السلطة السياسية والمجتمع: اشكالية التقدم والنظام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إن بنية الأنظمة السياسية العربية برمتها لا تعمل ولا تسعى ولا ترغب في نماء الفرد الانساني الواعي الحر، والسبب ان حرية الوعي الفردي وتطوره تعني الحد من صلاحياتها وانحسار في سلطتها. إن المجتمعات المدنية بطبيعتها تحتاج الى مركبين اثنين لضمان تطوّرها واستمرارها وهما الحاجة إلى نِظام وهو ما يؤمن لها صفة الاستقرار ؛ والحاجة إلى التطور والتقدم وهو ما يضفي على المجتمعات صفة الحركية والنماء...
إذن السلطات متطالبة بوظيفة مزدوجة لتحقيق صفتين قد تبدوان متناقضتين شكلا غير أنهما متكاملتان ضمنًا، وهما:
اولا: توفير الاستقرار وتحقيق الأمن الداخلي، وتوفير الاستقرار الخارجي وحماية سيادة حدودها وهذا يتم عبر الاستراتيجيات الدفاعية والديبلوماسية الخارجية.
ثانيا: دفع عجلة التقدم عبر التنمية الاجتماعية والاقتصادية... وكفالة حقوق مواطنيها وتكريس المساواة بينهم في الحقوق والواجبات. هذين الأمرين يُعدان من الوظائف الاساسية والمحورية لكل نظام سياسي في العالم، فأين نحن من هذين الأمرين؟
الواقع العربي اليوم أعجز من أن يحقق استقراره الخارجي وأمنه القومي، وواهم من يظن ان اي دولة من دول المنطقة تمتلك سيادة حقيقية على حدودها، فأي دولة متخلفة اليوم هي عرضة لاستباحة ارضها برًّا وجوًّا وبحرًا، وسواء كانت هذه الاستباحة برضى الحكام ام مما استُكرِهوا عليه، لا فرق فالنتيجة واحدة.
أما فيما يتعلق بالاستقرار الداخلي فهي المصيبة العظمى والطامة الكبرى، لأنه وتحت ذريعة ضمان الاستقرار الداخلي وتوفير الأمن ومكافحة الارهاب، أعلنت بعض الانظمة قوانين الطوارئ - بعضها مستمر منذ اكثر من عشرين عام- وجُمّدت كافّة العمليات الإنمائية قاضية بذلك على مكونات التقدم، فقمعت الابداع وهُجرّت العقول، وادخلت البلاد في ثلاجة التاريخ !
فالسلطات السياسية العربية مازالت منذ ان وجدت وحتى الآن منهمكة في استعمال إمتياز المحافظة على النظام على حساب وظيفة التطور والتقدم... غير ان استمرار ذلك سيؤدي لا محالة الى لحظة فقدان توازن تنهار معها مملكة السلطة، فتبدأ الاضطرابات والثورات وتكثر الاعتراضات التي تقابل بالاعتقالات ومزيد من كم الافواه...
وأصبحت الطروحات خاضعة لمزاجية وأهواء الأفراد والجماعات المسيطرة، وهذا ما أدى تحديدًا في الدول العربية الى "أنظمة سياسية هرمة" هي الآن عديمة المعنى والفعالية، والسبب ان العلاقات الاجتماعية تطوّرت وتغيرت مفرداتها والانظمة السياسية على حالها منذ اربعة عقود او أكثر... أما موضوع التنمية وتحقيق التقدم فهو في تراجع مستمر، ففي ظل القمع الداخلي والضغط الخارجي تشهد البلاد ركود لأن دور الفرد كمبدع قد عُطل، وما نشهده هو حراك شكلي مسرحي، وإذا كان من مهمات السلطة المحافظة على المنظومة الإجتماعية وتأمين ديمومتها فإن ذلك يجب ان لا ينحى بحال من الأحوال نحو تجميد الانماء تحت اي ذريعة من الذرائع، لأن النظام الاجتماعي نفسه ليس نهائي بل هو عمل يعاد خلقه وانتاجه بشكل مستمر على مرّ الزمان. هذا الأمورمجتمعة ينجم عنها هوّة بين البنى التحتية للمجتمع وبناه الفوقية، مما يُفقد المجتمعات توازنها ويتجلى ذلك من خلال صراعات نشهده بشكل دائم في كافة القطاعات. إن الانسان كلما ارتقى في سُلَّم المدنية وتقدم المجتمع، كلما اصبحت البنى الاجتماعية أقل استجابة لواقع العلاقات الاجتماعية، بعبارة اخرى فإن تطور المجتمعات يضفي على الانسان مزيدا من الفردانية والخصوصية فتخف السلطات المبنية على العلاقات، وتضعف سلطة العرف والعادة وتتلاشى سلطة القبيلة، وتضمحل سلطة المؤسسات اللاهوتية. إن الكائن الانساني كائن فرداني يتمتع بذاتية عالية، لا تتبلور الا في مناخ من حرّية الوعي والوعي الحرّ وحرية الروح، والانسان هو الغاية التي تهدف اليها الانظمة السياسية في سبيل تأمين حقوقه وتحقيق نمائه في التقدم والازدهار وقبل كل شيئ ضمان حريته، فإن دورها ينبغي ان يتمحور حول صيانة الحقوق الفردية أولا
ومن جهة أخرى فإن رغبة الفرد الانساني في حياة مشتركة مع باقي أفراد المجتمع تحتم عليه نوعًا من التعاون الاجتماعي بوصفه طريق لتبادل الخدمات والمنافع دون إغفال ذاتية الفرد وحريته، وتكون وظيفة الدولة عندها في تنظيم حقوق الفرد وفقا لمقتضيات النسيج الاجتماعي مما يحقق التوازن والنماء المرجو وهنا تكمن مهارة وفن القيادة في الدول المتقدمة. من حقنا أن نتسائل: ترى ماذا تفعل الانظمة العاجزة عن حماية امنها القومي والعاجزة عن صيانة استقرارها الداخلي والعاجزة كل العجز عن دفع عجلة التقدم والنماء؟؟ أليس المحتل أحيانا والمستعمر أكثر ايجابية في خدمة من استعمرهم؟
يكفي ان نلاحظ ان كبرى الجامعات الرائدة وأهم المشاريع التنموية في المشرق العربي ومغربه بناها المستعمر والمنتدب وهي مستمرة في العطاء حتى الان !!ومنذ ان نالت الدول استقلالها وهي في تراجع مستمر!!
على سبيل المثال اترك لك يا قارئي الكريم مقارنة النهضة التعليمية والفكرية والمؤسساتية التي عاشها لبنان زمن الانتداب الفرنسي وحال لبنان الآن بعد كلّ الحكومات الكريمة المتعاقبة!!
كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
ياعيني ؟!!
الايلافي -هل هذه دعوة الى عودة الانتداب والاستعمار ؟!!! هاذا اللي طلع معك كحل ؟!!!
سوريا ومصر و....
عربي مقيم في ايطاليا -والله مقال ممتاز فشكرا لك يا أميرة الكاتبات ...انظري الواقع في مصر !في سوريا ! في المغرب ! واليك الاردن !دول تقمع شعوبها بمهارة عالية ولا تحقق انماء ...وهي كارثة لا يمكن ان يتصورها احد ... ببساطة السلطات تمارس البلطجة بامتياز ... حكام لا يستحيون يجلسون مئات السنين على كراسيهم الخاوية ...اما في دول الخليج التي لا يجروء احد على انتقادها فهي تشيد العمران بالمهندس البريطاني والعامل الهندي وبفلوس النفط! وتسمي ذلك كله بعد الانتهاء منه تنمة وطنية!!!! يا للسخرية ... بالفعل نحن العرب المقيمين في اوروبا نتمنى ان تكون بلادنا الاصلية كبلادنا الحالية ! اشكرك استاذة مروة كريدية للجرأة واتمنى من ايلاف عدم حذف التعليق او اختصاره خصوصًا الجزء المتعلق بدول الخليج !
اعوذ بالله ؟!!
اوس العربي -ياا خ عربي مقيم في ايطاليا اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية من عمرها المال الامريكي والسواعد العربيةوالاسلامية من المغرب العربي وتركيا ,,,,ان الانتداب الفرنسي قصف بالطائرات المدنيين العزل وقتل وجرح الالاف وانه في الجزائر قتل مئات الالوف وان الاحتلال البريطاني قطع ايدي النساجين الهنود حتى لا تتأثر صناعة النسيج في شفيلد البريطانية ؟!! نحن نقول ان واقعنا مر ومؤسف لكننا لاندعو الى اعادة الاحتلال ولكننا ندعو الى ان ننزع شوكنا بايدينا لا بايدي الاجنبي والعراق اكبر مثال وهو مثال لا يشرف احد في العالم
فكر منير
nader -هذه المرة الاولى التي أعلق بها على مقال ، ولكن يا اوس فلتنتبه لامر: هي طرحت تَساؤل وليست دعوة الى الاحتلال ...الواقع أسوأ ما يكون ! واعتقد ان هذه المرأة تقول ما يعجر رجال عن قوله ... وهي من القليلات اللواتي يكتبن علمًا وفكرا وبامكانك رصد المقالات النسائية وستكتشف عندها...وستحيي جهودها ,,, لقد استطاعت ان تنافس الرجال بالفكر والعمق ،،، وهي مسألة يغفل عنها الكثيرون نعم نحن نحتاج جدا لهكذا فكر وخصوصا ان كانت قائلته سيدة ، والشكر موصول لايلاف
مقال جميل
حجازي مبروم -حبيت اعبر عن اعجابي بالمقال