كتَّاب إيلاف

صحافة الانترنيت: امبراطورية عولمية خطيرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مقدمة
لم يكن يحسب اي حساب لما ستؤول اليه التطورات عند نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن، اذ يتفاقم شأن العولمة في كل المرافق، ومنها شبكة المعلومات الدولية (= الانترنيت) التي غدت اسرع وسيلة للاعلام والمعلومات في التاريخ البشري.. بل وغدا الاعلام سلطة يتفوق بها على سلطات كاملة اخرى، وكلما يتقدم الزمن الى الامام تجده ينسج امبراطورية من شبكات عنكبوتية وعنقودية يتمحور حولها الملايين من الناس على امتداد الارض.. ويسرع العالم اليوم الى ايجاد اساليب وتشريع قوانين واحكام لضبط العمل للملقي والمتلقي، فالامر ليس بشريعة غاب، ولا عمارة من غير بوّاب، ولا مجرد مشاركة بلا اسباب.. صحيح انه عالم شهي يفتح النفس بكل ما يجده الانسان من الوان واكوان، وقد يغضب منه او يجعله فرحا او يدخله في متاهة او احزان.. ولكن يجد العالم نفسه اليوم دولا ومجتمعات ان ليس من الصحة ابدا، كما يتخيل البعض، ان الامور تسير بلا ضوابط.. خصوصا وان ثمة نقاط مركزية تجتمع فيها كل المعلومات، وابحثوا عن مصادرها ستجدوها انها محتكرة من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي تدير مع من تثق به كل هذا النسيج العجيب الذي يتقلب بين العظمة والتوحش في آن واحد.

الشبكة المستقبلية
بعد هذه " المقدمة " علينا ان ندرك ان مجتمعات عدة كانت محظوظة كي تتكلم وتكتب وتقرأ وتتعامل مع نسيج هذا " النت "، ومنها العربية، اذ ان شعوبا اخرى لم تزل تنتظر دورها لتشترك في هذه المنظومة. السؤال الذي يفرضه روبرت مردوخ رئيس مجموعة " نيوزكروب " الاعلامية حول المتغيرات التي يشهدها الاعلام اليوم: هل باستطاعة احد ان يتجاوز حدوده في الصحافة الالكترونية ناشرا او كاتبا او قارئا متلقيا.. اذا ما فرضت وطبقت القوانين والتعليمات.. ان من حق اي انسان او جماعة او حتى اي دولة ان تقاضي اي مؤسسة اعلامية تنشر على النت كما تقاضيها عندما تنشر على الورق.
صحيح انه الذي يدعونه بعملاق الصحافة العالمية.. مردوخ يوجه " انذارا بالطاعة " للناشرين، أيا كانوا في هذا العالم، وهو يدعوهم للاستفادة من الانترنيت، ولكنه بنفس الوقت يحذر من مغبّة استخدام القانون ضد كل من يسيئ الى اي طرف من الاطراف. صحيح انها لم تزل جنينا مقارنة بما يعتمده العالم من صحافة ورقية، الا ان الثورة تتسع يوما بعد آخر.. وصحيح انه تشرك العالم كله في استثمار هذا التطور المذهل، الا انه ينبّه الى ان هناك مسؤولية مضاعفة على الانسان وهو يعمل من خلال الكيبورد، ولا يدري بأنه مراقب، بل وانه معّرض للمسائلة اذا مارس اي اعتداء او انه اساء التصرف او استخدم اي سب وقذف حتى وان كان باسماء وهمية.. وبقدر ما تمنع الصحافة الورقية منع استخدام او تداول الاسماء المستعارة، فان القانون اليوم في اغلب الدول الغربية واليابان يمنع منعا باتا نشر اي اسماء مستعارة، فمن يريد المشاركة، عليه ان يستخدم اسمه الصريح وعنوانه ورقم تلفونه او حجب المؤسسة نفسها لأسمه باستخدامه الرقم الذي تمنحه اياه مؤسسة النشر للدخول.. منعا من قبل المؤسسة ذاتها ان لا تواجه مشكلات ودفعا كي لا تواجه دعاوى قضائية سواء في الدول التي تنشا عليها منطلقاتها الاعلامية، ام مقاضاتها دوليا من خلال شبكة الانترنيت نفسها..

ضوابط الصحافة الالكترونية
صحيح ان الاعلام في كل العالم سيصبح مثل الوجبات السريعة، ولكنه لا يمكن ان يخرج عن حدود المسموح به في اطار القانون او في اطار التعليمات التي تفرضها المؤسسة الاعلامية نفسها التي تتحمل المسؤولية كاملة او مشاركة فيها.. ويقف ادريان مونك رئيس قسم الصحافة والنشر في جامعة ستي في لندن مضيفا على هذا الموضوع بأن الصحافة الورقية العادية ستنتهي عام 2040 نهائيا، وستصبح الصحافة الالكترونية الجوالة خارقة للتصورات، ولكنها محكمة اشد الاحكام في الارسال والاستقبال ليس فقط للمعلومات، بل للرأي العام وتحديد مساراته.. ان التكنولوجيا الحديثة ستحدد قيمة المعلومة وتأثيرها في الرأي العام، وهو هنا يشدد على ان تحافظ اية مؤسسة اعلامية على اتباع ما يفرضه عليها قانون المطبوعات.. وتقول باتريشيا كيفن ان الانسان في القرن العشرين كان مولعا ان يختار ما يعجبه ان يقرأه من صحافة حزبية او فكرية او فنية او ادبية.. ولكنه في القرن الواحد والعشرين لا مجال للاختيار، فامامه كل العالم.. فالاعلام ستتقدم هيمنته على الحياة، ولكن بنفس الوقت لا يمكن ان ينفلت ليصبح اداة للايذاء والقسوة من اناس مجهولين سواء ضد مؤسسات سياسية او تشريعية او تنفيذية وحتى ضد نقابات وتجمعات ومنتديات وضد اسماء اشخاص معينيين. ان الثقافة الاعلامية المعاصرة وخصوصا الالكترونية على النت مثلا تكاد تكون معدومة في محيطنا العربي، وعموم دول عالم الجنوب، فالانسان يستخدم الانترنيت من دون ان يعرف مستلزماته القانونية.

التنبية الى الاخطاء العادية والمقصودة
انني اعترف انني مشتاق الى ان اكتب بقلمي الحبر ما كنت اكتبه في الماضي.. كانت كتابتي متعة وانا اتفنن بالخط والحبر والتشكيل.. وبت اليوم لا اكتب بقلمي الا ما ندر من تصليح اوراق امتحانات او تسجيل ملاحظات على الهوامش.. بت لا اعرف الا الضرب السريع على اداة الكيبورد / لوحة المفاتيح كل يوم.. انني اعترف انني افتقدت ساعات اي يوم من ايام حياتي قراءاتي الورقية اذ تزاحمها قراءات على النت.. ولكن لابد ان يدرك المرء ان ادوات التحرير الورقي في الماضي هي غيرها اليوم.. وعلى المحرر الالكتروني اليوم ان يحسب الف حساب لما يمكن ان يحدثه اي خطأ من الاخطاء ازاء القضاء. صحيح ان الاخطاء اللغوية والاملائية والمعلوماتية.. الخ قد كثرت اليوم، وخصوصا في ما ينشر عربيا مقارنة بما كان ينشر، او ينشر حتى اليوم على الصحافة الورقية، ولكن هذا كله نتيجة او محصلة لما لم يمر ليس على مقص الرقيب، بل لم يمر اصلا على المحرر الصحفي. هذه تسمى اخطاء عادية، ولكن غير مسموح بها في اللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية او لغات اخرى.. في حين ان الاخطاء العادية غدت تراكمية في اللغات الشرقية كالعربية والفارسية والاوردية.. الخ اما الاخطاء المقصودة، فهي التي تسبب مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية وشخصية.. وتقود في بعض الاحيان الى القضاء وتكلف اضرارها كثيرا.

التشهير والقذف عندما يصيب الجميع
من الصواب ان يشارك كل انسان على النت، ولكن من الخطأ استخدام النت وسيلة للتشهير والقذف والسباب والتجريح، او حتى لاغراض شخصية مبتذلة في العرف العالمي.. ونحن نتابع كثرة المشاكل والدعاوى التي تحال في لوائح على القضاء من قبل اطراف عدة بسبب التجاوزات التي تقف من ورائها مؤسسات اعلامية، والتي تدركها جيدا، ولكنها اصبحت تجارة في ان تكسب من ذلك وتعّوض عنه ! قرأت قبل قليل ان الدول العربية بدفع من مصر والسعودية قد تبنّت وثيقة تضيّق هامش حرية القنوات الفضائية العربية، وتنصّ على عقوبات في حال " تناول القادة والرموز الوطنية والدينية بالتجريح " والوثيقة التي قدمت على انها مبادىء "تنظيم" البث الفضائي في المنطقة العربية تم تبنيها من قبل 21 من 22 وزير اعلام في الدول الاعضاء في الجامعة العربية خلال اجتماع استثنائي عقد بمبادرة من مصر. وهناك دولة وحيدة هي قطر صوتّت ضد الوثيقة.. وهنا أسأل القائمين على اصدار هكذا وثيقة: لو لم تمسسكم نار الاعلام المرئي لما اجتمعتم واصدرتم هكذا وثيقة؟ وانتم تعلمون بأن للدول في كل العالم قوانين تمنع منعا باتا استخدام القذف والسب والشتيمة في كل وسائل الاعلام، وان القضاء هو المختص بذلك..
وأسأل ثانية: لماذا حددّتم القنوات الفضائية وحدها في تقييد حرياتها، والتي يرها الملايين من الناس؟ لماذا لم تشملوا ما يدور من تجريحات وسباب وشتائم واسوأ انواع القذف على اجهزة النت التي دخلت ولم تزل تدخل كل بيوتنا وغرفنا؟؟ وأسأل ايضا: لماذا القادة والرموز الوطنية والدينية تعصونها من التجريح؟ من يعصمني انا وغيري من المثقفين والكّتاب والمؤلفين والاعلاميين والصحفيين من هذا الداء المستشري في كل مكان؟ واذا كان باستطاعتي ان الجأ للقضاء وانا اعيش في دولة غربية متقدمة على اي مؤسسة او اي شخص يتطاول ظلما وعدوانا.. فكيف باستطاعة اي مواطن عربي ان يأخذ حقه ويسترجع كرامته اذا كان القضاء في معظم الدول العربية لم يتضمن حتى الان اية تشريعات بصدد الاعلام المرئي او الالكتروني؟ لماذا هذه الازدواجية؟ ان الرموز الوطنية والدينية على العين والرأس، ولكن هناك رموز اخرى للفكر والادب والفن والسياسة والمجتمع.. الخ بحاجة الى حماية.. ان اصدار الوثائق لا ينفع ابدا، واطلاق الدعوات لا تأثير له على وجه الاطلاق.. انظروا الى دول العالم المتقّدم وتشريعاتها بهذا الصدد، كي ترجع الحق الى نصابه، وكيف يكون القضاء.. انها تشريعات لا تعتني فقط بالقادة والرموز..، بل تعتني حتى بأصغر مواطن له حقوقه وواجباته.

استنتاجات من اجل التواصل
اتمنى ان تتم الاستفادة من التشريعات التي صدرت في كل من كندا وبريطانيا وفرنسا والمانيا.. بشكل خاص في تشريع ما تحتاجه منظومتنا العربية للحفاظ على اخلاقيات التعامل ليس بين الرموز والقادة فقط، بل بين المؤسسة الاعلامية وروادها.. بين الملقي والمتلقي، بين الكتّاب والقرّاء (وسافرد مقالا في تحليل العلاقة بين هذين الاثنين لاحقا) وكيفية بناء الاعلام العربي المعاصر وتطوير آلياته الجديدة.. فضلا عن ترسيخ الوعي الحضاري باستخدام الصحافة الالكترونية والاعلاميات المرئية الفضائية.. عند الناس.

www.sayyaraljamil.com

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تصورات
....... -

أحتوت مقالة الأستاذ ..... على تصورات ورؤى شخصية عن سير منظومة الكمبيوتر والتحكم بها، والتشريعات التي يمكن أن تحد من بعض التصرفات الكتبابية الغير منضبطة. وقد يؤخذ على هذا الطرح وأعني القائل بالتشريعات، وقد فسر في أوربا على أنه قانون يطال حرية الصحافة وحرية الرأي بما فيها الصحافة الألكترونية وأثيرت حوله ضجة من قوى سياسية وثقافية وإجتماعية كثيرة، لا بل تمت مناقشته في الإجهزة المرئية والمسموعة، وأستغرب كيف يمكن طرح تصور للتشريعات في منطقتنا العربية وهي التي ليست بحاجة إلى تشريعات، بإعتبار أن القوانين القمعية هي السائدة، من هنا لا وجوب لهذه الدعوة إذا جاز القول. ففاعلية وخدمات المنظومة الألكترونية، كعامل مساعد للعقل البشري في نشر إهتماماته ومشاريعه وحتى القضايا التي يصعب أحيانا العثور عليها بأيام، فنجد أن الكمبيوتر وهذا معروف حلال للمشاكل الصغيرة والمعقد جدا. وتبقى مهمة الأشراف على العقل البشري وإنجازاته لا تخضع للتشريعات، وذلك للطرق المستحدثة في النسخ والإيصال المعلوماتي دون أن يكون في مقدرة النظام المشرف إي المشرع أن يمارس رقابته. إذاً حرية الكمبيوتر كعقل يجيب ولا يتحدث ملازمة لحرية الإنسان وحريته. وليس العكس، كما هو يطرح بشكل محافظ ينبه إلى مخاطر توسع هذه العلاقة. ولو عدنا لعالم الستينات لوجدنا أن التواصل البشري كان يقوم على شكله العلني والسري سواء في السياسة او الأعلام والثقافة عموما. فكيف بنا الآن نحاول وضع تشريعات من شأنها إعاقة ما تم إنجازه بحجة حق الأفراد في عدم القدح والذم.

تصورات
....... -

أحتوت مقالة الأستاذ ..... على تصورات ورؤى شخصية عن سير منظومة الكمبيوتر والتحكم بها، والتشريعات التي يمكن أن تحد من بعض التصرفات الكتبابية الغير منضبطة. وقد يؤخذ على هذا الطرح وأعني القائل بالتشريعات، وقد فسر في أوربا على أنه قانون يطال حرية الصحافة وحرية الرأي بما فيها الصحافة الألكترونية وأثيرت حوله ضجة من قوى سياسية وثقافية وإجتماعية كثيرة، لا بل تمت مناقشته في الإجهزة المرئية والمسموعة، وأستغرب كيف يمكن طرح تصور للتشريعات في منطقتنا العربية وهي التي ليست بحاجة إلى تشريعات، بإعتبار أن القوانين القمعية هي السائدة، من هنا لا وجوب لهذه الدعوة إذا جاز القول. ففاعلية وخدمات المنظومة الألكترونية، كعامل مساعد للعقل البشري في نشر إهتماماته ومشاريعه وحتى القضايا التي يصعب أحيانا العثور عليها بأيام، فنجد أن الكمبيوتر وهذا معروف حلال للمشاكل الصغيرة والمعقد جدا. وتبقى مهمة الأشراف على العقل البشري وإنجازاته لا تخضع للتشريعات، وذلك للطرق المستحدثة في النسخ والإيصال المعلوماتي دون أن يكون في مقدرة النظام المشرف إي المشرع أن يمارس رقابته. إذاً حرية الكمبيوتر كعقل يجيب ولا يتحدث ملازمة لحرية الإنسان وحريته. وليس العكس، كما هو يطرح بشكل محافظ ينبه إلى مخاطر توسع هذه العلاقة. ولو عدنا لعالم الستينات لوجدنا أن التواصل البشري كان يقوم على شكله العلني والسري سواء في السياسة او الأعلام والثقافة عموما. فكيف بنا الآن نحاول وضع تشريعات من شأنها إعاقة ما تم إنجازه بحجة حق الأفراد في عدم القدح والذم.