كتَّاب إيلاف

رَوْحَنة العلوم تكامل منفتح للوجود

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"ان موت الانسان يتزامن مع الفصل التام بين العلم والثقافة " (نيكوليسكو بسراب)

يُعدّ النهوض العلمي للأمم والشعوب أحد أهم أوجه تطور النتاج الحضاري للإنسان، فالازدهار الفكري وتبلور الوعي ينعكس في الطفرات العلمية والتكنولوجية، لأن العلوم التطبيقية هي التي تضع الأفكار موضع التجربة والاختبار، فالفكر الفلسفي الذي يطرح إشكاليات الوجود هو الذي يؤسس و يسبق النهضة العلمية التي تعد أحد أهم أوجه المدنية.

وإذا ما أردنا أن نحلل الأفكار التي سادت خلال القرن العشرين، فإننا نجد أن الأفكار الانعزالية المنغلقة هي التي حرّكت القرن الفائت بأسره، بالرغم من التطور المدني الآلي الهائل، فالعلوم لم تتمكن من الانفلات من الصراعات الأيديولوجية والعقائدية المذهبية والسياسية، فالاشكاليات ما تزال دائرة حول تسخير العلم والاقتصاد من أجل الهيمنة والتوسع من خلال استخدام العلماء، وهو الامر الذي خلق شعور بالحذر من حيادية العلم نفسه ومن حقيقة احكامه وما ينجم عنه.
فاستخدام العلم والتكنولوجيا، للسباق نحو التَّسلح وانتاج أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة الفتاكة، هذا عدا الدراسات الجارية على قدمٍ وساق في ميدان علم الوراثة و ما يمكن أن ينتج عنه من محاذير أخلاقية خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الاستنساخ البشري لأغراض عسكرية، كلها أمور تحتاج الى خلفيات معيارية اخلاقية بالدرجة الاولى وهي لا يمكن ان تنفصل عن المنظومة القيمية للافراد القيمين والقائمين على الأبحاث نفسها.
فبشاعة الحروب والدمار الذي شهدها العالم، جعلت المفكر منَّا ينظر نظرة شك الى استقلالية المضامين العلمية عن استراتيجيات العمل المؤسساتي الخاضع في نهاية الأمر للقرارات السياسية وميزانيات الدول؛ لذلك فإن العلم قد تسيس كما العقائد والأديان وذلك من خلال انخراطه بدورة العجلة الاقتصادية من جهة وانخراطه في دواليب المؤسسات من جهة أخرى، الأمر الذي جعله خاضع تحت نفوذ الأنانية السلبية للفرد وجشعه.
وفي هذا السياق تشير إيزابيل ستنغريس - وهي عالمة بلجيكية متخصصة بفلسفة العلوم وعملت لسنوات طويلة في معالجة الإشكاليات الدائرة بين المفاهيم العلمية المعرفية و المفاهيم الاجتماعية - في أن التمييز الذي يحصل بين الواقع والمحتمل والمتوهم يترجم لنا الفضاءات التي تظهر في حدودها القصوى علاقات نفوذ السلطة داخل العلوم "لذلك فهي تخلص الى نتيجة مفادها: ان السؤال الجوهري للفيزياء هو في حقيقته ليس إلا سؤالا سياسيًّا واجتماعيًّا.

وبالرغم من محاولات البعض الدؤوبة لعدم ربط المعرفة والعلم بالقيم الاخلاقية، إلا أن الشواهد العملية و انتشار الاستخدامات اللانسانية للمنتجات العلمية تؤكد إنه لا يمكن بحال من الأحوال فصل العلوم عن مجريات الاحداث التاريخية المحيطة بها، لذلك فإنها مرتبطة بالمجتمعات من جهة كما هي مرتبطة بالحدث التاريخي من ناحية ثانية، الأمر الذي يجعل القيم محدد محوريٌّ مهم فيها، لذلك فإن السلطة تجنح نحوها وتجعلها طرفًا في الصراعات الدموية المحمومة.

إن تسليط الضوء على الجانب السلبي للاستخدامات العلمية لا يريد أن يجنح بحال من الأحوال إلى وضع العلم في قفص الاتهام، بل للفت الانتباه الى أن تسخير العلم لأنانية الإنسان وسلبيته الانفعالية هي التي حوّلت العلم من جانبه الإيجابي الى جانبه السلبي.
فالعلوم بوجهها الإيجابي ممكن ان تستخدم لترسيخ قضايا تخدم السلام العالمي من خلال القضاء على الفقر و مشكلات التغذية والحفاظ على البيئة والطبيعة....
فالعالم اليوم يواجه بدون شك تحدّيات مصيرية وإنسانية بالغة التعقيد، فالكوارث البيئية والحروب الحاصلة تعكس شدّة عداء الانسان تجاه الطبيعة، وحدّة عنف الانسان تجاه الانسان، الأمر الذي يرمي بنا في تخلّف دامس سببه بالدرجة الأولى إحلال الانفعالات محل الوعي و إغفال الجانب الروحي والقيمي في حياة الأفراد والجماعات.

إن المصالحة بين العلم والثقافة والروح واجب حضاري وإنساني يضعنا أمام سعيٍ دؤوب لطرح رؤية جديدة منفتحة للوجود تحدد علاقة الانسان بالإنسان وعلاقة الانسان بالكون وما يتمخض عنها من مفاهيم جديدة عن الزمان وتنظيم مغاير للمكان، بحيث يصبح العلم أداة إيجابية تحقق مزيد من الانسجام بين الكائنات والكون، وتصبح التقنية استراتيجية لتحقيق كيفيات الوجود وبهذا المعنى تتحول من نمط إنتاجي إلى نمط تجلِّ وانكشاف بحيث يغدو الانسان مستودعا للطاقة الكونية لا هوية محددة له ويصبح الانفتاح الدائم صفة ملازمة لوجوده.

وفي ظل هذه الرؤية فإن إرادة السيطرة لا يكون لها معنى الا في ذاتها فتتلاشى الصراعات كما أن إشكاليات العلم والمعرفة والحقيقة و السياسة والسلطة ستتخذ معاني أُخَر، فلن تعود المسألة تحديد مواقع الحقيقة، بل إنّ مفهوم الحقيقة ذاته سيصبح عبارة عن مجموع استراتيجيات والعمليات التي يتم بفضلها إنتاج قيمة القيم وتحديد نظام الخطاب وسياساتها.

يقودنا هذا الطرح لإعادة النظر في مسألة علاقة العلم بالخبرة الروحية للكائن الإنساني، لأن الروح هي المحفز للانطلاق في عالم التطور، فالوعي الكوني هو الذي يمد الكائن بالفكر والحدس، والروح هي التي تعبّر عن واقع الحياة وانطلاقها لبلوغ ذروة الإبداع بفعل الطاقة الكامنة فيها، متجاوزة بذلك كل الانغلاقات المادية محققة تطورًا مستمرًا وحرّية لا متناهية، واولى هذه الخطوات تتجلى من خلال رأب الصدع بين الثقافة والعلم وبين العلم والروح، لأن جوهر المظاهر المادية ليس إلا تجليًّا للروح بكليتها على مستوى كوكبنا الأرضي.

وهنا يتحقق وجود الانسان من خلال مرتكزين أساسيين هما المرتكز العلمي والمرتكز القيمي الأخلاقي الروحي، فيتخطى الانسان أنانيته ويسخر العلم لخدمة الوجود والكون، فيتناغم مع الكليات، و يرى عن طريق العلم: الوجود بكثرته وتنوع صور تجلياته وتفاعلاتها العلمية، كما يرى عن طريق الروح:أن الوجود كلا متكاملا موحدًّا.
هذا التكامل هوما يمكن أن نسميه وحدة الكثرة، وهي الوحدة القائمة على التعددية والتنوع من خلال ضم وجمع الوحدات الأخرى دون أن تختزلها،ومن هذا المنحى فإن الإنسان الكوني التعددي ليس من يتقن لغات عدة ويطلع على ثقافات متنوعة إنما هو الكائن الذي يوجد بين الثقافات بحيث يمتلك القدرة على اكتناف التنوع ضمن كينونته الانسانية نفسها.

Basarab Nicolescu, La transdisciplinariteacute; (manifeste), Eacute;ditions du Rocher, Monaco, 1996 - traduits par Dimitri Avgherinos p:119
2TERREacute;-FORNACCIARI Dominique, Les Siregrave;nes de l'irrationnel, Quand la science touche agrave; la mystique, Paris, Albin Michel, 1991; Isabelle Stengers, Actes du Colloque de Cerisy sur lrsquo;Auto organisation

Isabelle Stengers La guerre des sciences aura-t-elle lieu ? , Paris, Les Empecirc;cheurs de penser en rond, 2001

كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وجود الإنسان
خوليو -

تقول حضرة الكاتبة أن وجود الإنسان يتحقق من خلال مرتكزين: العلمي وبه يتخطى الإنسان أنانيته ويسخر العلم لخدمة الوجود والكون، أتفق معها بالكامل لتسخير العلم لخدمة الإنسان وسعادته، وأما المرتكز الاخر الروحي والأخلاقي ، والذي عن طريقه يرى الإنسان الوجود موحداً متكاملاً ، فالتعبير ضبابي غير مفهوم فإذا كان القصد أن الدين هو مصدر الأخلاق( لورود كلمة موحداً) فهذا برأي غير صحيح، فالأخلاق صنع إنساني قبل نشوء الأديان، وهناك بعض الأديان تدعي للتفرقة وإقصاء الآخر وسلب حقوق الكثير من المواطنين والمواطنات، فهذه الروح الدينية التي تراها الكاتبة عامل توحيد إنساني، تعمل عكس ما تريد أن تصل إليه الكاتبة بمقالتها، وهنا تكمن نقطة الخلاف بالرأي فقط.

مهلا يرحمكم الله
ياقو بلو -

يا سيدتي الفاضلة ان التقدم العلمي ما عاد يؤطر لحاجات الانسان وفق مفاهيم كانت يوما تشكل اساسات مجتمعات غادرت الى الابد،لان المؤسسة التي تعنى بالتقدم العلمي هي مؤسسة تتنافس مع غيرها وفق منطوق السوق التجاري،وهذا ما يفسر خلو جدران مراكز البحوث من اي ملصق يشير الى نص ديني او اخلاقي،ان اللغة التي تكتبين بها هي الاخرى ما عادت صالحة للاستعمال لانه ما عاد للناس الوقت للبحث عن معاني الكلمات في المعاجم

الفلسفة والبطيخ
نزار -

انصح الكاتبة ان تكتب في اي شيء الا العلم لان الموضوع شائك ومعقد وليس بسيط كما تتصور فكل كلمة تكتبها سيكون لها اكثر من معنى وتفسير وهكذا مقالات تكتب في اشهر وربما سنين وليس اربع مقالات اسبوعيا كما تفعل هي واخريات. تقول الكاتبة " فالفكر الفلسفي الذي يطرح إشكاليات الوجود هو الذي يؤسس و يسبق النهضة العلمية التي تعد أحد أهم أوجه المدنية" بل العكس هو الصحيح والدليل هو ما كان به العالم من تخلف قبل النهظة الفرنسية يثبت ان الفلسفة والروحانيات هي السبب في ذلك وبعد ان ظهر رينيه ديكارت واعلن موت الفلسفة على يد العلم وصلنا لما نحن فيه الان من تقدم وتطور

مما جاء بردود القراء
كركوك أوغلوا -

أنصح الكاتبة (اللبنانية),أن تتخصص في علوم الدين والحجاب والنقاب واليوم الآخر ؟؟!!وأسألها عن جنة حور العين وما موقفها من الأعراب منها وفيها ؟؟!!00وشكرا لأيلاف الغراء للنشر

لكى يتزن داخليا
حكيم -

العلم بدون أخلاق يصبح مُسخه ....والان تستعمل التكنولوجيا فى تدمير البشر والحجر فى اضخم عمل ارهابى فى التاريخ الحديث لغزو البلاد التى تتمسك بثوابتها الدينيه والوطنيه والقويه باخلاقها من تلك التكنولوجيا التى ستدمر اصحابها الذين بدون اخلاق ولا قانونولا انسانيه ..انهم ابتعدوا عن الله خالق السماوات والارض .. فهم ضالين تافهين اخلاقيا يتخيلون انهم لن يحاسبوا فى الاخره عما فعلوه فى دنياهم...فالاخلاق والروحانيات ضروريه للانسان لكى يتزن داخليا

الاخلاق
البطل -

في البداية لا بد من شكر الكاتبة على هذا الكلام الفلسفي الكبير الذي يوصلنا الى نتيجة حتمية هو ان الروحانيات والعلم عندما توضع في بوتقة واحدة يتكون النموذج الصحيح للحياة الصحيحة والحديثة, ولكن هنالك طروحات اخرى تقول ان الاخلاق والعلم هو السبيل الوحيد لحياة صحيحة وكريمة وشريفة.

لماذا
د. سمير رحباني -

اسأل لماذا لم تنشروا تعليقي على المقال حتى الان ؟ هل اسأت اليكم ام الى الكاتبة الفاضلة ؟ كل من هنالك انني عتبت على استخدامها مراجع بالفرنسية لا علاقة لها بالمقال ابدا كما ان المقال مجرد حكي عادي فالعلم لا علاقة له بمثل هذه السفاسف وتمنيت على الكاتبة العظيمة لو انها تخصصت في فلسفة العلم لعرفت ماذا تكتب الان ؟ تحياتي لكم ودخيلكم انشروا هذا التعليق من باب حرية الرأي مع الشكر

وحدة وجود
ريحاني -

من سياق الفقرة الأخيرة أعتقد بأن المقصود من الوحدةالمعنية هي وحدة الوجود ربما ياخوليو وهو امر قال به عديدون مثل سبينوزا وغيره والآن تشهد الساحة الفلسفية اعادة طرح اشكالية المادة وعلاقتها بالانطولوجيا

نزار & رحباني !
insaniyoun@hotmail -

في القرن الثامن عشر وصلت الأرواحية" علم الروح" إلى ذروتها وظهرت وكأنها العلم الحقيقي والوحيد.ولكن طبيعة التناقضات والكثير من الإخفاقات في التطبيقات الأرواحية،مع تقدم الإكتشافات العلمية،أدت إلى إنبعاث الفلسفة الماديةالتي أشعلت حربا قوية في مواجهة الروحانيات، مستخدمة منطق العلم مستندة إلى اكتشافاته التي كانت مازالت في بدايتها.وفي القرن العشرين ظهرت تيارات للتوفيق بين الروح والمادة بعد أن تعاونت التكنولوجيا والكنيسة جنبا إلى جنب في الحربين العالميتين.اليوم لم يعد حديث الروح موضوعا قابلا للبحث العلمي ولا للمنطق الدنيوي.الروح مفهوم لم يعد له ما يوازيه في منطق العلم.ولكن الكاتبة ربما تقصد به،كل ماهو من مصدر ديني وغيبي،من قيم وأخلاق وتراث.وفي كل الأحوال فإن دعوتها قد توضحت في الفقرتين الأخيرتين ولاأعتقدأن من يعقل يعارض هذه الدعوة ولا يصفق بحرارة لهذه الكاتبةالإنسانية الرائعة،والتي تركز في مواضيعها على قضاياالإنسان في وجوده الشامل ،برؤية عالمية تتجاوز الطائفية والعنصرية وكل أشكال التقوقع والتعصب.وحبذا لو انتبه القراء الأعزاءإلى هذه النقطة بدلا من التركيز على تفاصيل هي ليست من صلب الموضوع

ابحثي عن مربي
الشريف هاشم -

هذه كتابات اكاديمية ليس مكانها هنا الا اذا كانت من بنات أفكار الكاتبة نفسها. الاستاذة - ان جاز لي أن استخدم هذا اللقب - ضائعة بين عالم الدين والدنيا وسحر الوجود وأسرار التصوف. سيدتي ، لا معرفة بدون علم ولا علم بدون تربية. ابحثي عن مربي أولا. أفهمي وتدبري قولي (انا لا أشتم أو أستهزيء). تحياتي

بدون حرارة
عابر -

هذه المرة الاولى التي اقرأ موضوع من هذا النوع فهو غريب وغير مألوف قد يكون جميل لكن للبلاد الفاضلة ...ولفت نظري الردود ،لماذا كل هالبلبة بالاراء في التعليقات ؟ والنصائح المتتالية،فالحرية ضرورية والكل يقول اللي عندو فنحن امام ناس تصفق بحرارة او ناس تهاجم بحرارة ... الا يوجد ناس يعملون بلا حرارة ؟؟؟