كتَّاب إيلاف

ثقافتان، في مئوية الجامعة المصرية (2-2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ثقافتان، في مئوية الجامعة المصرية (1-2) ما الذي تغير بعد سبعين عاما من صدور كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" (1938 - 2008)؟... rlm;كشفت مسيرة التعليم، في علاقتها بالثقافة في مصر، أن التعليم يمكن أن ينتج نوعين متباينين من الثقافة، وأن الثقافة بفعل التعليم، يمكن أن تتحول من كونها الفاعلية الأولي للتغيير والتنوير والتحريرrlm;،rlm; إلي كونها الميدان الأساسي للمحافظة والإظلام والتبعية.rlm; وأن الانسان المعاصر مهدد دوما بالتردي فجأة إلي الحالة البدائية الأولي،rlm; إذا تلقي نوعا معينا من التعليم. إنه مهدد بالاستسلام الكاملrlm;، أي التوقف عن البحث والتساؤل عما يحدث حولهrlm;،rlm; ويقبله كأمر مسلم بهrlm;.
وحين يأسر العقلrlm;،rlm; ويعجز الانسان عن استخدامه، لن يبقي أمامه غير اللجوء للغيبيات والخرافاتrlm;.rlm; وهنا فقط تنتعش ثقافة المتغيرات، التي تحول دون قيام أية ثقافة للتغيير، عن طريق نشر الدروشة والخدر العقلي والتبعية.
ويبدو أن وراء هذا النوع من الثقافة rlm;،rlm; صناع مهرة ماكرينrlm;،rlm; يجدلون السحر بالمنطقrlm;،rlm; واللامعقول بالمعقولrlm;، والأسطورة بالعلمrlm;.rlm; ويوظفون الميديا بإستخدام أساليب مبتكرة ومستويات متقدمة، اننا لا نشهد قلبا للحقائقrlm; فقط، وخلط الثابت بالمتغير، والمقدس بالمدنس، والسماوي بالأرضي، فحسب، وإنما نتحول إلي متواطئين بفعل الصمت والعزل التكنولوجيrlm;.rlm;
وقد تطلب ذلك إحداث تغيير أساسي في مهمة اللغة أيضاrlm;، فإذا كانت اللغة، حسب أرنست كاسيرر، قد حققت حتي الآنrlm;، مهمتين مختلفتين عبر التاريخrlm;:rlm; المهمة الدلالية للكلمة، والمهمة السحرية لهاrlm;، حيث أنه بدون المهمة الدلالية للكلمة يصعب أن يتحقق الكلام أو التنوير أو التواصل الإنسانيrlm;.rlm; بينما تبدو المهمة السحرية للكلمة غامضة بعض الشيءrlm;، لأنها لا تصف الأشياءrlm;، ولا العلاقات بين الأشياءrlm;،rlm; بل تحاول إحداث أثر معين وتغيير في الاتجاهrlm;.rlm;
هكذا أصبح للمفهوم السحري للكلمة الصدارة علي المفهوم الدلالي في ثقافة المتغيراتrlm;، حيث صكت كلمات جديده، لتغييب العقل وإظلامه، وأصبحت الكلمة القديمة تستخدم للدلالة علي معان جديدةrlm;، كما حدث تغيير كبير في أغراض دلالية ووصفية ومنطقية من أجل إحداث أثار معينة لتحريك انفعالات معينة..... وهكذا أصبح كثير ممن يقومون بالتدريس في مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية، "دعاة" وليسوا "أساتذة"، كما يقول صديقي الدكتور حمزة بن قبلان المزيني.rlm;
لقد وظفت ثقافة المتغيرات، من أجل تغيير الناس حتي تستطيع تنظيم أفعالهم والتحكم فيهاrlm;.rlm; فهي أشبه بالحية التي تحاول شل فريستها قبل أن تفترسهاrlm;.rlm; والناس يقعون في أسرها في البداية دون أن يظهروا أية مقاومة جادة لها rlm; إنهم يتعرضون للهزيمة قبل أن يدركوا ما حدث بالفعلrlm;.rlm;
بيد أن ما يجعل الناس يتصرفون ككائنات حرة - وفقا لكانط أيضا - ليس تمتعهم بالحرية التي لا تتقيد بأي قيدrlm;، بل ان ما يجعل العقل يتصف بالحرية ليس خلوه من الدافعrlm;،rlm; بل طابع هذه الدوافعrlm;.rlm; فالحرية مساوية للإستقلال الذاتي rlm;.rlm; وهي لا تعني الفوضي وإنما تعني نوعا خاصا من الحتمية، هو عدم فرض القانون الذي نتبعه في أفعالنا من الخارج rlm;.rlm; فالذات الأخلاقية هي التي تصنع القانون لذاتهاrlm;.rlm;
ومع ذلكrlm;،rlm; يجب الحذر من إساءة فهم أساسية، وهي أن الحرية ليست حقيقة ولكنها مسلمة، إنها ليست موهبة أنعم بها علي البشرrlm;،rlm; ولكنها بالأحري واجب.rlm; وهو أصعب واجب يستطيع أي إنسان أن يقوم به rlm;.rlm; فهو ليس من المعطيات وإنما هو مطلب وأمر أخلاقي جازمrlm;.rlm; وتزداد بوجه خاص صعوبة تحقيق هذا المطلب في أوقات الأزمات الحقيقية rlm;.rlm; ففي هذه الأوقات يتجه الفرد إلي عدم الوثوق في قدراتهrlm;.rlm;
وبإختصارrlm;، فإن الحرية ليست ملكة موروثة عند الإنسانrlm;.rlm; وإذا أردنا التمتع بها علينا أن نوجدهاrlm;.rlm; ولو ترك الإنسان لإتباع غرائزه الطبيعية، فإنه لن يكافح من أجل الحرية، بل لعله يختار حينئذ التبعية.
وكأن هناك اقترانا شرطيا بين ثقافة التغيير - التي ناضل من أجلها طه حسين - والحرية والتقدم من ناحية، وبين ثقافة المتغيرات - التي دأب علي تكريسها من حاكموه - والتبعية والتخلف من ناحية أخريrlm;.rlm; فالاعتماد علي الآخرين في التفكير والحكم والتصميم أهون من الاعتماد علي النفسrlm;.rlm; وهذا يفسر لماذا كثيرا ما ينظر إلي الحرية في حياة الأفراد والحياة السياسية علي أنها عبء أكثر منها امتيازاrlm;، بل ان الإنسان يحاول أن يتخفف من هذا العبء في الظروف البالغة الشدة. وهو ما يكشف عن حجم وعمق المسئولية الملقاة علي أحفاد طه حسين اليوم، والدور المنتظر والمأمول للجامعة المصرية في مئويتها الثانية.

أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
deep vision
Dr.Khalid -

deep vision, I will make a printout for all to read it.thanx a lot Dr Eessam

أكثر من رائع
أحمد الجنحاني -

وكأن هناك اقترانا شرطيا بين ثقافة التغيير - التي ناضل من أجلها طه حسين - والحرية والتقدم من ناحية، وبين ثقافة المتغيرات – التي دأب علي تكريسها من حاكموه – والتبعية والتخلف من ناحية أخري‏.‏ فالاعتماد علي الآخرين في التفكير والحكم والتصميم أهون من الاعتماد علي النفس‏.‏ وهذا يفسر لماذا كثيرا ما ينظر إلي الحرية في حياة الأفراد والحياة السياسية علي أنها عبء أكثر منها امتيازا‏، بل ان الإنسان يحاول أن يتخفف من هذا العبء في الظروف البالغة الشدة. وهو ما يكشف عن حجم وعمق المسئولية الملقاة علي أحفاد طه حسين اليوم، والدور المنتظر والمأمول للجامعة المصرية في مئويتها الثانية.أكثر من رائع يا عصام

ثقافة واحدة
سمر السلاب -

دكتور عصام أشك في وجود ثقافتين وإنما توجد فقط ثقافة واحدة محورها التلقين والحفظ والأمر والنهي والفتاوي الطائشة والقراءات المتسرعة المتسلطة علي العباد والدين منها براء .عموما مقالك يحتاج أكثر من تعليق وشكرا

أين ؟
محفوظ -

أين قبيلة البكائين علي أفول العلمانية وزيغ الليبرالية ؟ هل غادرت مواقعها وقناعتها ؟

رائع يا صديقي
كمال غبريال -

تسلم يدك ولسانك يا باشا

شكرا المقالة صعبة
مدمن ايلاف القبطي -

رغم انني فهمت القالة بعد مرتين قراءة ببطء التي هو متميزة ومعبرة وفي نفس الوقت انذار وواجب صعب تلقية عليالاجيال الا انني ارها صعبة حيث ان غالبية القراء يريدوا ان يقروااي مقالة بسرعة اسمح لي المقالة صعبة شوية

Thoughts For Money
Hatem El Gowhary -

Dr. Essam, this is too complicated for the average person to understand. I have a PhD and struggled along the way to understand what you meant. You need to put your ideas in more simpler terms so others can grasp and understand what you want to say

تنشيط الذهن
مسعود -

لا مانع من تنشيط للذهن بأفكار وصياغات رصينة ، من آن لآخر ، فتلك مهارة تحسب للكاتب ومقدرة علي توصيل الفكرة بمشاركة القارئ ، وليس تلقينها فقط .مقال ممتاز ، بعمق الفلسفة

السبب المباشر
مكتوم المفروس -

لذلك نحن خارج أي تصنيف للجامعات في العالم !شكرا دكتور عبدالله لقد وضعت يدك ويدنا علي السبب المباشر .

من سيوافقك
دكتور نصار -

أحسدك يا صديقي علي هذه الطاقة العقلية التي تجعلك تكتب لمن لا يقرأ أو يسمع من أصحاب القرار . نعم نحن بحاجة إلي هزة معرفية وثورة تعليمية فمن سيوافقك ؟ النظام أم الإخوان أم من ؟ ما نحن عليه مدروس ومحسوب ولا تأمل في الأفضل أرجوك حتي لا تصبح مثلي أنا !!!!!

جامعة ولكن !
الجبرتي -

الجامعة اليوم لم تعد التربة الخصبة لأفكار طه حسين لأنها تصحرت بالرمال والزيت وأي نبته خضراء لابد وأن تنبت خارجها حقيقي مقالك يثير شجون وألام لا تنتهي بين ما كنا عليه وما أصبحنا وأنت أدري الناس بما يحدث في الجامعة دمت متألقا وكريما

حااااااااسب
محمود المسلمي -

الثقافة بفعل التعليم، يمكن أن تتحول من كونها الفاعلية الأولي للتغيير والتنوير والتحرير‏،‏ إلي كونها الميدان الأساسي للمحافظة والإظلام والتبعية.‏ وأن الانسان المعاصر مهدد دوما بالتردي فجأة إلي الحالة البدائية الأولي،‏ إذا تلقي نوعا معينا من التعليم. إنه مهدد بالاستسلام الكامل‏، أي التوقف عن البحث والتساؤل عما يحدث حوله‏،‏ ويقبله كأمر مسلم به‏. نعم وبفعل مهرجانات وزارة الثقافة أيضا التي فرغت الثقافة من مضمونها ورسالتها . وبسبب وسائل الإعلام البترودولارية ، وانتظر قانون الفضائيات الجديد الذي سيعتمها بالكامل

عروبة مصر واسلامها..
مرتاد ايلاف -

تحدّث طه حسين في بداية كتابه عن العقل المصري وقرّر أنه متّصل بالعقل الأوروبي، وأنه ليس هناك فرق جوهري بينهما، وأنّ الشعب المصري متأثّر بشعوب البحر الأبيض المتوسّط، واعتبر طه حسين أنّ الإسلام لم يخرج مصر عن عقليتها الأولى، وبأنّ رضا مصر عن الفتح الإسلامي لم يبرأ من السخط، ولم يخلص من الثورة والمقاومة، وبأنها لم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظلّ ابن طوسون، وفي ظلّ الدول المختلفة التي قامت بعده. ويتصل هذا الكلام الذي ذكره طه حسين في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" اتصالاً وثيقاً بوجهات نظره الأخرى التي عبّر عنها في منابر أخرى سياسية وأدبية وثقافية، إذ دعا فيها إلى القومية المصرية الفرعونية، والتي اعتبر فيها أنّ الشعب المصري يشكّل "أمّة مصرية" مستقلّة، كما اعتبر أنّ مصر هي "الوطن المصري". لا أريد أن أناقش وجهات النظر السابقة ومدى خطئها وعدم صوابيتها، فقد فعلت ذلك في مكان آخر كما فعل ذلك غيري، ولكني أشير إلى أنّ هذا هو أحد الأسباب الرئيسية الذي جعل الخطط الثقافية لا تنجح ولا تعطي ثمارها، إذ كيف تنجح ونحن لم نعرف ذاتنا معرفة صحيحة؟ فكيف يكون الشعب المصري "أمّة مصرية" بالمعنى الفرنسي للأمّة التي تعتمد العوامل الجغرافية في تكوين الأمّة وليس جزءاً من أمّة عربية إسلامية؟!! وكيف تكون مصر "وطناً" بالمعنى الأوروبي لكلمة "الوطن" وليس جزءاً من الوطن العربي الإسلامي؟ وكيف لم يخرج الإسلام "العقل المصري" عمّا كان عليه قبل الإسلام ونتجاهل كل الآثار الثقافية والعلمية والتربوية والفنية التي تركها الإسلام في واقع الحياة المصرية؟

تغريبة اللبراليين ؟؟
مرتاد ايلاف -

ويستشهد عفيف ابي فراج بما حدث لبعض الفكر اليساري الماركسي الذي ارتد الى الليبرالية الذي راح يصف مشروع طه حسين بقضه وقضيضه بـ"المشروع النهضوي الجذري والشمولي"، الذي ليس له ما يماثله في تاريخنا العربي المعاصر كما يصفه سعد الله ونوس, او الحالة التي لا يكررها التاريخ كثيرا كما يذهب فيصل دراج. ويتابع عفيف فراج قائلا "وانسجاما مع هذه القناعة اعلن عدد من الادباء والباحثين عام 1990 مشروع قراءة جديدة لفكر النهضة يستهدف استرجاع "مشروع طه حسين" وتجسير القطيعة بين الليبراليين والماركسيين, والتكفير عن انقطاع قد تم وخطأ قد اقترف, وكان اخر المستجيبين لهذه المراجعة محمد دكروب في كتابه "رؤى مستقبلية واصفا اياه: "ومحمد دكروب, الشيوعي العريق, ورئيس تحرير مجلة الطريق، يصدق النعوت التي تنتقص رفاق الامس "كتاب في الثقافة المصرية لعبد العظيم انيس ومحمود امين العالم في نقدهما لطه حسين والليبرالية في الخمسينيات" وينضم الى السرب الماركسي الليبرالي الجاحد لثقافة ماركسية باتت متهمة بانها اسهمت في رزوح المجتمعات العربية تحت وطأة الدولة العربية الكليانية. وهكذا يلحظ ان فعل التوبة هذا عن نقد الليبرالية يقلب ما يجب فعله، فبدلا من ان يتم تجاوز طه حسين والمشروع الليبرالي يصار الى تجاوز الفكر الذي نقد الليبرالية, بل الارتقاء من جانب اليسار الليبرالي بـ طه حسين والمشروع الليبرالي الى مرتبة المرجعية الاولى التي تتقدم الفكر الماركسي الذي لم يقدم ما يضاهي ذلك المشروع الفذ. وينتهي عفيف فراج الى تلخيص مقولته آنفة الذكر:"وازعم ان المفكرين الماركسيين الليبراليين الجدد في نكوصهم الحنيني الى الحقبة الليبرالية الا يستعيدون فكر النهضويين وحسب"، وهو فكر منقول في معظمه لا مولد بل يجدون تغريبة النهضويين الليبراليين ابتداء من فرح انطون وشبلي شميل الى سلامة موسى وطه حسين وغربتهم عن الزمان والمكان والوجدان. لعل الجانب الاهم وراء استعادة طه حسين من قبل الليبراليين الجدد "اليساريون سابقا"، لا يرجع الا ظاهريا حول ليبراليته وانما الى نزعته "الناقضة للعروبة القومية والاسلام الثقافي" وانتمائه الى الاوروبية والاغريقية، ليصبح ذلك اساسا حتى لما تتعرض له اقطارنا من تفتيت اثني وتجزئة للتجزئة، تنصلا كما يلحظ عفيف فراج "من كل