كتَّاب إيلاف

غوغل العمل الحر والذكاء المالي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان من المتوقع أن يترافق زيادة السكان في مجتمعاتنا العربية، بتزايد الحاجة للأعمال والوظائف في الألفية الثالثة. وستؤدي التطورات التكنولوجية في عالم الاتصالات والمواصلات لانتشار ظاهرة العولمة لتتحول سوق العمالة لسوق عالمية متنافسة. والسؤال لعزيزي القارئ كيف ستحمي دولنا العربية شبابها من ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة في مجتمع العولمة الجديد؟
لقد عانت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من مشكلة الفقر والبطالة والتزايد السكاني. واستطاعت وخلال عقود قليلة السيطرة على ازدياد السكان، وعملت على زيادة الأعمال المتوفرة بسوق العمل، لتتحول لثاني قوة اقتصادية في العالم. وحققت ذلك بالاهتمام بالتعليم العلمي والتدريب التكنولوجي وبحسب حاجيات السوق. كما أعدت الشباب لتفهم اقتصاد السوق وشجعتهم على ممارسة الأعمال الحرة. وظاهرة البطالة المقنعة شبه معدومة في المجتمع الياباني، فيعمل المواطن بجهد وإخلاص ولساعات طويلة وبإنتاجية عالية. وتقدر إحصائيات الحكومة اليابانية بأن عدد السكان مائة وسبعة وعشرين مليون، ويمثل المتقاعدين خمس هذه النسبة، بينما يمثل الأطفال وطلاب المدارس والجامعات الخمس الآخر. وتنتسب 69% من القوى العاملة لأعمال الدوام الكامل، بينما يعمل 22% بدوام جزئي، و7% بالأعمال المؤقتة. كما يتقاعد 90% من العاملين في سن الستين. وارتفعت نسب البطالة من حوالي 2% في نهاية الثمانينيات لتستقر اليوم حول 4%. ويلزم القانون المواطنين بالاشتراك في التأمين الشامل للصحة والتقاعد والتعطل. وتقدر نسبة القوى البشرية العاملة في الزراعة وصيد السمك بحوالي 4.5%، والصناعات التقليدية بنسبة 27.5%، والصناعات التكنولوجية والخدمات المتطورة بحوالي 68%. ويتخرج ما يقارب النصف مليون طالب سنويا ليلتحقوا بسوق العمل. وارتفع متوسط الدخل الشهري للمواطن الياباني من سبع مائة دولار في بداية السبعينات إلى حوالي 4000 دولار في عام 2004، بمتوسط ساعات عمل سنوية قدرت بحوالي 1840 ساعة.
ومن الملاحظ بأن المجتمع الياباني لا يعتمد كثيرا على الوظائف الحكومية، بل يفضل شبابه الأعمال الحرة وذلك بتطوير شركاتهم الصغيرة والمتوسطة الخاصة، والتي تزيد عددها اليوم عن الستة ملايين شركة ومصنع. كما يعتمد الاقتصاد الأمريكي على تزايد عدد الشركات التكنولوجية الخاصة، والتي يؤسس بعضها خريجي جامعاتها. فمثلا ترك بل غيت الدراسة في جامعة هارفارد ليتفرغ لتأسيس شركة ميكروسوفت، وليصبح أغنى رجل في العالم. كما طور لاري بيج مع زميله سرجي برين آلية بحث بالانترنت، حينما كانا طالبين بجامعة ستانفورد، لينشئا معا شركة غوغل بعد تخرجهما عام 1998، ليصل قيمة السهم الواحد للشركة لأكثر من سبع مائة دولار، وليصبحا من أغنى رجال العالم. ونلاحظ بأن هؤلاء المبدعين لم يحتاجوا للوظائف الحكومية، بل أيضا جاهدوا ليوفروا ملايين الأعمال لسكان العالم، وخدموا البشرية باختراعاتهم المبدعة، كما طورا مؤسسات خيرية لمساعدة المحتاجين في التعليم والتدريب التكنولوجي. والسؤال لعزيزي القارئ هل تحتاج مجتمعاتنا العربية للتخلص من مفهوم ثقافة الوظيفة الحكومية المضمونة، والمترافقة بالبطالة المقنعة؟ وهل ستهيئ هذه المجتمعات الظروف والقوانين اللازمة لتطويرالشباب أعمالهم الحرة المبدعة والمنتجة؟
لنتصفح عزيزي القارئ معا كتاب الأب الغني والأب الفقير، للاقتصادي الأمريكي ذو الأصول اليابانية، روبرت كيوساكي وزميلته شارون لتشر. يناقش الكتاب مساوئ التعليم الحديث في تهيئة أجيال تفتقر لثقافة التعامل مع المال والمدمنة الاعتماد على الوظيفة، والمتخوفة من ممارسة الأعمال الحرة المبدعة والمؤدية للتنمية الاقتصادية. كما توجه الثقافة العائلية والمجتمعية الشباب عادة، للدراسة للحصول على درجات عالية لدخول الجامعة، ليتخرجوا ويعملوا براتب مرموق، ويتحولوا لموظفين يخدمون النقود، بدل أن يهيئوا ليحولوا النقود لخدمتهم.
وقد ناقشت شارون لتشر في هذا الكتاب تقييم ابنها للتعليم وتصوراته المستقبلية، فكتبت تقول:" إني أحب أطفالي وأريدهم أن يحصلوا على أفضل تعليم! وهذا هو التوجه التقليدي في التربية الحديثة، مع أن كل ذلك مهما جدا ولكنه لم يعد كافيا في عالم اليوم. فمن المهم أن نتفهم النقود، وكيفية عملها، وطرق استثمارها لخدمتنا، لا لأن نكون عبيدا لخدمتها. فهل تهيئ مدارسنا الأطفال لمجابهة تحديات حياة اليوم حينما تكون نصيحتنا المتكررة لهم: ادرس بجد واجتهاد واحصل على درجات عالية، لتحصل على وظيفة براتب كبير؟" وتناقش في الكتاب كيف ان ابنها فاجئها يوما بتساؤله لماذا يجب علينا هدر الوقت في دراسة مواد لن نستفيد منها في حياتنا العملية. وكان ردها بسذاجة بسيطة بأنه إن لم يحصل على درجات عالية لن تقبله الجامعة. فأصر عليها بأنه أن دخل الجامعة أم لم يدخل فهو سيجاهد لكي يكون غنيا فلا يريد أن يكون موظفا فقيرا. فاستغربت الأم من وجهة نظر ابنها الثورية، وسألته بأنه إن لم يتخرج من الجامعة لن يحصل على عمل جيد، وإذا لم يحصل على عمل مربح فكيف سيكون غنيا. فرد ابنها: "والدتي اصبح الوقت مناسبا لكي القي عليك المحاضرات بعد سنوات طويلة من محاضراتك. عيشي زمننا والتفتي من حولك. فالأغنياء لم يثروا بسبب التعليم. فالموظف المتخرج من الجامعة ينتهي راتبه قبل ان ينتهي الشهر، بينما أناس أمثال مادونا وميكل جوردن جمعوا الكثير من الأموال. وحتى بل غيت الذي ترك الجامعة وتفرغ لشركة الميكروسوفت، ليصبح من اغنى رجال العالم وهو في الثلاثين من عمره. والدتي، لا أريد أن اعمل بالجهد الكبير الذي بذلتيه أنت ووالدي، لكي ادفع الضرائب وأتحمل الديون. كما لا يوجد اليوم أمان في استمرار الوظيفة. فنسمع كل يوم عن إغلاق المصانع والشركات وزيادة البطالة. وارتفعت مصاريف الحياة ولم تزداد الرواتب، ولم تعد أنظمة التقاعد المفلسة مضمونة. لذلك لن تفيدني نصائحك القديمة بل احتاج لإجابات جديدة.".
وحاول روبرت كيوساكي أن يناقش بعض الإجابات الجديدة في كتابه من خلال حوار أبوين أحدهما غني والآخر فقير. فأبه الفقير متعلم وذكي ودرس بجامعة ستانفورد وشيكاجو، وحصل على عدة بعثات دراسية، وتخرج بدرجة الدكتوراه وبامتياز، بينما لم ينهي والده الغني دراسته المتوسطة. ومع أنهما كانا ناجحين في أعمالهما، ولهما مدخول سنوي مرتفع، ولكن عانى أحدهم طوال حياته من سوء التعامل مع أمواله ومات بالديون، بينما أصبح الآخر اغني رجل في هاواي، ومات تاركا ملايين الدولارات لعائلته وللكنيسة وللمؤسسات الخيرية. وقد كان الاثنين من ذوي الشخصية القوية، ويؤمنان بالتعليم المتميز، وكثيري النصائح، ولكنهم اختلفوا في نوعية نصائحهما. فكان يكرر الأب الفقير القول بأن حب المال هو من حب الشيطان، في الوقت الذي لا يستطيع أن يغطي دفع مصاريف عائلته. بينما كان يكرر الأب الغني نقص المال هو الشيطان، ويرفض استعمال كلمة لا لأية مشروع صرف مالي، بل علم ابنه كيفية التعامل مع المال لكي يغطي أية مصاريف طارئة. وبينما علم الأب الفقير أبنه الكسل في الرد على المعضلات المالية، علمه أبوه الغني حل المعضلات المالية بالتساؤل والتدريب بالبحث على ألإجابات الواقعية الممكنة لتطوير المهارات المالية اللازمة للتعامل مع النقود وزيادتها، بالإضافة لتنمية ذكاءه المالي. وأعتقد الأب الفقير، بان على الأغنياء دفع الضرائب لمساعدة الفقراء، وشجعه على الدراسة للحصول على وظيفة بشركة مرموقة، وحذره من التعاملات المالية والمخاطرة فيها. بينما أعتبر الأب الغني الضرائب وسيلة لمعاقبة الغني على إنتاجيته ومكافأة الفقير على كسله، كما علمه الطرق الناجحة لإيجاد شركة مربحة لشرائها وكيفية إدارة المخاطر المالية، وشجعه لمناقشة المال على وجبة العشاء. وكان يكرر الأب الفقير بأهمية توفير الحكومة الوظائف للمواطنين، وتحدث دائما عن الترقية والعلاوة والتقاعد وحقوق العمال، بينما وجه الأب الغني أبنه للاعتماد على النفس والعمل الحر. وعلم الأب الفقير ابنه كيفية كتابة طلب سلفه بنكية، بينما اهتم الأب الغني بتدريب أبنه لإعداد خطة تجارية لمشروع توفر الوظائف للمواطنين. واعتقد الأب الفقير بأنه لن يكون غنيا ابدا، وبأن المال شيء غير مهم، بينما أكد الأب الآخر بأنه غني دائما، وحينما فلس أكد على أهمية التفريق بين الفقر والإفلاس، فأعتبر الفقر ظاهرة أبدية، بينما الإفلاس ظاهرة مؤقتة يمكن تغيرها. ويستنتج الكاتب من هذه القصة بأن معاناة الخريجين من الفقر ليس بسبب الدخل المالي، بل بسبب الأفكار والتصرفات الخاطئة في التعامل مع المال، لذلك قرر الكاتب أن يستمع الابن لوالده الذي لم ينهي دراسته المتوسطة، وتجنب الاستماع لحديث والده خريج الجامعات المرموقة.
ويعلق الكاتب على قصة الأب الغني والأب الفقير بالقول: " وفي تصوري بأن السبب وراء زيادة غناء الطبقات الغنية واستمرار فقر الطبقات المتوسطة المتعلمة مرتبط بنسبة الاهتمام بمناقشة المال في البيت وبين العائلة. فما الذي ننتظره من الأب المتعلم الفقير غير نصح أبنه بالدراسة ليصبح طبيبا أو محاميا أو مهندسا. فيدرس الطفل للحصول على درجات عالية ليدخل كلية مرموقة، ولكنه يبقى ذهنه مبرمج ببرمجة مالية سيئة، لا يستطيع التعامل مع المال أو العمل على زيادته. فتضيع فرصه في تطور ذهنه للتعامل مع المعضلات المالية ويضعف تطور ذكاءه المالي. كما لا تعلمه المدرسة شيئا عن المال، بل قد يعتبر بعض المدرسين المال خطيئة يجب تجنب مناقشتها، ليؤكدوا بأن على الطالب التركيز على المهارات العلمية والرياضية فقط، أما المهارات المالية فليس لها موقع في برامجنا المدرسية. ولذلك نجد كثير أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء والمهندسين، المتميزين في مجال اختصاصاتهم يعانون من الأزمات المالية. وقد يكون أحد مشاكل اقتصادنا الأمريكي وزيادة ديوننا، هو أن رجال السياسة والبرلمان والحكومة الذين يصدرون القرارات الاقتصادية والمالية، غير مدربين في التعامل مع المعضلات المالية وليس لديهم المهارات الذهنية اللازمة والذكاء المالي." والسؤال لعزيزي القارئ: هل تحتاج مجتمعاتنا العربية لتطوير فلسفة التعليم لكي يتطور الذكاء المالي لأطفالنا بالتوازن مع تطور قدراتهم في الذكاء الجسمي والذهني والعاطفي والروحي؟ وهل سنهيئ الظروف والقوانين اللازمة لتشجيع خريجي جامعاتنا لممارسة الأعمال الحرة المبدعة؟ ولنا لقاء. سفير مملكة البحرين في اليابانأية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كتاب رائع
منذر - البحرين -

لقد قراءت هذا الكتاب الرائع واشجع الجميع على قراءته والعمل به. كنت اشعر ان الكتاب يتحذث عن شخصي وكيف يدخل الموظف بما يدعيه الكاتب بسباق الفئران. لقد غير هذا الكتاب مجرى حياتي بشكل كبير واعتقد اني اعمل الان بشكل افضل لي والعائلتي..

آفاق جديدة مغايرة
أحمد المعرفي/ألبحرين -

الموضوع الذي يطرحه الكاتب يفتح آفاقاًجديدة مغايرة للسائد في صحافتنا المقروئة بعيداًعن الفكر السياسي الذي طغى على جميع الأشياء حتى أصبحت المواضيع نسخاً معادة مكررةلا طعم لها ولا رائحة .. أحي الكاتب على خياراته الذكية والمهمة وننتضر المزيد