في الفرق بين اللاعنف والفعل الخال من العنف

" اللاعنف هو مبدأ للسلوك نبتعد من خلاله عن العنف كوسيلة في الفعل السياسيhellip;وهو أيضا تغييب لكل عنف في أي مجال كانhellip;" Dictionnaire Larousse
ما الذي يدعو الى التساؤل عن معنى اللاعنف؟ هل هو غموض هذا المفهوم أم نجاعته في التاريخ؟ هل وجود عدد قليل من النظريات والمدارس الفكرية التي تتبنى مفهوم اللاعنف أم أن الأمر يطرح عند الناس الذين يتبنون هذه الممارسة؟ ان معنى اللاعنف هو طريقة معينة في الفعل تعتمد على الحجة والإقناع بدل العنف والقوة. الأشخاص الذين يمارسون أفعالا غير عنيفة دون حتى أن يعلموا معنى اللاعنف وبمعزل عن الاعتبارات المذهبية والإيديولوجية التي تشرع الى مثل هذا اللاعنف. ينبغي أن نميز بين فعل دون عنف وفعل غير عنيف وذلك برسم الحدود التي تفصل بين الطرفين والابتعاد عن الأفعال الإجرامية والحربية. ان الجميع يشعر بطريقة حدسية أن العصيان المدني وإضرابات الجوع والاعتصامات هي كلها حركات احتجاجية تنبع من مصدر مغاير للمصدر الذي تنبع منه مفاوضات الدبلوماسيين وأشكل الحوار المتبادلة بين مجموعة من الأفراد العقلانيين وتجارب التعاطف والتصادق والتوادد. لكن إدراج كل الأفعال الانسانية ضمن خانة الأفعال غير العنيفة من أجل إعطائها معنى انساني نبيل هو أمر غير منطقي وغير مقبول لأن البعض من العنف يتخلل هذه الأفعال ويوجهها نحو مصالحها الأنانية ويخرجها من حيز الإمكان الى حيز التنفيذ والانجاز. إذ هناك أفعال يرافقها عنف شديد وأفعال أخرى يقف وراءها عنف قليل وكأن العنف هو الشرط الأول لشروع كائن بشري في الفعل ثم يأتي الانسان بقيمة اللاعنف ليصب الماء على النار التي أشعلها فعله العنيف ولتخفف الإرادة الطيبة والنية السليمة حدة الإيديولوجيا ونهشة الواقع. ان مفهوم اللاعنف ليس بريئا ولا محايدا ولا يعني فقط غياب العنف بل هناك العديد من الالتزامات في المجال السياسي والاجتماعي التي تتم من خلال حركات سلمية غير عنيفة. انه ليس ماعونا مفهوميا دائما معدا لوصف بعض أبعاد الفعل بل هو أيضا قضية تستدعي اتخاذ العديد من المواقف من طرف الفاعل. ينبغي أن نتعرف على علاقة القوى الموضوعة على الذمة والتحري من شرعية الوسائل المستعملة وسلميتها من أجل الحكم على فعل ما على أنه غير عنيف أو مجرد فعل خال من العنف. ان لفظ اللاعنف يحمل حكم قيمة وليس حكم واقع وينتمي الى إتيقا رافضة بإطلاق لكل فعل عنيف. ماهو نوع النشاطات التي تدفع الأفراد والمجموعات نحو حظر العنف ومنعه؟ ماذا يعني مقاومة العنف بطريقة غير عنيفة؟ ظهر مصطلح اللاعنف أول مرة سنة 1920 لتسمى به الصحافة الحركة السياسية التي بدأها غاندي ضد الاستعمار الانجليزي للهند. واللاعنف هو منهج فعل نوعي يسمح بالصراع ضد العنف بإتباع أسلوب غير عنيف.انه نوع من المقاومة السلمية أو التعويل على القوة العاطلة والذي سماه غاندي سلاح الضعفاء وهو الذي يتجنب العنف دون اقتلاعه من جذوره ويحد منه دون أن يعمل على منعه من الاندلاع. يتكون مفهوم اللاعنف من حركتين: رفض العنف من جهة وإتباع منهج في الفعل لا يستخدم العنف من جهة أخرى من أجل صنع الحياة والتوقف عن إعدام الوجود وتصحير المجتمع ونشر الذعر والخوف بين الناس واحترام الكرامة البشرية وتقييد القوة بحبائل الحق والخير والجمال. ان العنف مباشر وهيكلي وعدواني وهو وسائل ضمن وسائل أخرى وليس الوسيلة الوحيدة لتنظيم العلاقات بين البشر ولحل النزاعات بل يزيد من تعقيد للمشكلات ويدخل التواجد البشري في حالة من الفوضى ويربك المشهد ويمثل هو في حد ذاته مشكلة جديدة. عندئذ يبدو اللاعنف حاجة ملحة وعقيدة ضرورية من أجل إيقاف حمى العنف ومنعه من الاندلاع مجددا وذلك بإتباع وسائل غير عنيفة لتحقيق بعض الأهداف السياسية. اللاعنف هو نوع من السلم والتسامح وهو مبدأ توجيهي يرفض للجوء الى القوة أو الانخراط في تجارب عنيفة من النزاع تؤدي الى القتل والإزهاق الأرواح وتخريب معالم العمران ولا تسيطر على أهدافها وغاياتها النهائية. في نهاية المطاف يختلف اللاعنف كحركة نبيلة وقيمة مطلقة يؤسس الصلح والهدنة ويدعو الى احترام الذات والتعايش مع الآخر والفعل الخال من العنف الذي يؤجل ويناور ويخفي الضعف ويضمر الحقد ويؤسس القتل ويبرمج الحرب ويقنن الصدام بين الشعوب والأديان. فكيف تحل المقاومة المدنية السلمية التناقض الحدي بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي؟ وكيف تخرج الهويات الخصوصية من حالة الانطواء على الذات والدفاع ضد العولمة الاختراقية وتجبرها على المشاركة في صناعة الكوني؟ * كاتب فلسفي