كتَّاب إيلاف

مزايا الحياة في الشرق الأوسط

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ذات مرة سألني مستشرق ألماني يعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، لماذا بعث الله كل الرسل والأنبياء بل وتجلى بذاته العليا في الشرق الأوسط، ومع ذلك ظلت هذه المنطقة أسوأ بقاع الكون، ومرتعا لآخر أنظمة الفساد والاستبداد في العالم، التي لا تستعصي على محاولات الإصلاح فحسب، بل وأجبرت كل بلدان العالم على أن تدعها لمواجهة مصيرها المحتوم، لأنها لم تجد شعوباً تستميت في الدفاع عن جلاديها كما يفعل أبناء هذه المنطقة المنكوبة.
والحقيقة أنني لم أجد جواباً حتى الآن، فكل الأنبياء والرسل عليهم السلام بعثوا بالفعل من هنا، وكافة الرسالات السماوية والأديان انطلقت من هنا، ومع ذلك ظل (هنا) هو الأسوأ على مستوى العالم، فلم تبعث السماء نبياً إلى دول اسكندنافيا، ورغم هذا فهي بالفعل أرقى بلدان العالم، ولم يبشر الله شعب اليابان (مثلاً) بأنه "خير أمة أرسلت للناس"، أو "شعب الله المختار"، ورغم ذلك فإن اليابانيين يستحقون بجدارة أن يكونوا من أفضل الشعوب، ليس فقط لما حققوه من إنجازات حضارية هائلة جعلت بلادهم في مصاف أرقى الأمم، بل ـ ولعل هذا هو الأهم ـ أنهم تساموا فوق جراحهم، بعد أن ألقيت عليهم وحدهم دون غيرهم، قنابل ذرية لم تشهد لفظاعتها البشرية مثيلاً من قبل، ولا حتى من بعد.
لم يحول اليابانيون حياتهم إلى حوائط مبكى، بل عملوا واجتهدوا وصنعوا حضارة يعرفها القاصي والداني، ورغم ذلك ظلوا أكثر شعوب الأرض تهذيباً وتواضعاً، فلا يتعاملون مع الشعوب الأخرى باستعلاء كما يفعل "كفلاء" الشرق الأوسط ولم يتغنوا بماضيهم البائد كما تفعل كائنات الشرق الأوسط، ولم يصدعوا العالم بالشكوى من تعرضهم للضرب بالنووي، بل تجاوزوا الأمر لصناعة حاضر مشرق ومستقبل أفضل لأبنائهم.

.....
لكن ـ والحق يقال ـ فإن الحياة في بلدان الشرق الأوسط لا تخلو من المزايا، فبوسع المرء في بلداننا بقليل من الخبرة في التعامل مع الأجهزة الحكومية أن يفعل ما يحلو له، وأن يخترق كل القوانين، فيتهرب من الضرائب ويصبح نائباً في البرلمان، ويسرق المال العام ويتبوأ موقعاً حكومياً رفيعاً، ويهرب الآثار ويسطو على أراضي الدولة، ويصبح نجماً في عالم المال والأعمال، وحتى المواطن العادي محدود القدرات بوسعه أن يسير عكس الاتجاه في أكبر شوارع العاصمة، ويتخطى الإشارات الضوئية، ثم يدفع دراهم قليلة للشرطي الفقير، ليغض الطرف عن كل هذه المخالفات، بل ربما يحيطه أيضاً بمظاهر الاحترام والتقدير.
كما يمكن أن يكون المرء في الشرق الأوسط صحافياً تافهاً انقطعت صلته بالقراءة منذ أيام الدراسة، ومع ذلك يصبح رئيساً لتحرير صحيفة حكومية يمارس من خلالها الشبق للسلطة والفحش بكل معانيه الصريحة والمجازية، كما يصح أن يكون صحافياً تافهاً أيضاً ويرأس تحرير صحيفة معارضة، شريطة أن (يتعاون) مع أجهزة الأمن ضد خصوم النظام السياسيين، ويكتب بمجلة (الأمن) لقاء خدمات معلومة، ويتصدى بالشتائم والردح لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية ليصفها عبر تلفزيونات الحكومة بأنها أدوات بيد أجهزة الاستخبارات الدولية، تسعى لتشويه صورة بلاد العزيزة وإن جارت عليه، وأهله الكرام وإن ضنوا عليه، وقد يذهب لما هو أبعد من ذلك ليقولها بملء فيه: "إن الإصلاح الذي لا ينبع من الداخل فهو مرفوض" والداخل طبعاً يعني الحزب الحاكم وأجهزة الأمن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما يستطيع الكائن الشرق أوسطي أن يكون معارضاً في الصباح عبر مقالات ينشرها بما تسمى "الصحف المستقلة"، وينام في مخدع السلطة مساءً ويسهر مع رجال الأمن آناء الليل وأطراف النهار، ويتدفق كالسيل العارم عبر الفضائيات العربية، ثم يظهر وديعاً مسالماً عاقلاً في التلفزيون الحكومي، ويتشدق ليل نهار بالمهنية والاستقلالية وحرية التعبير، ثم يرسل مقالات الكتّاب إلى دوائر الأمن لتراجعها قبل نشرها، وينسق سراً مع الحزب الحاكم، ثم يتباهى علانية بأنه ليس عضواً في هذا الحزب، رغم كل ما يقدمه له من خدمات لا يستطيع أعضاء الحزب أنفسهم أن يقدموها، ويقبض ثمن ذلك منصباً كرئاسة تحرير صحيفة حكومية، أو أحد قطاعات التلفزيون، ويغض المسؤولون الطرف عن فساده وفضائحه مادام موالياً مستأنساً
ليس هذا كل شئ، فبوسع المرء أيضاً في الشرق الأوسط أن يكون متطرفاً وإرهابياً، يفجر ويقتل ويعيث في الأرض فساداً، وبعد ذلك يعلن توبته فتسلط عليه الأضواء ليصبح نجماً، ويخرج الاستراتيجيون فيطالبون برعايته حتى لا يعود للتطرف، وتجمع لأجله الأموال، وتتدفق عليه التبرعات، ويصدر بيانات يدلي فيها بدلوه في كل حدث تشهده البلاد، ويصبح لاحقاً باحثاً متخصصاً في شؤون الجماعات الإسلامية.

.....
لكن في المقابل، فإن آلة السلطة المترهلة الفاسدة في أنظمة الحكم ببلدان الشرق الأوسط، ستكون غاشمة رادعة حين يتعلق الأمر بتهديد حقيقي للجالسين على العروش والقابضين على مقاليد السلطة، فيمكن مثلاً أن يقضي معارض أو صحافي سنوات طويلة خلف القضبان، ويتعرض لأسوأ حملات التشهير التي تطال حتى أسرته، كما تنقلب السلطة الرخوة إلى آلة قمع جهنمية تُحصي على المعارضين أنفاسهم وتحاسبهم على قوانين معطلة منذ قرون، وتسد في وجوههم أبواب العيش الكريم، وتتحرش بهم في كل مكان، وربما يصل الأمر إلى تجريدهم من ملابسهم كما حدث لصحافيين في بلاد "واق الواق"، التي تقع في قلب الشرق الأوسط الكئيب، ويتغنى أبواق حكومتها ليل نهار بأزهى عصور الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان.
قصارى القول، فإنه وكما نكون يُولى علينا، وشخصياً ومن دون نفاق ولا تملق لشعوبنا التي أفسدها الطغيان، فلا أجد أننا في الشرق الأتعس نستحق حكاماً أفضل، بل إن هؤلاء يليقون بنا ونليق بهم، وحين تدفع هذه الشعوب أثماناً فادحة كما دفعها الألمان واليابانيون وغيرهم من الأمم التي اهتدت إلى سبيل الحق والعدل والحرية والتقدم، سيكون من المنطقي حينها أن يحكمنا نساء ورجال يحسبون ألف حساب وحساب لشعوبهم، قبل الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي، وربما الكنيست الإسرائيلي أيضاً.
والله المستعان
Nabil@elaph.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بصراحة افضل!
طارق الخطاب .مصر -

بصراحة هو افضل مقالاتك ....في هذا المقال ولو ان جلد الذات ليس دائما مفيد وخصوصا ان السوء لدينا لا يرجع الي تركيبتنا السيئة بقدر ما يرجع الي انظمة من اخبث واشر الانظمة في التاريخ التي تحتقر بشكل لا يوجد في اي مكان في الدنيا انا اري في بلادي سيئين كثيرين ولكني اجد ايضا الكثير من الطيبين وممن يريدوا ان يعيشوا بهدوء والحياه بالنسبة لهم محاول للعيش بسلام بدون تعكير حياة الاخرين ومن الصعوبة بمكان ان نلقي الملام كله علي شعوبنا فهل شعب كالامريكي مثلا رغم ابادته شعبا كاملا وهو الهنود الحمر شعب عظيم كالشعب الياباني مثلا الذي تتكلم عليه اضافة الي ذلك هل الشعب الالماني مثلا بهذا القدر من السمو وماذا عن الهلاك الذس سببه طيلة القرن الماضي لملايين البشر قد اتفق معك جزئيا ولكن عموما هم ليسوا ملائكة ونحن شياطين ولكني اري في تحليل الكواكبي افضل تحليل لنا وايضا اتمني كما تمني الكواكبي العظيم ان يمن علينا الزمان باناس يقودونا الي الامام ويرفعوا الالتباس عن اعيننا يارب العالمين

السبب
خوليو -

السبب هو أننا رهنا عقولنا لتعاليم الغيب وحجزنا عليها منذ مايزيد على ألف عام.

مساء الخير
محارب النور -

جميل ما تكتبة يا نبيل .. جميل جداً .نحتاجك في الفكر العربي لا تقطع زيارتك عنا . نص على الهامش : ومن اخترع كل هذة السموات والملائكة والشياطين غير قبيلة عبري تعيش على فتات الصحراء ومن الجوع والهلوسة وحسب المعلومات الاخيرة إن نبيهم كان يستخدم المخدرات ..هذة التركيبة تجعلك توغل في الخيال والهلوسة لا عتب عليهم ولكن العتب علينا عندما نصدق قبيلة تجتر المخدر .

رومانسية
محمد المشاكس -

كلام الكاتب رومانسي وعشوائي. أولاً لم يحصر الأنبياء والرسل الإلهية وجودهم في الشرق الأوسط. قرأت منذ مدة أن أحد الآلهة في تايلاند قد أرسل قرداً كرسول منه. ماذا عن أنبياء الهند والتبت. من الواضح أن مشاكل المنطقة أتت من الجغرافيا وليست من الشخصية ياأخي الكاتب. في شعبنا هناك الصالح والطالح ورجاءً لاتقارن الشعب بحكامهم فهذا كلام عشوائي ياأخي الكاتب.

مقال رائع !!
مصطفى الجزار - مصر -

مقال رائع يا أستاذ نبيل. أود أن أحاول الإجابة على سؤال المستشرق الألماني و هو أنى أعتقد (و هذا منطقى فقط)أن الله سبحانه و تعالى لم يرسل نبيا أو رسولا الى البلاد الإسكندنافية او الى الأمريكتين حيث أن هذه البلاد لم يكن بها أحد تقريبا فى ذاك الوقت من الاف السنين وقت نوح وابراهيم و الأنبياء عليهم السلام. و من الثابت علميا ان الإنسان الحديث نشأ فى أفريقيا و منها للشرق الأوسط القريب من أفريقيا و لذلك كانت هذه هى المنطقة المأهولة بالناس فى ذلك الوقت. مع تحياتى.

مقالك يا بلبل
سمر فاضل -

مقالك يا بلبل دا جنه، وانت على بابها رضوان.. إيه.. إيه يا بلبل.

تعرف لماذا ؟
samson -

يبعث الله الأنبياء والرسل للشعوب الضالة أما الشعوب المهتدية لطريق الخير والحق والجمال فلا داعي لإرسال أنبياء لهم ..هذه هي الإجابة، والله اعلمتحياتي أيها الموهوب النبيلعمك شمشون

السبب 2
خالد -

السبب هو أننا رهنا عقولنا لتعاليم البابوات و القسس وحجزنا عليها منذ مايزيد على ألفين عام؟!!!!!

لا لجلد الذات
اوس العربي -

اعتقد ان السبب في تقدم الياباني هو التصالح مع المكون الثقافي عبادة الامبراطور ، ارواح الاسلاف ، قوى الطبيعة للشعب الياباني لقد تصالح العلمانيون واللبراليون والاصلاحيون والمحافظون والمتدينون على الحياد تجاه المعتقد ووصلواا لى صيغه كفلت عدم الاساءة الى المعتقدات وعدم ربط المكون الثقافي بالتخلف على عكس ما يحصل لدينا فلقد افتعلنا صراعا بين الدين والحياة بين الدين والتقدم وزعم قوم ان سبب تخلفنا هو في تمسكنا بمكوناتنا الثقافيه وهذا الصراع المصطنع استهلكنا وزرع العدوات بيننا واخرنا وسمح للاستبداد السياسي ان يلعب علينا مطلوب اليوم ان يتصالح العلمانيون واللبراليون العرب مع المكون الثقافي لمجتمعاتهم وان يتركوا الناس وما يعتقدون ان اسباب التخلف الى جانب هذا الصراع المفتعل بين العلمانية والدين الاستبداد السياسي والهيمنة الاجنبية وضعف الارادة وضعف المال المرصود للبحث العلمي واستنزاف العقول العربية لصالح الغرب الذي يقدم اغراءات مادية بحثية غير ذلك يدخل في جلد الذات

ماسورة الكراهية
الايلافي -

يبدو يابلبل ان مقالك سيفتح علينا ماسورة الكراهية لصبية الكراهية الكنسيين والشعوبيون والملاحدة وكل من له ثأر مع الاسلام والعروبة؟!

أتفق كالعادة/خوليو
كركوك أوغلوا -

ما يرد قراء معروفين ومحترفين , خير دليل لغياب عقولهم في القرون السحيقة في القدم ؟؟!!00سطر أو سطرين بعد مشقة ومحاولات عديدة 00

قال الشعراوي
حجاج حسن أدّول -

سمعت الشيخ الشعراوي مرة يشرح لماذا أرسل الله أنبياء كثيرون إلى اليهود، قال ما معناه لأن رقابهم غليظة وحالتهم تحتاج إلى أكثر من رسول. هذا معنى ما قاله وليس بالحرف. فهل نعمم شرح الشيخ الشعراوي على الشرق الأوسط؟ الشرق العربي لأنه رقابه غليظة وحالتهم مطينة بطين يحتاجون إلى أغلب الرسل! وبرضة مفيش فايدة!!