أهل البيان وأهل العرفان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الأصوليون، هم أهل البيان، وهم عشّاق سحر البيان، والبلاغة.
والليبراليون، هم أهل العرفان، وهم عشّاق المعرفة، والحقيقة، والنقد الفكري.
الأصوليون يكرهون الفلسفة والفلاسفة، ويرمونهم بالإلحاد والكفر برب العباد.
الليبراليون يطالبون بتدريس الفلسفة (حيث أن بعض الدول العربية تُحرّم تدريس الفلسفة في مدارسها وجامعاتها) باعتبار أن الفلسفة أعلى أشكال التعبير عن العقل. وكذلك تدريس المنطق في المدارس الثانوية، وفي كافة أنحاء العالم العربي، كمادة رئيسة شأنها شأن العلوم والرياضيات، وذلك لضرورة الفلسفة للأجيال الصاعدة.
-2-
ومن هنا، فطن "إخوان الصفاء"، في القرن العاشر الميلادي، إلى أهمية الفلسفة التي قامت عليها الحضارة اليونانية، ثم قامت عليها الحضارة العربية في القرن الثامن والتاسع الميلادي بقيادة "المعتزلة"، وزعيمهم الخليفة المأمون.
وقال "إخوان الصفاء":
"الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد النبوة." (رسائل "إخوان الصفاء"، مج1، ص 427)
وقالوا أيضاً:
"الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الوجود، بحسب الطاقة الإنسانية، ,آخرها القول والعمل بما يوافق العلم." (رسائل "إخوان الصفاء"، مج1، ص 48).
أما المنطق، فقد اعتبره "إخوان الصفاء" "أشرف الأدوات"، وقالوا عنه:
"إعلم أن المنطق ميزان الفلسفة، وقد قيل أنه أداة الفيلسوف، وأداة الفيلسوف أشرف الأدوات." (رسائل إخوان الصفاء، مج1، ص427).
في حين أن الأصوليين أنكروا المنطق، واحتقروه، وسبّوه، وقالوا: "من تمنطق فقد تزندق".
والمثقفون الأصوليون في كافة الأديان، يجيدون التلقين والترتيل، تلقين وترتيل النصوص فقط.
والليبراليون في كافة البلدان، يجيدون التأويل، تأويل كل النصوص.
المثقفون الأصوليون مثقفون سطحيون. فلا نرى منهم في هذه الأيام، من هو بمستوى ابن تيمية، أو أحمد بن حنبل، أو أبو حامد الغزالي، أو حتى بمستوى جمال الدين الأفغاني، أو محمد عبده.
فمن منهم هذه الأيام قادر على الوقوف في مناظرة علمية وفكرية مع - مثالاً لا حصراً - برنارد لويس، أو مع صموئيل هنتجنتون، أو مع فوكوياما، كما فعل الأفغاني مع الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان عام 1883 في المناظرة الشهيرة بباريس؟
ومن منهم يستطيع إجراء حوار فكري عميق، كما فعل الشيخ محمد عبده الأصولي مع فرح أنطون العَلْماني عام 1903، وكما فعل حديثاً جورج طرابيشي في حواره حول "العقل العربي" مع محمد عابد الجابري؟
-3-
فمعظم الأصوليين لا يقرأون إلا النصوص القديمة، ولا يعرفون شيئاً عن تيارات الفكر الإنساني. والقليل القليل منهم من يجيد لغة أجنبية. وقد حمد الله محمد عمارة يوماً، لأنه لا يجيد لغة أجنبية. ويعتمدون في معظم آرائهم على ترجمات مشوهة ومزوّرة للفكر الغربي. وحتى بالنسبة لكتب التراث، تراهم يجهلون الكثير منها، فلا يعرفونها كما يعرفها المفكرون الليبراليون كمحمد أركون، وجورج طرابيشي، ومحمد الحداد، وهاشم صالح، وعزيز العظمة، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد الشرفي، ورجاء بن سلامة، وعبد المجيد الشرفي، والعفيف الأخضر، وسواهم من الليبراليين المعاصرين. وينطبق على الأصوليين ما قاله عنهم فلاسفة "إخوان الصفاء" الخمسة (البسطي، والزنجاني، والمهرجاني، والبصري، والرفاعي)، وهم فئة "ما بعد المعتزلة"، كما يقول عادل العوا، الذين ظهروا في القرن العاشر الميلادي في البصرة (حسرتي على البصرة الآن، التي كانت "مدينة النور" وباريس الشرق، في القرن العاشر للميلاد)، وحاولوا التوفيق بين الفلسفة والشريعة.
-4-
فقد جاء في الرسالة الخامسة والأربعين من رسائلهم (52 رسالة، في الرياضيات، والعلوم الشرعية والوضعية، والعلوم الفلسفية الحقانية) قولهم في وصف الأصولية المتشددة، التي نشاهدها هذه الأيام، على أبواب الصحف والفضائيات، ونسمعها من على منابر المساجد:
"إعلم أن في الناموس أقواماً يتشبهون بأهل العلم، ويتدلسون بأهل الدين، لا الفلسفة يعرفونها، ولا الشريعة يحققونها، ويدَّعون مع هذا معرفة الأشياء، ويتعاطون النظر في خفيات الأمور الغامضة البعيدة، وهم لا يعرفون أنفسهم، التي هي أقرب الأشياء إليهم. ولا يميزون الأمور الجلية، ولا يتفكرون في الموجودات الظاهرة المدركة بالحواس المشهورة في العقول. فأحذرهم يا أخي، فإنهم الدجالون، الذلقو اللسان، العميان القلوب، الشاكون في الحقائق، الضالون عن الصواب" (رسائل إخوان الصفاء، دار صادر، مج4، ص50-51).
ويقول إخوان الصفاء أيضاً، في رسالة أخرى عن هؤلاء أنفسهم:
"هذه الطائفة الظلمة المجادلة المخاصمة، هم أشرَّهم على أهل الورع والدين، وأضرهم على العلماء، وأشدهم على عداوة الحكماء، الذين يخوضون في المعقولات، وهم لا يعلمون في المحسوسات. ويتعاطون البراهين والقياسات، وهم لا يحسنون الرياضيات. ويتكلمون في الإلهيات، وهم يجهلون الطبيعات. ويتصدرون في المجالس ويتجادلون في أشياء لا تفيد في الدين علماً، ولا تنتج في الحكمة فائدة". (رسائل إخوان الصفاء، مج3، ص 535-536).
-5-
وبعد ألف عام (عشرة قرون) من تاريخ هذه الرسائل، بقي الأصوليون على حالهم كما نراهم الآن، ونقرأ لهم، ونسمعهم، وكأن تاريخ الثقافة العربية قد توقف عند القرن العاشر الميلادي. وهو ما حصل بالفعل. فالثقافة والفكر العربي متجمدان منذ عشرة قرون. والدليل، أننا لم نأتِ خلال العشرة قرون الماضية بشيء جديد في الفكر العربي. ولو ظهور مجموعة من المفكرين الليبراليين الذين ذكرنا بعض أسمائهم قبل قليل، لظل الفكر العربي أرضاً يباباً، كما وصفها الشاعر الأمريكي، الإنجليزي الأصل ت.إس. إليوت في قصيدته الشهيرة (الأرض اليباب).
السلام عليكم.
التعليقات
تفكير بسيط
حاتم -لا شك ان للفلسفة دور مهم في تنمية العقل وشخصيا أعرف الكثير من الاسلاميين يدرسون في الجامعة هده المادة ويحبونها كثيرا ولهم مراجع مهمة لدلك فلا تضع الكل في سلة واحدة يا سيدي .لان الفلسفة ليست هي الوحيدة التي يعاديها بعض الاسلاميين فهناك مواد ومهن اخرى.
حقيقة عايشناها
د. أحمد -شخصيا درست مادة الفلسفة وكنا نعتبرها نحن الطلبة تلقين شيء لايفهم لشخص لايفهم. لدلك فاغلبنا اتجه الى الهندسة والطب التي نستطيع بهما اضافة اشياء كثيرة لمجتمعنا ومساعدته على الرقي والتطور.
ظاهر وباطن
محمد المشاكس -قال الكاتب أن المثقفون الأصوليون الحاليون لايصلون إلى مستوى ابن تيمية أو ابن حنبل. أليس هذا هو التناقض الغريب الذي لايمكن تفسيره وذلك لأن الكاتب المدعي لليبرالية زوراً لايعلم بأن أصوليوا العصر الحالي قد كونوا فكرهم معتمدين بشكل رئيسي على أفكار اين تيمية وابن حنبل الأصولية، أم أنه يعرف ذلك ويتعمد إخفائه. إدعاء الكاتب الظاهر لليبرالية غير مهم مادامت أفكاره أصولية في الباطن. ففي باطن هذا المقال نرى أن الكاتب معجب بأركان الأصولية القدماء. هل هو يدعي الجماهير للعودة إلى مثقفه ابن تيمية؟ آليس ذلك هو عماد الفكر الأصولي الحالي؟
الفلسفة
عبد الله المالكي -المسلمون هم أول [ ولا أقصد السبق الزمني ] من إهتم بالفلسفة ولكن ما يسوء فهمه إنها كانت تعطى مسميات غير المتعارف عليها لدى الفلاسفة فكان المسلمون يضعوا لها القوانين تحت مسميات أخرى مثل التفكير والتأمل ومعرفة الأشياء لذلك تجد الكثير منهم فلاسفة بلا مسميات أو منطقيون دون دراسة المنطق وحين دخول الأخير إلى واقعهم كان تحصيل حاصل لأنه الآلة التي تعصم الكلام من الإنجرارفي المتاهات الخاطئة وهذا هو أول الطرق الإنتقالية إلى الفلسفة .
تعليق
أبو سفيان -تتميّز لغة الكاتب بجمالية وعذوبة، تذكرني بلغة أهل البيان، ودليلي قوله : ويرمونهم بالإلحاد والكفر برب العباد( إنتهى )فأي بيان أفصح وأجمل من هذا؟ أما فحوى خطابه فيذكر بقصائد العرب في ( والمديح والهجاء والإستعطاء) لكني أود أن أشكره على أمرين : أولهما الإشارة إلى أولئك الذين يمنعون درس الفلسفة ( وأظنه يقصد النظام السوري، الذي يحرم تدريس الفلسفة في مدارسه ، ولأن نظامه الفقهي لايزال يقيم حفلات قروسطية لقطع الرؤوس في الساحات العامة؟؟ ) وثانيها الإشادة ببعض المثقفين العرب كمحمد آركون والطاهر الحداد ورجاء سلامة .. إلى آخر من القائمة. فهم بالفعل علامات مضيئة في الثقافة العربية المعاصرة ، لكن المشكلة تكمن في وجود تيار ثالث يحشر أنفه عنوة في هذا ..ويخلط بين تيار الحرية والتنوير وبين من يتنسمون عطر الدولار ويكتبون لمن يدفع ..يؤسفني أن الكاتب يتحسر الآن على البصرة ، وهو نفسه الذي كتب عن بشرى التحرير والوعد الأمريكي ، وسقوط هبل ( البعث ) وهو الذي كتب عن الإنجازات العظيمة التي حققها الأمريكان كبناء المنتزهات، والحدائق والطفرة والإزدهار في عهد بريمر .( أظن أن تعليقي لن يرى النور لهذا سأكتفي وشكرا )
اخوان الصفا
جبار ياسين -وعلى ذكر اخوان الصفا فقد قالوا بقدسية القرآن ككلام منبثق من روح الله ولم يعطوا اهمية للورق الذي دون عليه هذا الكلام.فالكلام مسموع وحي بينما الكتابة صامتةوميتة كما يخبر فيثاغور فالكتاب الذي خط عليه كلام الله ليس قرأنا بل كتابا فيه صورة القرآن .وصورة الشئ ليس الشئ نفسه ، بل رمز من رموزه . والرمز يتغير ويأخذ صورا عديدة وفقا للزمان والمكان والمتخيل و الارث الثقافي. في هذا التوصيف حدث اخوان الصفا الاسلام واعطوه عالميته منذاك . لعل هذه الفكرة تنسف الاصولية الاسلاميةالمعاصرة من اساسها .
عربي مستقل
كمال -السيد النابلسي يتهم الاسلاميين بالتطرف والاقصاء والتعصب والارهاب في الوقت الدي نجد مقالاته كلها مناوءة لهم ويدعو الى استئصالهم والغائهم وليس لهم الحق في اعطاء الراي فلتحيا الليبرالية الديمقراطية جدا . لعلمك لست اصوليا بل قارىء بسيط وبه السلام
يا فهمان ياابو سفيان
zanoooobia -يا فهمان ياابو سفيان يارقم 5 من قال لك ان الفلسفة لاتدرس بسورية فهي تدرس بالمدارس والجامعة بس كمان حسبي الله ونعم الوكيل بهيك ابواق مو معلقين عندما يعلق الانسان على موضوع يجب ان يعرف عن ماذا يكتب
الاصوليون في الجهالة
Omar -الاصوليون هم دائما يعيشون في الجهالة ولا يريدون العلم والفلسفة والمنطق واية شئ اخر قد يخدم الدين والبشرية.
إلىzanoooobia
أبو سفيان -يبدو أنك شديدة الذكاء!!!
...و لكن
حســن -ما قلته أستاذي الجليل صحيح كإطار عام فقط . أما تفصيليا فالعكس هو الصحيح:إن من أهم اسباب نجاح الفكر الأصولي و دواعي انتشاره وسط الأمة العربية ، ضبط قادته و استراتيجيوه للفلسفة و العلوم البحتة خاصة الطب و علم النفس و علم الإجتماع و العلوم السياسية و تقنيات التواصل و الستراتيجيات العسكرية و فنون الإشهار و الإقناع ....طبعا لا تجتمع كل هذه المعارف في شخص واحد أو بضعة أشخاص لكنهم مئات و آلاف...ارجو ألا نستهين بالقدرات الفكرية لقادة الإرهاب إذا شئنا فهم خططهم و أبعادهم و اسلحتهم .....أنظر -استاذي- إلى السير الشخصية لأهم قادة الأصولية العالمية ستجدها ملأى بالتخصصات العلمية و الفلسفية و التقنية .....الإرهابي الأمي الساذج هو أداة فقط .(بالمناسبة ألا يمكن تغيير صفة الليبراليين بصفة ادق تعبر فعلا عن المواطنين الراغبين في الغيير إلى الأمام و الإندماج في الحضارة الإنسانية الكونية؟)
اخوان الصفا
خوليو -الحضارات تتكون من التمازج بين مختلف الفلسفات والآراء والاكتشافات، اخوان الصفا ظهروا في القرن الثالث الهجري عندما بدأت الخلافة العباسية ومنذ زمن أبو جعفر المنصور بترجمة الكتب اليونانية من السريانية لغة أهل البلاد إلى العربية ووصلت الترجمة بأوجها في عهد المأمون ودار الحكمة،اضطلع اخوان الصفا على كل ذلك التراث العلمي والفلسفي لمن سبقهم من السريان واليونان وعملوا جهدهم للتوفيق بين الفلسفة وعلوم ذلك العصر مع أقوال الأنبياء، يتضح هذا الجهد من رسالتهم ذات الرقم 22، حيث يحدد فيها اخوان الصفا والوفا مزايا الإنسان الكامل:فهو العالم الخبير الفاضل، الذكي المستنير،الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر ، المسيحي المنهج ، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة. واضح أنهم توفيقيون أخذوا من الجميع مايعجبهم من المزايا دون الطعن في الآخر بسبب التقوى ، وهذا مايميزهم عن السلفيين الذين اتخذوا من الإيمان الغيبي ميزة، اعتقدوا أنهم يتميزون بها عن سائر البشر، ولايزالون في صفتهم هذه ليومنا هذا.
إلى أبو سفيان
أحمد -المعلق رقم 8 ورقم 10 بيفهموها على الطاير! لكن شو مفكر؟
ابن تيمية
علي -ريما يصح كلام المعلق رقم 3 عن ابن حنبل ولكن ابن تيمية شيء آخر، فهو قد استطاع تجديد الفلسفة الإسلامية تجديداً جريئاً جداً لم يعرفه معظم أتباعه وخصومه كما يبرهين على ذلك كتاب "ابن تيمية واستئناف القول الفلسفي في الإسلام" لـ عبد الحكيم أجهر. حيث تقدم ابن تيمية حتى على الفلاسفة المعروفين كابن رشد وابن سينا في قضاياه الفلسفية، وهنا فالنابلسي محق في ذكره.
تغييب الفلسفة
عبد الاله بسكمار -جزءكبير من ماساة العرب والمسلمين يتجلى في محاربة وتغييب الفلسفةوالانفصام بين العلوم الدقيقة والانسانية مما أدى الى سيادة التبسيط واللاعقلانية والشعبوية التي تتحكم فيها أحط الغرائز الطفولية والبدائية ، لقد حاربت السلطة الفلسفة وها هي تجني عواقب هذه الحرب في استئساد واستقواء الثقافة الرجعية الظلامية والمتخلفة حتى بالقياس الى التراث العربي الاسلامي نفسه، فأين الفكر الظلامي الحالي من المعتزلة واخوان الصفا والفلاسفة البرهانيين والمفكرين العقلانيين كالكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون ناهيك عن جابر ابن حيان وابن باجة وأبي بكر بن زكرياء الرازي وابن الراوندي وأبي عيسى الوراق، لكن بمقدار تخلف الفكر الأصولي الظلامي الحالي يجب على المفكرين الليبراليين والعقلانيين في المقابل تسمية الأشياء بمسمياتها وتجذير رؤيتهم للاسلام والفكر الاسلامي في أفق هزم الظلام نهائيا، وشكرا مرة أخرى للأستاذ شاكر النابلسي