كتَّاب إيلاف

العرب ومفاتيح السلام

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قد تبدو شعوب المنطقة المسماة بالعربية، وكأنها لا تملك من أمرها شيئاً، وأنها مجرد دمى أو قطع شطرنج بين أصابع حكامها، أو رهينة سيوفهم ومعتقلاتهم.. على ذات النهج يمكن اعتبار حكام المنطقة بدورهم، وكأنهم هياكل خشبية، تلعب القوة العالمية المهيمنة من خلفها، مستعينة بالجزرة تارة، وبالعصا تارة أخرى.
لا ننتوي في هذ السطور أن ننزع عن هذا التصور مصداقيته من جميع الوجوه، فهو يعبر بالفعل عن واقع الحال في لحظات ومواقف شتى، لكن ذلك القدر من المصداقية لا ينسحب على كافة المجالات والمواقف، ومنها موضوع هذه المقاربة، وهو ما يعرف بـ "الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي".. هنا على وجه الخصوص تنقلب الأدوار وتتبدل، بين الفاعل والمفعول به.
يلزمنا بداية أن ننوه، إلى أننا حين نتحدث عن الشعوب وميولها، فإننا نخرج من حساباتنا ما يعرف "بالأغلبية الصامتة"، تلك التي يحلو لكل طرف من الأطراف الفاعلة أو الناشطة في الميدان السياسي، أن يدعي الحديث باسمها، أو أنها تؤيد في صمت وصبر ما يذهب إليه من آراء ومواقف، ونتجه مباشرة إلى ما يعرف "بالنُخَب"، سواء الحاكمة، أو الناشطة في كافة مجالات العمل العام، وعلى رأسها -في مجتمعاتنا الشرقية على الأقل- رجال الدين ونستند في هذا الاستبعاد لما يلقب بالأغلبية إلى عدة مرتكزات، أولها أن استشراف التوجهات والرؤى الاجتماعية والسياسية، ينبغي أن يتم لدى من يمتلكون بالفعل تلك النوعية من الرؤى، وإلا سنكون كمن يطلب الماء من آبار فارغة، لا تؤثر في نتيجة السعي، لا بالسلب ولا بالإيجاب.. ثانيها أن تلك "الأغلبية الصامتة" هي الرحم الذي خرجت منه النُخَب باختلاف توجهاتها، وهو ما يترتب عليه حكماً، أن تعتبر تلك النُخَب هي المعبر الرسمي عن تلك الأغلبية الصامتة، بغض النظر عن ارتباط أو عدم ارتباط مواقف وتوجهات النخب، بمصالح تلك الأغلبية الصماء.. ثالثها أن الأغلبية الصامتة ليست كما يتصور البعض، ظاهرة في الدول المتخلفة وحدها، وكأن جميع الشعوب المتطورة والناضجة، ينخرط جميع أفرادها على سبيل الحصر في النشاط العام.. نعم يختلف حجم الأغلبية الصامتة بين كيان سياسي وآخر، كما يختلف بين ميدان وآخر من ميادين المجال العام، لكنها دائماً موجودة، وتشغل أغلبية الكتلة الجماهيرية، ولا يعني هذا التقرير والتصنيف أن ننسب لهذه الكتلة أي صفات سلبية تقلل من شأنها، فهي كتلة تخصصت في السعي وراء لقمة العيش والاستمتاع بالحياة، تاركة ما يعرف بالشأن العام، لهؤلاء الذين يستهويهم ذلك الاهتمام والنشاط.. النقطة الأخيرة هي أن تلك الأغلبية الصامتة تكون دائماً مع الأقوى والأقدر على توجيه الأمور، فقد كانت بكل حماس مع السادات حين توجه لزيارة القدس، ملتمساً نهاية سلمية لذلك الصراع المرير، وهي ذاتها الآن تظاهر -ولو بالصمت- المجاهدين بالأحزمة الناسفة والميكروفونات، تبنياً لصراع أبدي ضد كل مراكز الحضارة، وليس فقط ضد إسرائيل، التي نصر على تلقيبها بالمزعومة.
لكل هذا من حقنا حين نتحدث عن شعوب الشرق الأوسط، أن نركز أنظارنا على النُخْبَةِ وحدها، بأجنحتها الحاكمة والمعارضة والناشطة على وجه العموم.
في قضية السلام لما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي بالتحديد، لا تكاد تملك إسرائيل ولا اللجنة الرباعية ولا الحكام العرب شيئاً من أوراق اللعبة، ذلك أن جل إن لم يكن كل الأوراق بيد الشعوب، التي تحتكرها تيارات الرفض القاطع للسلام، وهو الموقف الذي يدفع بالحكام العرب، حفاظاً على كراسيهم المستقرة على أرض رخوة، أن يلعبوا بجميع الكرات، يتظاهرون أمام القوى العالمية بالسعي نحو السلام، ليستديروا في نفس الوقت ليشجعوا ويمولوا ويظاهروا دعاة النضال والجهاد الأبدي.
نعم لا تملك الشعوب العربية قرار الحرب، الذي هو حكر على إسرائيل، وعلى القوى العالمية القادرة عليه، لكن قرار السلام تملكه الشعوب العربية وحدها، ولا يبدو حتى الآن أن هناك قوة على ظهر الأرض، قادرة على جرجرة تلك الشعوب إلى طريق السلام الذي ترفضه بإباء وشمم!!
نعم توجد بإسرائيل أيضاً قوى معادية للسلام، لكن تلك القوى هامشية، وتحت سيطرة التوجه العام نحو السلام، والذي لا تمثله فقط التيارات الليبرالية واليسارية، بل تمثله أيضاً الكتل المتشددة مثل الليكود، التي لا تتميز عن غيرها من دعاة السلام، إلا في درجة الاستعداد لتقديم ما تعتبره تنازلات، بل لقد أثبتت الليكود مثلاً، أنها الأقدر على التقدم العملي نحو السلام، وعلى تقديم ما ينبغي عليها تقديمه، ثمناً للسلام المرتجى.
من العبث في ظل هذه الظروف إذن ما تحاوله إسرائيل، ومعها أبو مازن وبعض الحكام العرب، وما تحاول أن تدفع إليه أمريكا واللجنة الرباعية، من الزحف بالمنطقة نحو نهاية لذلك الصراع اللعين.. ما نراه هو مستنقعات من الوحل والدماء ممتدة حتى مرمى البصر، وأي مجهودات تبذل لتحقيق التقدم بالمنطقة، من خلال ذات الأوضاع القائمة عبث محض.. ينطبق ذات الحال على ترتيب الوضع في لبنان، وبدرجة أقل في العراق، الذي فيما يبدو قد بدأ مسيرته نحو الحداثة، خارج المنظومة العربية العروبية البائسة.
يزعم كاتب هذه السطور، أن الأمل الوحيد في حلحلة الوضع الراهن، إن كان هناك بالفعل مجال للأمل، هو في ضرب القوى المظاهرة والممولة لتوجه الصراع من خارج المنطقة، وضرب رأس جسرها بالمنطقة، ونعني بالتحديد إيران نجاد، وسوريا البعث الأسدي، وذلك إما عن طريق إسقاط حكم المتشددين في إيران، ومعه النظام الأسدي الذي امتد طويلاً بعد عمره الافتراضي، وإما توجيه ضربة عسكرية قاصمة لإيران، بالتزامن مع ضربة تكسير ركب لسوريا الأسد.. هذا الكلام يتعارض بالطبع مع توجهات باراك أوباما الطوباوية، التي تنشد الحوار والتفاهم، مع من لا يعرفون لغة الحوار، وغير راغبين في التفاهم من الأساس.
رغم أن الآمال لا مجال لها، ما لم ترتبط بما يبررها على أرض الواقع، إلا أننا نأمل أن تكذب توقعاتنا، وأن ننجح، أو ينجح العالم في دفعنا نحو السلام، فشعوبنا البائسة منهكة بما يكفي، مستهلكة بما يكفي، لكنها مصرة على الجهاد والنضال، بما يكفي أيضاً، لإبادة كل مظهر للحياة، في صحارى العروبة القاحلة.
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حماقه وتهور
طـــــــــارق الوزير -

مكتوب فى المقال الاتى :( يزعم كاتب هذه السطور، أن الأمل الوحيد في حلحلة الوضع الراهن، إن كان هناك بالفعل مجال للأمل، هو في ضرب القوى المظاهرة والممولة لتوجه الصراع من خارج المنطقة، وضرب رأس جسرها بالمنطقة، ونعني بالتحديد إيران نجاد، وسوريا البعث الأسدي، )!!! اى تهور يطالب به الكاتب !! ولماذا لايطالب بانسحاب اسرائيل من الاراضى المحتله واقامه الدوله الفلسطينيه وعاصمتها القدس !

قف لست معك
Shady-Paraguay -

يا سيد كمال انت دائما تتكلم عن ماسي الاقباط وكلنا نشجعك ونقف معك ومعهم ولكن ان تطور امورك وتفسيراتك لتطال سورية فانا ضدك فقبل ان اكون مسيحي فانا سوري .وان اردت الحلول فاذهب الى حسني مبارك وطالبه بان يترك كرسيه. وانت هل تدري بان حكومة البعث العلوي التي لا تعجبك ولا غيرك هي من انصفتناواعطتنا حقوقنا ككل السوريين بلى استثناء .وهل تتصور الشعب العربي ان اعطى دمقراطية كيف سيكون تصرفه طبعا هنا لا نتكلم عن العالم الثالث فقط بل عن الجاهلية والعصر الحجري.

خابرين وصامتين
احمد -

الكاتب العزيز كمالاتفق تماما معك في مقولة( يتظاهرون أمام القوى العالمية بالسعي نحو السلام، ليستديروا في نفس الوقت ليشجعوا ويمولوا ويظاهروا دعاة النضال والجهاد الأبدي) والمعني هنا كما فهمت من كلامك هي الانظمه العربيهوتعزيزا لهذا القول اذكر لك حادثه تمت في مدينة اربد الاردنيه قبل فتره وجيزه حيث تجمع الارهابين في الاردن من جماعة ابن لادن والزرقاوي في عرس واخذا يرددون شعارات واهازيج وخطب تمجد الاعمال الارهابيه التي قاموا بها ولقد تم كل ذالك امام بصر وسمع الاجهزه الامنيه والسؤال لماذا لم تقم الاجهزه الامنيه بردعهم مع تأكيدنا على هذه القدرهولن تكون الاجابه على هذا السؤال ببعيده عن رؤيتك الثاقبه اتجاه الانظمه العربيه التي حتما ستجر على هذه البلد دمار اكثر مما حصل في فندق حباة عمان 2005 شكرا على مقالك ولك مني كل الحب والاحترام والتقدير

حقد شعوبي ؟!!
حدوقه -

انصح الكاتب بالتوجه الى استراليا على حسابي عندهم عيادات تعالج من الاكتئاب في غضون اسبوعين ؟!!

الأيبرمينش
إنجي -

عبر الأستاذ كمال بعبارتين( المسماة عربية..والمسماة الصراع العربي الإسرائيلي )..في حين أن ما قرأناه في الأعلى هو (المسماة كتابة)..حيث أن الكتابة التي تنفصل عن الواقع لا تعدو حواديت الجدات!!..فغزة تحترق اليوم وفلسطين لسنوات تتبع قول العظيم محمود درويش( من أنا كي أخيب ظن العدم!) أما الكاتب فلا خبر لديه عن ذلك!..لا ألوم الأستاذ كمال فهو منضم للمسماة الحداثة والتنوير والداعي لتسلق أعلى قمم الحضارة..والحضارة لن تتحقق إلا بإبادة الشعوب المنكوبة العزل!..عذراً فمن كان بلا عدل كان بلا ضمير..فالعدل أضعف الإيمان بإله الإنسانية!..هل سيصدق قول نيتشة :يجب ان يموت معظم الناس لكي يعيش الأيبرمينش ؟؟0

well done
Sadouni -

Frank, honest and deadly accurate description of the state of culture in the Arab world. I congratulate you for calling things by their names and for seeing behind the thin veneer of Arab hypocricy

الاستسلام
عبدالله عبدالسلام -

ما يطرح على الشعوب العربية ليس سلام بل استسلام وهذا ما يرفضه الشعب العربى ويوافق عليه من ليس له انتمى الى ثقافة هذه الامة.

برافو ياشادي
أبو الجوج -

أشد على يدك ياشادي وميلاد سعيد وأنت بخير وسنة مباركة. أنا مثلك سوري ولن أقول ماهو ديني لأن ذلك غير مهم فأنا سوري أولاً وهذا هو ديني. أما الكاتب فلغة تكسير الركب غير مناسبة في هذا الزمن العنيف ومن ثم من أين أتت الخبرة العسكرو/إستراتيجية