الثقافة العراقية غصن يتكسّر (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إنّ شارع حيفا، الذي يعدّ تحفة من تحف العمارة المعاصرة، ويتوسطه مركز صدام للفنون، الذي نُهبت كنوزه من اللوحات التشكيلية والتحف والمنحوتات إبّان هجمة الحواسم الشهيرة السيئة الصيت في 9/4/2003، يتعرض الآن إلى تشويه في معالمه الجمالية، إذ تتلوث واجهاته الأمامية وجدرانه بموجات من الملصقات والصور والرايات والشعارات المكتوبة بألوان متعارضة وبخطوط سيئة، وتحمل مضموناً مخرباً للوحدة الوطنية بين أبناء هذا البلد.
ومع أنّ مركز صدام للفنون، أصبح الآن من ممتلكات وزارة الثقافة، وتستقر فيه مجلة جلجامش، لكنه لم يعد مكاناً تعرض فيه نفائس الفن العراقي الذي يحظى بمنزلة عربية وعالمية متميزة. وأصبح الفنانون العراقيون، يتذكرونه بحسرة وألم.
وعلى مقربة من هذا المركز، يقع المتحف الوطني الذي تعرض إلى هجمة بربرية سُرقت كنوزه وحُطِّمت على مرأى ومسمع الجنود الأمريكان. بيد أنّ ثمة تكاسلاً وإهمالاً شديداً من لدن الحكومة، لإصلاح حاله والقيام بحملة كبرى لإعادة ما سرق منه. ويجب أن نعترف هنا، بأنّ التكاسل مرده إلى الطابع الديني لهذه الحكومة التي تُعدّ هذه التماثيل حراماً استناداً إلى فتاوى المرجعيات التي تحرم النحت وكثيراً من الفنون الجميلة.
ولكي يظل المتحف تحت سيطرتهم في القضاء على ما لا يعجبهم فيه، والإبقاء على ما لا خوف منه، أو على أقل تقدير الإمساك بهذا المنجم المالي الذي لا يقدر بثمن، قاموا بإيصال رسائل تهديد وُصِفت بأنها من متطرفين إسلاميين إلى الدكتور دوني جورج مدير المتحف صاحب الخبرة المشهودة، مما اضطره إلى مغادرة العراق، لينضم إلى قائمة الكفاءات العراقية التي توزعت على خرائط العالم.
إنّ الشارع البغدادي، الذي كان يمتاز بخصائص عمرانية جمالية حوّلته إلى ذاكرة للحياة البغدادية بكل تجلياتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباتت تختزن في تفاصيله كل تلك الحركة الحيوية الأصيلة، أصبح الآن فاقداً خصوصيته المكانية. المكان يعاد تشكيله لا على وفق رؤية معمارية او اجتماعية، إنما على وفق رؤية سياسية. الشارع لابد أن يفاجئ يتحولالداخل فيه بهويته المذهبية، وعلى هذا الأساس لابد للداخل أن يعيد تنظيم سلوكياته بما يتناسب مع الهيمنة المذهبية للمكان. اللغة تتبدل، مضمون الحديث، توجس داخلي يغزو النفس، اضطراب حركة النظر، محاولة استكشاف كل شيء، ورغبة لمغادرة المكان سريعاً. هذا بالنسبة للداخل المختلف مذهبياً، وقد لاحظته بنفسي عندما كنت أستأجر سيارة تاكسي يحاول السائق أولاً أن يستكشف مذهبي، لكي يمارس مجموعة من الانزياحات اللسانية بما لا يخلق نوعاً من التصادم المذهبي، ثم تتغير طريقة طرح الموضوعات عندما نمرّ على منطقة سكنية من مذهبه تزداد ممارسته الانتقادية، وعندما ندخل في منطقة تختلف عن مذهبه يختار طريق المسالمة والدعوة إلى نبذ التشاحن الطائفي، وعندما ينتهي بنا المطاف ولابد لي من دفع الأجرة والذهاب إلى بيتي ويكون ذلك في منطقة سكنية تتطابق مذهبياً مع السائق، قد يتحول الانتقاد إلى الشتيمة العنيفة للرموز المخيفة في العراق، وأهبط من التاكسي ومعي ابتسامة سوداء وأسف لا ينتهي.
سنتر العاصمة؛ الباب الشرقي، يتمتع بمسحة جمالية خاصة صارت جزءاً من المخيال البغدادي، إذ تتوسطه ساحة التحرير، ويطلّ عليها من الحافة الغربية لحديقة الأمة، نصب الحرية العظيم للفنان العراقي الكبير جواد سليم، ومن حافتها الشرقية جدارية الفنان فائق حسن ذات الألوان الخلابة وحمامات السلام البيضاء. بيد أنّ نصب الحرية الذي يعد واحداً من أكبر وأهم النصب في العراق اكتسى بملصقات وصور لرجال الدين، وتوشّح بالقاذورات. ولم تنفع حملة التنظيف التي قادها جمع من الفنانين والمثقفين لرفع الملصقات والصور وتنظيفه من الأوساخ، إذ سرعان ما عادت الصور والشعارات في زحمة التكالب على توكيد الهوية.
كان الباب الشرقي، يتزين بالمحلات التجارية المودرن، ويعدّ سنتر صالات السينما، ويمتاز بكثرة حركة الشباب فيه الذين يأتون إليه بحثاً عن آخر صرخات الموضة، ويحتضن حركة صاخبة من الباصات الحمراء ذات الطابق الواحد أو الطابقين، وتلمع واجهات محلاته، وتنتشر فيه البارات والمقاهي والمساجد والكنائس، فيه المسيح والمسلمون وما تبقى من اليهود، فيه نصب الحرية، وجدارية فائق حسن، وتمثال رئيس الوزراء في العهد الملكي عبد المحسن السعدون، وفيه نصب الجندي المجهول القديم الذي استُبدل بآخر في أيام صدام حسين الذي وضع محله تمثالاً شخصياً له هو التمثال الشهير الذي أُسْقط في 9/4/2003 وكان دلالة على سقوط النظام، واستبدل ذلك بنصب آخر لجماعة فنية جديدة لمجموعة من الفنانين العراقيين الشباب، وقد اضطر الفنان الذي أنجز العمل إلى مغادرة العراق هو الآخر. ويحاذي الباب الشرقي من الجانب الغربي، نهر دجلة وكورنيش أبو نواس إذ يحتضن هذا الكورنيش الذي كان ملتقى العشاق عدداً من التماثيل من أبرزها تمثال أبو نواس وهو يمسك متكئاً أمام بحيرة كأس الخمرة الذي أشتهر بتوصيفها حتى قال:
ألا فاسقني خمراً وقلْ لي هيَ الخمرُ ولا تسقني سرّاً إذا أمكنَ الجهرُ
وقال أيضاً:
مازلتُ أستلُّ روحَ الدنِّ في لطفٍ وأستقي دمَهُ في جوفِ مجروحِ
حتى انثنيتُ ولي روحان في جسدٍ والدنُّ منطرحٌ جسماً بلا روحِ
بيد أنّ شارع أبو نواس، قُطّعت أوصاله بالعوازل الكونكريتية بسب وجود عدد من الأحزاب فيه، وهجِر الكورنيش تماماً بعد كان يزخر الحركة، وتول إلى مكبّ للنفايات والأنقاض، حاله في ذلك حال كورنيش الأعظمية الذي تحول إلى مكبّ للجثث المغدورة وأنقاض البناء، وحال جزيرة بغداد السياحية التي تحولت إلى معسكر يعيث به الجنود فساداً، بعد أن كانت واحدة من أجمل المواقع السياحية في العراق، وحال جزيرة الأعراس التي تحولت إلى شبح مخيف واندثرت كل معالمها.
وتحولت حديقة الأمة ( حديقة الملك غازي سابقاً)، إلى مكان للتبرز والتبول، ورمي النفايات، ومؤخراً تم تشويه الحديقة بإقامة دكاكين صغيرة قيد الإنشاء لاشك في أنها ستجعل الحديقة مكاناً لتجمّع المشردين الذين يعيثون فساداً في هذا الموقع الجميل الذي يتزين بأهمّ نصبين كما ذكرت.
أما شارع أبو نواس، فلعل أهمّ مصيبة تعرض لها كورنيش هذا الشارع، هي إغلاق الكازينوهات التي كانت تصدح بالمقام العراقي، وأغلقت مطاعم أشهر أكلة تخصص فيها العراقيون دون غيرهم من العرب والأجانب، وهي السمك المسكوف على الطريقة العراقية.
إنّ الباب الشرقي، هي ملتقى الطرق الآتية من جهات بغداد الأربع، وهي حلم الشباب الذين يزورون العاصمة، إذ لابد من التجول في هذه المنطقة الزاخرة بالألوان الجذابة والمكتبات والمسارح وصالات السينما والملاهي والبارات والمقاهي ومحلات الموضة، بيد أن من يتجول فيها الآن لا يجد فيها سوى أكداس الكارتون والنفايات وعربات البضائع وبسطيات الأرصفة، وكل هذا في جو من التشنج والخوف من التفجيرات والعبوات الناسفة والاغتيالات.
أغلقت سينما النصر، وسينما بابل، وسينما سمير أميس، وسينما النجوم، وسينما النجوم، وسينما الرصافي، وسينما الأندلس، وظلت سينما الخيام والسندباد وأطلس تعْرَضُ فيها أفلام تافهة، ومع ذلك فقد تناقص عدد روادها إلى أكثر من 95%.
لقد كانت الباب الشرقي، مصدر إلهام للفنانين والكتاب والشعراء العراقيين من كل حدب وصوب، فهي تشبه لوحة متعددة الألوان، وكل لون هو لوحة في ذاته، ليست تجريدية إنما نابضة بحركة بشرية تشترك مع خيوط النسج الأخرى ليُنْتَج نسيج كامل هو: نسيج العراق.
كانت اللهجة البغدادية التي اندثرت تقريباً الآن، بسبب تدفق المهاجرين من المحافظات، لهجة تُلْحَظ في الشارع ومن أفواه الجموع التي تسير على أرصفة الباب الشرقي، لكنك الآن تستمع إلى لهجة مهجنة على نحو تنفر من الأذن، فيه خشونة، ولا يراعي مقام العاصمة، إذ تنعدم فيها الاعتبارات تماماً، على حين تسود السوقية وقلة الذوق.
الباب الشرقي، التي كانت لوحة مهيبة، تحولت الآن إلى مستودع لعربات البضائع التي تدفع باليد، ومكان لتجمع أكداس القاذورات. وبدلاً من الاستماع إلى الغناء والموسيقى التي كانت تضج بها هذه الباب، أصبحت اللطميات الحزينة الدامية، وخطب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وكذلك خطب رجال الدين الآخرين من الميتين والأحياء هي تملأ أذنيك وأنت تسير في الباب الشرقي.
وفي الساحة المقابلة لصالتي: سينما الرصافي وسينما الأندلس، هذه الساحة التي كانت تجمعاً للشباب بعمر الورد يأتون على شكل جماعات لمشاهدة الأفلام التي تنطوي على مشاهد الإغراء الجنسي، أو أفلام الـ Action، أو أفلام الرعب. وكان ثمة جمهور سينمائي رائع في بغداد، يتابع الأفلام على نحو منتظم، ويعرف أبطال السينما العالمية والعربية، ويملك معلومات جيدة عنهم. ويمكن القول، إنّ ثمة ثقافة كانت تسربها السينما إلى هؤلاء الشباب، أو رواد السينما بصورة عامة. ومجمل هذه الثقافة، ينعكس على الزي، وبعض القيم الروحية، وغرس روح التفاؤل والحلم بالمستقبل، ورؤية الحياة على وفق تصورات واقعية طموحة ومتحررة من سلطة الآخر. ولم يكن رواد السينما ببغداد من الشباب فقط، بل ثمة عوائل تجد في ذلك نزهة وترفيهاً وزيادة تثقيف، بيد أن دور السينما الآن هي والعدم سواء. فقد أصبحت شيئاً محظوراً في ظل دولة دينية، توطد أركانها بـ: ثقافة الحرام.
من ناحية ثانية، اندثر الإنتاج السينمائي العراقي لأنّ لفظة: سينما، تثير حساسية الدولة الدينية، فهي لفظة مشبعة بالتهتك والإباحية والخروج على الأخلاق وترتبط بإفساد طبائع الشباب، ومن هنا فإنّ الموقف الرسمي من السينما هو موقف سلبي، فهي تُحرّم في فقه المراجع الدينية، إلا إذا تحولت إلى سينما بحسب الضوابط التي يضعونها، والقائمة على الحذف المستمر، حتى لا يبقى من الشريط السينمائي سوى الحركة التي لا تدلّ على شيء.
nazem1965@yahoo.com
التعليقات
العراقي وموقف
الحجاج -قصة طويلة تحتاج إلى دبلجه، فلم عراقي طويل، ولا يهمك . العراقي لا يمكن المراهنة على تصرفاته. مدح صدام وقاتله، وركض وراء الدبابات الأمريكية وكاد يقودها، ثم لحق بالعمائم حتى تنفس من صكوكها ، ثم تعارض معها. فهل هذا موقف؟؟؟؟
موضوع رائع
Dana -نشكر الكاتب على هذا الموضوع الرائع الذي يكشف النقاب عن تدمير الثقافة العراقية في زمن الاحتلال الأمريكي البغيض . هناك معلومة خاطئة نود تصحيحها بخصوص ما ورد عن أمل الجبوري حيث ذكر الكاتب انها استولت على بيتين تراثيين من خلال زوجها المتنفذ في وزارة الدفاع والحقيقة انها انفصلت عن هذا الزوج العقيد في المخابرات السابقة بعد الاحتلال وتزوجت من شخصية معارضة كانت تقيم في لندن .
شنو السالفة يمعود
شكو ماكو -معلومة الكاتب عن السيدة امل الجبوري غير مخطوءة. صحيح انها طلقت زوجها المخابراتي لكنها تزوجت مسؤول التسليح في عهد بريمر واول امين عاصمة لبغداد بعد الاحتلال وبمنصبه الثاني ملّكها البيتين جزاه الله خيراً.
سيعريهم التاريخ
سامي سعيد الاحمد -الاخ ناظم عودة لا زال في اول الطربق،لم بكتشف بعد ما خططه الاعداء للوطن العراقي.كل شيء ستكشفه الايام وسيتعرى خونة التدمير من الفهم الى يائهم.نعم لقد ثبت للقاصي والداني ان التغيير في العراق لم يكن تغييرا او تحريرا ،بل تدميرا بالكامل حتى يبقى العراق ارضا بلا شعب وشعبا بلا مقومات وموقومات بلا علم وعلماء.المخطط نفذ بالكامل تدمير الارض والانسان،قتل العلم والعلماء.انهاء الغيرة والشهامة الوطنية،تفريغه من العرب واحلال الاجنبي محلهنم ،فصل العراق عن الامة العربية.اهداف جهنمية تزعمتها فرق الموت العراقية التي زورت كل التاريخ لتمنحه لامريكا منحة لتدمير الوطن مقابل الثراء والمنصب،ومع الاسف غابت الحقيقة عن العرب،وساهم بعضهم بها ولا ندري موقفهم غدا،وهل سيفيدهم ما كسبوه من مال وارض ومياه.العراق سينتصر مرة اخرى وسيظهر كل الذين زوروا التاريخ على الملأ.
عادة النهب
محمد - ديالى -يبدو أن النهب بالعراق عادة من زمن صدام وليس بعده . الكاتب هنا يفضح التدمير المستمر للثقافة العراقية والسطو على الأماكن التي كانت تحتويها ونحن نتألم . عام 1989 تذهب أمل الجبوري بقصيدة الى القصر الجمهوري حسب موعد مسبق . يثني الرئيس على قصيدتها ويملّكها حسب عريضة قدمتها له أحد البيوت الكبيرة العائد الى عائلة عراقية مهجرة الى ايران قسراً ومنزوعة عنها الجنسية العراقية ، وهي الوحيدة من بين الأدباء التي فعلت هذا الفعل . البيت يقع بالكاظمية قرب مصرف الرافدين وقامت دائرة الانشاءات الهندسية بالقصر الجمهوري حسب مرسوم نشر في الصحف بترميمه وتأثيثة لتسكنه أمل . تضع صورتها وهي تقف الى جانب الرئيس في مدخل القاعة الرئيسية للبيت وفي حوار معها نشرته مجلة تصدر بلندن بعد احتلال العراق تقول : { أنا لم التق صدام حسين في حياتي قط } .
الله يستر
صادق التميمي -المقالة جيدة للقاريء، وقد يكون تحرير العراق من الدكتاتورية مصدر إزعاج لمن يتصدر كل هذا الضجيج، فهؤلاء الشعار هم كتاب وصحفيي الصفقات المالية حتى وإن جاءت على حسابات الناس وتضحياتهم وإستغلال طيبتهم. لقد خدموا الماضي عن قناعة، وعندما حل التغيير تسابقوا لينالوا حصتهم. ثم إنكفأوا وعادوا يشتمون الأمريكان وسلطة العمائم. هذه الأرضية الأخلاقية وثوابتها لدى مثقف المدرسة الإرتزاقية. ولو بحثت عنهم الآن لوجدتهم منضوون تحت عباءات الأحزاب المعارضة للنظام الحالي وذلك لإفتضاح أمرهم بعد أن شعروا أنهم يمارسون مهنة التنقلات السريعة حسب مصادر الدفع والتمليك والتملك. للأسف هذه ظاهرة وسلوك يمتاز بها العراقي وخاصة من حملة القلم التجاري.
ذئاب وفريسة
دزعبد الجبار العبيدي -حتى لو افترضنا ان جيوش الاحتلال دمرت معالم التراث العراقي جهلا واعتباطا،فهل كان من حق العراقيين الذين رافقوا الاحتلال ان يقبلوا بواقع التدمير العراقي الكلي الذي شمل الارض والانسان والتراث معا.كثير من الدول احتلت فمثلا بأحتلال الحلفاء لبرلين وسحق الحاميات الالمانية وتسليم البعض منها، استطاعت الحفاظ على مبنى (الرايخشتاغ) المقر الرسمي للحكومة والمهمات الرسمية ،المعالم الامانية التراثية لم تدمر ولم تنهب،لم تمنح فرصة للاخرين بتدمير الوطن الالماني،وبمجرد ان وضعت الحرب اوزارها وضع مشروع مار شال وبدأت المانيا من جديد وطنا وقيادة.نحن تم احتلال الوطن ولا زالت الاسباب غامضة الى الان سوى التي مصدرها المحتل،لكن على الارض كان التدمير مقصودا للعراق حضارة وانسانا وعادات وتقاليد وكل مخزونه التراثي ل4000 سنة ،وكأن المقصود كان مخططا له تدميرا لا تحريرا سلبا ونهبا لا ردا لاموال الناس لاصحابها،ثم جاءت المرحلة الثانية الاكثر تدميرا من الحرب هو قانون بريمر الذي وافق عليه مجلس الحكم بحرارة كما يقول بريمر نفسه في كتابه سيء الصيت(أقرأ ص54 وما بعدها) متناسين الانسان والوطن والتراث،نحن لازلنا بأول الطريق وحين تضع الحرب اوزارها بعد طرد الغزاة ، ستبان الامور على حقيقتها وسيكتشف العراقيون ان وطنهم تم بيعه واستلام الثمن قبل ان يدخل الاحتلال وتدنس الارض والانسان.كانت حرب بلا قيم ،وغازي بلا شرف ومثل،،فماذا ترتجي من الذئاب حين استيلائها على الفريسة.نحن نطالب الامم المتحدة بالتفتيش على التراث العراقي في دول الجوار التي ساهمت بنهبه وبقصور المتنفذين وسماسرة التراث العالمي ستتكشف لنا حقائق مذهلة عن الذي حل بالعراق وبتراثه.ان الاخ ناظم عودة رغم حرصه على الوطن لكنه لازال بعيدا عن القصد.
الحق اولى ان يتبع
د.عبد الجبار العبيدي -الاخ صادق التميمي يصب جام غضبه على من يعارض الخطأ ويصفه باصحاب القلم التجاري.كل التغيرات السياسية في العالم يهدف اصحابها الى اسعاد الناس واعادة الحقوق المهدورةالى فاقديها،لذا فأن ايديولوجيتهم واستراتيجيتهم تبنى على الفعل لا القول، ليرضى عنهم الناس ويؤيدوهم.لا احد يشك بأن النظام السابق كان خاطئا في كل شيء،حتى اصبح الخطأ قانونا ارتضته الناس جبرا لا طوعا واقتناعا.وحين هيأ الله لهذا الشعب فرصة التغيير اعتقد الجميع ان ما مورس من خطأ في حقوقهم وواجباتهم قد انتهى وحل عصر جديد.لكن ما هي الا ايام حتى ظهر للقاصي والداني بطلان ماكانوا يدعون،فلا القانون اتبع ولا الحقوق عادت ولا الدولة تماسكت ولا الثروة حفظت ولا الانسان آمن واستقر،كل شيء جاء على غير هدى وتوقع.التغيير لا يعني منح الحقوق للمظلومين سابقا وحجبها عن الاخرين،لا والف لا.فالتغيير يأتي لاحلال القانون وروح القوانين لخدمة الناس والمجتمع دون تفريق،هكذا كانت ثورة محمد في جزيرة العرب وهي الاساس.فلا حرية بالاختلال ولا ديمقراطية بالمحاصصة الطائفية والاستعلائية والتعالي على حقوق الناس والوطن وضم المحاسيب والاصدقاء وان كانوا من السيئين وترك الاخرين.هذا السلوك اتبعه الاكراد فخسروا الاخضر واليابس خسارة لم تماثلها خسارة في تاريخهم السياسي،لكن سرعان ما انتبهوا انهم في وحل السياسة الخاطئة منغمسون فتراجعوا وعادوا وهذا يدل على رجحان عقلهم وخبرة قياداتهم ونظرتهم البعيدة المدى لواقع التغيير التاريخي في الوطن العراقي،بينما نحن العرب لازلنا نكابر ونتعالى ونردد خطب المساجد ورجال الدين الذين ينفخون في قرب مقطوعة،فلا الكفاءة لها مكانها في الدولة ولا الحرية والكلمة لها معناها في السياسة والتطبيق,يقول الامام علي ،يا ولاة امور الناس اصدقوا ما وعدتم به الناس،ولا تكونوا كالبطر،والبطر هو الذي يستولي ولا يبالي.معذرة اخ صادق لم يكن ردي تجريحا بل مداعبة اخوية لك ايها العزيز.فلنتعاون جميعا لتنبيه ولاة امور الناس في الخطأ الذي هم به يعمهون.
الماضي مرآة الحاضر
يعقوب فالح -عزيزي د. العبيدي، لقد صورت المشهد العام لطبيعة الحروب والقمع والأوضاع الإقتصادية المتردية والتفرد بالسلطة، وتحكم قطعان رؤوس المال وهم بالطبع ممن يمسكون بزمام السلطة، المحاطون دوما من قبل الأكثرية ممن أرتبطوا بالنظام وهو الحلال لمشاكلهم من خلال ما يقدم لهم من عمل مقابل التسليم بسلطة الحزب، الدكتاتور، والحروب هي الوجه القبيح لهذا الأستغلال، فلقد تم توفير أيدي عاملة تبيع أرواحها للقادسيات مقابل العيش بدون ملاحقة ومراقبة وسجون. هذا فيض من مرحلة يبدو أن تقييمها تحول إلى التعلق بإدانة أمريكا، والمعروف أن أمريكا لها مصالحها وقواعدها وعملائها وآبار نفطها وشركات تجول وتصول في المنطقة، من هنا سقوط الدكتاتور جاء نتيجة ممارساته وطبيعة البنية السياسية والإقتصادية وأفق النظرة الفردية لمشاكل العراق التي أخذت تبرز على سطح الصراع، من هنا فأمريكا ليست بلد فقير كموريتانيا مثلاً بل دولة عالمية لها ستراتيجاتها وحساباتها في العالم، كما وأن الضحايا في هذه المعادلة المعروفة، هي الشعوب، والعراقي وأنا أتفق مع الطرح الذي يقول ؛أعتبر التحرير هو سرقت بيته ومؤسساته التراثية، وكذلك التعلق بكل جديد حتى وأن كان بديلا غير جذري وبديل عن الدكتاتورية، وأمريكا بالتأكيد لم تأتي بمعارضة نظيفه بل بمجموعات خبرتها وعرفتها من خلال العمل المشترك. وما بعد ذلك لقد تم سرقت التراث الحقيقي المعارض للدكتاتورية، وسيطرت التيارات السلفية والمصلحية حيث ساد الخراب من جديد وتطورت لغة وتصرفات وممارسات الناس نحو نزعات مازوخية تم الحصول عليها من المؤسسة الدكتاتورية ومن السلطة الحالية بكافة فصائلها معارضا كان أم في السلطة. وأمريكا جاءت لتخلص العراق من أعتى نظام إستبدادي عرفته المنطقة العربية والتي والحمد لله تمتلك مقومات الدكتاتوريات ولكن من خلال العشيرة وسلطة العائلة. وقد يعيب الإنسان لبعض العقول الواعية أن تفسر وتحلل بمنظارين غير متطابقين على أرضية قراءة التاريخ علميا ومسار الصراع مع الماضي الدكتاتوري والحاضر السلفي والذي نهج كما الماضي مسلك التحزب والعصابات والقتل والمنافع الفردية على حساب الأكثرية. طبعاً لا ننسى هناك قطاعات واسعة من المثقفين والمنظرين مارسوا لعبة خطيرة وقد مهدوا للخراب في الماضي والحاضر. وشكراً
منفي عراقي
صادق التميمي -الزميل د. العبيدي شكراً لما سطرته، وقد أتفق مع البعض منه، ومثالك حول السلوك الكردي، وأعتقد أنك تقصد المنظار الكردي السياسي، فهذا المثل غير صحيح كون سياسة الأحزاب الكردية مغلقة وغير معاصرة ولا تسير مع متطلبات الصراع في العراق، وربما مثل بسيط على صعيد علاقاتهم وتقلباتهم أمام الغزو الكردي للأراضي العراقية وموقفهم المتناقض حول نضال الشعب الكردي في تركيا. ثم وقد حددت ما حصل في العراق فالتيارات الدينية التي تمسك بمقاليد السلطة الآن ومعها الأحزاب الكردية سرقت التاريخ الثوري للآلاف من الشهداء في داخل العراق وخارجه وهم الذين صارعوا الدكتاتورية منذ مجيئها عام 1963، أما أمريكا فهي وكما نعرف بلد المشاريع الإقتصادية التي يتم تطبيقها بالقوة والدماء. مثال أمريكا اللاتينية والإنقلابات الخاطفة وتنصيب الدكتاتوريات، ما حصل في اليونان وتشيلي. والعراق مقسم ومنذ التاريخ على قاعدة الصراعات السياسية والعنف، ولكن منذ صعود الدكتاتور وتفرده وتنامي ظاهرة التطرف الإسلامي تم تحوير الصراع إلى صراع دموي بين السلطة والتيارات السياسية التي ما كان منها إلى اللجوء إلى الدين لتصفية حساباتها مع النظام، خذ مثل ظاهرة إيران وهي بلد غير عربي، فالحركة السياسية الثورية الإيرانية لها تاريخ طويل في النضال ضد الشاه، لكن التيار الديني وتأثيراته على الشارع قد حصل على السلطة وهاهو يمارس قمعه وظلاميته ضد الأكثرية. إذن السياسة غائبة، والحرب الدينية قائمة سواء عن طريق الأحزاب والعشائر والجوامع ولا ننسى فلول القاعدة والنظام السابق وبعض من العاطلين عن العمل من العرب المفرفوضين سياسيا وإجتماعيا في بلدانهم ممن تضرروا برحيل المخزون المالي لهم- أي ثروات العراق المنهوبة من قبل الدكتاتور وعصاباته وتجييرها لثبيت سلطته. أما والآن فالعراق قد تنازعته الطوائف والمجاميع والعصابات الخطيرة، وهل نعتقد وليس للتجهيل أن أمريكا جاءت تتنزه في العراق وهي التي قدمت أكثر من 4000 جندي كضحايا على طريق تحرير هذا البلد. إذن البؤس في الوعي المراكم والمتراكم على مرّ الحقبة التاريخ وكيفية فهم الحرية والحفاظ عليها وتسخيرها للبناء والإعمار لا للإقتتال والهمجية. وشكراً للزملاء في إيلاف على جهود النشر.