كتَّاب إيلاف

المعارضة المصرية وبئس المصير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تعلمت في الصغر من حكايات جدتي أن هناك ثلاثة طرق قد يجد الإنسان نفسه مضطراً لاختيار أحدها: طريق السلامة- طريق الندامة- طريق إللي يروح ما يرجعش.. انبعث ذلك الامتحان المتوعد من ركام الذاكرة، وأنا أتأمل أحوال المعارضة المصرية، مسوقاً نحو هاوية تشاؤم تبدو بلا قرار، فالتشاؤم ليس إلا ضياع الأمل في غد أو بعد غد أفضل، ولا يمكن أن يكون أي قدر من السوء في نظام الحكم مبرراً لمثل هذا القدر من التشاؤم، فسوءات نظام الحكم تمسك براثنها بالحاضر، ليتبقى الأمل في المستقبل مرتهناً بأداء المعارضة وتوجهاتها، فإذا ما تمكن منا الهم والكمد من أداءالنظام الفاسد والعشوائي، يمكن أن توفر لنا رايات المعارضة بصيص أمل في غد أفضل.. فماذا إذا حاولنا الفرار من الحاضر إلى فيء تلك الرايات، فإذا بها رايات سوداء تنذر بالخراب وبئس المصير؟!!
رغم الطيف الواسع الذي تتوزع عليه المعارضة المصرية، إلا أنني أكاد أسمع أصداء قسم أقسموه جميعاً في نفس واحد وبقلب واحد: أن يختاروا أسوأ الخيارات، وأن يستبعدوا وينددوا ويشجبوا "سكة السلامة"، التي لا تستهوي أيضاً نظامنا الحاكم -وإن سار فيها أحياناً بمحض الصدفة أو رغماً عن أنفه- وأن يستعيدوا شعبنا ومقدرات حياتنا من "سكة الندامة"، التي يسير فيها النظام حثيثاً، ليدخلونه إلى "سكة إللي يروح ما يرجعش"!!
طيف المعارضة المصرية -لمن لا يعلم- يكاد يخلو من الليبراليين الحقيقيين، وإن ضم بعضاً من مدعي الانتساب إلى الليبرالية، كنوع من الديكور أو التزيي بأزياء العصر، وتكشف لنا النظرة المتأملة لخريطة المعارضة المصرية أن قوامها الأساسي يتشكل من الفئات التالية:
bull;تيار التأسلم السياسي القائم على فكر جماعة الإخوان المسلمين، والذي يمثل قاعدة تضم تنويعات تتراوح بين ما يعرف بحزب الوسط (تحت التأسيس)، حتى تنظيم القاعدة وسائر الجماعات الجهادية الدموية.
bull;تيار الناصرية والقومية العربية، والذي وإن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة على أرض الواقع، إلا أنه مازال عالي الصوت، لسيطرة منتسبيه شبه الكاملة على كافة وسائل الإعلام، مستمداً القوة من تحالفه المبدئي أو الانتهازي مع تيار التأسلم السياسي الرائج جماهيرياً.
bull;الماركسيون الذين مازالوا يأملون أن يتمكنوا من وضع العصي في عجلة الزمن، إن لم يستطيعوا إدارتها في الاتجاه المعاكس، ومازالوا يعلكون مقولاتهم المقددة، منتحين جانباً للنميمة مثل عجائز الأفراح، أو يوسوسون إلى أصحاب التأسلم السياسي والناصرية والقومجية، علهم يجدون لأنفسهم موطئ قدم.
bull;إذا كانت التيارات الثلاثة السابقة على ما بينها من تداخلات وتحالفات تشكل رأس المعارضة المصرية، فإن جسدها عبارة عن جحافل من الإعلاميين والمتثاقفين المنخرطين في المعارضة السياسية دون أي مرجعية فكرية، متخذين من المعارضة حرفة يرتزقون منها، ويثبتون من خلالها ذواتهم، وينالون نصيبهم من الشهرة، فتتخذ المعارضة لديهم شكل صب اللعنات وإهالة الأحجار على نظام الحكم وكل ما يفعل، متربحين من رواج هذا الخطاب لدى الجماهير المصرية، التي عانت لأكثر من نصف قرن من تكميم الأفواه، فأصبحت لديها كلمة "لا" في حد ذاتها قيمة ثمينة، يستحق صاحبها أنواط الشجاعة والبطولة.. هكذا احترف الكثيرون من الصحفيين الصراخ بهذه الـ "لا"، يملأون أو يسودون بها صفحات صحفهم، مشوهين كل شيء وكل أحد، دون أدنى وازع من ضمير وطني أو أخلاقي.
هذه التشكيلة غير المتجانسة من المعارضة تسد كل المنافذ على أي رأي رشيد يمكن أن يخرج من القاعدة، ليس فقط لأنهم يحتلون كل المنابر الإعلامية، ويحولون دون تمكن أصحاب الرأي المخالف من الظهور، علاوة على محاصرته باتهامات الخيانة والعمالة والكفر، بل أيضاً لأنهم يبرمجون الشارع المصري بخطابهم الديماجوجي، بحيث يصير من الجنون أو الطيش أو المغامرة مواجهة هذا الشارع بغير ما تم تلقينه إياه.
هؤلاء المطالبون في صياحهم بتبادل السلطة تفتقد تشكيلاتهم إلى ما يطالبون به، ويصل الأمر بهم صراعاً على مناصب وهمية كرتونية إلى تبادل إطلاق الرصاص واستخدام البلطجية، وإلى انشقاقات وانقسامات لا نهاية لها.
يطالبون أيضاً بحرية الرأي، وهم من يخونون ويكفرون من يخرج على إجماعهم الغوغائي، وخير مثال على هذا ما يفعلونه مع دعاة السلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي البائس، إذ تصدر النقابات المهنية قرارات بشطب كل من يقترف جريمة من اختراعهم يسمونها "التطبيع"، ولا يخجلون حتى من مجرد أن الكلمة تعني الحياة والعلاقات الطبيعية، مع جار أمضينا ستة عقود في صراع دموي معه، استنزفت فيها موارد الشعوب ودمائها، علاوة على ما تضمه صفوف ذلك التكتل غير المتجانس ممن يرفعون القضايا على المفكرين والمبدعين وأعمالهم الفنية وأبحاثهم، بحيث صاروا هم التقييد والحجر على حرية الرأي، وليس الدولة المستبدة، حتى ليتساءل المرء عما إذا كان هؤلاء يفعلون بنا ذلك وهم خارج كراسي الحكم، فماذا يمكن أن يفعلوا متى تمكنوا من السلطة؟!
وفي حين يرتدي هذا التكتل قميص البطالة يتاجر به، نجدهم في ذات الوقت يناهضون اتفاقية الكويز، انطلاقاً من عدائهم الأيديولوجي والديني لإسرائيل، حتى أن عضو مجلس شعب موقر يعلن تحت قبة البرلمان أنه إذا كانت اتفاقية الكويز ستنهي البطالة، فيا أهلاً بالبطالة، وفي ذات الوقت نجد جماهير العمال التي يتشدقون بالحرص عليها تقوم بمظاهرات تطالب بالانضمام إلى الاتفاقية، مما يجسد الانفصال بل والتعارض التام بين توجهات النخبة وبين القاعدة الجماهيرية.. هكذا أيضاً جيشوا الجماهير ووسائل الإعلام لمحاربة مصنع أجريوم الكندي للأسمدة في دمياط، مرتدين قميص حماية البيئة، رغم أن دوافعهم الحقيقية هي معاداة الاستثمار الأجنبي، وهو التوجه الشائع بصورة تجعل من الأمر ظاهرة مرض نفسي يحتاج لعلاج من قبل اختصاصيين، لمن لم يصل الأمر لديه إلى مرحلة ميئوس من علاجها، كذا حرصهم على إحراج الدولة بأي ثمن، حتى ولو بإفشال مشروع يرفع الإنتاجية والقدرة على التصدير، لشعب يعاني اقتصاده من ضعف الإنتاج وخلل ميزان المدفوعات بالإضافة إلى مشكلة البطالة، ولا يخفى بالطبع ما وراء محاربة ذلك المشروع من انسياق الصفوة والجماهير وراء الأغراض الخاصة لمن يستهدفون الاستيلاء على موقع المصنع.
أخطر التأثيرات السلبية لهذه المعارضة الرثة أنها تجعل النظام الحاكم متباطئ ومتردد في خطواته الإصلاحية، ذلك أنه أساساً يفتقد إلى قاعدة جماهيرية حقيقية يستند إليها في حكمه، ثم يواجه بضوضاء وبكاء وعويل يصور كل ما تفعله الدولة على أنه فساد وبيع لمصر للأجانب وللصهيونية والإمبريالية وما شابه من هذه الاتهامات الحنجورية، والتي تضيع في خضمها ما يمكن أن يكون اتهامات حقيقية للحكومة تستدعي المساءلة والمحاكمة.
سنتجاهل هنا عامدين تلوث كثير من رؤوس تلك المعارضة بأموال النفط الوهابية والصدامية والقذافية، وكثير منها موثق، لكنه مطمور وفق علاقات مريبة بين تلك الرؤوس وأجهزة الدولة الأمنية، فالساحة السياسية المصرية تستحق بجدارة تشبيهها ببركة من الحمأ!!
لا يتسع المجال هنا لاستعراض كل القضايا التي تقف فيها المعارضة موقفاً سلبياً، في حين كان الأجدر بها أن تساعد الدولة على إنجاز تلك المهام في أسرع وقت، ونكتفي هنا بذكر بعض عناوين لتلك القضايا:
bull;التخلص من شركات القطاع العام، للتوافق مع النظام الاقتصادي العالمي، وبعدما أثبتت تجربة الاقتصاد الموجه فشلها الذريع في العالم كله، وفي مصر على وجه الخصوص.
bull;تشجيع الاستثمار والمستثمرين، وتوفير بيئة اقتصادية وقانونية وثقافية مواتية وليست طاردة للاستثمار.
bull;إنجاز وتفعيل وتوظيف السلام والتطبيع مع إسرائيل، تحقيقاً لصالح مصر، ولصالح جميع شعوب المنطقة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، الذي لن تنتهي مأساته إلا بالسلام الشامل.
bull;إصدار قانون مكافحة الإرهاب، الذي يتيح تأمين مصر من الخطر الداهم للإرهاب، والذي سنت أعتى الديموقراطيات العالمية قوانين مماثلة له.
هكذا صارت معارضتنا بجدارة أسوأ من حكامنا، رغم أن الحكام والحق يقال لا يوفرون جهداً في الحصول على شهادة سيئ بجدارة، من كافة المنظمات والمحافل الدولية، فهل لنا بعد ذلك من حق أن نأمل في أي بصيص ضوء؟!!
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اين الحق
مصرى صعيدى -

الكاتب يقول كلام بعيد جدا عن الحقيقه ( وفي ذات الوقت نجد جماهير العمال التي يتشدقون بالحرص عليها تقوم بمظاهرات تطالب بالانضمام إلى الاتفاقية، ) انا احد العمال فى كبرى الشركات المصريه نحن لا نطلب الانضمام الى الكويز اطلاقا نحن كل ما نطلبه تحسين الاجور و الاوضاع

عندما يأتي....الصباح
إنجي -

-- الإشكالية تكمن هنا!!--وهي..أن كلٌ منا يتصور أن هذه هي السلامة ولا سلامة غيرها!!--وهذا لن يصل بنا إلا لسكة رابعة وهي سكة..(خدها الغراب وطار)!!--ثم يتكلم الأستاذ كمال عن الليبراليين الحقيقيين..وأتساءل ما مواصفات قماشتهم عن المزيفة منها؟؟--أما عن المعارضة فأمقت كثيراً هكذا وصف--لأنه يندرج تحت تعبير..أنا أعارض إذن أنا موجود!!--أي معارضة من باب المعارضة لا أكثر--وليس من باب القدرة على (صناعة الدهشة)!!--أي ليس في وطننا معارضة حقيقية وقدرة على الخلق بعد!!--إنما هناك صراخ وفوضى كليب!!--وتحدث الأستاذ كمال عن الأموال النفطية والصدامية والقذافية--ولم يحدثنا عن منظمات حقوقية إنسانية وأموالها؟!--والتي آرى أن حقوق القطط والفئران أكثر نزاهة وشرف وإنسانية منها!!--ثم كنت أود معرفة شكل العلاقة مع إسرائيل بخلاف الحاصل الأن!!--أظن سيأتي الصباح عندما..نكف عن صراخ الصم--وعندما تستثمر مباديء طلعت حرب--وعندما لا يعنينا ولو مؤقتاً رأي الآخر بنا--كي لا يحتل كل تفكيرنا كما الحاصل الأن..رضاء الآخر ولا رضاء سواه(التفرغ للذات)!!--فسيأتي الصباح عندما نستطيع نسج ساعاته بخيوط من الدهشة!0

قصر بصيرة
أجريوم بن تطبيع -

لا أدري لماذا نظلم دائما جداتنا، مع ان الجدات براء من كثير لغط القول الذي ننسبه لهن. لا أظن أن عدم ارتياح غبريال للمعارضة يحتاج دليلا من كتاب ماثورات جدته، أعزها الله إن كانت حية، ورحمها إن كان اختارها لجواره. أنت اعتبرت التطبيع اختراعا، ولك الحق، ولكن أن تنحمق ويطول مخالفيك رداد كلامك، فليس من أدب الكتابة في شيء. أنت تعتبر معارضة أجريوم عباءة لمعاداة الاستثمار، وهذا في رأينا قصر بصيرة يحتاج نظارة كعب كوباية، فأي كانت الأسباب، يا يمكن أن يوافق عاقل على إقامة مصنع يضر بالبيئة في محمية طبيعية، ولا كلامنا مش طبيعي، ويحتاج إلى استكمال من أي كمال؟

الأمل في الأجيال الج
فتحى سيد فرج -

عزيزى الأستاذ / كمال اتفق معك في أن فريق المعارضة أسوا من فريق السلطة وأساليب اللعب قد تكون متخلفة وغير فاعلة لدى الطرفين ، ولكنك أغفلت دور الشباب والأجيال الجديدة التي أخذت تعبر عل رفضها بأساليبها الخاصة وبوسائلها المتسقة مع سياق العصر ، ألا ترى معي انها قد تحمل افقا جديدا وطريقا مغايرا قد لا نتبينه نحن الاجيال التي لم تتعلم ممارسة العمل السياسي من طول سنوات القهر وحرمان البشر من إمكانية التفاعل السياسي

ارادة المقاومة
مواطن عربي -

الجارة اسرائيل الجارة اسرائيل الجارة اسرائيل هذا هو اللفظ الموجود في فكر وعقل هذا الكاتب البائس جدا اذن فهذا التعس (كمال جبرائيل ) يعتبر اسرائيل جارة وينتقد من يقاوم التطبيع هذا الخاوي فكريا وروحيا يريد ان يبيعنا الاستسلام والهزيمة وفقدان الارادة ماهي مبادئه الاستسلام لاسرائيل وبيع الارض والوطن عن ماذا يدافع وماذا يريد لا اعتقد ان هناك اي حوار او ارضية مشتركة قد تكون مع كاتب تجاوز كل الخطوط الحمراء وخرج عن ثوابت الامة فهو خرج من صف امته لينضم الى اعدائها الى زمرة المغتصبين من الصهاينة وحلفائهم واعوانهم فلا حوار مع الطابور الخامس وعلى ماذا نتحاور على شتم الدين الاسلامي والمقدسات الاسلامية او على التطبيع مع العدو الذي احتل الارض واستباح المقدسات ومازال في كل يوم جديد يرتكب المجازر تلو المجازر او نتحاور على تطبيق لبرالية هذا التعس كمال غبريال وعلمانيته البائسة فننسلخ عن ديننا وقيمنا واصولنا وتاريخنا ونبيع انفسنا ووطننا لبوش ورامسفيلد وشارون وبيريز ونرمي راية المقاومة ونطأطأ الرأس اذلاء للعم بوش قاتل مليون انسان في العراق والاف الاطفال في فلسطين لا والف لا ايها الكاتب التعس البائس فراية المقاومة ستبقى عالية باذن الله وسينتصر الحق والعدل والسلام العادل الحقيقي مهما طال الزمن فالتاريخ والجغرافيا والزمن معنا نحن اصحاب الارض والحق الشعب العربي ابناء هذه المنطقة وسينهزم كل الطارئين والمغامرين وشذاذ الافاق امام قيمنا وتاريخنا ومبادئنا ومقاومتنا الباسلة التي تغذيها ارادة من فولاذ وسنكسر كل قلم مشبوه كتب ضد الحق وضد العدل وضد القيم الانسانية العظيمة سينكسر قلمك المشبوه امام عظمة امتنا وستذهب دعواتك للاستسلام والهزيمة هباءا امام صلابة امتنا وقوة ارادتنا امريكا لم تستطع بعد خمس سنوات من تطويع العراق فانهزمت امام المقاومة واسرائيل انكسرت امام صلابة اطفال فلسطين انهزمت امام قوة ايمان حزب الله عام 2006 وهربت صاغره وانت لن تكون افضل حالا ستنهزم دعواتك المشبوهة وسينتصر الحق واصحاب الحق اصحاب القيم النبيلة والتراث الفكري العريق سينتصر ابناء الامة العربية النجباء باذن الله سبحانه وسيعيدون الى التاريخ انتصارات عمر الفاروق وخالد بن الوليد وعبقرية اجدادنا العظماء