كتَّاب إيلاف

الأصولية الدينية والفيديو كليب صنوان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

-1-
في ظل التموضع الجديد للأصولية الدينية المتحدية والشرسة، ومعاداتها للعولمة والعَلْمانية والحداثة، وحملها للسلاح، وممارستها للقتل والعنف للوصول إلى السلطة، ظهر فن الشباب الغنائي الجديد، أو ما يعرف بعصر "الفيديو كليب"، الذي يوصف بأنه فن غناء الصوت والجسد معاً. والذي يوصف أيضاً، بأنه فن الاستعمال لمرة واحدة Disposable Art، كأي مستهلَك سريع في هذا العصر الاستهلاكي الذي نعيشه.
-2-
فكما كان أبو نواس وبشّار بن برد وديك الجن الحمصي وغيرهم مرآة ولسان عصرهم، فإن هؤلاء المغنين والمغنيات هم مرآة عصرهم، ولسان حاله كذلك. وهذه الحرية المفروضة علينا فرضاً، والتي رحبنا بها، وسعدنا بها، من قِبَل ثورة الاتصالات والمتمثلة خير تمثيل بالانترنت، أتاحت دون شك هامشاً أكبر للحرية، وإبداء الرأي والرأي الآخر، لليمين واليسار والوسط، لكي يتكلموا كما يشاءوا من خلال المواقع والمدونات على الانترنت، وكذلك على بعض الفضائيات التي لا تتبع نظاماً عربياً، أو حزباً، أو منظمة سياسية. وهذا الواقع الآن، يذكرنا بواقع منتصف القرن الثامن الميلادي ومنتصف القرن الثاني للهجرة، وهو العصر الذي عاش فيه أبو نواس وبشّار بن برد. وهو العصر الذي قال فيه طه حسين إنه يتصف بخلال أربعة: الشك، والمجون وإيثار اللذة، وحرية العواطف، وسهولة اللفظ (حديث الأربعاء، ج2، ص40) بل إن مطربي ومنشدي وقائلي الفيديو كليب الآن، هم أشد الناس له تمثيلاً، وأصدق لحياته تصويراً، من الفقهاء وأصحاب الكلام والأصوليين، الذين لا ينتسبون إلى هذا العصر في مظهرهم ومخبرهم وخطابهم. بل هم يفرضون أنفسهم فرضاً على هذا العصر بالقوة والإكراه وبمظلة الدين.
-3-
لا نريد أن نقول أن هذا الفن كان رداً على طغيان الأصولية الدينية وتحدياً لها، ولكنه على الأقل كان مساوقة لها في التفاهة والسطحية. فالتفاهة والسطحية التي نجدها في الأصولية الدينية ودعواها وخطابها، نجدها كذلك في غناء الفيديو كليب. فهذه الحقبة - تسعينات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين - كانت حقبة ازدهار الأصولية الدينية/السياسية في العالم العربي، وهي كذلك حقبة ظهور التفاهة والسطحية في فن الغناء. وفي هذا يقول أبو الفرج الأصبهاني (897-967 م) في سِفْره "الأغاني" : " إذا أردت أن تعرف حضارة أمة، فانظر إلى موسيقاها وإلى مطربيها، فإن رأيت منهم عزوفاً عن اللحن، وخلطاً في الصوت، فتأكد أن الأمة سائرة نحو الهاوية."
-4-
وهذا لا يعني أن ملامح مثل هذه الحقبة، لم تظهر في الماضي في التاريخ العربي. فالتاريخ ماكر ويُعيد نفسه. فقراءة سريعة لأجزاء "الأغاني" (21 جزءاً) لأبي فرج الأصبهاني، وما فيها من قصائد وأغانٍ تافهة في نظر البعض، مثل تلك الأغاني التي نسمعها هذه الأيام، تدلنا على أن القرن العاشر للميلاد كان قرن لهو وعبث، ورغم هذا فقد تعرّض أبي الفرج الأصبهاني لكثير من النقود السلبية، كما يتعرض اليوم أصحاب الفيديو كليب. فقال فيه ابن الجوزي: "ومثله لا يوثق بروايته، يُصرِّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوِّن شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر" (المنتظم لابن الجوزي 7/40). وقال فيه الإمام الذهبي: "رأيت شيخنا تقي الدين بن تيمية، يضعِّفه، ويتهمه في نقله، ويستهول ما يأتي به" (عيون التاريخ، لابن شاكر، نقلاً عن كتاب أبو الفرج الأصبهاني، وكتاب الأغاني، لمحمد عبدالجواد الأصمعي، ص 95).
-5-
وقد تنكّر وجحد كثير من الباحثين الأصوليين المعاصرين كتاب "الأغاني"، وتلاموا على من أشاد به، واستعمله كمرجع أساسي لأبحاثه، ومنهم طه حسين الذي أشاد بكتاب الأغاني في الكثير من كتبه، وجعله من المصادر الهامة لدراسة المجتمع الإسلامي. وقال عنه: "لم يعرف العرب عصراً أكثر فيه أصحابه من المجون، و أتقن الشعراء التصرف في فنونه وألوانه كهذا العصر." (حديث الأربعاء، ج3، ص 53 ).
السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كل ينظر بطبعه
الايلافي -

لايمكن النظر الى عصر من العصور من وجهة نظر واحدة هذا مخالف لمقتضى البحث العلمي الرصين والموضوعية والنزاهة والحياد بالمناسبة الاصبهاني مشهور بشعوبيته وكراهيته للعرب فاذا كرهت قوما اكثر من ذكر وتضخيم نقائصهم ؟!!!!

لتكونوا أكثر حرية
إنجي -

أحسن الكاتب بمضمون مقاله--وجيد أن الليبراليون يعرضون علينا وجوه أخرى في التفكير--لنتعرف عليهم أكثر--وليست أفكارهم محصورة في تحرير العراق وبناء الجديد منه!!--ورغم هذا..تعجبت لإنتقاد الدكتور شاكر للفيديو كليب--وهو الذي روج منذ مدة لستار أكاديمي بمقال سابق له--وصرح بأنه يداوم على متابعته--وعلى حد تعبيره ذكر بالمقال(أن هذه هي لبنان)--عموماً شكراً لهذا الإختلاف--ونحن في إنتظار التعرف أكثر على الأجندة الليبرالية..هل الليبراليون لديهم رؤى وأفكار لمشاكل المجتمع الحياتية--من فقر وعنوسة وبطالة وسوء التعليم والصحة إلخ--أعلم أن لا هناك من فكر كمصباح علاء الدين--لكن على الأقل يكفيكم شرف المحاولة والتمرد على الإنحصار الفكري العبثي0

رسالة لإيلاف
أبو سفيان -

يوم أمس نشرتم مقالة للسيد النابلسي، أعتبرها من أجود كتاباته السجالية، فهي المرة الأولى التي يعري فيها فساد بعض السلالات الحاكمة، وينتصر بها للحق ( حتى لو كان يصفي حساباته الخاصة)، لكن المقالة أنتزعت من الصفحة مباشرة .مع العلم أنكم أتحتم الفرصة له بكتابة سجل حافل ينهش فيها ويعض كما يحلو له وأن يبث سموم التحريض المذهبي والطائفي الكريه( خصوصا ضد سوريا ولبنان والعراق)، وسمحتم له أن ينفخ في بوق الإحتلال والعدوان الأمريكي طويلا.إن هذا السلوك يعبر عن عدم النزاهة والموضوعية والمهنية، ويخفي حقيقة دور إيلاف في إعلام الوهابية الجديدة، التي تتمييز بالروتانية وإقتصاد سوق النهب والتستر على فساد السلالات الحاكمة، والترويج ( لتسليع المرأة كما يقول الأستاذ أسعد أبو خليل في آخر مقالاته( لاحظو العنوان السلعي الذي تستخدمونه: نساء إيلاف؟؟ ) ، لهذا أطالب بالرد على تساؤلي وشكرا

ليبراليون جدد
ماسى -

الكاتب لا اعرف هل يريد منا ان نترك مفاهيم ديننا ونكون اسرائليين ويهود ام ماذا لا هم للكاتب الا وصف الاخريين باوصاف كانه مبرمج به من دوائر مؤسسية لا تقول لى انها نظرية المؤامرة اقول لك حقيقة يوجد المؤمراة عبر التاريخ من اليهود والمنافقين من العرب منذ ظهور الاسلام الى يومنا هذا كل المراحل التاريخية يحكى واقعها انها افعال مؤامرات وبالذات من كتاب لا نعرف لهم من اين والى اين يصيرون يريدون لنا ان نبيح كل شىء حتى نكون تقدميين متحررين وكل هذه المسميات الهابطة

رسالة اخرى الى إيلاف
مشعان الشوملي -

لفترة وجيزة, إرتاح قراء ومعلقي إيلاف من هذيان المدعو (إيلافي) وفي مكان اخر اوس العربي!! وقاريء إيلاف ؟؟؟. نرجو من إيلاف إعادة العمل بإيقاف تعليقات هؤلاء المسيئة للذوق العام وللجميع. وللسيد ابو سفيان, لم نعتاد على اسلوب تهجمي من قبلك على ايا من يكون, فهل هنالك تفسير من قبلكم حول تعليقكم هذا, مع فائق الاحترام؟ اما إنجي, فانت شذى التعليقات في إيلاف وكل ما اقرا تعليق لك ازداد إيمانا بانه هنالك اناس نحيهم على اسلوبهم الرصين والشيق حتى وإن إختلفنا معهم, فتحية قلبية اخوية عميقة لك و لكل الطيبين والخيرين, شكرا إيلاف على قلبك الكبير وصدرك الرحب.

الأخ مشعان
أبو سفيان -

النقد يكتبه فقط ذلك الذي يرى أهميةالحاضر( غوته)أعتذر لك عن التعليق الساخط، فقد حزنت لسياسة الكيل بمكيالين،خصوصا بعدما أزيلت مقالة السيد النابلسي يوم أمس، فقد كانت مقالة ذكية ورائعة، يستحق عليها التصفيق(وقد تغفر له بعض خطاياه)، لهذا أردت أن أبلغ إحتجاج قارئ تابع مسيرة إيلاف منذ زمن،وتفاعل مع ما تنشره، خصوصا أنها إستثمرت أقلام اليسار وحملة لواء التقدم (وبعض الجثث الثقافية التي طفت أعقاب غرق سفينة السوفييت) أخيرا لا أجد غضاضة في أن يكون المرء مع البترودولار

الاستاذ ابوسفيان
مشعان الشوملي -

كل إحترامي وتقديري لك ولكل الخيرين, إني من الذين يتابعون بشغف تعليقاتك الذكية ولكن تعليقك الاخير, كما ذكرت سابقا, كانت برنة لم نعهدها منك من قبل, ولكنك كالعادة, تتفهم الامور وتعود وتعلق تعليقا شيقا, مليئا بالحنان والدروس, لا تقطع عنا تعليقاتك الدافئة يا مشعل إيلاف الثقافي, تحية وإحترام وتقدير لك ولكل الخيرين. مع التقدير.

إلي انجي
مدمن ايلاف -

تقولين سيدتي (هل الليبراليون لديهم رؤى وأفكار لمشاكل المجتمع الحياتية--من فقر وعنوسة وبطالة وسوء التعليم والصحة إلخ-) وأنا أجيبك بأن الليبراليين الجدد لا يعنيهم شيء من هموم الوطن اوالمواطن إنما الذي يعنيهم هو ضرب كل ما يمت للهوية العربية والمشروع النهضوي المستقل بصلة ، والهدف هو إلحاقنا بالغرب الذي احتل بلادنا ونهب ثرواتنا علي مدي عقود طويلة من الزمان لذلك يختزلون الحضارة العربية الإسلامية بكل منجزاتها العلمية في الطب والفلك وغيرهما والتي اعترف بها الغرب في أبو نواس وبشار بن برد ونري كاتب المقال يصف الأصولية الدينية ( الصحوة الإسلامية ) بأنها تعادي العولمة التي يتفق الكثير من المحللين علي أنها تعني ( الأمركة ) والعَلْمانية والحداثة، وهي نفس الاتهامات التي يطلقها عليها مفكرو الغرب امثال فوكوياما وصموئيل هنتجتون والمحافظون الجدد القابعين في البيت الأبيض الذين أرسلوا قواتهم لاحتلال البلاد وقتل العباد ونهب الثروات بحجة إقامة الديموقراطيات والشرق الأوسط الكبير الم تلاحظي هذا التوافق الغريب في الرأي والموقف ؟؟ إن كاتب المقال فاته أن يروي لنا ما تفعله العلمانية في البلاد العربية والإسلامية التي تطبق تلك العلمانية من منع المرأة من حقها في ارتداء الحجاب رغم انف البرلمان في بلد مثل تركيا وأحكام القضاء في تونس العلمانية إلي جانب الاستبداد وغياب تداول السلطة وتكميم الأفواه وارجعوا إلي تقارير حقوق الإنسان العربية والدولية ،وقد رأينا الإنجازات الحضارية للعلمانية بتدخل الجيش بالانقلاب علي الحكومات التي يختارها الشعب من خلال الانتخابات كما فعلوا مع رئيس الوزراء التركي الأسبق الدكتور نجم الدين آربكان وهم يعيدون نفس السيناريو حاليا مع حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة رجب طيب اردوغان الذي جاء إلي سدة الحكم باردة شعبية جارفة !!