قراءة في الثابت والمتغير للسياسة الشرق أوسطية لألمانيا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عرفت ألمانيا في عهد الثنائي "شرودر ـ فيشر" إدارة جيدة لملفي الصراع الفلسطيني /الإسرائيلي والحرب على العراق. لكن الرأي العام والمراقبين في ألمانيا يؤكدون عدم الجدية والعمق في سياسة "أنجيلا ميركل" تجاه قضايا الشرق الأوسط، حتى أنه ليس لديها اهتمام شخصي بهذه القضايا كما كان المستشار السابق ووزير خارجيته. بل على العكس تذهب الباحثة الألمانية " إليزابيت سشافير" من جامعة برلين للقول :" إن ميركل ووزير خارجيتها لا يستطيعان تحديد الأولويات الألمانية في هذا الإقليم". ورغم التطورات الكبيرة التي شهدها العالم، فإن المحددات التقليدية للسياسة الألمانية في الشرق الأوسط مثل العلاقات المميزة مع إسرائيل، والحفاظ على مصادر الطاقة، لم تتغير سوى بشكل سطحي. مع العلم أن هوامش المناورة أمام حكومة ميركل اتسعت قليلا، لاسيما بعد ترأس ألمانيا للاتحاد الأوربي في عام 2007، ورئاسة مجموعة الثمانية، لكن هذا في النهاية لم يكن له تأثيرا جذريا على السياسة الخارجية الألمانية.
مع ذلك هناك من يرى بعض التطورات الألمانية في سياسات الشرق الأوسط. منها العديد من التحركات للجنود الألمان بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية والتي بدأت نظريا مع حكومة شرودر وعمليا مع ميركل. بالإضافة لذلك، بدأت بعض تأثيرات القضايا الشرق أوسطية تظهر على التنافس السياسي الداخلي في ألمانيا، طبعا من غير أن ننسى هنا التزام ألمانيا بالوقوف لجانب المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري. ولكن الفرق بين حكومة شرودر وميركل، أن الأول استطاع أن يحصل على الكثير من الإعجاب في الشرق الأوسط من خلال مناهضة الحرب على العراق وببعض الضربات الإعلامية، بينما الثانية أرادت الدفاع عن المصالح الألمانية ضمن نطاق مؤسساتي، أي عبر الأمم المتحدة أو اللجنة الرباعية للشرق الأوسط. لقد تبنت أنجيلا ميركل الاستمرارية، الهدوء والتواضع في سير السياسة الخارجية. وهذا يعني وفق الباحثة الألمانية من جامعة برلين :"إتباع سياسة صحيحة في العلاقات الدولية والقليل من التغيير والقليل من النتائج المهمة". ومن هنا نرى الرؤية الألمانية حول الحل السلمي لملف إيران النووي، بناء العراق، تعميق العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، اللجنة الرباعية وأخيرا نذكر مطالبتها الدائمة للتهدئة في جنوب لبنان. الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي
رغم أن "الإسرائيليين"، أو الذين أصبحوا من حملة هذه الجنسية الدينية الجديدة في الشرق الأوسط، القادمون من روسيا، إثيوبيا، الولايات المتحدة، المغرب، اليمن، والعراق ودول أخرى ليس لهم أية علاقة بالجرائم النازية التي ارتكبت بحق اليهود، إلا أن ألمانيا مازالت تعتبر أن هؤلاء هم من ضحايا تلك المحرقة. إذا الأسباب التاريخية تشكل القاعدة الأولى للسياسة الخارجية الألمانية تجاه هذا الصراع، وهي جزء من السياسة الأوربية تجاه القضية الفلسطينية.وعمليا "بعيدا عن المصالح الحيوية للدول"، هي سياسة أوربية ـ ألمانية غبية وظالمة، حيث الإصرار على أن يدفع العرب ثمن جريمة ارتكبها الألمان بحق أتباع الديانة اليهودية. واعتراف السياسة الألمانية بحق الفلسطينيين ببناء دولتهم ليس فضلا منهم ولا موقفا إيجابيا، بل واجب عليهم أو شكل من أشكال تنظيف الأيدي الأوربية الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني.ومنها تأتي الوساطات الألمانية الدائمة بين سورية وإسرائيل بهدف تحقيق السلام بين الدولتين، مع العلم أن جميع المحاولات الألمانية تظهر مدى ضعف الوجود السياسي الألماني في الشرق الأوسط. حتى أن وزير الخارجية الألمانية "فرانك وولتر شتينمير" أكد على أن مفاوضات السلام يجب أن تكون برعاية أمريكية، والدور الأوربية هو في مساندة الجهود الأمريكية وفي إعادة بناء وأعمار السلطة الفلسطينية. الوجود العسكري الألماني في الشرق الأوسط
في الواقع، منذ أيام المستشار الألماني السابق "شرودر" كان هناك دعم لوجود عسكري ألماني في المنطقة، وهذا ما تحقق عمليا مع قدوم المستشارة الألمانية "ميركل".ولكن على أن يكون هذا الوجود ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة، وبالفعل تحقق هذا الوجود وأصبح أمرا شبه عادي. مع ذلك، هناك العديد من المحللين الألمان الذين يعتبرون أن التواجد العسكري البحري الألماني قبالة السواحل اللبنانية كجزء من قوات "اليونفيل" ووفق القرار الدولي 1701، لا يشكل نجاحا للسياسة الخارجية الألمانية. أمام السبب فيعود لجانبين أساسيين، الأول: أن هذه القوات لم تنجح في السيطرة على الحدود وضبط عمليات تهريب الأسلحة عن طريق البر، والثاني: أن حكومة إيهود أولمرت التي وافقت على الوجود العسكري الألماني، وقعت في العديد من المشاكل والحوادث خاصة بين البحرية الإسرائيلية والبحرية الألمانية.فالجنود الألمان احتاجوا إلى وقت طويل حتى أصبح من حقهم إطلاق النار تجاه الجنود الإسرائيليين لأن هذا الموضوع كان من المحرمات المطلقة بالنسبة للسياسة الخارجية الألمانية في الشرق الأوسط.
في شهر أيار من عام 2007، اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي وجود قوات دولية في منطقة رفح الفاصلة بين مصر وقطاع غزة. لم تحبذ ألمانيا هذه الفكرة، وعلى العكس من ذلك انسحبت دوريات مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوربي من هذه المنطقة في نفس الشهر من نفس العام، وكان من بينها بعض المراقبين الألمان. الملف الإيراني
في عهد الحكومة الألمانية السابقة بدأ وزير الخارجية "جوشكا فيشر" حوارا أوربيا مع إيران من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للمعضلة الإيرانية. مع الحكومة الحالية، تابعت "ميركل" هذه السياسة برفقة وزير خارجيتها " وولتر شتينمير". ورغم تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن إلى أن الأوربيين وخاصة فرنسا، بريطانيا وألمانيا، اقترحوا على إيران تعاونا موسعا على الصعيد الاقتصادي، السياسي والنووي، بشرط أن تعلق إيران نشاطات تخصيب اليورانيوم. طبعا وكما هو معروف رفضت إيران هذه العرض.
وبعد الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوربي، تابع الاتحاد مراقبة هذا الملف بشغف كبير.فالدول الثلاث المذكورة أعلاه، دعت إلى تعزيز العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفعت صوتها بشكل أعلى مطالبة إيران بوقف التخصيب لليورانيوم، وكان الإصرار الألماني واضحا بالطلب من طهران التعاون الكلي من غير شروط. وهنا ترى الباحثة الألمانية من جامعة برلين " إليزابيت سشافير" أن ألمانيا تستخدم إستراتيجية من "التزام مزدوج". من جهة، استغلال إمكانية الحوار مع طهران ومدى جديتها بالعود لطاولة المفاوضات، على أن يكون شرط العودة هو توقيف تخصيب اليوارنيوم؛ ومن جهة أخرى، التزام إيران بالقوانين الدولية عن طريق فرضها من قبل مجلس الأمن الدولي. العلاقة مع دول الخليج العربي
خلال الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوربي لم تنجح ألمانيا بتوقيع اتفاقية "التبادل الحر" مع دول الخليج. وعمليا منذ عام 1990، الاتحاد الأوربي مرتبط مع مجلس التعاون الخليجي باتفاقية تعاون، وأيضا منذ هذا التاريخ، هناك مفاوضات لتعزيز التعاون ضمن نطاق هذه الاتفاقية. المقصود هنا ليس فقط بناء علاقات اقتصادية قوية، بل وعلى غرار اتفاقية برشلونة، إقامة تعاون سياسي وفي جميع المجالات بين أوربا ومجلس التعاون. أما المفاوضات من أجل التبادل الحر فقد توقفت من عام 1991 حتى عام 2001، ولم توفق ألمانيا في إيجاد حل أو مخرج لها. السياسات المتوسطية لألمانيا
دعمت ألمانيا "ميركل" التعاون والتكامل بين أوربا وجيرانها المتوسطيين، تعاون مازال العرب يبدون فيه الشك والارتياب.مع ذلك، عزز الألمان حضورهم المتوسطي من خلال الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية، وقد دعوا من خلالها لتعزيز التعاون الإعلامي، ودعم المجتمع المدني في هذه الدول. ومن المعروف أن مؤسسة "فريدريك إيبيرت" و" معهد غوته" كان لهما تميز خاص في هذا المجال، لاسيما في إنشاء البرلمان الأوربي /المتوسطي للشباب.بشكل عام لا يحب العرب الخطاب الألماني حول حالة حقوق الإنسان في العالم العربي، وربما يكون هذا من الأسباب الرئيسية لعدم الاندفاع العربي باتجاه ألمانيا. من جهة أخرى، لم تبد الحكومة الألمانية الحالية إعجابها بمشروع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي حول "الاتحاد المتوسطي"، فألمانيا كما بلجيكا، تنتمي لمفهوم آخر هو " السياسة الأوربية مع الجوار".
في الواقع، تعتبر إنجازات الحكومة الألمانية الحالية في سياساتها الشرق أوسطية متواضعة بمقارنتها مع انجازات الثنائي "شرودر ـ فيشر". فقد شارك هذا الثنائي في إعداد "خارطة الطريق" وكان له رغبة في المشاركة بفعالية في عملية السلام. أيضا في عام 1999 صدر "إعلان برلين" الذي يؤكد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف الأوربي بها. أما كلمة "لا" التي قالتها ألمانيا في الحرب على العراق جعلتها تكسب الكثير من الأصدقاء في الشرق الأوسط.
بعد 11 سبتمبر، أصبحت العلاقة مع العالم العربي لها أهميتها بالمسائل السياسية الداخلية في ألمانيا، وتحدث العديد من السياسيين الألمان عن ضرورة مكافحة الإرهاب كلما ذكر وجود جالية شرق أوسطية في ألمانيا، لاسيما مع وزير الداخلية "وولف غانغ شوبل". في نفس الوقت تم تأسيس مؤتمر دائم حول الإسلام، ثم موضوع الاندماج في الأمة الألمانية، لتبدأ مرحلة جديدة في ألمانيا من العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. بالإضافة لذلك تم نقد الحكومة السابقة وتحميلها مسؤولية تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة بعد حرب العراق، وقدمت "ميركل" جهودا كبيرا لتعزيز العلاقات مع إدارة الرئيس جورج بوش. لكن هذا لم يمنعها من التستر بالورقة الأوربية لتقوم بزيارات إلى مصر، السعودية والكويت كرئيسة للاتحاد الأوربي ومجموعة الثمانية، طبعا من غير أن ننسى زيارتها الأخيرة لإسرائيل. مع ذلك هناك رأي سائد في الأوساط الثقافية والإعلامية الألمانية بأن ميركل :" تدفع اليوم ثمن تدربها وتمرنها على ملفات الشرق الأوسط.أيضا، محاولاتها في حل مشكلات الشرق الأوسط السياسية بشكل منطقي وعقلاني لم تنتج أي شيء وهذا النوع من المحاولات ليس له وجود في العقليات السائدة في الإقليم.إذا جميع النجاحات في السياسة الخارجية الألمانية مؤجلة في عهد ميركل أو على الأقل حتى الآن". (أفكار جاءت في suuml;ddeutsche zeitung، العدد 134، 2007، وهي محسوبة على اليسار الليبرالي الألماني).
أما وزير خارجيتها "شتينمر"، على العكس من ميركل، لديه معرفة جيدة وضرورية لإقامة علاقات له في المنطقة. فمنذ بداية مهامه رأيناه يتصرف كتكنوقراط يفهم أصول السياسة والسلطة، ويبحث عن اعتراف به كرجل سياسة ناجح حيث يسود الاعتقاد أن سيخلف ميركل على رأس المستشارية الألمانية، ولكنه مازال اليوم هو الذي يحدد ويعرّف أسس السياسة الخارجية الألمانية في عهد ميركل.
رغم التغير الذي حصل في شكل السياسة الشرق أوسطية لألمانيا، إلا أنها لم تستطع التقدم نحو الأمام أو تتطور عن السابق، أما التميز السياسي الوحيد فهو في العلاقات مع الدولة العبرية. وربما التغير الوحيد في طبيعة السياسة الخارجية الألمانية أنه يرتبط اليوم أكثر من الماضي بمسائل داخلية ألمانية وتفاهمات ضمن الدول المؤثرة في صناعة القرار في الاتحاد الأوربي.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف