مؤتمر مكة: استئناف حضاري ام قطيعة عنصرية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وقبل الدخول في حيثيات محاور الموتمر والمشاركين فيه والمضامين المطروحة، فإن الانطباع الاول المبدئي يعكس انتفاء الحوار وقيمه وذلك من خلال ثلاثة امور واضحة للعيان: الاول عنوان المؤتمر " التأصيل الاسلامي للحوار"، وثانيًا غياب العنصر النسائي والنخب اللبيرالية عن المؤتمر، ثالثًا: المكان في مكة حيث يمنع دخول غير المسلمين أصلا.
فالعنوان يحمل في طياته تناقضًا صارخًا، إذ كيف يستقيم الحوار اعترافًا بالآخر وقبولا به مع الانطلاق من العقائد المقدسة التي لا تسمح اصلا بالتجديد فيها، على حد الاقوال المعتمدة عند الفقهاء، حيث أن هناك امور لا يمكن الاجتهاد فيها ولا القياس عليها ولا اعمال العقل بمضامينها، وتصنف بأنها خطوط حمراء لا يجوزالمساس بها!
أما الامر الثاني فهو الغياب شبه التام للعنصر النسائي وللنخب الليبرالية والعلمانية عن المؤتمر، وهنا يتسائل الانسان كيف للمسلمين ان ينفتحوا على الاخر ويتسامحون معه - وهو غير مسلم- في الوقت الذي يمارسون فيه عنصرية بالغة تجاه ابناء جلدتهم من الليبراليين وتجاه المرأة حتى تلك المصنفة بأنها "مسلمة "، فهي مستبعدة من الافتاء والقضاء ووولايتها منقوصة على حد تعبيرهم..؟!
لا أريد بحال من الأحوال أن أتبنى موقفًا مسبقًا، او دور المتذّمرالدائم، غير ان متابعة الشأن العام الاسلامي والثقافي منه تحديدًا، تدفع بالانسان الواعي الى حافّة اليأس، الذي يبقى له ثمة تساؤلات مشروعة حول مجريات الامورأهمها:
ما هو الجديد الذي قُدم في المؤتمر إن من حيث الشكل أم المضاميين الفكرية؟ هل المشاركون قادرون على احداث تغيير حقيقي في البنى المؤسسة للخطاب الديني عبر ممارسة الفكر النقدي؟ وهل هذا المؤتمر قادر على احداث هزة في الوعي الانساني وتحقيق تأسيس رؤية عقلانية عن التسامح؟؟ هل خرج المؤتمرون بأسس منطقية جديدة للحوار تخرج عن اطار التأصيل العقائدي المغلق؟
هل ما حصل يؤسس لنواة انطلاقة انفتاح؟أم أنه لا يعدو عن كونه دعاية تعيد اجترار شعارات مستهلكة، الغرض منها الخروج للرأي العام العربي منه والغربي بأن الأمور على ما يرام والأوضاع الفكرية تمام، وابعادًا للتهم الموجهة للعالم الاسلامي بأنه لا يجيد الحوار... فانظرايها العالم 500 شخصية "إسلامية" يبحثون عن آلية تأصيلية للحوار مع الآخر ! من نافلة القول ان الامم كافة تحتاج الى انفتاح وحوار يتجاوز الدعاية والتوصيات المدرجة في الملفات إلى الفعل وذلك لا يتبلور إلا عبر محاور ثلاث هي: نقد الموروثات الثقافية، والخروج من دائرة العنف وإرساء التسامح.
تفكيك الخطاب الايديولوجي المؤسس للممارسات:
إن الحوار الحضاري لا يتمّ إلا عندما يتحمل علماء الأديان النقديين (واكرر النقديين) والفلاسفة والمفكرين والنُخب مسؤولياتهم في البحث في مشكلات المضمون"المعنى المقدس " ليس داخل الموروث الحيّ الخاص بدينهم أو بطائفتهم وإنما في تراث جميع الأديان, حيث يتمّ تجاوز "الايديولوجيات " المغلقة لكل الأطراف, بهدف تحقيق قواعد التواصل ما بين "الذوات " الذي هو أساس التوصل إلي الإجماع والإقناع, وهذه القواعد تُطبّق فيما وراء إكراهات أنظمة "التصوّرالسائد" والقيم الخاصة، بكل بقعة جغرافية او تاريخية موصوفة باسم الحضارة.
إن الحوار يدار حاليًّا من قبل عناصر"مؤدلجة"، في حين يجب ان يقاد من قبل متخصصين ينظرون في المستجدات خصوصا بعد القطيعة التاريخية بين المعتقد الديني وعوامل الحداثة، وذلك من خلال تحليل الخطاب وتفكيكه ونزع الغطاء عن الخطابات والكليشيهات التي تمثل في المجتمع بشكل يومي، وأن تضع على المحك النقدي ما يستهلكه الدعاة والمناضلون السياسيون بدءا من الأصوليين وصولا إلى الليبراليين، وتحليل ما يعتمدون عليه وكأنه حقيقة يقينية، فحتى بعض العلمانيين متشنجين حيال كل ما هو مسلم، وهذا ينم عن نقص معرفي خصوصا فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية،كما ان المواقف المتطرفة التي يتخذونها تمنعهم من فهم الحاجة الدينية أو دراستها بشكل صحيح. مسألة العنف:
وهي ترتبط أولا بإدراكات وتجارب، وبأفعال وردود أفعال تتباين المواقف حولها بتباين الاستراتجيات والمواقع، مما يفتح الباب أمام كلّ الاحتمالات، بما فيها حرب التعريفات؛ وثانيًا، أن كلّ حديث عن العنف يحمل في طياته اتهامات تجاه الطرف الموصوف بالعنف كما يحمل حكمًا على هذا الاخر بوصفه عنيفًا من خلال إتهامه وتجريمه.
و ربما من الأجدى أن نفكر في الحد من العنف عبر الاعتراف أولا بأنه يسكننا ويطبع تركيباتنا الاجتماعية والثقافية والدينية، وبالتالي لابد من التعامل معه على هذا الأساس،لان المقولات المثالية مثل اطروحتي "السلم الدائم" و"العدل التام" يؤدي الى الدخول في المطلقات في السياسة؛ كما أن ما تسميه اليوم بعض التيارات الاسلامية "بالنظام الإسلامي" أو "المنهج النبوي" يدخل مطلقات دينية في صميم الممارسات السياسية، وهذا خطر على المجتمعات إذ أنه يفتح باب تفشي العنف بدل الحد منه، ويسد باب والاتفاق في ظل السلم النسبي. تأسيس رؤية عقلانية عن التسامح:
وهي إحدى القضايا الأكثر جوهرية، والسؤال الذي يطرح دائمًا حول أي منظومة قيم تلك القادرة على بناء التجانس والإنسجام الفعلي في كينونة الفرد والجماعة والأمة والثقافة والدولة تجاه النفس والآخرين
بيد أن عملية تأسيس بنى التسامح ليست فعلا إرادويًّا محضًا، بقدر ما هو تراكم لصيرورة القيم بوصفها منظومة متكاملة. فلكل جماعة بشرية منظومتها الفكرية والعقديّة الخاصّة عن التسامح مما يجعل الأمر جزءًا من معاناة الامم نفسها؛ لذلك يبدو التسامح قيمة نسبية ومطلقة في آن، فهي قيمة نسبية لانها تختلف من أمة لأخرى ومن دين لآخر، وهي مُطلقة داخل المنظومة الثقافية الواحدة. كلمة أخيرة
إن الحوارات الجادة هي تلك القائمة على الاعتراف المتبادل لثقافات العالم بين بعضها البعض, وهذا يحتاج الى توفير أجواء ديموقراطية على الأقل, وللأسف الفضاء الثقافي العربي الحالي لا يسمح الا بنقاشات سطحية، مع وجود بعض الاستثناءات عند نخبة من المفكرين التي توصل رسالتها بشكل غير مباشر,حيث ان الحوار في الأمور" المقدسة" يثير حفيظة معظم العقليات "المؤدلجة" , التي تلتزم بإطلاق الأحكام وقد تصل لدرجة إلغاء الآخر وإخراجه من دائرة المجتمع، فساحة النقاشات خاضعة للمراقبة من قبل السلطات الدينية والسياسية.
من جهة أخرى فالغرب إن لم يكن يعاني من أثر السلطات المذكورة إلا أنه يعاني من موقف علماني متطرف، لا يفهم " الظواهر الدينية", ولا أبجدياته، فخوض حوار في الغرب حول الثقافات والأديان ليست بالأمر السهل لانه سيواجه بجهل على مستوى "فهم الأديان" عند شريحة كبيرة من الناس!
كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
جيد
قارئ -مقال رائع وقراءة أكثر من صادقة لواقعنا وواقع المؤتمر ، سيدتي مروة برأيي ان هذا الحوار الذي يجري الان في مكة هو كنوع من ذر الرماد على العيون ، فأين الحوار أولا بين المسلمين أنفسهم حتى يكون هناك حوار بين المسلمين والاخر ، للأسف أقولها لايوجد أي مبدا للحوار صحيح عند علمائنا اليوم وائمتنا حتى من يسمي نفسه بالمعتدل يظل متمسكا بتسمية كافر وتفضيل المسلم عليه. المرأة مغيبة والليبرالي مغيب واليساري مغيب لاوجود إلا لمن يفهم لغة التفاضل وان هذه االامة خير من جميع الامم شاء من شاء وابى من ابى.
انتقائية مرفوضة
اوس العربي -هل نفهم من هذا ان العنف كامن فقط في الاسلام ؟!! وان المسيحية واليهودية والعلمانية والمادية وحتى اللبرالية ليست محتوية على عنف ضد الاخر ماهذا يعني اما ان نتبنى كل منظمومتكم الفكرية والثقافية والعقدية او نحن عنيفون ماهذا السقم ما هذا الاستبداد المرفوض لو كان الاسلام عنيفا ما بقي في الشرق مسيحي او يهودي او مجوسي واحد ان العنف زاولته النظم الديمقراطية الحداثية الانسانية ضد شعوب العالم الثالث وابادتهم او كادت لقد تم فرض الديمقراطية بصواريخ التوماهوك ايتها الرقيقه ؟!! لقد حصدت العلمانية واللبرالية والشيوعية من ارواح ا لبشر ماحصدته الاديان مجتمعة وكان الاسلام اقل الاديان سفكا للدماء فقد حيد المدنيين والمدن ولم يضرب البشرية بالقنابل الذرية ولم يزل المدن كما حصل في جنين والفلوجه ان ثفافة الغرب هي ثقافة الابادة والمحق والسحق اما ان تطيع او تضيع لا اختيار ثالث لك
الرضرضة
خوليو -يسمونه حواراً وهو رضرضة لافائدة منها، ومن يعجز عن حل مشاكل بيته لايستطيع أن يقدم أي نموذج للحوار مع الاخر، على الدول التي يعتنق معظم سكانها الديانة الإسلامية أن تقدم براهينها بأن التطبيق الإسلامي في الحكم ينتج حضارة، ومقاييس الحضارة في هذا الزمن معروفة وتقدمها سنوياً المنظمات العالمية من نسب الأمية لنوعية التعليم ومن ثم الإنتاجات الثقافية والصناعية والإلكترونية وعلوم الجينات والتقدم الاجتماعي ودور المرأة والطفل والرجل فيه،ما تقدمه الدول التي يعتنق سكانها كلهم أو في معظمهم الإسلام مخجلة، لاجواب لديهم سوى أن الآخر يسرق خيراتهم ويمنعهم من التقدم،بنغالادش مسلمة بالكامل فلماذا لم تصبح مثل اليابان مثلاً؟ لا أحد يريد أن يفحص العائق الحقيقي للتقدم في هذا العصر في هذه المجتمعات، وهو أن حصر العقل وسجنه وتقييده بسلاسل دينية جامدة تمنع من انطلاق إبداعاته بشكل عام ، فمثلا لاتجد دولة إسلامية واحدة تنشئ معهداً للبحث في تاريخ نشؤء الإنسان، ولا تجد مسلماً واحدا في تلك الدول يبحث فيه، بالنسبة لهم المسألة محلولة ومن الثوابت ،ومخالفة ما يعتقدون تؤدي لكارثة، فما هي أرضية الحوار التي يريدون أن يحاورون بها العالم؟ قبل الحوار العالمي يجب تحديد موقفهم بالذات من قضايا حدد العالم موقفه منها بوضوح، وهي علاقة الإنسان بالكون ودوره فيه ومفهومه لهذا الكون، العالم الحضاري يعطي دوراً رئيسساً لللإنسان، والعالم الإسلامي يهمش هذا الدور ويحصره بالتلقي والعبادة،بالنسبة لهم العقل الممنوح للشخص يجب استخدامه فقط للبرهنة على وجود خالقه، والفرق شاسع بين الموقفين ،عقيم كل حوار لأن كل طرف يتكلم لغة مختلفة، وعلى الطرف الإسلامي تحديد موقفه من قضايا تخص دور الإنسان في الطبيعة ودوره في الحداثة، قبل أن يسمحوا لهم بدخول صالة الحوار.
مقال رائع
نـــ النهري ـــزار -مقال جيد وموضوعي وانا اعتبره فقزة نحو الامام للكاتبة. هناك تساؤل يجب ان يخطر على بال الجميع وهو ماهي اساسيات وبديهيات الحوار؟ اذا كانت اساسيات وبديهيات وقوانين الحوار هي بديهيات واساسيات الدين الاسلامي, فلا داعي للحوار اصلا من اساسه لان هذا ليس حوارا وانما مناقشة ومحاولة من التيارات الاسلامية لشرح بعض اساسيات الدين الاسلامي وتعريف الطرف الاخر بها بدون الاخذ من الطرف الاخر. اما اذا كانت اساسيات وبديهيات الحوار شيء اخر غير الاسلامية فهنا يجب ان يتفق المسلمون اولا على هل ان دينهم لا يمنعهم من هكذا حوار؟ قبل ان يضيعوا وقتهم ووقت الاخرين
ساحرة
imad- -مقال جريء ... وامرأة ساحرة
مقال أكثر من رائع!!.
كركوك أوغلوا -أتفق مع الأستاذ: خوليو ونزار , نعم كيف يمكن للأنسان(مركزالكون), أن يبدع ويتحرر وهو مكبل بالسلاسل ؟؟!!..