كتَّاب إيلاف

القط وصين الألفية الثالثة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

ليسمح لي القارئ العزيز أن نتصفح معا أحد أجمل الكتب التي صدرت في هذا العام للدبلوماسي السنغافوري السابق البروفيسور كيشور ماهبوباني، الأستاذ بجامعة سنغافورة الوطنية. وعنوان هذا الكتاب الجديد، نصف الكرة الأرضية الأسيوية الجديدة: انتقال قوة العالم للشرق وبدون مقاومة، ويناقش الكاتب إحصائيات الاقتصاد العالمي منذ بداية الألفية الأولى. فقد كانت القارة الأسيوية مسئولة عن 76.3% من الإنتاج المحلي الإجمالي العالمي في القرن الأول للميلاد، بينما كانت أوروبا الغربية مسئولة عن 10.8% منه. وانخفضت حصة أوروبا من الإنتاج المحلي الإجمالي العالمي في القرن العاشر إلى 8.7%، بينما كانت المشاركة الأسيوية 70.3%. وأخذت تتغير هذه الأرقام مع بداء الثورة الصناعية في الغرب، ففي عام 1820 ارتفعت مشاركة أوربا الغربية إلي 23.6%، بينما انخفضت المشاركة الأسيوية إلى 59.2%. كما ارتفعت مساهمة الولايات المتحدة وكنداء واستراليا ونيوزيلندا من 1.9% في عام 1820 إلى 25% في عام 1998، بينما انخفضت مساهمة أوربا الغربية إلى 20.6% ودول آسيا إلى 37.2%.
فتلاحظ عزيزي القارئ الصعود السريع والمبهر لأوربا الغربية خلال القرنين الماضيين، ومع المشاركة الفعالة قبل ذلك دول الشرق باقتصادها وحضارتها القديمة وبكثرة عدد سكانها. ومع بزوغ شمس الألفية الثالثة، بداء النمر الأسيوي يصحا من سباته ليستمر في نشاطه وبتفوق من جديد، وتتوقع مؤسسة جولدمن ساك بأنه في عام 2050 ستكون ثلاثة من أكبر أربع اقتصاديات العالم هي دول أسيوية: الصين والولايات المتحدة والهند واليابان. ويبدو بأن العالم سيرجع لتوازنه من جديد، بعد أن تفهم الشرق تاريخه وحضاراته العظيمة، وبعد أن أكتشف متأخرا أعمدة الحكمة الغربية، وذلك بعد مائة وخمسين عاما من اكتشاف اليابان لأعمدة هذه الحكمة في عصر إمبراطورها ميجي في منتصف القرن التاسع عشر. ويلخص الكاتب أعمدة هذه الحكمة الغربية: بنشر اقتصاد السوق الحرة، والاهتمام بالعلوم الفيزيائية والتكنولوجية، وبإيجاد توازن بين العلوم المادية والروحية، وبخلق عدالة الفرص بين المواطنين لتطوير الموارد البشرية، وبالإيمان بالتفكير البراغماتي الواقعي والابتعاد عن المثالية الحالمة وتطوير التوازن اللازم بين الواقعية والمثالية، ونشر ثقافة السلام ونبذ العنف، وتنفيذ مفاهيم الالتزام بالقانون، وتطوير المسائلة والتعامل مع المعضلات الحياتية في الفلسفة التعليمية.
وقد برزت الصين مؤخرا بشكل ملفت للنظر بين الدول الأسيوية لتلعب دورها من جديد، بعد أن إستننفذ ماوتسي تونغ منذ عام 1949 جميع طاقاتها من خلال نظامه المركزي لزيادة الإنتاجية الصناعية والزراعية، والتي لم تستطع منافسة الاقتصاد الغربي الحر. وحينما أعلن الرئيس الصيني دنغ زيوبنغ في عام 1979 عن إصلاحاته الاقتصادية، واستغل مفهوم الحلم الأمريكي ليشجع مواطنيه على العمل لتحقيق الازدهار والثراء. وقد توقع نابليون بونابرت بالنهوض المميز لصين حينما قال: "اتركوا الصين نائمة، فإذا استيقظت ستهز العالم بأجمعه." وقاد الزعيم دينغ إصلاح تدريجي وأكد من خلاله بضرورة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وذلك بالاستفادة من الحقائق العلمية وتجنب النظريات الإيديولوجية الانفعالية، وقد عبر عن ذلك بالقول: "لا يهم أن يكون القط اسود أو أبيض، فما دام يصيد الفئران فهو قط جيد." ومنذ أن بدأت الصين إصلاحاتها الاقتصادية الجديدة تخلص أربعة مائة مليون من مواطنيها من الفقر، وزاد الدخل السنوي للمواطن سبعة أضعاف، وأصبحت صناعاتها منافسة، وازدهرت تجارتها العالمية. فمثلا بعد أن كانت تنتج مائتي مكيف سنويا في السبعينيات أرتفع إنتاجيتها في عام 2005 لثمانية وأربعين مليون. كما تطورت المعاملات المالية في مدينة شانغهاي ليتوسع مركزها المالي وليصبح ثمانية أضعاف حجم المركز المالي في لندن. وتطورت مدينة شينزين بشكل صاروخي بعد أن أعلن الرئيس بنغ في عام 1980 بأنها منطقة تجارة حرة، فنمى اقتصادها السنوي بنسبة 28%، وارتفعت قيمة معاملاتها التجارية من 270 مليون إلى 342.2 مليار يوان في عام 2004، ولتستمر في الارتفاع لتصل إلى 1015 مليار في عام 2005، وليرتفع الإنتاج المحلي الإجمالي لشينزن لنسبة 13% من الإنتاج المحلي الإجمالي للصين، وليصبح مطارها ومينائها الرابع بين دول العالم. كما أرتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين من 147.3 مليار دولار في عام 1978 إلى 1.6494 تريليون دولار في عام 2004، أي بنسبة نمو سنوية تقدر ب 9.4%، كما ارتفعت تجارتها الخارجية من 20.6 مليار إلى 1.1548 تريليون دولار وبنمو سنوي قدره 16%. وزاد احتياطيها في البنوك الخارجية من 167 مليون في عام 1978 إلى 609.9 مليار دولار في عام 2004، وانخفض عدد الفقراء من 250 مليون إلى 26 مليون، كما ارتفع الدخل السنوي للعائلة الصينية من 467 دولار إلى 4300 دولار.
تلاحظ عزيزي القارئ بأنه بعد أن أبقى الرئيس ماوتسي تونغ على نظامه الشيوعي الصارم لأكثر من نصف قرن، حاولت الصين المعاصرة أن تشق طريقها في القرن الواحد والعشرين بخطوات حذرة هادئة نحو الإصلاح، وبسلوك متواضع حكيم، وبسياسة دولية رزينة تحترم الدول العظمى وتعطف على الدول الصغيرة. وطورت اقتصادها من شرنقة الاشتراكية الشيوعية لرأسمالية السوق الحرة ذات المسئولة الاجتماعية. وحاولت أن تتجنب التغيرات الفجائية، والتوريد الأعمى للديمقراطية الغربية، بل عملت وبحزم صارم لكي توفر لشعوبها الحرية الاقتصادية من الفقر والعوز قبل أن تفكر في نشر حرية الغرب السياسية، ولتعمل وبشكل تدريجي نحو إصلاحاتها السياسية وباتزان وتأني وحسب ظروف مجتمعها وتاريخها وتقاليدها وثقافتها وبيئتها الاجتماعية والاقتصادية. وعملت بحزم واتزان لكي توسع طبقتها المتوسطة وتحررها من العوز والفقر.
وقد تحتاج دولنا العربية لدراسة أسباب هذا التطور السريع في المجتمع الصيني للاستفادة منه للتعامل مع تحديات الفقر والعوز وتطرف الفكر وإرهاب العنف في مجتمعاتنا العربية. وقد ناقش الكاتب أسباب هذه التغير المذهل في القارة الآسيوية وبالأخص في الصين والهند فقال: "رجعت آسيا من جديد لتستلم موقعها التي احتلته في الألفيتين الماضيتين قبل أن ترفع الثورة الصناعية دول الغرب للمقدمة قبل القرنين الأخيرين. فمنذ العام الأول للميلاد وحتى عام 1820 كانت الصين والهند اكبر اقتصاديين في العالم، ولنعتبر القرنين الماضيين من السيطرة الغربية لتاريخ العالم هو استثناء للألفيتين الماضيتين. والسؤال الملح ما الذي أدى لتقدم الغرب وتخلف الشرق. وقد نستطيع أن نحدد أسباب هذا التخلف في التفكير الديني المتطرف والذي أهمل العالم الفيزيائي المادي وحرم التفكير المتسائل، وأضعف الإيمان بالتطور البشري، كما أساء لسلوك واحترام السلطة، وأهمل التساؤل النقدي في التعليم بل عاقبه دائما." وامتدح الكاتب دول الغرب لدورها في تطوير الدول الأسيوية وذلك بنشرها لاقتصاد السوق، وتعليم شعوبها التفكير الواقعي وأهمية عملية العطاء المجتمعي وثقافته، ونشره لمفاهيم السلام وأهمية القانون، وتأكيده على أهمية التعليم والإصرار في التطور العلمي والتكنولوجي.
والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستستفيد مجتمعاتنا العربية من التجربة الصينية المعاصرة لدراسة أسباب التخلف وكيفية التعامل مع تحدياته في تطوير التعليم وإصلاح الاقتصاد ونشر مبادئ حقوق الإنسان لكي يتم الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي ولتتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة؟.

سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحقية المؤلمة
خوليو -

طالما موجود في منطقة الوعي واللاوعي في دماغ الشرقي العربي وبمختلف دياناته ومذاهبه أن الإنسان خلق ليعبد ولادور له غير ذلك، أي تهميشه وإظهار عجزه وتخويفه بالحرق وشتى أنواع العذاب إن ترك فرائض السماء المزعومة، فسيبقى هذا الشرقي صعلوكاً يتسكع على أبواب الحضارة مطمئنا نفسه بوعود خيالية،وعندما تزداد موارده من بيع المازوت، يستهلك الفائض في بناء معابد دينية -بدلاً من مراكز البحوث- من أجل جنة موجودة في خياله فقط، الشعوب العربية والإسلامية بشكل خاص هي الشعوب الوحيدة التي لاتعترف بأخطائها ولاتستوعب الدروس من فشلها المتواصل، لاتزال تعيش منتظرة أوامر السماء، إن لم يحدث تغييرا في نمط التفكير، فسيبقى الإنتاج صفر، وستبقى الأيادي متوجهة نحو السماء بانتظار الرزقة والغنيمة، ونحو أهل الحضارة طلباً للتسول والاستجداء، علوم الفيزياء التي لاتبرهن على وجود إلههم هي علوم منبوذة يمنع تدريسها.