كتَّاب إيلاف

أثر الدين في السياسة الأمريكية وحروبها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش حول دور "الدين" ومكانته في الولايات إبان صعود اليمين المسيحي المتصهين بوصفه القوة الأكثر دعماً للإدارة الأمريكية الحالية، فإنه لا يمكن اعتبار "الدين" مجرد عامل ثانوي في الولايات المتحدة على الرغم من قيامها على مبادئ علمانية، ونصّ دستورها على الفصل بين الدين والدولة صراحة. إذ ظلّ "الدين" موضوعاً مثيراً للجدل في الحياة العامة الأمريكية منذ نشأتها وحتى اليوم. وفيما قامت أوائل المستعمرات في الولايات المتحدة الأمريكية على أيدي المتطهرين (Puritans) الذين فرّوا من الاضطهاد الديني في أوروبا، والذين كانوا شديدي التدين، إلا أن التاريخ يشهد بأنهم أيدوا الحرية الدينية بدلاً من قيام مؤسسة دينية عالمية ترعاها الدولة.
وكان الرئيس (توماس جيفرسون) أول من أشار إلى "جدار الفصل بين الدين والدولة" في رسائله المتبادلة مع الرئيس (جيمس ماديسون). وفي الوقت الذي تطالب فيه بعض المجموعات السياسية حذف عبارة "بأمر الرب" من ميثاق الولاء للدولة، ينص البرنامج السياسي للحزب الجمهوري في ولاية تكساس للعام 2006 على أن أحد أهدافه هو "تبديد أسطورة فصل الدين عن الدولة".
والحال أن الرئيس الأمريكي (بوش الابن) ما انفك يتعمد استخدام العبارات الحمّالة للأوجه، والتي تتضمن رسالات دينية لأتباع مذهبه الإنجيلي في الولايات المتحدة، فعبارته "إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية ومفصلية يتوجب على شعوبها الاختيار بين الديمقراطية والحرية وبين الاستبداد والتطرف" قد تبدو بريئة للوهلة الأولى، إلا أن جمهوره اليميني المتطرف يدرك أن المراد بهذه العبارة الإشارة إلى التزام الإدارة الأمريكية بتطبيق حكم الله في الأرض، وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية؛ أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي يعدّ شرطاً أساسياً لعودة المسيح وخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان، وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض.
وبعيد وقوع هجمات سبتمبر، لم يتورع بوش عن وصف انتقامه من مدبري الهجمات بأنها بمثابة "انطلاقة الحرب الكونية ضد الشر"، داعياً الأمة الأمريكية لاضطلاع بدورها "التاريخي" في الرد على هذه الهجمات وتخليص العالم من الشر، مؤكداً على أن "الله يقف إلى جانب قوى الخير التي تمثلها الولايات المتحدة".
وقد أظهر استطلاع للرأي العام الأميركي أجراه معهد (بيو) قبل أيام قليلة من غزو العراق أن نسبة 77% من الإنجيليين البيض يؤيدون استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية للإطاحة بنظام حكم صدام حسين. ويبلغ مجموع الإنجيليين أكثر من 60 مليون شخص خلال عام 2000، الأمر الذي يظهر مدى تأثير الكنائس الإنجيلية والقساوسة في بلورة رأي هذه الشريحة الاجتماعية التي تشكل قاعدة انتخابية رئيسة للرئيس بوش والمحافظين الجدد، وذلك من خلال الترويج للفكرة التي تعتبر أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش "القائد المتدين والتقي الورع" تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.
فعلى سبيل المثال، ربط (بات روبرتسون) مؤسس ورئيس شبكة التلفزيون المسيحية CBN وعدد من المراكز والجامعات الخاصة بتدريس المسيحية، في مقالاته ومقابلاته بين صدام حسين و"نبوخذ نصر"، الملك الكلداني الذي حكم بابل وقام بغزو القدس وإحراق هيكل سليمان وتهجير اليهود خلال ما يعرف بالسبي البابلي. وحاول خلال برنامجه الشهير "نادي السبعمئة" تهويل الخطر الذي يشكله صدام حسين على "إسرائيل"، من خلال اعتباره ممثلاً لقوى الشر المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدولة الموعودة "دولة الله في الأرض" التي ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسيح، وذلك بطبيعة الحال وفقاً لمعتقدات المسيحيين الذين يؤمنون بالألفية.
والمبشر الشهير (تيم لاهاي) أحد أبرز الإنجيليين المقربين من الرئيس (بوش)، والذي يعتبر الزعيم الإنجيلي الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ25 الأخيرة من القرن العشرين لم يتوان عن الظهور مرات عدة في وسائل الإعلام للتصريح بأن "الحرب سواء في أفغانستان أو العراق ضرورية بالنسبة للمؤمنين". وأن "العراق يشكل نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم" إذ يصف أن للعراق دوراً مهماً في معركة (هرمجدون) التي ستقع في مجدو في فلسطين. وأنه "بعد غزو العراق وتخليصه من حكم الطاغية وإعتاق شعبه وإعادة إعماره، سيصبح العراق الدولة العربية الوحيدة التي لن تدخل في حرب ضد "إسرائيل" وضد جيش الله خلال الحرب الأخيرة".
أما (جيري فالويل) رئيس قساوسة كنيسة طريق توماس المعمدانية في لينش بورغ بولاية فيرجينيا، وأحد القساوسة القلائل المقربين من الرئيس بوش، فقد حثّ بوش على الاستمرار في حروبه: "إنه يتعين على الرئيس بوش والقوات الأميركية تعقب أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وجميع من وصفهم بالإرهابيين في جميع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله". وكان (فالويل) يشدد خلال عظات يوم الأحد على ضرورة تأييد قرار الحرب على العراق، لأنها حرب مقدسة.
أما القس (ريتشارد لاند) وهو رئيس لجنة الأخلاق والحرية الدينية في مجمع الكنسية المعمدانية الجنوبية التي يبلغ عدد أتباعها أكثر من 16 مليون شخص ولديها أكثر من 42 ألف كنيسة عبر الولايات المتحدة. ومن أبرز الزعماء الإنجيليين المقربين من الرئيس بوش، فقد كانت برامجه الحوارية (بوقاً) لتسويق قرار الرئيس بوش شن الحرب في أفغانستان والعراق، وحشد التأييد الشعبي لها ومنحها التبريرات الدينية.
وخلال العام 2002 وجه (لاند) رسالة نيابة عن خمسة قساوسة إنجيليين تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية بشكل واسع يعتبر فيها أن شن الحرب الاستباقية ضد العراق "حرب مشروعة"، لأنها تتوفر على جميع شروط "الحرب العادلة" المنصوص عليها في الدين المسيحي. وقال: "إننا نؤمن بأن سياساتك المعلنة والمتعلقة بصدام حسين هي سياسات حذرة وتندرج في الإطار الزمني النزيهة الذي تنص عليه نظرية الحرب العادلة".
وأصبحت الفكرة الرئيسة التي يرددها القساوسة الإنجيليون خلال صلاة يوم الأحد هي أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس بوش تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.
وهذه المسألة لم تقتصر على رجال الدين الإنجيليين وحسب بل رددها العديد من السياسيين. فضلاً عن قناعة العديد من أتباع هذه الكنيسة بكون الرئيس بوش قد اختير من قبل الرب لتنفيذ أوامره على الأرض، والتهيئة لنزول المسيح آخر الزمان وقيام مملكته على الأرض.
والحال أنه على الرغم من إعلان الحكومة الأمريكية عن عدم تدخلها في شؤون "الدين" وحماية حرية ممارسته، إلا كان وسيظل، العامل الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الحياة السياسية الأمريكية وصناع قراراتها، مما يجعل صراع الإدارة الأمريكية مع التيار الإسلامي المتشدد الذي تحاربه عبر العالم صراعاً سياسياً مغلفاً بدوافع ومسوغات دينية تكفل إيقاد نار الحرب، وتحرص على استمرار أوارها.
كاتب وباحث فلسطيني
hichammunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رائع
حمدي الهاجري -

مقال مميزورؤية تحليلية واثقةاتمنى للكاتب دوام التوفيق

حروب الدين
خوليو -

الدين المسيحي لاينص على أي مشروع حربي وماقصة معكرة هرمجدون إلا قصة توراتية لاعلاقة للمسيحية بها، إن الديانة اليهودية المتمثلة بتوراتها مليئة بكلام عن القتل والقتال والتحريض على إبادة الآخر ، تشبهها في هذا السياق ابنة عمها الديانة الإسلامية، فهو صراع بينهما قديماً من أجل إبادة الآخر ونهب وسبي البلاد التي يحتلونها كما حدث لأرض الكنعانيين(الأرض المنخفضة) عندما احتلتها جيوش يشوع بن نون(قائد عند موسى)وقتل الآلاف من الكنعانيين مدفوعاً بكلام سموه كلام إلهي لرفع المسؤولية عن جرائمهم، بوش المشعوذ لايختلف من حيث الهلوسة عن أولاد عمه في الدين، المجتمع الأميركي بشكل عام هو مجتمع علماني ولايعطل علمانيته هذه بعض المرضى النفسانيين .

إسطوانة مشروخة
سلام فؤاد -

إسطوانة تأثير الأصوليين في السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت مشروخة، والسبب هو أن السياسة الخارجية في أمريكا واحدة وتحددها المصالح الإستراتيجية للمؤسسة الرأسمالية الأمريكية، سواء كان الرئيس جمهوري أم ديمقراطي. والدليل على ذلك هو أن قانون تحرير العراق من نظام صدام كان قد تم تشريعه في عهد الرئيس كلينتون الديمقراطي، وكل ما فعله بوش هو وضع هذا القانون موضع التطبيق.

السبب
فهد -

ان المقال قيم من حيث انه سرد التيارات الاساسية المسيطرة الان على الانجيليين. ولكن وحتى نتفهم الوضع جيدا لابد من تحليل بعض العوامل التي ساعدت التطرف الديني الاميركي خلال العقود الثلاثة الاخيرة, وواحد من اهمها هو تزايد الاعتمادعلى المرجعية الدينية الاسلامية في مجابهتنا لاسرائيل والغرب وهذا بالتأكيد قد نشط الشعور الديني المتطرف في امريكا. فعندما يعلن متطرفوننا الدينيون ان علم الاسلام سيرفرف فوق قصر بكنغهام فما تتوقعون ان يكون رد الغرب؟

الدين سلاح سياسى
abdul aziz -

لاجل اسناد الاراء الواردة في المقالة الجيدة اشير الى كتاب جديد صادر بالانكليزية من دار اكسفورد للصحافة عام 2008 والموسومThe god strategy How relegion became a political weapon in america اي استراتجية الرب- كيف تحول الدين الى سلاح سياسي في اميركا.عالج الكتاب بوضوح واستنادا على الاحصائيات وبين كيف استغل الدين سواءمن ريغان الى بوش الابن وعبر كلنتون في تمرير الاهداف السياسية واقناع الجمهورلتاييداجراءتهم السياسية وقرارتهم المتخذة.هذا ولم يقتصر استخدام الدين لمارب سياسية على الحزب الجمهوري بل طال ذلك ايضا الحزب الديمقراطي من كلنتيون حتى اوباما