حيوية البعد الثالث وجماليات المكان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كوزموبوليتانية نموذج مدينة: اقوي قوة جاذبة لقد وصلت بعض مدننا في المنطقة اليوم مثلا الي قوة جاذبة للعالم كله من خلال قدرتها الكوزموبوليتانية العليا فضلا عن حيويتها وخدماتها وانشطتها الاقتصادية البارعة. وبدأت تستقطب السياحات الشتوية والصيفية وقطاع الشركات التجارية واستثمارات مالية كبري ناهيكم عن ادوارها اليوم في الانترنيت والميديا.. وقد بدأت مشروعاتها العالمية بتأسيس قرى عالمية كبري.. وقد تحقق ذلك كله من خلال توفير مناخ رائع حر من الحركة والانشطة والتفاعلات.. فضلا عن اعتمادها علي الكفاءات العاملة والنشيطة والذكية. ومقدرة ثنائي الحكومة والمجتمع علي توظيف واستثمار عبقرية المكان وصناعة جمالياته الجاذبة واستقطاب الكفاءات وتوفير العمل والخدمات.
لقد كان دور القاهرة مستقطبا جاذبا في القرن التاسع عشر نظير تطوراتها.. ثم جاء دور بغداد في النصف الاول من القرن العشرين دورا موظفا لعبقرية المكان، ثم حل دور بيروت في نصفه الثاني، وقد اضرت بها الحرب الاهلية كثيرا: وتبلور دور دبي اليوم لتغدو المدينة الكوزموبوليتانية القوية برغم صغر مساحتها وقلة سكانها المتنوعين، الا انها تشهد قوة كوزموبوليتانية في الاستثمارات الاقتصادية والتجارية والسياحية في المنطقة، واقوي مدينة عربية ينجذب اليها العالم كله اعلاميا واقتصاديا وسياحيا من اجل توظيف الامكانات والخبرات.. ولم يقتصر الامر على نموذج واحد، بل ثمة تطور في مدن وعواصم اخرى مثل الدوحة والكويت وجدة وشرم الشيخ وتونس.. الخ مستلزمات التطور ان المدينة بشكل خاص فهي عبارة عن حالة متطورة تضم وحدات اجتماعية عدة، وتتطور هذه الوحدات نتيجة للاستقرار والتعامل مع توظيف عبقرية المكان خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد تسارعا تاريخيا لا يباري! هكذا، يغدو السكان الحضر وقد ميزتهم علاقات خاصة ضمن الوحدات الاجتماعية التي تتعامل في داخل منظوماتها بشكل مختلف جدا عن العلاقات التي تختص بها المجموعات الريفية، او الفصائل البدوية. ان عمر المدينة خصوصا في بيئاتنا الشرقية طويل جدا، وتعد مدننا من اقدم المدن في التاريخ البشري، وخصوصا تلك التي نشأت عند ضفاف الانهار ولكن اذا كانت هناك مدن قد تطورت في قارات اخري في اقصي آسيا او اوروبا تطورا حضاريا سريعا خلال العصر الحديث. فقد بقيت مدننا غير متطورة وغير قابلة للتطور نظرا لتأخر الانسان فيها، وايضا نتيجة لحالات الكوارث والصدمات التي عرفتها في التاريخ.
ان الانسان هو العنصر الاساس لتطوير المدينة وصناعة قوتها في العالم، لقد مرت مدننا وحواضرنا بمراحل تاريخية طويلة صادفت من المشاكل والتعقيدات ما ورثته اليوم في احشائها فتبدو تحمل تناقضات عجيبة غريبة لدي السكان والعمران والاصناف ناهيكم عن تبايناتها في الجغرافيا الثقافية، اذ تكثر في مدننا كذلك اطياف والوان عديدة. مثل: الطبقية والاعراق، القصر والبيت، الفلل والشقق، الاكواخ والمخيمات، الميادين والحارات، المولات والحسبات.. الخ. ان اهم اسس تطوير مدننا: تطبيق التخطيط الحضري وسيعمل البعد الثالث (المعاصرة) علي تصفية حساباته مع المواريث السيئة المنتهكة لجماليات المكان ويقوم بوأد التناقضات.
لعل اهم عوامل التطور وخلق كوزموبوليتانيات عربية مدينية فاعلة وحرة ونشيطة ومتصلة بالعالم انما يخلقها ذلك الروح الدائب والتفكير المنفتح والمتابعة القصوي الذي يتمتع به كله صانع القرار ورجل الادارة والخدمات.. الرجل وبمعيته صفوة سياسية ونخب اجتماعية ممن تمتلك قدرة علي التغيير وايمان حقيقي بالمنفعة العامة واستثمار الفرص السانحة من اجل اعمار المزيد من الخدمات والمؤسسات التي يمكنها ان تكون عامل جذب للمنفعة المعنوية والمادية معا من دون انتظار ما يمكن ان يحققه الآخر، او ما يمكن ان يجلبه الحظ او الزمن او المورد الطبيعي.. المهم في خلق الروح الكوزموبوليتانية: دمج السياسي الاقتصادي بالاجتماعي الثقافي وتكافؤ الفرص امام اصحاب الكفاءة والمتمكنة من اجل تحقيق افضل النتائج. فضلا عن خلق المبادرات بتوفير التسهيلات بعيدا عن فرض الضرائب والمعوقات والملاحقات.. اي باختصار: خلق ثقافة مدينية متطورة في عموم منطقتنا تعمل علي تشجيع العمل واستثمار الزمن وخلق المحفزات مهما كان نوعها.. مع خلق الانفتاح السياسي وفرض سيادة القانون علي الجميع واحترام كل ما يصدر من تعليمات ومتابعة متغيراتها، ثمة عنصر آخر لابد ان يتوفر عند الدولة والمجتمع ويتمثل بانتقاء عامل التخوف، فبرغم ان منطقتنا هي من المناطق المتفجرة في العالم بكثرة ازماتها ومشاكلها وصراعاتها.. الا ان ذلك لا يجب ان يشل قدراتها تحت مبرر هذا المانشيت الذي استخدمه اغلب الزعماء العرب.. تحت مبررات الخوف من الاخر من دون تفعيل حيوية البعد الثالث. وأخيراً.. ماذا يمكننا قوله؟ ثمة تغييرات مفجعة وهشة وخاطئة احدثت في مدننا بالشرق الاوسط.. تشوهات ومناظر كئيبة لا تتوافق ابدا مع روح العصر، وقد غدت مكتظة بالناس ومستهلكة غير منتجة أبدا في عصر لا تعرف مجتمعاته الا الانتاج والحيوية. وليعرف اولئك الذين انعم الله عليهم بثروات نفطية ان النفط غير باق الي الابد ومصيره الزوال، وبات العالم يبحث عن مصادر للثروة، ومن اشتراطات التحديث: منح قدرات كبيرة جدا للبلديات وامانات العواصم لتلبية كل ما يحتاجه الانسان المنتج المتمدن من خدمات وتطبيق قوانين صارمة ضد الاساءة للحياة المدينية، وخلق ثقافة حضرية معتدلة ومنفتحة علي العالم. واذا ما اعتني بالانسان كقيمة وبالمجتمع كقوة حضارية فسوف لن يعيش فراغا كوزموبوليتانيا. ومن الخطأ الجسيم ان تتفق الدولة علي نفسها اكثر مما تنفق علي مجتمعها.. صحيح ان عليها الانفاق لحماية البلد، ولكن بعد ان تشبع الحاجات الاجتماعية والخدمية، وعلي المجتمع ان يساهم من جانبه في خلق الجماليات، فضلا عن معالجة امراض تخلقها مبادرات الانفتاح، وتوفير الضمانات من الدولة علي الصحة والنقل والصرف والاخلاق وكل وسائل التمدن.. اذا ما تحقق هذا كله، فسنكون قد نجحنا في خلق كوزموبوليتانيات متمدنة ينجذب العالم كله الي جمالياتها.. وعند ذاك سوف لا يجد الاغبياء والكسالي والمستهلكين والعاجزين لهم أي مكان ابدا الا في مجتمع خامل يرفضه العالم كونه مبتعد من تلقاء ذاته عن روح التمدن الحقيقي! www.sayyaraljamil.com.
التعليقات
صح النوم
نــــ النهري ــــزار -هذه المدن التي ذكرتها مدن تقع في دول مختلفة وانت تقول مدننا ماذا تعني بمدننا؟ فالذي يقرا المقال يتصور انها في دولة واحدة الرجاء من كتابنا ان يكتبوا عن الواقع كما هو والابتعاد عن الاحلام الوحدوية. هناك دول لديها استعداد ان تتوحد مع دول اوربية وغير مستعدة ان تتوحد مع دولة عربية. اما عن فن العمارة وتصميم المدن فالكل يعرف من هم المسؤولون عن ذلك وكيف ان شعار هذه الدول هو الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وسلملي على البعد الثالث.
مدن محاصرة
سيمون دي جاسم -لكي تكون المدينة العربية متطورة يجب ان تتوفر فيها العناصر التالية: أولا: سجن مركزي لحماية السلطة وثانيا: مقبرة كبيرة تضم الخارجين والمارقين والميتين من الجوع والقهر، اي ما يسمى الموت الطبيعي، وثالثا: ساحة احتفالات كبرى لمواسم نصر تشبه الهزيمة. يمكن اضافة بعض التطوير مثلا: زنازين مرفهة تحتوي على كوى لرؤية القمر ـ جزء من تقنية التعذيب ـ وثكنة عسكرية تستعرض بين وقت واخر لاخافة الجموع وربما، نقول ربما، من اجل الحداثة والعصرنة، يمكن اضافة حديقة عامة مزروعة بالكاميرات والعسس لكي يشعر المواطن انه مرصود من الارض والسماء. حول البعد الثالث الذي تحدث عنه الدكتور: المكان ليس مهما لوحده. انه بداهة لصيق بالزمان. هناك مدن تستأثر بأهمية كبرى من حدث عام أو خاص مثل قبر الفليس بريسلي وما شابه وهناك مدن تصبح مدن حج سياحي ليس بسبب القداسة ولا المركز التاريخي او الثقافي ولكنها مدن لهو وفساد : طنجة مثلا. كنا نتمنى ان يكون البعد الثالث حاضرا في تفكير الدكتور الجميل عن الحرب قبل احتلال العراق، ولكنها، وهذه مصيبة المثقف العربي عموما، حاضرة في كتاباته دائما: بمعنى نحن لا نفكر بكل الابعاد حين نفكر، ولكننا حين نكتب نستحضر كل قواعد الفلسفة والتاريخ والفكر وحتى الطبخ!
ملاحظه عابره
بورسعيدى -فى مقال السيد الكاتب (....وطنجة وبورت سعيد وهرمز.. )ولقد كتبها بورت ( ميناء )لكنها بورسعيد بالعربيه مثل بورفؤاد وبورتوفيق وايضا بورسودان..ونحن البورسعيديه نعتز باسمها بورسعيد والتى ارتفع اسمها اثناء العدوان الثلاثى على مصر! وكان عبد الناصر يزورها ويلقى خطبه منها واسماها العالم (بورسعيد الباسله )اِنهاايام! يوم ان جاء المعتدون وهدموا اجزاء منها ..ولاتزال مبانيهاالقديمه نشم منها عبق تاريخ المدينه.
العمل فقط
متفائل -العمل وبالعمل فقط ، نستطيع أن نحي مدننا ، وإذا كان الكاتب قد عبر عن ذلك بالبعد الثالث ، فأقول بصيغة أخرى ، أن لكل مدينة عربية ميزة تنافسية تميزها عن غيرها ، وبتوفر النية الصادقة بعيدا عن السياسة المحبطة ،يمكن أن يعبأ المجتمع وتبقى قدرة ذلك المجتمع على العمل ، ولكن ما يفرح في مثل هذه الكتابات هي حالة الوعي والتفكير التي يجب أن لا تعطل ، كما هو حال أصحاب التعليقات الفارغة أحادية النظر ، لا بد من التفكير والعمل وهذا ما بدأ فعلاً ...
hi
Sara -لا بد من التفكير والعملوتلبية كل ما يحتاجه الانسان المنتج المتمدن من خدمات