كتَّاب إيلاف

التبت، ودارفور، وبينهما دموع المسيحيين!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كان المفترض أن يكون عنوان المقال "الصين بين التبت ودارفور"، فالعلاقة الصينية مع الأولى مباشرة، قمعا، وتنكيلا، ومع دارفور علاقة قوية لأن الصين تدعم النظام السوداني بالسلاح، ودبلوماسيا.
هكذا كانت النية لولا نشر مقال فرنسي للتو بعنوان 'دموع المسيحيين الشرقيين'. إن هذا المقال يركز على كيفية تعاطي المجتمع والإعلام، الدوليين مع مأساة مسيحيي العراق، والأقباط المصريين من جهة، وبين الاهتمام الاستثنائي، والمشروع، بمحنة التبت؛ أي أن مقالنا لا يتناول هذه الحالات إلا من زاوية الاهتمام الدولي بكل منها.
إن سكان التبت لا يريدون غير العيش في أرضهم المغتصبة بحرية، وكرامة، وأمان، هم ودينهم، وتقاليدهم، وزعامتهم الروحية. إنهم لم يعتدوا على أحد، وهم يدعون لتلبية مطالبهم سلميا، وذلك على الأقل في ظل حكم ذاتي. أما الحكومة الصينية، فجوابها للقمع الدموي، وتشويه الحقائق، والكذب على الرأي العام الدولي.
إن الصين بلد انفتح على لبرالية الاقتصاد باعتماد اقتصاد السوق، وحقق نتائج اقتصادية عظيمة وبنسبة نمو سنوي عالية، وهي، في نفس الوقت، دولة نووية قوية، ولذا راحت تلعب دورا هاما ومتزايدا في الساحة الدولية، غير أن المشكلة الكبرى مع الصين أن النظام السياسي الصيني لا يزال النظام الموروث عن ماو، نظام الحزب الواحد، وهو نظام لا يحترم حقوق الإنسان، بل يواصل أساليب القمع البوليسي، وسياسة القهر، للأقليات، وللمعارضة.
إن رد فعل المجتمع، والإعلام الدوليين على المحنة الحالية للتبت، ساخن، وهو مشرف، وترتفع حاليا نداءات المجمع المدني الغربي لمقاطعة الألعاب الأولمبية، ولكن المقاطعة التامة ليست ممكنة، والممكن ربما هو مقاطعة سياسية بامتناع حضور عدد من رؤساء الدول في يوم الافتتاح. إن الاحتجاجات على التنكيل بأهل التبت مستمرة، وإن الاستثناء الوحيد هو الرئيس الفنزويلي شافيز، الذي أعلن دعمه للصين 'ضد المؤامرة الأمريكية''، هذه المؤامرة التي يراها في اليقظة، والمنام، وحتى في فشل هذا الفريق الرياضي أو ذاك!!
لقد لجأت الحكومة الصينية مؤخرا لمناورة جديدة بإصدار مرسوم يقضي بأنه لا حق لأي كان أن يعلن أنه راهب بوذي من غير موافقة الحكومة الصينية، وجاء المرسوم إثر تصريح الزعيم البوذي بأنه قد يشارك في اختيار خلفه. إن الغرض من المرسوم الصيني واضح، وهو انتظار وفاة الدالاي لاما لاختيار خلف له يأتمر بتعليمات الحكومة الصينية، وسبق لها أن فعلت ذلك من قبل بالمجيء بصبي وتنصيبه زعيما روحيا للبوذيين في التبت بعد وفاة الزعيم الحقيقي.
أما قضية الإبادة الجماعية في دارفور، فقد وصلت لمجلس الأمن، وتم إرسال بعض قوات السلام الدولية والأفريقية، وهذا موقف جيد، ولكن دور هذه القوات يهمشه النظام الإسلامي في الخرطوم، حيث تواصل عصاباته المسلحة تنكيلها الدموي، والاغتصاب الجماعي.
إن محنة دارفور قد أثارت اهتمام المجتمع الدولي، غير أنه لا يزال أقل مما تتطلبه حملات الإبادة الجماعية، والسبب هو دور الحسابات، والمصالح، الدولية، إذ كان على مجلس الأمن أن يكون أكثر حزما وتصميما في الموقف من نظام البشير، وكان على الإعلام أن يكون أكثر مثابرة على نشر الحقائق، وأن يستمر في استنكار المجازر.
بمقابل الاهتمام بالحالتين المارتين، فإن محن المسيحيين العراقيين، والأقباط، لا تجد لها غير صدى خافت، ومتقطع، في الإعلام الغربي، مع صمت مجلس الأمن ودوله.
يقول كاتب المقال الفرنسي ' إتيان دي مونتيتي' -
Etieenne de Montety -:
' على بعد آلاف الكيلومترات من التبت، في العراق، موطن إبراهيم، يدفع المسيحيون من أرواحهم ثمن عدم التسامح. إن محنتهم لا تثير أية مشاعر'؛ ويقول الكاتب إن الإعلام الفرنسي القادر على إثارة الضجة على حول قضية عادلة كالتبت، يظل صامتة عن مأساة المسيحيين الشرقيين، والعراقيين بالذات، وإن خبر اغتيال مطران الكلدان في الموصل قد نشر كمجرد خبر من الأخبار في الصحافة الفرنسية، وبلا متابعة.
ن المحزن أن الاهتمام الاستثنائي بمحنة المسيحيين العراقيين على أيدي المتطرفين الدينيين، والإرهابيين الإسلاميين، كان يجب أن يأتي أولا من القيادات العراقية نفسها، منذ بداية حملة الاضطهاد الديني فور سقوط صدام، وكذلك اهتمام من ممثلي المجتمع المدني العراقي، ومن رأينا، أنه كان بالمستطاع، على الأقل، خلق بعض الضجة والحركة في الغرب على أثر اغتيال مطران الموصل. أما والعراق مبتلى اليوم بمحنة أكبر، هي حرب إيران بوكالة جيش المهدي على شعب العراق، بكافة طوائفه، وأديانه، وقومياته، بإراقة للدماء، ومنع خروج الناس من البيوت، وإجبار الحوانيت على الغلق، أي فرض حصار تجويعي تام على السكان حيثما سادت قوات مقتدى الصدر؛ نقول أما اليوم، والعراق كله يحترق، فإن القضية الآنية الملحة هي القضاء على إرهاب الجيش الإرهابي الدموي لمقتدى الصدر، المسير إيرانيا، علما بأن الصدريين هم الذين بدئوا في بغداد، والبصرة حملة مطاردة، وقتل، المسيحيين، ثم انتقلت للحملة للموصل بجرائم القاعدة، وهذا ما كتبنا عنه مرارا.
أجل، إن الإعلام الدولي مقصر وباهت بالنسبة لمأساة المسيحيين الشرقيين، بينما موقفه مشرف من مآسي التبت، ودارفور.
نلاحظ أخيرا أنه في جميع الحالات الثلاث ثمة قاسم مشترك هو فقدان التسامح، ورفض الآخر، ومحاولة قهره بالقوة، سواء كان الأمر سياسيا، أو عرقيا، أو دينيا، وبالنسبة للصين يجتمع السياسي، والديني معا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الثور الابيض
مازن -

ما يحدث في العراق و مصر من يذكرني بالمثل اكلت يوم اكل الثور الابيض فالذي يهن عليه اخاه و شريكه بالوطن سيأتي الدور عليه...شكرا ايها الكاتب على كلمة الحق

دارفور وبودا والبقية
صادق التميمي -

أتمنى أن يقرأ الأستاذ عزيز الحاج تعليقي هذا الغير المؤثر - كصدمة- في طمئنة الناس على أحوال التيبت، ودارفور، وأوضاع الطائفة المسيحية. والجميع يعيشون إغتراب أبدي ونفي قاطع وتجويع مزمن وقتل إنفرادي وجماعي، فشعب التيبت قد لا يفقد مقدار صموده بقدر إفتقاده لديانته البوذية وهي مخزون إنساني كبير بشر به بوذا، داعياً إلى تطهير النفس والوصول بالعقل الذي يتلبسه الشر إلى حالة النرفانا وهي السمو والتطهر من قانون الحزب الواحد وإن لم يكن هنالك حزب واحد في رحلة بودا بين غابات الهند. والتراجيديا التي لا حقت أهالي دارفور، تتشابه والمآسي الشكسبيريه، وحتى وأن غاب الوعي عن ملايين الأفارقة إلا أن الجوع هو أكبر خطراً وفرته الطبيعة لهم. هذا يعني نقمة الرب ونقمة الدكتاتور ثنائي تحالفَ على شكل قنوات عسكرية تمدها الصين بالسلاح ويدعمها القذافي بالضجيج الإعلامي بعد فشله في الفتح العسكري ضد حسين حبري في الصحراء الليبية الكبرى. أما والمسيح وأبانئه في العراق فهم ضحية تنكيس الكنيسة وتأييدها المطلق آنذاك للدكتاتور، وقد نجد في الجرائم ضد هذه الطائفة لوحة حقيقية لما آلت إليه أوضاع العراق الجديد كمؤسسة وشعب وشعاب خرجت من رحم الماضي إلى نور الظلمات. وشكراً

احييك صادق
عاطف موسى - مصر -

تعليق رائع يااخى التميمى وازيد . ان معاناه مسيحيى الشرق يكاد يكون اشد وطأه من بوزى التبت بكثير - الصين لاتحترم حقوق الاقليات كخط معلن امام المجتمع الدولى . تعلنها صراحه دون مواربه . بينما من مسيحى الشرق حالتان . الاولى بالعراق . الذى لم تثيره المقال هو ادراك العالم ان مأساه مسيحيى العراق قد اوجدها حرب امريكا على العراق وما استتبعه من عدم حمايه الاقليات بها - وترك الدوله المنتصره الفصائل تتناحر لاكل بعضها البعض - فلماذا لم تتدخل الدوله المحتله لحمايه رعايا الاحتلال ؟ الفصيل الثانى هم اقباط مصر والتى حالتهم تكاد تكون اشد واعتى . لان السلطه المصريه تطلق ان اقباط مصر هم فى عيونها وان رقابهم فى امان وفى الخفاء يحدث مالم يتخيله بشر . وان من يريد ان يدعى البطوله فهو اول من سيصرع على الحلبه فى دوله كل شىء اكثر تمام .

الإرهاب الكامن
خوليو -

أخطر أنواع الإرهاب هو ذلك الإرهاب الكامن بالنفوس والذي يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويحاول فرضها على الآخر ،أن تدعي امتلاك الحقيقة فهذا من حقك أما وأن تترجمها لأفعال وقتل ضد من لايراها هكذا، فهنا تكمن الخطورة، لأن هذاالنوع من الفكر الإرهابي، لايشكل تعاليم لمنظمة معينة أو حزب معين فقط، بل يكمن في نفس الفرد العادي، ويتأجج ويترجم لأفعال كلما سنحت الفرصة ( مثل خروج امرأة من دون حجاب مثلاً)،فيصبح الجار ضد جاره والرجل ضد المرأة،والذكر ضد الأنثى ويعمل على تأديبها على طريقته ، قتل المسيحيين بالعراق قد ينفذه أي فرد من جماعة الحقيقة المطلقة المزعومة، وطالما لايعترف بأية سلطة غير سلطة الحق المطلق، فهكذا إنسان هو قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر بأية لحظة، لايحد من انفجارها سوى تعطيل صاعقها من قبل ديكتاتور يعتقد أيضاً بحقيقته المطلقة ويراقب بشكل مستمر تلك القنابل،إعادة بناء الإنسان هو الحل، وهذا يكلف وقتاً وجهداً وستذرف دموع كثيرة لحين عودة برمجة تلك العقول الإرهابية الجماعية والفردية من بتوع الحقائق المطلقة.

الاقليات
منذر -

بدل ان تتباكى على التبيتين تباكى على العرب انفسهم في فلسطين وفي لبنان وفي العراق، اذا كان المسيحيون العراقيين يتعرضون للاضطهاد فان المسلمين يتعرضون للابادة عن طريق الامريكان او عن طريق عملائهم في الحكومة والجيش، اما دارفور فهي ليست حرب ابادة بل هي حرب طائفية بين العرب سكان دارفور المدعومين من بعض رموز السلطةالسودانية وبين الافارقة سكان دارفور المدعومين من الغرب وبتواطؤ من الحكومة التشادية.

كفى كذبا وافكا
ماسى -

كاتب المقال فى ظنى مصاب بالعظمة الغربية هوس تغريبى لذلك لا نتعجب حينما يتحدث عن دارفور بهذه الصورة جزء من الالية الغربية التى هيات لتدمير العراق ويسعى لتدمير السودان والصين اتركونا ايها المطبلون للغرب

الضمير الوطني
اشوري من العراق -

ان ان الشعب الكلداني السرياني الاشوري في العراق اليوم لا يحتاج الى دعم من المنابر الاعلامية في الغرب بقدر ما يحتاج شعبناالى وقفة الضمير الوطني من الجماهير العراقية وقواهاالسياسية للاقرار بالحكم الذاتي لشعبنا ضمن مناطقه التأريخية في العراق وتثبيته في الدستور العراقي ودستور اقليم كوردستان كضمانة دستورية وقانونية لشراكتنا السياسية الحقيقية في الوطن مع جميع المكونات العراقية.اثمن موقفكم الوطني الاستاذ عزيز الحاج الذي دعاكم الى الاهتمام بمعاناة شعبنا الذي بات اليوم الوقود الازلي لاستمرارية مسيرته السرمدية التي ستقود العراق الى وحدة سيادته والى الاستقرار والعدالة والرفاهية لجميع ابنائه لاحرار