كتَّاب إيلاف

على هامش مؤتمر الحوار الإسلامي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تحت شعار (محاربة الجهل والانغلاق وضيق الأفق) الذي أطلقه عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز، انعقد في مكة المكرمة (من 4إلى 6حزيران) مؤتمر الحوار الإسلامي الذي يهدف إلى بناء سبل للحوار بين أبناء المذاهب الإسلامية، وخاصة بين السنة والشيعة. وإلى تأسيس جسور للتواصل بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى. وقد تصادف انعقاد المؤتمر بعد الهجوم البشع الذي شنته في جاكرتا مجموعة من الإسلاميين الاندونيسيين المنغلقين، ضد بعض الناشطين الداعين للتسامح الديني بين أتباع الديانات المختلفة.
وقد سبق المؤتمر صدور بيان موقع من اثنين وعشرين رجل دين سعودي من خارج المؤسسة الرسمية، بعضهم معروف، وبعضهم الآخر غير معروف، يتهجمون فيه على الشيعة، ويحذرون من خطرهم، ويتهمونهم بزعزعة استقرار الدول الإسلامية وأمنها، ويحملونهم مسؤولية الفساد والاعتداء على المسلمين السنة، مستشهدين على صحة اتهاماتهم بما يحدث في اليمن مع الحوثيين، وما حصل في بعض مواسم الحج السابقة.
تناوب على إلقاء الخطب والمداخلات عدد من المؤتمرين. وقد تلا بعضهم الآية: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون- العنكبوت 46) كما تلا بعضهم الآية: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا إنا مسلمون- آل عمران 64).
وحبذا لو أن هؤلاء الخطباء تلوا مع الآيات التي تلوها، الآية (99) من سورة يونس التي تقول: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين- يونس 99) والآيات (فذكّر إنما أنت مذكّر 21 لست عليهم بمُصيطر 22 إن إلينا إيابهم 25 ثم إن علينا حسابهم 26- الغاشية)* والآية (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب- الرعد 40) وأيضا الآية (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء- البقرة 272) والآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون- المائدة 105) والآية (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين- هود 118)وأخيرا وليس آخرا، حبذا لو تلوا أيضا الآية (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير- الحجرات 13).
لا أظن أن المؤتمرين قد فاتهم أن الله وحده هو الذي يغرس الإيمان في نفوس البشر، وأن الإيمان لا يكون بالإكراه. ولذلك قال لرسوله الكريم: "لست عليهم بمصيطر" أي لست عليهم بجبار كي تخلق الإيمان في قلوبهم، ولست الذي تُكرههم على هذا الإيمان. كما لا أظن أن المؤتمرين قد فاتهم أن الله وحده هو الذي يحاسب الناس على عقائدهم وما في ضمائرهم. وإنه لحكمةٍ أرادها سبحانه وتعالى أن جعل الناس شعوبا وقبائل مختلفة. وأن مسألة الإيمان والدين إنما هي علاقة خاصة بين الإنسان والله الذي إليه إيابه، وعليه حسابه.
إنه لمن المهم أن يتفاعل المؤتمرون بقلوب وعقول مفتوحة مع الشعارات التي أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وانعقد المؤتمر تحت ظلها. وأن يسعوا مخلصين إلى الغايات التي رسمها وتوخاها للمؤتمر. وأن يعملوا على تجديد الخطاب الإسلامي بحيث يرفض الاتهامات والتكفير، وإطلاق الصفات والنعوت، ويؤكد على المساواة وحقوق الإنسان مهما كان جنسه ولونه ومذهبه ودينه. وأن لا يعمد بعض هؤلاء المؤتمرين إلى سياسة الخطاب المزدوج، والتسويق الإعلامي، أو وضع العصي في الدواليب.
ومن المهم أيضا في هذا الصدد تعديل المناهج التربوية والتعليمية في البلدان الإسلامية بما يعزز المساواة بين الجنسين، والانفتاح على الثقافات العالمية، وقبول الآخر. وبما ينبذ المفاهيم والتوجيهات والإيحاءات التي تنتقص أو تسخر من الديانات الأخرى، ومن مؤسساتها وكتبها وأتباعها، وتكفرهم وتحرض عليهم. وأن تدين تلك المناهج بصورة قاطعة لا لبس فيها ولا إبهام ولا تورية الإرهاب وقادة الإرهاب ومموليهم، والذين يقسمون العالم إلى دارين. وأن يطلقوا شعار الحرية الدينية، لإظهار تسامح الإسلام، وصورته الحقيقة.
لقد شخّص العاهل السعودي بدقة متناهية المرض الخطير، والهوة العميقة (الجهل والتعصب والانغلاق وضيق الأفق) التي تردت بها شريحة من المسلمين وشيوخهم الذين يتوهمون ويدّعون أن الله قد خوّلهم تقرير مصائر الناس، وإرسال هذا المرء للجنة، وذاك المرء للنار. فأساء هؤلاء النفر بأقوالهم وأفعالهم وأوهامهم للمسلمين والإسلام أكثر مما أساء له أعداءه. وأظهروه دينا يعادي العلم والبشرية والإنسانية والثقافات. ويرفض حرية الإنسان ويأكل حقوقه. ويحمل في طياته العنف والإكراه والعداء للآخر ويدعو لقتاله وقتله.
لا شك أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لا يملك عصا سحرية تزيل من النفوس المريضة التعصب والتطرف، وتنير العقول والقلوب المظلمة. لكنه يملك الحق والقدرة على إصدار التعليمات والقوانين التي تنير الدروب وتمهد الطريق، ووضعها موضع التطبيق، ومعاقبة الداعين إلى التمييز والبغضاء، والمعتدين على حقوق ومشاعر الناس، المنفذين منهم والمحرضين.
* بمصيطر. وفي قراءة بالسين: بمسيطر.
Saadkhalil1@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الكاتب منزعج
نـــ النهري ـــزار -

لقد انزعج الكاتب لان المؤتمرين ذكروا هذه الايات فيبدو انه منزعج منها او انها لا تروق له. واتى بايات مخالفة لها تماما. سؤالي للكاتب وغيره من المدافعين هل تستطيعون مسح هذه الايات؟

والله انهم هم الخراب
سعودي -

الحمد لله الذي هداني سبحان الله الملك عبد الله يرعى المؤتمر للوحده ويعتون كنا نحسبهم شيوخ ولكن في الحقيقه جهال ويطلقون بيانات تسيء الى سمعت الملك اولا والى الشعب ثانيا. الحمد لله على هذه النعمه والهدايه. ونحن سائرين على نهج الملك عبد الله مع كل البشر وليس مع الشيعه يدا بيد فهذا هو الدين الاسلامي الصحيح. همسه.. اتمنى ان يحاسبوا هؤلاء لانهم هم سبب الفتنه وببانهم هذا يخالفون الملك عبد الله تحياتي اخوك ابو عبد الله الرياض

تقدم مدهش
اوس العربي -

الحمدلله قال المقال ( شريحة من المسلمين وهذا موقف متقدم لادعياء اللبرالية والعلمانية وقد خبرناهم يضعون المسلمين جميعهم في سلة الارهاب الدولي ؟!! من جهة ثانية يوحي الكاتب ان المسلمين يرغمون غيرهم على الاسلام وهذا غير صحيح الناس يأتون الى الاسلام برغبتهم وعن اقتناع لا عن طريق ضغط ولا غواية ولا استغلال ظرف كما يفعل الاخر ؟؟؟ لا بل ان الغازي يقتنع بالاسلام ويدخل فيه وهو مدجج باعتى الاسلحة وامضها والمسلمين في اضعف حالاتهم حصل هذا مع ا لتتار الاقدمين وحصل مع التتار الجدد الامريكان في حفر الباطن ؟!!!

ولكن
خوليو -

ولكن المفاهيم والتوجهات والإيحاءات بكره الآخر والتي يريد نبذها السيد الكاتب في المناهج التعليمية تستند على سور أخرى تعاكس الآيات المذكورة في المقالة الجيدة، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية لهذا الدين، وهذه القصة ليست حديثة بل هي قديمة بقدم تاريخ الإسلام، والكاتب يعرف هذه الحقيقة، لامناص من فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في السياسة لأن بتدخلهم سيجلبون معهم النقيضين، التسامح والعقاب، وهذا الأخير ليس سماوي فقط بل هو أرضي أيضاً, ويستند على آيات من نفس الكتاب.

الغزي يدخل برغبته
نـــ النهري ـــزار -

هناك بعض المعلقين يحاولون خداع الناس بالالتفاف على الحقيقة فاحد المعلقين يقول (لا بل ان الغازي يقتنع بالاسلام ويدخل فيه وهو مدجج باعتى الاسلحة .... ) الحقيقة التي غابت عن ذهن المعلق سواء عن عمد او غيره ان المحتل يعتنق الاسلام لسبب واحد وهو ان المسلمين لا يقبلون ان يؤمهم غير مسلم او (كافر) كما يقولون لذلك فان افضل طريقة للسيطرة عليهم هي اعتناق دينهم وبذلك لا يكون هناك احتلال ولا غيره وكما حدث مع الدولة العثمانية فالاتراك احتلوا الدول العربية عشرات السنين بدون ان يثور عليهم احد لانهم مسلمين (سنة) فالاتراك عرفوا من اين تؤكل الكتف

مقالة متوزانة
مسعود عبد الحي -

لايوجد سبيل للكفاح ضد التعصب والانغلاق والكراهية سوى الكلمةالحرة بتجلياتهاالانسانية ملاحظةودية( هكذاتكتب كلمة مسيطر ) وليس بالصاد (مصيطر)والكاتب الجليل يعرف ذلك لكنه سهومطبعي

مسعود عبد الحي
قارئ -

كلمة مصيطر وردت بالصاد في القرآن/ سورة الغاشية آية 22 والكاتب لم يخطئ في كتابتها وقد أشار إلى ذلك في نهاية المقالة

أتفق/خوليو ونزار
كركوك أوغلوا -

وأضيف لرد نزار : بأن المغول أيضا أعتنقوا الأسلام , ليزيلوا صفحتهم السوداء ؟؟!!..

حمال اوجه
زنفل -

قال على بن ابي طالب ان القرأن حمال اوجه ، و معناه انك قد تجد كثير من الايات تدعوا الى التعقل و مسامحة الاخر ، و ايضاً كثير من الايات تدعوا الى قتال الاخر ، و تلك هي المعضلة التي تعاني منها المجتمعات الاسلامية ، فإذا ارادوا السلام و جدوا ما يؤيدهم من الايات ، و اذا ارادوا الحرب وجدوا ما يؤيدها ايضاً .