قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عديدة هي البحوث والدراسات المتعلقة بشأن الصراع الطبقي التي تراكمت على مدار قرن من الزمن، وقد غاض عنها كل النظريات الداعية لتحليل المجتمع وخصائص البنية الاجتماعية التي عززت إمكانية الإسناد والإرجاع إلى جملة العوامل والمعطيات الداعية إلى تكريس طبقة على حساب أخرى، فبعدما كان المجتمع العربي وبعض المجتمعات الأخرى يتشكّل من طبقات ثلاث وهي الطبقة الميسورة والطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة نسبيا، تمّ بفعل النظام العالمي الجديد الذي يحرس مصالحه ويعمل على تطبيق حرفيّتها دون اعتراض أو تدقيق مجمل الأنظمة العربية والأنظمة الاستبداديّة بطواعية فائقة، ساعدت في القضاء على الطبقة المتوسّطة وذلك لتسهيل عملية الفرز الاجتماعي والتصنيف الطبقي بيسر ووضوح ومُباشرة، فالطبقة الغنية استطاعت أن تضاعف ممتلكاتها وإمكاناتها وغناها بما لديها من نفوذ وصلاحيات تمادت في احتكارها لغايات شخصية ونزعات "براغماتيّة " اكتسبتها بحكم توسيع دائرة العلاقات مع الخارج ومع السلطة داخل النطاق المحلي في كل مجتمع عربي على حده تماشيا مع البيئة كحاضن أساسي لمبدأ التكريس والمفاضلة بين شريحة اجتماعية وأخرى، وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه الطبقات الميسورة تزداد غنى، كانت الطبقات الفقيرة تزداد بؤسا وشقاء وانغلاقا واختناقاتٍ جعلتها تراوح مكانها مراوحة يستحيل معها إمكانية إيجاد أي مخرج أو مناسبة أو مجرد فرصة سانحة للتغيير، وهكذا حفظت المجتمعات العربية كل الملامح الاجتماعية من التعديل أو التجديد أو الإصلاح، كما تزعم الكثير من الأنظمة الاستبدادية والقمعية والقهرية بإشاعة هذا المصطلح المُستجد على منظومة المجتمع العربي، الذي يؤثر التسليم والاستسلام لمشيئة حكامه على أن يحرّك ساكنا في سبيل تحرر يحتاج إلى ضرائب باهظة قد لا يجد ما يسدد مبالغتها سوى مفهوم "الاعتقال " وهذا أمر شائع في العديد من المجتمعات العربية التي تتعرّض لبعض المُسائلات من قبل بعض المفكرين المغامرين الذين يتكبدون وحدهم ربما عبء الصرخة خافتة كانت أم مدوّية، فالشعوب العربية ليست مهيّأة بعد للنظر مليّا في استقراء واقعها بشكل واعٍ ومسؤول، وربما تغفل تلك الشعوب تماما عمّا يُعدّ لها في الكواليس والمحافل الدولية من مؤامرات خطيرة قيد الإعداد وأخرى قيد التنفيذ، حدثتني عنها ضيفة برنامجي اختلاف عبر أثير إذاعة صوت بيروت هذا الأسبوع الباحثة في الاقتصاد الاجتماعي "جمال غبريل "، وقد استوقفتني طويلا الفكرة الأساس التي بُني عليها حوار الحلقة والتي تنطلق من جحيم الاقتتال الداخلي في "رواندا " هذا المجتمع القائم على طائفتين مسيحيتين لا ثالث بينهما، حيث تختلفان بالمذهب الذي استخدم بمثابة فتيل لإثارة النعرة المذهبية، نظرا لانعدام النعرة الطائفية على غرار المجتمعات الأخرى، وهكذا صار الالتزام الديني مسوّغ من المسوّغات المُبررة للخلاف السياسي المبني أصلا على الجهل التام بأسس الدين وخصائصه الفقهيّة والفكرية معا، وربما في قرارة هذا الخلاف المتفاقم الذي أوصل لمجازر إنسانيّة يندى لها الجبين، هي مؤلمة على مستوى التلقّي الفردي، لكنها مقدّرة ومقررة من قبل المجتمع الدولي الذي يُحاول أن يغربل البشرية من زوائدها إن صحّ التعبير، فالنظام العالمي الجديد لا يحتمل تبديد الثروة المائية التي ستكون مُبررا للنزاعات والصراعات والحروب الطاحنة في المُستقبل القريب بعدما استكمل حروبه من أجل الثروة النفطية، وهي من المؤكد أخطر من الحروب التي تنشب من أجل إحكام السيطرة على منابع الثروة النفطية في العالم العربي والعراق خير دليل، إذا المجتمع الدولي يسعى لأن يكون مجتمع النخبة ومجتمع أصحاب الثروات الباهظة لا غير، وأنّ كل فرد من أفراد المجتمعات القائمة إذا قلّ مدّخره العام عن مبلغ "ال 200000" ألف دولارا أميركيا فهو كائن فقير يندرج ضمن قوائم التصفية ولوائح الشطب، حسب الدراسات المختصّة في هذا الشأن التي أُعِدَّ لها سابقا، ويُعَدُّ لها تِباعا من قِبَل المجتمع الدولي الذي لم يَعُدْ يتحمّل مغبّة الحروب المباشرة ليصير اعتماده الكلّي في التصفيات الجماعية بإثارة الحروب الأهلية الداخلية التي تخدم كافة أهدافه وغاياته ومساعيه، وربما تحرص الأنظمة الديكتاتورية عموما وكما في المجتمعات العربية، على تحجيم طموح الفرد وتقزيم صلاحياته، ليظلّ أسير المراوحة التي تقوده إلى الهلاك المعيشي أو الانهيار البطيء، وقد أصبح التطوّر في ظلّ الأنظمة الاحتكارية المُستبدّة أمرا عصيّا بل مستحيلا على الإنجاز بحكم استعصاء التنقّل بين الطبقات الاجتماعية كما في الغرب الذي تغلب عليه طابع الطبقة المتوسطة بشكل عام والتي تتيح بل تسهّل عملية ارتقاء الفرد داخل مجتمعه وإن بإمكانات بسيطة، وهكذا يظلّ التخلف الاجتماعي عاملا مكمّلا من مكمّلات الخطّة الإستراتيجية المُحكمة، والهادفة لتعزيز الخلاف الطبقي بغلاف طائفي مذهبي يساهم في إشعال فتيل الحروب الناشبة كالتي عرفناها في لبنان وفلسطين والعراق وجنوب السودان ناهيك عن المجازر التي حصلت في الجزائر وما تزال، وكل هذه الحروب المفتعلة تُساهم ولا ريب في تخفيض النسبة العددية الفائضة عن الحاجة البشرية والتي تندرج تحت بند التضخم السكاني كجزء من المنطقة العربية والعالم والذي يعتبره الخبراء بمثابة اللغم الموقوت الذي يُهدد بالانفجار المؤكد، والذي لابد من إبطاله إكراما للحضارة وإن بأسلوب لا حضاري على الإطلاق كإثارة نعرة الدين والسياسة بانتظامٍ ورتابةٍ لا يقع عادة فريستها سوى الجهلة والفقراء مما يسهّل عملية القضاء والتصفية بيسر كبير وبانزياح كل فرد فقير في المجتمع تتسع دائرة مكاسب الفرد الغني بالمقابل، وبذلك يتمّ التنفيس عن الضغط الاجتماعي العالي عادة بين آونة وأخرى من خلال الطبقات المعدمة الغارقة في الفقر والجهل والظلام.
وهكذا صار الجهل وسيلة من وسائل التدمير والتغيير في الخريطة "الديموغرافيّة " التي يصعب التغاضي عنها، تماما كما يؤلم التغلغل فيها.
وهكذا أجزم أنّ الضلوع في معرفة الواقع وتداعيات المخطّط المرسوم المُنَفّذ تِباعا لهندسة العالم الجديد، القادر على إزالة كل الزوائد البشرية و"أنا " منها، يحتّم علينا التأمّل بكثير من الجديّة والوعي لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه منّا جميعا نحن الذين لن ترتقي أحلامنا يوما لادّخار أكثر مما لدينا من الوهم، بدل الانجراف في دوامة الصراعات المجانية البحتة التي تخدم أجندة الأنظمة لا سواها بتحقيق حذف أكبر قدر ممكن من الفائض البشري، ليوفر بالتالي على الفئات النخبوية ما يفيض عن حاجتها الاستهلاكية التي تروّج لها مشروعية الترف الاجتماعي المُستجد، بكل ما فيه من هدر شرس وبذخ فادح تبرره الفوقية الطبقية، والتعالي الرأسمالي في ظل شيوع اللا أخلاقيّة والفساد.
www.geocities.com/ghada_sammangaidoushka@yahoo.com