كتَّاب إيلاف

كيف تفهم الأصولية العَلْمانية والحداثة؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
-1-
بينما تتبنى الليبرالية العَلْمانية العقيدة التوحيدية، التي لا تنكر وجود الله، وتؤمن بالأديان جميعها، تُنكر الأصولية العَلْمانية إنكاراً تاماً، وترميها بالإلحاد والكفر برب العباد، وتطلق على العَلْمانيين صفة الملاحدة (يوسف القرضاوي، "وجهاً لوجه: العلمانية والإسلام") رغم البراهين القائمة أمام الأصولية في العالم كله - الذي أصبح أكثر من 80% منه عَلْمانياً- من أن العَلْمانية لا تعني إنكار الأديان، ولكن إنكار دور رجال الدين السياسي. فالكنيسة لم تختفِ من أوروبا وأمريكا، والمعابد البوذية لم تُهدم في جنوب وشرق آسيا. ورجال الدين ما زالوا يمارسون مهماتهم في الكنائس وعلى شاشات التلفزيون ويكسبون الملايين من ورائها، كما يحدث للدعاة الجدد في العالم العربي. فالمتاجرة بالدين أكثر ربحاً من المتاجرة في المخدرات، وأوفر سلامة. وفي الغرب ازداد التمسك بقيم الأديان الروحية والخلقية. وما تمَّ هو منع رجال الدين من تعاطي السياسة، وفصل الكنيسة والمعبد البوذي عن الدولة. فلم يعد في الدول رجال دين وساسة في آن واحد. فإما أن تكون رجل دين، وإما أن تكون سياسياً. ولكن رجال الدين الأصوليين في العالم العربي يريدون كلا الحُسنيين معاً: الدين والسياسة (مثال ذلك، رجال الدين الشيعة والسُنّة من السياسيين في إيران ومصر والعراق ولبنان والخليج، حيث لا يحاسبون ولا يُعاقَبون. وهم يحتمون كسياسيين بمظلة الدين والمسوح الدينية. فهم سياسيون في المحراب، ورجال دين عند الحساب) وليس أحدهما، ويريدون كلا الدالين معاً: الدين والدنيا. -2-
تسعى الليبرالية إلى حسم موضوع الحداثة، كما تسعى إلى حسم موضوع "الأصالة والمعاصرة". ولنعلم أن هذا الحسم ليس قرار المثقفين أو السياسيين، بقدر ما هو قرار الزمن العربي نفسه، وقرار الحياة العربية نفسها، التي يعيشها الليبراليون على أرض الواقع الطاحن، وليس داخل قلعة أثرية عالية ومعزولة، كما يعيش الأصوليون. ونحن نعني بالزمن هنا، الحدث أو الفعل في التاريخ. فمجيء نابليون إلى الشرق في العام 1798 حسمَ مسألة الحداثة مبدئياً. وكذلك، فإن مجيء محمـد علي باشا والياً على مصر في العام 1805، كان قد حسم جانباً من الحداثة العربية في ذلك الوقت، والتي كانت حداثة بمقاييس القرن التاسع عشر. ونابليون ومحمد علي باشا عندما جاءا بالحداثة، لم يأتيا بها من خلال قرار إمبراطوري، أو مرسـوم أميري، أو فرمان سلطاني عثماني، ولكنهما جاءا بها من خلال مجموعة من الأفعال وحزمة من الإجراءات، ذات صبغة حداثية.
-3-
ولهذا، فالأصوليون يكنّون البغضاء كلها لحملة نابليون علي مصر، ويكرهون كل الكره عهد محمد علي باشا، الذي حرم رجال الدين الكثير من امتيازاتهم، وحدَّ الكثير من تدخلاتهم في شؤون الدولة، وألزمهم مساجدهم، وكنائسهم، ومعابدهم. وهو الذي استولى على أموال الأوقاف وعقاراتها وأراضيها، وجعلها ملكاً للدولة، رغم معارضة رجال الدين الشديدة لهذه الإجراءات، وذلك حرصاً من محمد علي باشا على الحد من سلطة رجال الدين، وقطع الموارد المالية عنهم، والتي كانت تمثل قوة لهم. كما كان اهتمام محمد علي باشا بإرسال البعثات العلمية إلى أوروبا لإيجاد جيل من الخبراء والعَلْماء مقابل رجال الدين الفقهاء، بمثابة محاولة منه للحد من سلطة رجال الدين على مرافق الدولة، وإيجاد نُخب عليمة ومتعلمة في الغرب لإدارة الدولة التي كانت تدار في السابق بأغلبية رجال الدين كما الحال في إيران الآن. بل هو أرسل عدة بعثات من رجال الدين الأزهريين إلى أوروبا في بعثات علمية، وكان على رأس هؤلاء الشيخ رفاعة الطهطاوي الذي سبقه إلى أوروبا شيوخ كثيرون قبله. وكانت هذه الإجراءات من علامات العَلْمانية في الدولة العربية الكلاسيكية في القرن التاسع عشر، في عهد محمد علي باشا، الذي قام بتصفية حركة علماء الدين والقضاء على الأساس الاقتصادي -الاجتماعي لقوة علماء الدين السياسية، وذلك بتجريدهم من التزاماتهم، ومصـادرة ثرواتهم، وتدمير الطوائف الحرفية والتجارية التي كانـوا أرباباً لهـا. وبذلك انتهت مرحلـة في تاريخ مصر كان فيها رجال الدين هم قادة المجتمع، وأكثر فئات المجتمـع ثراءً. وقال رفعت السعيد: "استحسن المصريون ما فعله محمد على باشا بهؤلاء العَلْماء، لأن هؤلاء العَلْماء كانوا في وضع اجتماعي واقتصادي متميز، بل ومتناقض مع باقي أفراد المجتمع" (التيار الديني والتيار العَلْماني في الفكر المصري الحديث، ص60). ولو امتد الزمان بمحمد علي باشا وساعده الحظ، لحوّل العالم العربي إلى دولة عَلْمانية على غرار أوروبا الآن. ومن المعروف أن محمد علي باشا، كان أول زعيم في العالم العربي يحارب السلفية وجهاً لوجه، وذلك من خلال حملاته العسكرية المتكررة (1811-1818) على الجزيرة العربية، وعلى نجد خاصة، والدولة السعودية الأولى (1744 -1818) لأغراض سياسية، وليس لأغراض دينية - بقيادة ابنه الأمير طوسون، ثم ابنه إبراهيم باشا.
السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ليبرالية خ المارينز
اوس العربي -

يفترض في اللبرالية انها تسع الجميع ولاتستثني احدا لكن الصورة التي ينقلها لنا الكاتب تؤكد تماما على المنطق الاقصائي والاستئصالي للبراليجيين الجدد!!

مجزره القلعه
. -

ومارايك فى مجزره القلعه للماليك التى كان منفذها محمد على !؟ ومارايك فى مؤامره الغرب على امبراطوريه محمد على واسطوله البحرى ؟ ..واجمع كل المؤرخين ان محمد على كان يريدها امبراطوريه له ولابنائه ولاحفاده...وحول كل اراضى مصر له كاِقطاعيه كما جاء فى كتاب تاريخ الاقطاع فى مصر ؟والتاريخ ابدا غير قابل للتزوير من اجل تمرير ليبراليتك اِياها

قاهر الظلام والاعراب
الفراتي -

محمد علي لم يكن عربيا وحكم دولة عربيه فلماذا لايتم الاعتراض عليه في هذه النقطه من قبل القومجيه بينما يعترضون الان على الشيعه في العراق بحكم انفسهم وهم الغالبيه وهم العرب ... انها عقلية الاعرب الطائفيه

مقاربة تبسيطية
سلام فؤاد -

إن تجربة محمد علي لا يمكن وصفها بالعلمانية بأي شكل من الأشكال، وإنما هي كانت مجرد عملية إحتواء للمؤسسة الدينية، تماماً مثلما قام نظام الرئيس جمال عبدالناصر بفعله إزاء الأزهر والتيار الإسلامي، ويقوم العسكر التركي بفعله حتى الآن تجاه المؤسسة الدينية في تركيا: إنها عملية إحتواء، لا أكثر ولا أقل. العلمانية عملية لا يمكن بلوغها ما لم يقوم الفكر الديني (الإسلامي) بعملية تأصيل وتبيئة لهذا المفهوم في منظومته الفكرية الدينية، وهو الأمر الذي عجز عنه هذا الفكر حتى الآن.

مجرد رأي
سمير -

هناك يا سيدي علمانية محايدة في الغرب والتي تخترم الراي والرأي الاخر وتحترم المساواة بين الافراد ولاتعادي الدين .بينما هناك علمانية معادية ومتطرفة تتبناها بعض التيارات العربية الليبرالية التي تعادي الدين وتتبنى الاستئصال كخيار استراتيجي لاحتواء مخالفيهم في الرأي وليس لهم مشروع مجتمعي قائم على المطالبة بالمساواة ومحاربة الانظمة الفاشية ومحاربة الظلم والاقصاء

كلام صحيح
رامي خطاب -

كما قلت على برنامج اخير عن العولمة يجب فصل الدين عن السياسة.

سؤال وتعجب !
. -

سؤال فى اللبرله ما الفرق بين الليبرالى الاصلاحى والليبرالى الراديكالى ؟! ولا مصطلحات وبس !. واتعجب لجامعه القاهره فى احتفالاتها المؤيده كرمت كاهن ونسيت عميد الليبراليه الجديده وخريج اداب قسم انجليزى ؟ فما سر ذلك ؟

في الصميم
سمير الحاج -

مقال دسم وفي الصميم، ومختصر مفيد. وكل جملة تخفي وراءها صفحة كاملة.

رأي في الليبراليين
فهد -

لااعتقد ان المشروع المجتمعي في العالم العربي سيحمله الليبراليين العرب الجدد نظرا لان اجندتهم مرتبطة بالخارج وعلى رأسهم المحافظين الجدد. ولدلك فالحاجة ملحة الى تيار ديمقراطي وليس ليبرالي لان التيار الديمقراطي يؤمن بالاختلاف ويدافع عن المنظومة الكونية لحقوق الانسان ويدافع عن المواطن البسيط وحاجته في العيش الكريم وضمان جميع الحقوق المدنية والسياسية أما التيار الليبرالي فمشروعه هو استئصالي بالاساس ويعتمد على مقاربة الالغاء وخدمة أطراف خارجية

رد على رقم 9
عصام جلال -

من قال لك أن الليبراليين الجدد مرتبطون بالخارج؟ هات الدليل؟ هل كل ما لا يعجبكم تربطونه بالخارج. وأين هو الداخل لكي يرتبط به أي انسان؟ الليبرالية هي الديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون ليبرالية. الليبراليون ديمقراطيون لا يلغون أحد. والدليل أنك تعلق على هذا المقال كما تشاء. فهل تم الغاؤك؟

العلمانيون والدين
ابو اسامه -

العلمانيون واللبراليون العرب ممن كان بالامس القريب في اليسار الانتهازي ولذا ركبوا الموجةالامريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ا لذي لم يعد ينفق عليهم ؟! يرون نفي الدين الاسلامي من الحياة وتنحيته جانبا كشرط اساسي للنهضة على عكس العلمانيين اليابانيين الذين تصالحوا مع مكون الامة اليابانية الثقافي ولم يسعوا الى نفي الدين او تسخيفه او طعنه ولم يصنعوا شغبا فكريا وحروبا باردة او ساخنه داخل المجتمع كما فعل ويفعل علمانيونا العرب لقد اقر اليابانيون مواطنيهم على مايعتقدونه من تقديس للامبراطور و وتقديس للارواح الاسلاف وقوى الطبيعية ان صناعة شغب فكري وحرب عقائدية بين العلمانيين والمحافظين قد كلفنا الكثير ومطلوب ان يتصالح العلماني مع مكونات مجتمعه الثقافي ويترك الناس وما يعتقدون فالياباني الذي ابهر العالم باختراعاته كان ينحني لصورة الامبراطور قبل خروجه الى معمله وفي المساء حينما يعود يكرر الامر ثم يمضي ويشعل الشموع لربه الذي يعتقد فيه ولم يطالب احد الياباني ان يفصل الدين او المعتقد عن الحياة كشرط للتقدم والنهضة على عكس ما يروج العلمانيون العرب ؟!!

الليبرالية المزيفة
رشيد -

كيف يمكن للتيار الليبرالي ان يخدم المجتمع العربي والسيد النابلسي بنفسه قال في مقال سابق ان احتلال العراق من طرف امريكا اعطانا الفرصة في الظهور كتيار له افكار ومبادىء لدلك فلاحاجة لنا بهدا التيار مادام مشروعه قد اتى من واشنطن محمولا على ظهر الدبابة الامريكية الى العالم العربي

العلمانية المتطرفة
ملحم -

مانشاهده في تركيا اليوم يؤكد بجلاء ان العلمانيين المتطرفين لهم عداء واضح للدين وانهم ينقلبون على الديمقراطية ادا كانت في غير صالحهم

كلام غير دقيق
محمد المشاكس -

لم يكن مشايخ الحرف مشايخ دين، بل شيخ الصنعة الفلانية والحرف في مصر وتطورها يقول عكس ماقال الكاتب. أما عن محمد علي فلم يكن لديه سوى المطامع والطموح الشخصيان ومعاركه مع الوهابيين كانت تكملة لدوره كموظف عند السلطان العثماني. لم تكن لدى المؤسسة الدينية في مصر أية قوة عند إستلام محمد علي للسلطة عام 1805. عندما دخل نابوليون إلى القاهرة كان هناك مملوكان (الآلفي ونسيت إسم الآخر..) حيث كان لدى أحدهما كما ورد في الكتب حوالي المئتي إمرآة والكثير من الآخرون. عاشت مصر فترة مضطربة حيث تعاقب الغزاة الواحد تلو الأخر. جلب الغزاة القوة اللازمة للسيطرة على بلد مثل مصر وبالتالي لم يسمحوا لأي قوة دينية بالتدخل. تلك ظروف مختلفة عن الجزيرة العربية مصدر فكر بن وهاب الأصولي.ليقول الكاتب عن محمد على ماقاله تسرع من دون الخوض في دقة الكلام. لنعود إلى الفرنسيون والمِئتي إمرآة فبعد ليالي السكر الشديد لم يكن بد لهم إلا أن يجلبوا المشاكل لنفسهم. فعلقت معركة بينهم وأهل القاهرة أدت إلي قصف القاهرة بالمدافع........

إلي الفراني
مدمن ايلاف -

تقول (محمد علي لم يكن عربيا وحكم دولة عربيه فلماذا لايتم الاعتراض عليه في هذه النقطه من قبل القومجيه بينما يعترضون الان على الشيعه في العراق بحكم انفسهم وهم الغالبيه وهم العرب ) وانت ياسيدي تغالط حين تقول إن الشيعة اغلبية في العراق لان وثائق الامم المتحدة تؤكد عكس ذلك ولان مجموع اهل السنة والاكراد (وهم مسلمون سنة تنفي تماما ) فارجو أن تتحلي بالمصداقية والموضوعية، ثانيا لم يعتلرض احد علي حكم الشيعة للعراق ولكن بشرط أن يكون ذلك عير انتخابات نزيهة ومن خلال صناديق الاقتراع حتي تكون معبرة عن الارادة الشعبية الحرة ورضا اما ان يتم ذلك عبر المحتل وركوب السلطة علي دباباته فهذا هو المرفوض ياسيدي ولاتتحجج بأنه تمت انتخابات جعلت الشيعة يحكمون العراق لسببين الاول أنه لايمكن أن تكون هناك انتخابات نزيهة في ظل الاحتلال والثاني أن الانتخابات التي تمت عليها الكثير من الاعتراضات من قوي سياسية عديدة وحقوقيين ووصفوها بالمزورة .