كتَّاب إيلاف

شابلن وثقافة الإبهام

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان
لقد لفت شارلي شابلن نظر العالم للتأثيرات السلبية للثورة الصناعية الثانية في الثلاثينيات بكتابة قصتة الأوقات المعاصرة وتقديمها للسينما في عام 1936. ويمثل شابلن في هذا الفيلم دور عامل يصارع الحياة للبقاء في عالم تكنولوجية الصناعة الجديد، حينما أستبدل الإنسان بالآليات الصناعية ليصبح عاطل عن العمل، ولتترافق هذه البطالة بالفقر والجوع والمرض والتسكع في الطرقات والسكن في الخرائب. كما أهتم شابلن بمشكلة الفقر في المجتمعات الغنية وبالأخص في الولايات المتحدة والتي وصلت اليوم لأعلى نسبها لتسجل الإحصائيات الحكومية تسعة وثلاثين مليونا من السكان تحت خط الفقر. كما أبدع شابلن في إظهار مساوئ الفقر في هذه الأنظمة على الشاشة السينمائية لدرجة أدت لاتهامه بالشيوعية من قبل اليمين المكارثي الأمريكي بل وطرده من الولايات المتحدة.
وقد اهتمت قصة الأوقات المعاصرة بمشكلة الفقر والبطالة التي عاشتها الولايات المتحدة في نهاية العشرينات، في ما يسمى بفترة الكساد الكبير، حيث اهتز عرش الاقتصاد الأمريكي وتحطمت سوق الأسهم. ويبدأ الفيلم بمشهد لقطيع من البقر يليه مشهد لعدد كبير من العمال يهرولون للعمل بالمصانع. ويعقبه مشهد لرئيس مصنع جالس في مكتبه ويبتلع أقراص لعلاج الإمراض المرافقة لضغوط المجتمع الصناعي، وهو يؤمر العمال بصراخه لزيادة إنتاجيتهم. ونشاهد شارلي شابلن في بداية الفيلم كعامل مصنع يثبت بعض البراغي بسرعة متزايدة لترتفع لسرعة جنونية. وحينما يهرب لقضاء حاجته وليشرب سيجارة يكتشفه الرئيس من خلال شاشة المراقبة ويأمره بالرجوع للعمل فورا. وفي فترة الغداء يأتي الرئيس مع مساعديه لتجربة جهاز اتوماتيكي يطعم العمال بسرعة ليقلل فترة الغذاء ويزيد ربحية المصنع. وينتهي الوضع بأن يصاب شابلن بانهيار عصبي فيؤخذ للعلاج في المستشفى. وبعد أن يتعافى ويخرج متمشيا في الشارع ليجد علم سقط من عربة فيركض بالعلم ليرجعه للسيارة وإذا بمظاهرة عمالية خلفه فتلقى الشرطة القبض عليه لاعتقادهم بأنه يقيد المظاهرة. ويتناول في السجن بعض الكوكائين معتقدا بأنه ملح للطعام فتزداد شجاعته فيفشل عملية هرب لبعض السجناء فتعتبره الشرطة بطلا وتطلق سراحه.
واجهه شابلن صدمة كبيرة بعد خرجه من السجن ليعيش واقع الحياة الصناعية الصعبة لينتهي به سوء حظه للمعاناة من البطالة فيقرر الرجوع إلى السجن. وتأتيه الفرصة المؤاتية التي كان ينتظرها حينما يرتطم بفتاة يتيمة وفقيرة كانت هاربة من الشرطة بعد إن سرقت قطعة من الرغيف. وقد فقدت هذه الفتاة والدها بأطلاق الشرطة الرصاص عليه بعد أن خرج في مظاهرة يطالب بالحصول على عمل ليطعم بناته الثلاث اليتيمات. فقرر شابلن أن ينقد الفتاة اليتيمة ويحقق أمنيته بدخول السجن فأدعى بأنه سرق قطعة الرغيف، ولسوء حظه شهد البعض ببراءته. وفي محاولته المستميتة لدخول السجن دخل مطعم وأكل الكثير ولم يدفع الفاتورة ونادى الشرطي للقبض عليه. وبينما كانت الحافلة تنقله للسجن التقى بالفتاة اليتيمة سارقة الرغيف في الحافلة. وقد حاولت الفتاة الهرب من الحافلة ففقد السائق توازنه وانقلبت الحافلة فهرب جميع السجناء. وبعد هروبهم من حافلة السجن يجلس شابلن مع صديقته اليتيمة على بساط الفقر في الحديقة ويحلم معها بالبيت الجميل والأكل اللذيذ وينتهي الحلم بمشاهدة شرطي يراقبه مما أدى لهربه مع صديقته. وتضحك له الدنيا، حينما يرى حارس متجر ينقل للمستشفى، فيدخل على الرئيس طالبا الوظيفة فيوافق على تعينه حارس في المحل. ولم تابى نفسه بأن يعيش في أمان المتجر بعيد عن أقرانه الفقراء، فحول المتجر ملجاء لأصدقائه المشردين. ويكتشف صاحب المتجر سره ويخبر الشرطة للقبض عليه. وبعد عشرة أيام يخرج من السجن فتأخذه صديقته اليتيمة للعيش معها في بيت خشبي مهجور، ويتوفق أيضا في الحصول على العمل في أحدى المصانع. ويصطدم مرة أخرى بالشرطة حينما كان يحاول أن ينقذ رئيسه من العمال المتظاهرين فيرمى في السجن. وبعدما يخرج من السجن يكتشف بأن صديقته اليتيمة تعمل راقصة في أحد مقاهي المدينة، وتحاول أن تساعده في الحصول على عمل ليغني معها. فيوافق صاحب المقهى ولكن تكتشف الشرطة مكانهم فيقررا الهرب في شارع المستقبل المجهول.
وقد ناقش الكاتب الأمريكي ألان توفلر الثورة الصناعية الثالثة في كتابه صدمة المستقبل والذي صدر في منتصف السبعنيات. وبحث في كتابه التغيرات المترافقة لتكنولوجية الثورة الصناعية الثالثة وتأثيراتها السلبية على الإنسان. وشرح الأعراض المترافقة للتطورات التكنولوجية واختراعاتها السريعة والمتكرره، وكيفية تأثيرها على شخصية الانسان وسلوكه وذكائه الاجتماعي والعاطفي.
كما ناقشت صحيفة اليابان تايمز بافتتاحيتها في السابع والعشرين من يناير من هذا العام سلبيات التعامل مع تكنولوجية الثورة الصناعية في الألفية الثالثة وتأثيراتها على الشباب. فمن المعروف بأن اليابان هي من أكثر الدول تطورا في مجال التكنولوجية، والتي تلعب دورا رئيسيا في حياة الفرد الياباني. فتلاحقه هذه التكنولوجية في بيته وسيارته ومواقع عمله بل أيضا حينما يخرج للنزهة ويستخدم المواصلات. فالتلفون النقال يصاحب المواطن الياباني كظله، ويستخدمه للتواصل بالمراسلات التلفونية ومتابعة التلفزيون وتصفح الانترنت. وقد زاد استخدام هذا الجهاز قلق رجال التربية والتعليم. فقد وصل نسبة طلبة المدارس الثانوية الذين يحملون التلفون النقال لحوالي 100%. كما يقضون هؤلاء الطلبة حوالي الساعتين يوميا في استعمال التلفون بين المكالمات والانترنت ومتابعة التلفزيون. وتبين إحصائيات شركات الإيصالات بأن هناك مائة مليون تلفون نقال بين المائة والسبعة والعشرين مواطن ياباني. ويتساءل علماء التربية وعلم النفس عن خطورة هذه الأرقام اجتماعيا. كما تساءلت الصحيفة: هل سيترافق الاستعمال المزمن للتلفون النقال بالإدمان؟ وهل سيتبعه قلة التواصل الإنساني؟ وعلقت الصحيفة بالقول بأن ضياع ساعتين في استعمال التلفون النقال يعني ضياع ساعتين بعيدا عن القراءة والرياضة واللعب والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، وهي النشاطات الهامة للتطور الذهني والجسمي والعاطفي والروحي للأطفال. ويقلق علماء التعليم بروز ظاهرة جيل التلفون النقال والذي لا نعرف حتى الآن سلبياته الطويلة الأمد. وقد أبدى البعض تحمسه لما سمي بثقافة الإبهام والتي تعني ثقافة استعمال التلفون النقال التي تستخدم اليد لحمله والإبهام لتشغيله واستعماله. وقد خلط البعض بين قدرات حركة الإبهام والمهارات الحياتية المعقدة في التواصل الإنساني المباشر. فتحتاج المهارات الاجتماعية الحياتية لتفكير ذهني متميز ومهارات المخاطبة والتواصل الاجتماعي والتي هي أساسية لتطوير ذكاء الطفل الشامل وهو الذكاء الجسمي والذهني والاجتماعي والعاطفي والروحي. ومع أن ثقافة الابهام تساعد في القراءة وجمع المعلومة والاستماع للموسيقى، ولكنها لا تطور التفكير الواقعي للطلبة في مشاكل العالم المعقدة ولا تحسن القدرات والعواطف اللازمة للتفاعل والتعامل مع تحدياتها. ويحس الكثير من الشباب بأنهم لا يستطيعون الحياة من غير النقال، وهي دلالة على سلوك الإدمان الخطير. وقد زادت شعبية النقال عند الأمهات مما أدى انتشار استعمال النقال بين الأطفال في تحديد جداول المدرسة والإنذارات الخطرة ومتابعة مواقع الأطفال وبرامجهم التعليمية على الانترنت. وكما أصبح التلفون النقال الحبل السري للطفل ورمزا لاستقلاليته عن والديه. ولنتذكر أيضا بأن شركات الاتصالات يشجعون الأطفال على كثرة استخدام التلفون النقال لان كل حركة للإبهام تترافق بأموال طائلة في حساب هذه الشركات. كما يخلق وجود أسماء كثيرة بمفكرة النقال الإحساس بتعدد الأصدقاء ولكن لا يعني ذلك بالضرورة وجود مستوى من العلاقات الاجتماعية المتميزة المبنية على الثقة والعلاقة الحميمة المباشرة والإحساس بالمشاركة. ولا يعوض الوهم السطحي بتعدد الأصدقاء عن ما يسمى بالأصدقاء المفضلين والذي يعني المواجهة اليومية والتفاعل المستمر معهم. وتؤكد علوم الدراسات الإنسانية بتعلق التواصل الإنساني بلغة الجسم بالإضافة للغة اللسان. وينعدم في المراسلات التلفونية لغة المخاطبة وتسيطر عليها فن الكتابة. كما تترافق لغة المخاطبة المباشرة بتعابير وجه إنسانية مهمة في التعبير عن التفاعل الداخلي وإظهار العواطف الجياشة وانتقالها للطرف الاخر، بينما ينتقل تفاعل النقال تكنولوجيا والذي لا يدفع الإنسان للعمل لتطوير مهارة المخاطبة وتوضيح الخلافات وفن حل الاختلافات، وهي من أساسيات فن التواصل الإنساني. ويعلم تلفون النقال الشباب على نوع من السيطرة الجامدة على حياتهم بدون التفاعل مع نصائح الوالدين ولا تطوير شخصيتهم الإنسانية كإفراد مسئولين في المجتمع. كما لا يمثل رقم تلفون النقال تعريف المجموعة أو العائلة أو بيئة العمل بل هو رقم رياضي مجهول الهوية. وقد يقبل البعض كل تلك المظاهر المترافقة مع الهروب المجتمعي، ويبرر ذلك بأن الشباب يحتاج للشعور بالهروب عن قيود مجتمع العائلة والمدرسة والعمل والتي هي ضرورية لتعلم الشباب الاستقلالية. ولا نستطيع الشك بأهمية تواجد الإنسان وتفاعله مع أقرانه وقد نحتاج للنقاش المدروس عن كثرة أهميته. ولنتذكر بأن إرسال رسالة بالنقال هي كالنظر للمرءاة، والذي يكرره المراهقون بكثرة، وخطورته بأن الكثير من الشباب لن يخرجوا من شرنقة راحتهم التكنولوجية. وقد يبدو للبعض بأن كل ذلك غير ضار، ولكن الحقيقة هو أن الانشغال في مكان ما يعني عدم الانشغال بمكان أخر. فقضاء ساعتين يوميا بدون تواصل أنساني مباشر وبدون المخاطبة هو ضياع مأساوي للوقت. فقد يبدوا بان النقال تمثال للاستقلالية والتفاعل ولكن الاستعمال المدمن قد يخفق في خلق الإحساس العميق بذاتية الفرد. وقد اختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول: "ومع أن التكنولوجية مشهورة بالتكيف، ويمكن الاستفادة من النقال لمساعدة الشباب في التفاعل مع مشاكل العالم لا الابتعاد عنها، ولكن يحتاج ذلك لعمل جاد لتطوير هذه التكنولوجية وليس السيطرة عليها."
والسؤال لعزيزي القارئ هل تحتاج دولنا العربية لدراسة مدى انتشار تلفون النقال بين الطلبة وتأثيره على ذكائهم الجسمي والذهني والعاطفي والاجتماعي والروحي؟ وهل سنعمل للوقاية من سلبياتها بدون أغلالها بقيود السيطرة؟

سفير مملكة البحرين في اليابان


أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
موضوع جميل
محمد المشاكس -

ولكن بدلاً من أن آتي بمثال التليفونات النقالة كان عليك جلب مقدار إستخدام الإنسان العربي للكومبيوتر ومن نقطة أن الوطن العربي بكل خيراته لايزال يقبع بصمود مع أفقر دول العالم في مقدار نسبة عدد الكومبيوترات لعدد السكان والتي لاتتغير مع مضي السنين لأن العرب مشغولون بشراء أشياء غير لازمة كالسلاح الفاشل من دول إستعمارية فاشلة أخلاقياً ، عنصرية أمثال فرنسا وبريطانيا. ولكننا مع أعلى دول العالم بإقتناء الرولز رويس والطلبيات على الرولز تضاعفت في السنين الأخيرة. بالطبع لايشعر معظم العرب الأغنياء بأي مسؤولية وعن هؤلاء يجب كتابة المقال وربطهم بالعمل الخيري والتقدم، تذكر دور البورجوازية الأوربية في التقدم العلمي والصناعي. من الواضح ضحالة معظم أغنياء الشرق الأوسط ماعدا القلة القليلة جداً جداًِ.