متى يشعر العراقيون بالندم؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ان ثقافة العنف والارهاب المستشرية اليوم في العراق، التي وصلت الى حد القتل على الهوية والصراعات الاثنية والدينية والطائفية التي كادت ان تصل الى الاحتراب الاهلي، تثير تساؤلات عديدة: من يقتل من.. وكيف.. ولماذا.. ؟!هل يقتل العراقي أبن وطنه وأخيه وابن عمه وقريبه ألخ؟ وعلى أي شيء..؟ هل على القوة والثروة والزعامة والنفوذ.! ولكن هل يدرك العراقي، بانه لو استمر على هذه الحالة التراجيدية فسوف تغرق السفينة التي تتلاطمها الامواج العاتية وتتجاذبها الرياح والعواصف والمصالح والاهواء، واذا غرقت فسوف يغرق جميع من وما فيها ويحترق الاخضر مع اليابس.. هذه ابسط قواعد اللعبة السياسية.!
لقد هد التعب كاهل العراقيين وكسر ظهورهم الخوف وانطبع العجز والقهر والذل على وجوههم وأكل الموت والانكسار عيونهم، وبدأ البؤس واضحا على ملامحهم القاسية ووجوههم الحزينة المتربة .
ان ما طال الانسان والمجتمع والثقافة والدولة من خراب، يدعونا اليوم الى الوقوف طويلا أمام المرآة للتعرف على ذاتنا المنقسمة ونقدها، وقفة تأمل عميقة مع الذات المنكسرة، خصوصا ونحن نقف اليوم على اعتاب مرحلة حاسمة في تاريخنا الحديث ونمر بامتحان صعب وعسير لوطنيتنا، اذ يجب الخروج من البند السابع لنصبح دولة مستقلة ذات سيادة كاملة وغير منقوصة. ولتحقيق ذلك هناك مستلزمات اساسية يجب تحقيقها ترتبط بالاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية التي سيجري توقيعها في الاشهر القادمة. وأولى تلك المستلزمات هي الوحدة الوطنية الحقيقية التي تحتاج الى وعي وطني جمعي ثاقب ومراجعة شاملة لما نحن فيه والوقوف صفا واحدا متينا لاستخدام جميع وسائل الضغط الممكنة لرفض الاقتراحات الاميركية المجحفة التي لا تحفظ للعراق وحدته واستقلاله وأمنه وكرامته، لان سيادة العراق هي خط احمر لا يمكن المسساس به مطلقا، وكذلك ضرورة الاعلان عن بنود الاتفاقية في جميع وسائل الاتصال باسرع وقت ممكن لافساح المجال الكافي لمراجعتها ومناقشتها مع ضرورة توفير ظروف وشروط ذات شفافية ووضوح عالية خلال المفاوضات حتى يتوفر اجماع عراقي وطني واسع عليها وعدم استبعاد أي طرف من الاطراف من المساهمة الفاعلة في مناقشتها وابداء الرأي فيها وان لا تتضمن أية بنود سرية او بروتوكولات اضافية من الممكن تمريرها.
ولذلك، نحن اليوم بحاجة الى مصالحة وطنية حقيقية من الداخل يدفعها وعي وطني أصيل لحمته الثقة والتسامح وسداها الوفاق والتواصل والتفاهم والحوار العقلاني الرشيد وليس العاطفي المتسرع والمنفعل، بالرغم من وجود صعوبات وعوائق ومطبات تقف حجر عثرة امام كل ذلك. ومع ذلك، علينا ان نقف بثبات وثقة وتفاؤل ونضع مصلحة الوطن أمامنا وان ننظرالى مستقبل الجيل الجديد، الذي يعيش البؤس والانكسار والضياع وفقدان الأمل... فالمصيبة هي انه اذا استطاع العراق اعادة بناء البنية التحتية في سنوات قليلة، فليس من السهل عليه بناء الانسان المكسور والمحطم نفسيا واجتماعيا واخلاقيا، فقد يحتاج ذلك الى سنين طويلة.!
وعلينا ان نخطو الخطوة الاولى بأرجل ثابتة ونبدأ بنبذ العنف والعداوة والكراهية والبدء بالمصالحة مع الذات ومراجعتها أولا واعتراف كل من شارك في العنف أو أقترف أثما من الاثام بحق الشعب والوطن والاعلان عن ذلك، فالندم هو الخطوة الاولى والاساسية في طريق المصالحة مع الذات ومع الاخر والوعي بها وتحمل المسؤولية، أي الاحساس بما اصاب الاخرين من أذى وعدم نسيان او تناسي ما مر على العراق من كوارث وآلام ومحن، اليوم وليس غدا أو عند الموت، وان ندرك تماما باننا لم نكن مجرد قتلة وضحايا فحسب، وانما شركاء في الجريمة. والخطوة الثانية هي ان نلملم اشلاء ضحايانا المبعثرة في كل مكان وان نمسح دموع الارامل والثكالى والايتام ونربت على اكتافهم المثقلة بالالام وان نداوي قروح الجرحى والمقعدين والمحطمين نفسيا والمتشردين والهاربين الى المنافي والمغتربين في وطنهم. أما الخطوة الثالثة فهي ان نكون شجعانا، ولو لمرة واحدة، وننزل عن بغلتنا ونتسلح بالحكمة والجرأة والعقل ونترك المكابرة والعنجهية البدوية و ونعترف بما قمنا به من خطايا وما ارتكبت ايدينا من تجاوزات، وان نظهر علامات الشعور بالندم والتوبة على ما اقترفت أيدينا من ذنوب وآثام وما قمنا به من عنف وظلم وقسوة في حق الشعب والوطن والامة، ففي كل واحد منا قاتل وضحية في آن. ان الاعتراف بالاخطاء والذنوب والخطايا والتجاوزات، التي شارك الجميع فيها، سوف يوفر فرصة ذهبية سانحة للتفكير والتأمل في تجارب الماضي والحاضر المريرة والتعلم من الاخطاء السابقة واستخلاص الدروس والعبر.
فالاعتراف بالاخطاء وتجاوزها هو اعظم فضيلة من الممكن ان نقوم بها اليوم وهو أقل ما يمكن تقديمه للوطن..!
وبذلك يمكن استعادة القيم الاجتماعية الاصيلة التي افتقدها العراقيون في العقود الاخيرة. وهي مهمة كبرى لاستعادة الثقة بالنفس واعادة الاعتبار للذات المنكسرة وفتح ابواب التفاهم والتواصل والحوار المسدودة من جديد . فيكفينا ما دفعناه من ثمن باهظ من الدماء والدموع. وان اعادة الثقة بالنفس وبالآخر وعدم الخوف منه والتفاؤل بالمستقبل، هو الطريق الوحيد لبناء جسور الثقة والمحبة والتسامح من جديد . فهل نملك الشجاعة الكافية للاعتراف بالخطايا والذنوب والاعتذار عن الافعال والاقوال التي قمنا بها، أم نستمر في سباتنا وعنادنا وكبريائنا الفارغ ونضع رؤوسنا في الرمال ؟!
التعليقات
بناء العراقي
مصطفى العراقي -عرفنا الأستاذ الحيدري باحثا عراقيا مختصا في علم الإجتماع وهو احد الأساتذة النادرين في مجال إختصاصه في العراق والوطن العربي وهو اليوم يضع عصارة خبرته وعلمه من اجل عرض حل للأزمة العراقية ..ولقد تمكن أولا من تشخيص العلة وعرض الظروف المحيطة بها ثم إستنتج الحلول والظروف الواجب توفرها لشرط إنجاحها.. ولم يغفل الأستاذ عن قضية عرض الحقائق على العراقيين .. اهنيء الأستاذ الحيدري على ما يمكن ان اسميه برنامج عمل من عراقي للعراقيين لإعادة إعمار الإنسان العراقي وهذه المهمة الاصعب .. أتمنى على العراقيين قراءة هذا البرنامج والعمل على بدء تطبيقه وشكرا للأستاذ الحيدري على جهوده العلمية والاكاديمية التي نعتبرها فخرا للعراق والعراقيين
برنامج عمل
د.عبد الجبار العبيدي -مقال رائع وحل ناصع لازمة استفحلت وكأن المدرك لها لا يجد لها حلا.لكن بالعقل والمنطق ومراجعة الحق تحل الامور بين الناس .نعم انها ليست مقالة بل برنامج عمل من الكفاءات العراقية المهملة في الخارج فمن سيدرك القصد ويأخذ بالحل؟
كلام جميل لكن..
ابو قاسم الزابي -نظريا كلامكم جميل يا استاذ لكنكم لم تشيروا الى مكان العلة ..وعلاجها..لم نعرف من قبل ان اهلنا في العراق بهذه الصورة البشعة وهم فعلا ابرياء منها ان كارثة العراق في الاحتلاال متى غادرها ومن معه عاد التالف والاخوة وبناء العراق ان العراقي شهم وثائر بطبعه ..وسيحرر العراق ليس بسود الصحائف بل ببيض الصفائح ومن العبث ان نرمي كل سهامنا على صدام ..رحمه الله..ونظامه الذي ولى
الله يرضى عليك
رعد الحافظ -يعني فعلا يا استاذ ابراهيم الحيدري انت تستحق كل الاعجاب والتقدير..فهكذا هو الحل وبهذا السبيل فقط..الاعتراف بالخطا وتقديم الاعتذار من المخطيء..ومن منا لايخطيء..كي تبدا صفحة جديدة..ان شاءالله بيضاء ليبدا هذا الشعب البائس والمغلوب على امره في السير في الطريق الصحيحواضيف ان الاعتراف يجب ان يشمل كل الشعب عمليا..كيف؟؟ان يكون ذلك عن طريق البرلمان بانيصدروا بيان اعتراف من ممثلي الشعب العراقيبان الشعب كان مخدوعا طيلة العقود الماضية بسبب التربية الخاطئة..واننا لسنا افضل شعوب الارض ولا هم يحزنون..بل شعب بسيط بائس وذو اغلبية فقيرة متخلفة..لكننا نحب الحياة ونريدان نبدء من جديد..لكن ماذا سنقول اذا سالوا في استفتاء لاذاعة البي بي سي الجمهور العراقيعن ..كيف تعتقد ان العراق سينهض؟؟ويجيب اكثر من 80% ما يلي..نحن نتبع المرجعية..ما تقوله المرجعية هو الصحيح ونحن نلتزم به..اليس من حقنا ان نقرا السلام على العراق؟؟اذن مع الاعتراف بالخطا..يجب ان تكون حملة توعية للشعب المتخلف بحقوقه وواجباته ايضا..لانه لايجوز ان تسمع لمن تسنح لع الفرصة بالتحدث الىاحد المراسلين مثلا..ان يقول..والله الاميركان ما سووا شيء..الزبل مالي الشارع والمجاري ما اعرف ايش والماء وسخ والكهرباء ماكو..وكذلك يجب ان لا ينتخب الشعب من يفسد اكثر..وان يقول لممثليه..رواتبكم عالية جدا وفسادكم اكثر من الحدود..ساعاقبكم في المرة القادمة وانتخب .... غيركم!!!!
بعض من عدم الإتفاق
عدنان رجيب -يتحفنا الدكتور إبراهيم الحيدري دائما بتحليلات إجتماعية رائدة، وفي مقالته هذه كذلك، يستفيد منها مجتمعنا العراقي خصوصا في الأوضاع السيئة المزرية الحالية. إلا أني أجد في مقالته الحالية بعض من العمومية، أود التعليق على بعضها. صحيح إننا نرى إن هناك ردة حضارية حالية، وأساسها النظام البعثي الإرهابي السابق، لكن هذه الردة لا تشمل كل قطاعات الشعب العراقي، فهناك الكثيرين ممن يمقتون فكريا مثل هذه الردة ويدعون قولا وعملا للأصالة الحضارية الإنسانية، لكن ممسكي السلطة لا يتيحون، في أكثر الأحيان للأصوات الأمينة والوطنية بإعلاء صوتها. وفي هذا المضمار لا أتفق مع الباحث الحيدري في إطلاق العمومية في " إن العراقي يقتل إبن وطنه وأخيه وقريبه .. على الهوية" صحيح هناك حالات عديدة تحصل في هذا المضمار لكنها ليست عمومية في وجدان قطاعات واسعة من الشعب العراقي. فالكثرة الكاثرة من الشعب العراقي لا ترتضي أبدا مثل هذه التسلكات الإجرامية. والأمر ينسرح كذلك على ما أورده الباحث الحيدري في " إن ذواتنا منقسمة دائما .." والحال إن الوضع العام للشعب العراقي ليس كذلك، كما أعتقد، فالعراقيون متمسكون، عموما، بالهوية العراقية الوطنية، وما يجري الآن من سلوكات مدانه هو تحصيل حاصل للوضع المزري الذي أرسى أسسه النظام البعثي الصدامي وظروف الإحتلال، المؤقتة الزائلة، وهذه الظروف ستزول حتما في القريب، وتنتهي السنين العجاف، ولا بد من أن تعود الأصالة الوطنية لأفراد الشعب العراقي، وهذا مانتلمسه بوضوح من تعاطف الناس مع كل ما هو خير وجيد للعراق، ومطاليبهم بالتحسين وإستعدادهم للسير مع التطور لخير العراق ونحو المستقبل الأفضل.