كتَّاب إيلاف

"مصطفى محمود" لجميلكَ كيف نردّ الجميل؟!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"مصطفى محمود: حوار مع صديقي المُلحد" هكذا وبدون مقدمات وبدون سابق معرفة لدى إحدى زياراتي المُنتظمة إلى المكتبة العموميّة للتزوّد بالإصدارات الجديدة والقديمة منها، وجدّتُني أمام عنوان لكتابٍ استوقفني برهبة آسرة، تقدّمت منه بحذر شديد، وبغفلة عن انتباه من حولي سارعت إلى البائع دفعت ثمن الكتيّب على عجل، ومضيتُ كمن يحمل بيده صكّ الإدانة، كانت سنتي الجامعية الأولى، وعلى الرغم من أني اخترت قسم اللغة الفرنسية في كليّة الآداب إلا أنّ قراءاتي المُكثّفة كانت تمتّعني بلغتي الأم، الأم التي لا سواها تُدرك خصوصيّة العلاقة ومصداقيتها التي ستنشأ فيما بعد بيني وبينها من باب الاحتراف أولا والمُجازفة الممتعة على الدوام، والممضّة بحكم انتشار وتفشّي "قراصنة المنابر" في كل مكان وزمان عرفتهم عن كثب وعن خبرة، المهم أنني أذكر فيما أذكر توقي الشديد للتسلل وقتها إلى ذاك الحوار، حوار "مصطفى محمود " مع صديقه المُلحد، ولا أخفي الشعور الفادح الذي انتابني بوطأة الذنب والمسؤولية اللذين عانيتهما قبل الإعلان عن التواطؤ إن لم أقل التوّرط في تلك المُناظرة الفكريّة الموثّقة بقلم الدكتور مصطفى محمود في حينه، إذ لم يكن من السهل في ذاك الوقت الإفصاح عن رغبة من هذا النوع، فالتدقيق التربوي كان على أشدّه، وأولياء الأمر كسِياسِيّ اليوم يطالبون بالطاعة العمياء، التي كانت مدعاة لظهور أول ملامح التمرّد والعصيان الذي سيصبح منهجا فيما بعد، ينسحب على كامل فصول الحياة التي ظنّنا أننا نساهم في صنع ديمقراطيتها واستقلاليّتها ليتبين بوضوح أننا لا نصنع سوى خيباتنا المُستفحلة، والتي تكبّدُنا المزيد من الضرائب خيبةً تلو الأخرى وإنذار يستجرّه إنذار، المهم أنّ الغاية في حينه لم تكن لتتعدّى فكرة الإصغاء المُحايد أو لتتجاوز الإطلاع الحذر المفعم بالفضول على حوار مصطفى محمود وصديقه المُلحد، فمن ذا يجرؤ على الخوض في جدلية الإيمان ولزومه! والإلحاد وشيوعه، فهو حتما آثم. والآثم قطعا محكوم بالإعدام العائلي وفق نظام الأسرة وسلطتها السارية وتحكماتها الصارمة، المتزامنة مع الاقتصاص الاجتماعي دون ريب، ناهيك عن النبذ والرفض والتكفير على كافّة الأصعدة، هكذا وحسب الاعتبارات المُشار إليها قرأتُ الكتاب للمرّة الأولى بنهم شديد وبدأتُ أقيس كل ما ورد فيه وقناعاتي الذاتية بعملية مسح شامل لكل ما يعتمل في جمجمتي الصغيرة والتي لا تزال .. بحكم ضيق الأفق لا ضيقها أغلب الظنّ، الضيق الذي لا يُتيح للنمو أن يتعدى المُراد لتوسّع الجمجمة ومكنونها في مجتمعاتنا العربية، وتسرّبت آنذاك إلى نفسي تفاصيل الحوار بكل ما فيها من شكّ ومن يقين كعمليتين متعاقبتين ومتواليتين ذهنيا، بذات القدر وبنفس المعيار، أغلقت الكتاب وفتحت مسرابا يمتدّ إلى ما لا نهاية، ومن يومها وأنا أواظب على تنظيم المُفارقات وغربلتها، وفرز الآراء حسب أوالياتها ومتتالياتها وجدولتها، وكان مصطفى محمود وقتها أساس المُعادلة ربّما ومنطلقها، فمصطفى محمود هو الذي يشير إلى أهمية الإيمان وضرورة اليقين، وفي الوقت عينه فإن مصطفى محمود هو نفسه الذي تبنّى حوار صديقه المُلحد ودوّنه بكامل شكوكه وصاغه بتمام التباساته، بأسلوب مشوّق رشيق لا يخل ُ من أناقة الطرح ورقي الدلالة وسلاسة البوح وعمق التأثير، أعدتُ قراءة الكتيب وأقول الكتيّب هنا نظرا لحجم الإصدار الذي لفتني تواضعه والذي اعتمده على الدوام الدكتور مصطفى محمود في طباعة إصداراته التي سأتابع الكثير منها فيما بعد، وهي من القطع الصغير الذي لا يزيد عدد صفحاته عن " 160 " صفحة تقريبا، أنهيت القراءة الثانية بتأنٍ أكبر، وأغلقت الكتاب لتبدأ حالة مُستجّدة على منظومتي الفكرية التي كانت طور التشكّل ذاك الوقت وهي حالة التأمّل والتدقيق والمُحاكاة والمُقاربة، أذكر فيما أذكر أيضا أنّ الحوار لم يعد يقتصر على الدكتور مصطفى محمود وصديقه الملحد بل صار حوارا مشتركا لثلاثتنا فقد بدأت بسجال ذهني مفتوح معهم، لازمني لفترة زمنية طويلة، اضطرتني لإدخال البعض ممّن أثق بجديّتهم وجدواهم من كبار العائلة وجهابذة القول ضمن دائرة ذاك السجال الذي أرهقني توليه منفردةً، توسّعت وقتها دوامة البوح وبدأت تتجلّى بوادر المُناورة على أكثر من صعيد، ولا يزال السجال مفتوحا والجدال قائما حتى يومنا هذا بمنهجيّة مُستعارة مرّة وبفوضويّة مكتسبة من سياقات الحاضر والتباساته أخرى.
كان هذا الحوار الذي بدأه مصطفى محمود مع صديقه المُلحد والذي رشح وتسرّب إلى أذهاننا جميعا ليوقظ فينا "لغز الحياة "، ومن ثمّ لنتتبّع معه " الشعوذة والطبّ "
بعدها لنقتفي أثر "المشاءون على الماء "، وننخرط دون تسلّم الدعوة في "حفلة تنكرية " إلى أن نلعن "الجلادون " سرّا وعلانية، على أمل استكمال الموسوعة التي ناهزت التسعين مؤلفا والتي نحتاج لإدراكها عمرا إضافيّا بالتأكيد، إذا مصطفى محمود لم يكن كاتبا استثنائيا فحسب بل مزارعا نشطاً غرس في تلافيف الروح والوجدان وثنايا العقل بذور المعرفة التي أثمرت مع الزمن أسئلة ملحّة للتبصّر في أدقّ التفاصيل، والـتأمّل في أبسط الأمور.
ربما تأخرتُ مع من تأخروا ليقولوا شكرا مصطفى محمود، وقد أضأتَ الكثير من شموع العلم والأسئلة المضيئة في عوالمنا المُكتظّة بالجهل والظلام، لكن أن نصل متأخرين للاعتراف بالجميل خير من ألا نصل أبدا، أو نتعمّد كما كثيرون يتعمّدون عادة عدم الوصول، وعدم الإفصاح عن كلمة طيّبة موجزة ومعبّرة ككلمة شكرا تستحقّها بكل إكبار وتبجيل أيّها المفكّر الكبير مصطفى محمود صاحب الحضور الدائم وإن اضطرّك الغياب، أيها المُعافى فكرا ونضجا وحرفا وحبرا مهما تكالبت عليك الشدائد، وأحكم المرض حولك قبضته بشراسة.
مصطفى محمود لكَ مني ومن كلّ قارئ تلمّس أول الأبجدية فوق سطورك البليغة باقة ورد شذاها اللهفة وعبيرها الودّ نصدّرها لذويك مع خالص الدعاء.

www.geocities.com/ghada_samman
gaidoushka@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
speedy recovery
Sarah -

Wishinf youspeedy recovery inshallah and to get well soon.I agree with the writer hpw we started to lean the literature art when we read his books ,all of it.It was really great and inshallah made him a special plce in the other life and am sure Allah will rewrd him for these great books that had huge impact on all young and old people who read it..wishing you all the best our great auther Mostafa Mahmood and I will pray for Allah to help and make you better......

all my great wishes
dr.mohamed shamaa -

i ask allah subhanoh wa taalla ,to cure our great man dr.moustafa mahmood. 4m his illnesses.wish him 2 recover v soon. i like him so so much. we miss him as great man who is v difficult 2 get one like him nowadays.

أستاذى
كريم -

أستاذى الذى لم ألقاه يوماً أكرمك الله

لن ينساك اصحب العقول
العراق حديد -

رجل نادر عبقري ساحر اديب من لون فريد في الهام متميز بكل الاوصاف تعجز الكلمة في وصفة درست افكارة شابا ورجلا والى الان من عمر 15--54عام