كتَّاب إيلاف

الحرية ودعاتها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ربما جاز اتخاذ حركة "كفاية" المصرية كنموذج للعشوائية والاختلاط واللا تجانس الذي يهيمن على الحياة المصرية الآن، إذ تضم خليطاً من اليساريين والقومجيين والليبراليين والإخوان المسلمين، ويبدو الأمر للمراقب غير المطلع أن الحركة هكذا تعتبر تجمعاً وطنياً لدعاة الحرية، فهم لا يتفقون حقيقة في أي أمر من الأمور إلا على المطالبة بتداول السلطة، مادام شعارهم الأساسي "لا للتمديد، لا للتوريث"، الذي يعبر ولاشك عن الخطوة الأولى الجوهرية للبدء في استزراع الحرية في مصر المحروسة.
لكن الحقيقة أن مجرد المطالبة بالحرية في ظرف محدد لا يعني تلقائياً تصنيف المُطالب كداعية للحرية، الذي هو التوصيف الذي ينطبق على من تتسم نظرته للحياة على وجه العموم وفي كل تفاصيلها بالانتصار لحرية الإنسان، تلك الحرية التي لا تعرف الاستثناء أو التجزئة، فليس من الحرية أن تستثني فرداً أو فئة من الناس من التمتع بها، لأنك تصنفهم مثلاً كأعداء الشعب أو أعداء الطبقة العاملة، أو ككفار يستحقون القتل أو النفي من الأرض، كما لا تعرف الحرية التجزئة بأن نقصرها على مجال أو مجالات محددة، ونحرمها في مجالات أخرى، كأن تطالب بحرية سياسية وبشمولية اقتصادية، كما يحدث عندما نطالب بحرية تكوين الأحزاب وبوضع القيود أو تحريم إنشاء الشركات والمصانع، أو بحق الفلاح في اختيار حكامه وعمدة قريته، ومصادرة حقه في اختيار المحصول الذي يزرعه ولمن وبكم يبيعه، لأننا نريد أن نحكمه بخطة زراعية شمولية، يضعها الموظفون أسرى مكاتبهم ونزعاتهم البائدة عن الاقتصاد الموجه والمحاصيل الاستراتيجية، وسائر ما أثبت الزمن فساده وبطلانه، وقد يطالب البعض بالحرية السياسية والاقتصادية، ويحرمونها في المجال الاجتماعي والديني، بدعوى الحفاظ على العادات والتقاليد والتزام صحيح الدين كما يراه سدنة المقدس، ويحاربون الإبداع الفني والأدبي بدواعي الأخلاق والفضيلة، كما يعتبرون مواصفات الأزياء شأناً مقدساً، ويحددون من يحل له استخدام العطور، ومن يحرم عليه استخدامها.
وتمتد الانتقائية التعسفية إلى داخل المجال الواحد، مثلما يحدث في المجال السياسي، الذي يتعالى فيه صراخ المنادين بالحرية، لنجد هؤلاء الصارخين يخونون ويجرمون ويعزلون من يرون أن السلام والتعايش مع إسرائيل هو الطريق لحل أزمة الشرق الأوسط، كأنهم حاملين لفيروس يخشون من انتشاره، ويطابقون الاعتقاد في القومية العربية مع الوطنية، مدرجين من يرى الاتجاه وجهة أخرى والمصالحة مع الغرب مصدر الحضارة الراهنة في عداد الخونة، ورأس حربة موجهة لجسد الأمة العربية وآمالها في الرفعة والكرامة.
ففلول اليسار المنضوون الآن تحت عباءات شيوخ التأسلم السياسي ونجومه اللامعة، والذين يطالبون بتداول السلطة، وفي نفس الوقت يرفعون شعارات "الالتزام بثوابت الأمة" أو "الالتزام بما هو معلوم من الدين بالضرورة"، الذي يحشرون فيه تفاصيل وجهات نظرهم الخاصة، هؤلاء يصح تصنيفهم كمبشرين أو دعاة لأيديولوجية محددة، فهم يدعون ويبشرون بأنفسهم وبما يحملون من رؤى وهذا حقهم، ومن حقهم أيضاً أن يبشروا الناس بالخير العميم الذي سيرفلون فيه جراء اعتناق وتفعيل ما يؤمنون به، والذي قد يتطلب وضع أصحاب الرؤى المخالفة في السجون أو رهن الإقامة الجبرية، هم ثوار راديكاليون؟ نعم، قد يأتي من ورائهم خير؟ ربما، لكن بالتأكيد هذا الخير المنتظر لا يتضمن مزايا تمتع الإنسان بالحرية، ولا ما تفتحه لمعتنقيها من آفاق.
ليست الحرية غاية لدى هؤلاء الذين تقتصر علاقتهم بمفهوم "الحرية" على المطالبة بتبادل السلطة، ولا يعتنقونها كمهج حياة، فهم دعاة شمولية وهيمنة، والحرية بالنسبة لهم مجرد وسيلة، يستخدمونها مرة واحدة، لتحقيق مبتغاهم في الوصول إلى الحكم ثم يطوحون بها سريعاً، بل يتحولون إلى أعداء لها، لأنها يمكن أن تؤدي إلى تنحيتهم إذا كانوا ذاتيين، أو إلى إجهاض مشروعهم العقائدي إن التزموا الموضوعية.
لا نأتي بجديد في هذا، مادام جميعنا يعرف قصة النازي، ووصوله إلى السلطة على أجنحة الديموقراطية، وأمامنا طازجة مازالت تجربة منظمة حماس في غزة، وهي من أتت عبر تجربة ديموقراطية دفع وهلل لها العالم الغربي قبل الشرقي، لتبدأ بالتنكر لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، الذي جاءت بموجبه إلى السلطة، ثم ما لبثت بعد ذلك أن أطلقت رصاصة الرحمة على الديموقراطية بانقلابها العسكري، وهاهي تسوق شعبها للحصار والمجاعة، وتستخدمه لاقتحام حدود الجيران بتكتيك الجحافل البشرية أو زحف الجياع.
في إيران أيضاً ما يمكن اعتباره تجربة ديموقراطية لتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكنه تداول مُفَرَّغ من مفهوم الحرية وقيمها، فالمتقدمون للترشيح في أي انتخابات يتحتم أن تنطبق عليهم شروط تضعها لجنة خاصة، ربما لا يجمع بينها إلا عداءها للحرية والأحرار، ولا ننسى هنا "لجنة تشخيص مصلحة النظام"، علاوة على سائر اللجان والملالي الذين يحددون بدقة الحلال والحرام والمسموح به وغير المسموح.
لدينا في مصر الذين يستخدمون القانون والقضاء لمطاردة الأعمال الفنية والأدبية وأصحابها، ويطاردون مواطنيهم البهائيين، منكرين عليهم مجرد العيش في بلادهم بسلام، دون ما حاجة لأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وكل هؤلاء من المرموقين في زمرة المطالبين بتداول السلطة، بل والمؤسسين لمنظمات لحقوق الإنسان في مصر، هم في الحقيقة يعدوننا بتداول للسلطة يتم فيه تنصيب "زيد" بدلاً من "عبيد"، دون ما ضمان ألا يكون "زيد" أنكى وأشد وطأة من سلفه، ولسنا هنا في معرض البحث إن كانت تلك النوعيات تستحق التأييد أو الاحترام من عدمه، فما نهدف إلى إبرازه هو أنهم أبعد ما يكونون عن أن يدرجوا ضمن دعاة الحرية.
في ذات ساحة المطالبين بحرية تداول السلطة نجد الإخوان المسلمين يأتون إلينا بأيديولوجية شاملة كاملة، تضم رسوماً تفصيلية لكل دقائق حياتنا، بداية من نظام الحكم حتى آداب دخول المرحاض، وفوق كل هذا سيف التكفير المشهر فوق رأس كل من يتجرأ على مناقشة رؤاهم المقدسة، والذي لن يكون بعد معارضاً له حق الاختلاف، وإنما سيكون كافراً مارقاً وعدواً لله، بحيث لن يكون متاحاً للمعارضين عندها رفع شعار "كفاية"، لأنهم سيعدون كمن يقول كفاية لحكم الله!!
يصعب علينا حصر مختلف نوعيات وأطروحات المطالبين بتداول السلطة رافعين شعارات الحرية، ولا ننتوي هنا أن نتساءل عن أي جدوى وأي طريق يمكن أن يفتحه لنا تجمع مثل حركة "كفاية"، فنحن هنا نتساءل فقط إن كان من الممكن أن نعثر من بين هؤلاء على من ينطبق عليهم حقاً توصيف "دعاة حرية".
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مصرستان وحماستان
جاك عطاللة -

مقال فى الصميم --لا يمكن الثقة باى جماعة تطالب بالتغيير بدون الالتزام مسبقا باهداف التغيير وهى اقامة دولة مدنية علمانية تحترم حقوق الانسان والحيادية بين افرادها مع خلق قوة مستقلة تضمن النظام الديموقراطى من الانقلاب عليه ,--الاخوان اظهروا منذ البداية كفرهم بالديموقراطية والمساواة والمواطنة الكاملة للجميع ولهذا وانطلاقا من مبدا وحدة المعرفة الانسانية الذى يبشر به الدكتور عصام عبد الله-يجب اولا قبل التغيير فرز وابعاد القوى المعادية والمدمرة للدولة العلمانية الديموقراطية وهم بالتحديد الاخوان ومن يعتنق فكرهم المريض والمعلن ضد الاقباط والمراة والبهائيين فرزا قامت به قبلنا المانيا ضد النازيين وايطاليا ضد الفاشيست واليابان ضد العسكرتاريا وحتى امريكا ضد الشيوعيين و بدون الاستفادة من تجارب هذه الدول التى سبقتنا فى التحضر بفراسخ فى التغيير الايجابىال سنقوم بايدينا بتسليم مصر وللابد على طبق من الصفيح الى من يخطط ويتامر لجعلها دولة دينية صريحة --نعم نطالب بالتغيير الايجابى المخطط مسبقا و المحسوبة نتائجه وليس التغيير العشوائى التخريبى لتقع مصرنا فى براثن جماعة مصرستان ام حماستان ويكفينا كعقلاء ما يحدث امام ام اعيننا فى غزة والضفه وايران والسودان كامثلة واضحة للتغيير السلبى والاختيارات المدمرة

شأنه
مواطن عربي -

. يتفق كل العاقلين أنه لا يضير الحرية منع تجارة المخدرات وتعاطيها كما لا يضير الحرية محاربة البغاء والدعارة. فالحرية إذاً تعرف الاستثناء والتجزئة وهناك حدود للحرية يعرفها العاقل ويقف عندها. لا يستوي دعاة التعايش والسلام مع إسرائيل ومن يتمنى أن يرى مصرنا حرة قوية أبية. لا يستوي من يرضى أن نبيع الغاز لإسرائيل بمعشار ثمنه ويقول إن هذا التزام باتفاقات كامب ديفيد ومن ينادي أن تبيع بلادنا ما تشاء لمن تشاء بسعر السوق العالمية. لا يستوي من يدعم المواطن الإسرائيلي بغاز سعره مدعم وينسى أن سعر الغاز والنفط ارتفع ثم يرفع الدعم عن خبز المواطن المصري ويقول إن سعر الغذاء ارتفع لا يستوي هذا ومن يدعو إلى تعمير سيناء وزراعتها ضد رغبة إسرائيل. أهلا بالمصالحة مع الغرب مصدر الحضارة الراهنة إذا لم يضع قيودا على جيش مصر. أهلا بالمصالحة إذا لم تفرض على مصر ماذا تزرع وأي شيء تزرع. أهلا بالمصالحة إن لم تتدخل في المناهج التعليمية وتسمح بهذا وتمنع هذا. أهلا بالمصالحة إن لم تعرقل برامج التنمية وخطط الاستقلال الاقتصادي. ليس هناك تعارض بين تداول السلطة واحترام ثوابت الأمة. من ثوابت الأمة توقير الكبير والعطف على الصغير والحشمة من ثوابت الأمة وبر الوالدين كذلك ومنها معاقبة الجاني والقصاص منه. لا يحتاج من وصل إلى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة أن يضع معارضيه في السجون. هؤلاء المعارضون الذين يدعون إلى التحرر في اللباس والغناء والرقص والسكر هم قلة لا تحتاج الأغلبية إلى حبسهم. أرى أن 95% من مسلمي مصر لا يرضون بالجهر بالفسق وأحسب أن 50% من نصارى مصر يعارضون حرية الخلاعة ومن ثم فإن أكثر من 90% من شعب مصر لا يرون تهديدا يذكر من مخالفيهم يستوجب حبسهم. يؤمن شعب مصر أن للدين قوله في كل مناحي الحياة حتى إنهم يغتسلون من الجنابة ويتطهرون من البول الغائط. إن رفض الكاتب هذا التطهر فهذا شأنه ولن تجبره أي حكومة إسلامية كانت أو غير إسلامية أن يكون من المطهرين.

الكاتب
مواطن عربي -

. 1) وصف الكاتب المراقبين الذين يرون حركة كفاية تجمعاً وطنياً لدعاة الحرية أنهم غير مطلعين . 2) جادل الكاتب أن الداعي الحقيقي للحرية هو من لا يعرف فيها الاستثناء أو التجزئة. 3) 4) عدَّ الكاتب المنادين بالمصالحة مع الغرب بالوطنيين ووصف الغرب أنه مصدر الحضارة الراهنة. 5) يرى الكاتب أن من شروط الدعوة إلى تداول السلطة نبذ الالتزام بثوابت الأمة وإسقاط ما هو معلوم من الدين بالضرورة. 6) أنبأنا الكاتب أن من وصفهم بشيوخ التأسلم السياسي سيضعون أصحاب الرؤى المخالفة في السجون. 7) أنبأنا تارة أخرى أنهم مثل النازي يمارون بدعوتهم إلى الحرية حتى إذا ما خلصت لهم السلطة انقضوا على معارضيهم وقضوا عليهم. 8) رفض الكاتب أن يكون للدين قول في الحياة بدءا من نظام الحكم إلى آداب دخول المرحاض.

الحرية والأنا
انسان -

عقدة الأنامن قال ها انا لها ذا فقد ظلم .ما انت وانا الى مورث من العصور وأخلاقيات تطورت عبر السنين.نتاجاً لذلك تكون انا وانت ما نحن الا فكر متوارث وفكر يورث.وتطور الاخلاق يملكه الثواب والعقاب مدى العصور حتى تتبلور الى اشكال ومجسمات يذكرها التاريخ.مودتي

المخدرات والدعارة
جاك عطاللة -

محاولات لصق الدعارة وتجارة المخدرات بالحرية والديموقراطية محاولات ساذجة ورخيصة لا يبتلعها احد وانما هى بيع لصكوك استغفال قوانين الدول الغربية تجرم المخدرات والدعارة التى تنشط اكثر فى الدول المنغلقة و لاداعى لنفتح لك الحقائق الموثقة

إلى مواطن عربى
مواطن مصرى -

اسجل اختلافى مع مواطن عربى و ايضا احترامى لاسلوبه المتحضر فى الرد.