كتَّاب إيلاف

الهوية الثقافية، كمشروع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يحاول "يورغن هابرماس" - Habermas (1929) في نظريته في الفعل التواصلي Theory of -communicative action "، التي عنون بها مؤلفه الرئيسي عام 1981، إعادة بناء منهجية جديدة للاجتماع البشري من خلال الفعل التواصلي.
هذا الطموح إلى علم نقدي للمجتمع ولبنيته التواصلية على وجه الخصوص، هو الذي جعله يرفض الكثير من أطروحات النظرية النقدية الأصلية، ممثلة في الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت: هوركهايمر، أدورنو ثم ماركوز، ليفتح آفاقًا جديدة لتوجه - Praxis، أو الفاعلية والنشاط الإنساني وهو ما أخرجها من عزلتها العلمية والسياسية.(1)
ويدعو هابرماس إلى ضرورة التحرر من "فلسفة الوعي" التي ترى العلاقة بين الفعل واللغة، كالعلاقة بين "الذات" و"الموضوع"، وهو ما يجعلنا أسرى للعقل الأداتي، مؤكدًا على أن الفعل التواصلي هو فعل لا أداتي يرمي إلى الوصول إلى الفهم والتفاهم، وأي تفاهم لا يمكن أن يفرض فرضًا من قبل أي من المشاركين في عملية التواصل.
وعلى ذلك فإن العقل التواصلي هو فعل أساسي لا يمكن اختزاله إلى الفعل الغائي العقلاني الذي ترتبط به "فلسفة الوعي" منذ ديكارت مرورًا بكانظ وهيجل، ويترتب على إعطاء الفعل التواصلي الأولوية عند هابرماس عدة أمور منها:
أولاً: إن العقلانية بهذا المعنى ليست مثالاً نقتنصه من وسط السماء، بل هو موجود في لغتنا ذاتها، وهي تستلزم نسقًا اجتماعيًا ديمقراطيًا يشمل الجميع ولا يستبعد أحدًا، لأن الهدف ليس الهيمنة بل الوصول إلى التفاهم.
ثانيًا: ثمة نظام أخلاقي ضمني يحاول هابرماس الكشف عنه، هو "الكلية الأخلاقية"، وهي فكرة مرفوضة عند أنصار ما بعد الحداثة، إذ كيف يمكننا مجرد التفكير - حسب زعمهم - بنظام أخلاقي ينطبق على جميع البشر بشتى مشاربهم وأنماط حياتهم؟ " (2)
ووجهة نظر هابرماس تتمثل في أنه يمكن التوصل إلى المعايير الأخلاقية عبر نقاش حر عقلاني، تبحث فيه نتائج كل معيار من تلك المعايير الأخلاقية انطلاقًا من خاصيته الكلية، أي القبول والرضا العام عن طريق الاقتناع العقلي لا القوة والقسر، وهو الأمر الذي يكشف بجلاء عن انحيازه للحداثة ودفاعه عنها، إذ أن الحداثة تستدعي أن يقوم النظام الأخلاقي على أساس عقلاني.
وخلاصة القول إن الصيغ الفردية لعقلانية القيمة لا حيلة لها إذا لم ترتبط بمفهوم: "الفعل التواصلي" بين الأفراد حتى يمكن مقاومة القيم التي فرضها العقل بعد تحوله إلى مجرد "أداة"، وذلك بفضل مجموعة القيم الموضوعية والمتعارف عليها، وصدق "توماس مكارثي" -McCarthy في تقديمه لكتاب هابرماس: "الخطاب الفلسفي للحداثة، حين قال: "إن مفتاح موقف هابرماس هو رفض "نموذج الوعي" المرتبط بفلسفة الذات (ديكارت)، مفضلاً عليه نموذج التفاعل المستمر بين الذوات من خلال الفعل التواصلي" (3).
إن هدف هابرماس من " نظرية الفعل التواصلي " أيديولوجية جديدة: اقتصاد عابر للقارات، وعقلانية تواصلية تسمح بنقد الحداثة والدفاع عن جوانبها الإيجابية، ومعني العقلانية التواصلية عنده مرتبط بقاعدة عالمية ومعرفة منطقية، وله نتائج هامة بالنسبة لفهم بعض النتائج المتعلقة بالعرقية والهوية الثقافية. ونوع الهوية الثقافية ونمطها الذي يوافق ما بعد القومية هو أكثر عالمية.
إن التحليل الدقيق لمفهوم الهوية الثقافية عنده يعارض التصور الأحادي والضروري للهوية من أجل التحول التاريخي، وفي الوقت نفسه يحذرنا من تصور الهوية وكأن لها حدودا معينة مميزة متفقا عليها عالميا. وفضلا عن تسليم الفرد بتحول الهوية، هناك تحولات عديدة تتفق والجماعات الاجتماعية المختلفة.
وبسبب تحولات الهوية ربما ينتهي الاختلاف الثقافي في مصلحة الجماعة المسيطرة أيديولوجيا. ومن ناحية أخرى فان صور أو أشكال الاختلاف الثقافي قد تستخدمها تلك الجماعات أو الأمم المقهورة لتقاوم التماثل الثقافي مع الجماعات الأكثر قوة.
وبهذا المعنى فإنه من الأجدي أن نفهم الهوية الثقافية ليس باعتبارها بناء أو تركيبا منبثقا من الماضي، ولكن نفهمها مع هابرماس كمشروع، واعتبار الهوية كمشروع يسمح بعمليات الانتقاء والاختيار التي تحققها كل تحولات الهوية الثقافية، وان تقرر كيف تستمر مع تقليد معين متجذرة فيه عناصر أيديولوجية، وكيف تحافظ في الوقت نفسه على العناصر ذات القيمة المقتبسة من تقاليد أخرى. (4).
الهوامش 1 - بول - لوران أسون: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: د. سعاد حرب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1990، ص - 121.
2 - إيان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: د. محمد حسين غلوم، مراجعة": د. محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة، العدد 244، الكويت 1999، ص: 350.
3- Habermas (J): The Philosophical discourse of Modernity - Twelve Lectures, Translated by Fredrick Lawrence, The MIT Press (Cambridge, Massachusetts) 1987, P. X. 4- Ibid: p. 50 أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف