذلك مصلحتها.
مصلحتها ولو على حساب المصلحة العامة لعموم المواطنين.
وإلا, ما معنى استمرار هذا الوضع؟ وإلى متى؟ إلى أن يطير آخر قرش في جيوب الناس؟
ذات يوم, قال سعيد صيام, وزير داخلية حماس, في تصريح مُلْغِز: "إننا لا نستطيع مراقبة التجار, وليس هذا من مهامّنا أصلاً".
وأنا أقول لهذا المسئول: وما هي مهامّكم؟ إن لم تراقب أنت الأسعار والتجار, فمن هو الذي سيراقب؟ أم أنكم تتركونهم لضمائرهم "الإسلامية"؟ وللحلال والحرام لا للقوانين وآليات المحاسبة؟
إنها بالفعل مهزلة. لكنها مهزلة على طريقتكم: مهزلة أقلُّ ما فيها هو جانبُ الهَزَل, وأكثرُها جَدٌّ تنوء تحت ثقله الأكتاف.
يستيقظ المواطن كل صباح جديد, فلا يعرف ثمن هذه السلعة أو تلك. ففي كل صباح للسلعة ذاتها ثمن مختلف. وثمن يزيد دائماً. فما يشتريه اليوم بعشرة شواكل مثلاً, قد يشتريه في الغد بخمسين شيكلاً. حسب مزاج الحوت الكبير وصبيانه وجيش المسترزقين منه.
لا يعرف السيد سعيد صيام, أنّ كل البلاد التي مرّت بظروف حرب وحصار, تشدّد المراقبة على التجار, ولا تتهاون أبداً في حقوق مواطنيها, كضرب من تحقيق الأمن الغذائي لهم. تفعل ذلك كل الأنظمة, الفاشيّ منها والديمقراطي, فهل نحن بدعة؟ وهل ما يجوز على الشعوب الأخرى, لا يجوز على شعبنا؟ أم أنه هكذا هو "الاقتصاد الإسلامي" في التجربة والتطبيق؟
لقد تفشّى الفقر والعوز, في عهدكم, كما لم يتفشَّ حتى في عهد الفساد السابق. فأين هي وعودكم للناس؟ وأين هي مصداقيتكم؟
لقد كان من البديهي, ومن طبائع الأمور, أن تُولوا كل انتباهكم لتفاصيل الحياة اليومية, ولشئون الناس الصغيرة قبل الكبيرة, فلا تتركوهم لقمة سائغة في فم الوحش. لكنكم لم تفعلوا, ولا يبدو في الأفق أنكم ستفعلون. فأنتم تركتم الأوضاع سداح مداح, وعلى المواطن الفرد أن يُدبّر نفسه.
إنها بلاد تسير بقوة التسيير الذاتي لا غير. فلا تخطيط ولا مراقبة ولا مساءلة, وكأنكم لستم سلطة, ولا تعيشون عصركم, كما يعيش المسئولون. وإنما هي حال بدائية من الحُكم, لا نعرف لأيّ عصرٍ ننسبها. فهي حقاً بلا شجرة نَسَب وخارج كل ما نعرف من أشجار النسب.
تقولون: الحصار. الحصار. نحن محاصرون كما لو كنا في قنينة. نعم هذا صحيح. وهو يستدعي بالبداهة فعل كل ما تستطيعون, كيلا تستغلّ كائنات القنّينة بعضها البعض. كيلا تثرى فئة وضيعة جاهلة قليلة العدد على مقدّرات ومصالح شعب بأكمله.
إنهم يستثمرون الأزمات. مقاولو الأزمات يستثمرون كل مصائب الشعب الفلسطيني. ومع تصريح كتصريح سعيد صيام, يحقّ لهم أن يأمنوا وأن يرتاحوا. فقد خلا لهم الجوُّ, فلماذا لا يبيضون ولا يصفرون؟
قطاع غزة يوغل في الكارثة ساعة بعد ساعة, ويوماً بعد يوم. والطبقة الوسطى التي عليها مناط صحة المجتمع, تتهاوى وتذوب. وليس هذا بسبب إسرائيل وحدها, بل بسبب المهرّبين المحلّيين, وبأيدي فئة من تجار المصائب الغزاويين. فلا تملأوا الدنيا صراخاً على إسرائيل فقط, بل املأوها (عملاً لا صراخا هذه المرّةً), على من يستثمرون آلام الناس, فيحوّلونها إلى ما هو أكبر من ستة أرقام في البنوك. لقد عجزت حماس عن حسن إدارة الاقتصاد داخل حدود القطاع( اقتصاد الأزمات) كما لم تعجز سلطة غيرها. ولولا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين [الأونروا], ولولا رواتب سبعين ألف موظف تأتي من رام الله, لكان حالنا كحال إخوتنا في أفقر بلد أفريقي.
هكذا تبدو محصّلة مشروع الإسلام السياسي في قطاع غزة. هكذا تبدو بعد أقلّ من ثلاث سنوات. فما بالكم لو استمرّ هذا الحال (وكل الدلائل تشير إلى أننا ربما نكون "في البداية فقط") لثلاث سنوات أخرى؟
أظنّ, وأرجو من كل عقلي أن يكون ظنّي كلّه إثماً, أننا سننقرض. وهذه المرة بأيدينا وبأيدي عمرو معاً.
تماماً كما انقرضت الديناصورات من قبل.
وتماماً كما ستنقرض كل الشعوب التي لا تعرف مصلحتها من بعد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هي فقط تجارة
الوليد -

الفلسطيني يتاجر بالقضية منذ بدايتها وبدونها ينقطع مصدر رزقهم, وما يحصل الآن غير مستغرب أبداً.

الرحمة يا عالم
مثقف -

أذن من طين واذن من عجين هكذا هو العالم معنا وهكذا هي رام الله وهكذا هس حماسالرحمة يا عالم..الرحمة

الألف حماس
من خان يونس الهبلة -

صدقت أستاذ باسم, واضح جدا إنه الألف حوت من قيادات حماس وجيران القيادات واخوان القيادات ومش عارف مين القيادات, لأ والمشكلة الأكبر أنه هلقيت الأغلبية من الناس بتروح تشارك التجار برؤوس أموال مقابل مربح معين لكل مبلغ معين, ربا يعني, بس مش ربا عند حماس لانه بقلك ع المربح والخسارة يا خالتي, وكأنه في مخاسر بهيك موضوع.أتمنى أن يكون ظنك آثما أستاذ باسم تقبل تحياتي واحترامي.

نجاح وفشل
رمضان عيسى -

كنت مسافرا الى السعودية وكان بين الركاب طالبا يدرس في جامعة في المدينة المنورة ،فسألته ماذا تدرس ؟ قال : اقتصاد اسلامي !!! فسألته : هل لديكم كتب تشرح الاٍقتصاد الاٍسلامي وصفاته التي تتميز وتختلف عن الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي ،حيث أن لد ي فكرة جيدة عن صفات كل منهما وأعتقدأنه لا يوجد اقتصاد وسطي بينهما مهما ارتدى من أشكال ودعم بالنصائح الدينية والأحاديث ، ففي التطبيق وفي الممارسة لايختلف الاٍقتصادالاسلامي عن الرأسمالي ، ويتفق مع الاشتراكي في رفضه الربا . فقال الطالب : حقيقة لايوجد كتب ،هناك بعض الدوسيات من تأليف بعض الدكاترة تشرح بعض المواقف الاٍقتصادية ، والآ ن فاٍن نجاح حماس في ادارة الصراع مع فتح لا يعني أنها ستنجح في الاقتصاد ، فهذا ليس من ضمن مفاهيمها ، وهذه هي صفة الاٍسلام السياسي ، فهو لا يعرف شيئا عن الاٍقتصاد وستبقى غزة هكذا ما دامت حماس . وتجربة حكم الملالي في ايران ماثل للعيان ، فلم تصل الكهرباء الى القرى ولا الطرق اليها معبدة وحتى البيوت في القرى بدائية في ظل أكثر من ثلاث عقود من حكم الملالي . وهذا الوضع في غزة سيقضى على كل مدخرات المواطنين ولن يستطيع أي شاب أن يتزوج ولا أن يبني بيتا مستقلا ، فكل راتبه يا دوب يكفي متطلبات معيشته اليومية .

To Ramadan Issa
Omar -

Very clearly of your writing that you don’t have a clue about economy to start with, let alone talking politics. Coming to your story, first how someone studying for a degree in Islamic economics would only study from some notes here and there? So either the student was a figment of your imagination (which is very clear) or you met someone who is studying anything but Islamic economics! If you want to know anything about economy in Islam, very simply, just type economy in Islam in Google and read what you get (hope you will be able to read in English to start with or maybe you can use Arabic). Unfortunately the space doesn’t allow me to specify the difference between Islamic economics and other types, but if you think there is no difference, I suggest you start studying again but this time real economics.

صدقت ايها الكاتب
غزاوي -

فعلا انهم تجار القضية الجدد ، انهم يتاجرون بقوت الناس ومدخراتهم ، تجارهم يجلبون البضاع بابخس الاثمان بواسطة الانفاق من مصر ويبيعونها داخل غزة اضعافا مضاعفة ، لماذا ؟؟ لعدم وجود رقابة ومحاسبة من قبل ما يسمى بحكومة حماس ، لانه ببساطة هؤلاء التجار هم من حماس او موالين لهم ويجلبون لجزائنهم وجيوبهم ملايين الدولارات ، وهنا اريد ان اوضح الى ظاهرة موجودة في قطاع غزة بأن كبار تجار الانفاق في غزة يجمعون مدخرات المواطنين مقابل عائد ربحي يتجاوز 30% من قيمة رأس المال المستثمر خلال شهر واحد او اقل وهى بالطبع نسبة ربح عالية جدا ، حيث وصلت بعض الارباح الى نسبة 50% واكثر عند بعض الناس وخاصة تجار حماس ، واقسم بالله من يتاجر بهذا هم اصحاب العمائم واللحى ، حسبنا الله ونعم الوكيل عليكي يا حماس .

الى المعلق عمر
رمضان عيسى -

قرأت تعليقك على تعليقى ، فمقابلتى للطالب صحيحة وذلك سنة 1984 م وفهمت منه أن ليس مقرر كتاب كامل عن الاقتصاد الاٍسلامي بل ملازم متفرقة لعدد من دكاترة الجامعة ، فكل دكتور له ملزمة في موضوع اقتصادي معين وجده في بطون الكتب لخصه في ملزمة وألقاه كمحاضره . والآن يا أخي عمر ، ان الذي يميز أي اقتصاد عن الآخر هو الموقف من الملكية الخاصة وتعني ملكية وسائل الانتاج - المصانع والأرض -وحرية التجارة فليس من قانون يحدد ربح التاجر والاٍسلام والرأسمالية يتفقان تمام الاتفاق في هذه النقاط التي ذكرتها ، وما دام الأمر كذلك فما الذي يميز الاٍسلام عن الرأسمالية في التطبيق ، في الحياة . ان كنت لا تصدق أو تتصور ما أقول ، فعليك أن ترى أو تسأل ما طبيعة الحركة التجارية والاٍقتصادية في السعودية أو في غزة, انها رأسمالية بمعنى الكلمة ، ولا يغرنك ما تقرأ في بطون الكتب من آيات أو أحاديث ، ففي التطبيق لا يختلف ما يسمى بالنظام الاقتصادي الاٍسلامي عن الاقتصاد الرأسمالي ، وللحقيقة يا أخي ان الرأسمالية أرحم هناك تسعيرة للبضاعة ، أما في الاٍسلامي فلا تحلم أن ترى تسعيرة فكل تاجر وشطارته , اني أقول لك الحقيقة في الواقع اٍنك لا تتوقع من تاجر ملتحي ويصلي الخمس صلوات أن يغشك ، بل ويكذب عليك ، ولكن في التجارة الاسلامية ، هذه شطارة , انني رأيت هذا وبأم عيني ,ولدي اطلاع معقول على الفرق بين الاٍقتصادان الأسمالي والاشتراكي ، والمجال لايسمح بالمزيد . وشكرا