كتَّاب إيلاف

عنف السياسيات الخارجية والنظام العالمي الجديد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"إننا نرفض ان تعتبر دول العالم القوية الحرب أداةً مقبولة للسياسة الخارجية، من جديد. إن هذا يخلق جوًّا عالميًّا من الخوف والتهديد وعدم الامان" بيان رؤساء الكنائس المسيحية الاوروبية إن تفاقم العنف الدامي في شتى أنحاء كوكبنا الأرضي واستمرار الحروب في اكثر من دولة بالعالم، يعكس صورة النموذج الحالي لبنية العلاقات الدولية القائمة على مفاهيم تختزل جميع الابعاد بالمصلحة المادية البحتة؛ وبعد ان مارس المجتمع الدولي دورا انسانيا ايجابيا عقب الحرب العالمية الثانية ساهم في رفع المعاناة عن كثير من الشعوب ؛ فإن القيم الانسانية لم تعد طرفًا في اي معادلة دولية الا بالمقدار التي توظف فيه لصالح الدول المتنفذة والتي لا هم لها سوى مزيد من السيطرة والربح. عن اي "نظام عالمي" يتكلمون؟
ان المحور المفصلي الذي اعتمده البعض لتأريخ مرحلة "ما بعد الحرب الباردة"، تجلى بإعلان بوش الاب عن "تأسيس نظام عالمي جديد" تزامن مع تحالف موسع مفوض من قبل الامم المتحدة لتأديب العراق عقب غزوه للكويت حيث قال:" أن الامر ليس قاصِرًا على مجرد دولة صغيرة تعرضت للعدوان، وانما هو أكبر من ذلك، انه نظام عالمي جديد تلتقي من خلاله مختلف دول العالم حول قضية مشتركة تتمثل في السعي الى تحقيق تطلعات البشرية الى السلام..." غير ان المناداة بضرورة "تأسيس نظام عالمي جديد " لم تنطلق في حقيقة الامر مع اعلان بوش الاب، كما انها ليست في أساسها مطلبًا أميركيا، او صناعة صهيونية للسيطرة، كما يحلو للبعض ان يصنفها؛ فهناك تقريرمميز و على قدر كبير من الاهمية لم يلتفت اليه أحد، ولم يلق اي عناية او تسليطًا للضوء عليه، وهو تقرير " تحدي نحو الجنوب " ، الذي أعدته لجنة غير حكومية، عُرفت باسمك "لجنة الجنوب"، وتضم شخصيات بارزة علمية واكاديمية وسياسية وثقافية من ابناء "دول العالم الثالث ".
وقد تضمن التقرير دعوة الى ضرورة تأسيس وإقامة "نظام عالمي جديد"، يستجيب لتطلعات دول الجنوب نحو تحقيق العدل على مستوى المجتمع الدولي، وكانت اللجنة قد أعربت عن قلقها البالغ إزاء سياسات الدول "المتقدمة" المستأثرة بالقرارات الدولية المهيمنة على الاقتصاد في الدول النامية.
اذن عملية المطالبة "بنظام عالمي جديد " ولدت من قلب معاناة الدول الفقيرة التي شاءت أن تحقق لنفسها فرصة داخل السياسية الدولية، غير ان ذلك لم يلق اذنا صاغية و لم يسلط الضوء عليه، الا على يد الولايات المتحدة الاميركية من خلال اعلان بوش الذي استخدمه كمستند اخلاقي اساسي، وجواز مرور للتدخل الغير المشروط في دول الخليج.
وبعد ان كان تأسيس "نظام عالمي جديد " مطلبًا أساسًّيا لتطلعات دول الجنوب من اجل تحقيق مزيد من العدالة، وقدر اكبر من المساواة، وتوفير اجواءٍ اكبر من الديموقراطية، بهدف تحقيق نسبة اعلى من الشراكة، أصبح شعارًا ومظلة دولية للتحرك من جانب واحد.
لست هنا بصدد تحليل انماط السلوك الاميركي ودوره في ارساء قواعد نظام دولي حقيقي له مشروعية دولية، فالدول تتحرك وُفق مصالحها وليست الولايات المتحدة الاميركية ولا غيرها من الدول، مركزا للدفاع عن حقوق الانسان او جمعية خيرية مهمتها "الدفاع عن القضايا العادلة " في العالم، وليست جهة كهنوتية "تمنح الغفران" او تدافع عن لاهوت الشعوب وتحمي عقائدهم.
مفهوم القطبية ومنهج التحرك الاحادي الجانب
إن المراقب المتتبع لمقالات ودراسات المحللين و السياسين، يجد أن الكثيرين منهم، يؤرخون مرحلة مابعد "الحرب الباردة" بولادة "النظام العالمي الجديد"، رابطين بإحكام بين المنهج الامريكي الاحادي الجانب و عملية بروز الأحادية القطبية في السياسة الدولية.
هذا الربط يشكل في حقيقته تحريفًا للسجل الفعلي للعلاقات الدولية خصوصًا في مرحلة بداية التسعينيات، إذ ان القطبية كمفهوم خاص يتعلق بمستوى النظام يرتبط بتوزيع مراكز القِوى من جهة والقوّة من جهة اخرى، اما المنهج الاحادي الجانب، فهو متعلق بالسياسات التي تتبناها الدول ضمن نظام دولي أعد سلفًا.وفي مقالة كتبها جون فان أودينارين نشرت في مجلة "بوليسي ريفيو " أشار الى الجدل الحاصل بين صناع القرار والاكاديميين على جانب الاطلنطي حول ما إذا كان وجود عالم أكثر تعددية قطبية مفيد ا أو مرغوبًا فيه، استنتج أن هذا الجدل لم يحقق سوى القليل في سبيل تأسيس توافق حول ما أخذ كلا الجانبين في تسمييته "منهج فعّال متعدد الاطراف ".
إن االراصد لخطابات الساسة الاوروبيين يجد انهم تحدثوا بشكل لا يخلو من التشويش حول الحاجة الى بناء نظام متعدد "الاطراف" او "الاقطاب" مستخدمين المصطلحين بشكل مترادف، علمًا ان "الطرف" كمدلول مغاير عن "القطبية". إن الاشكالية إذن، تتمحور حول محاور ثلاث: محور مفاهيمي ومصطلحي حيث ان منطوق المبنى مغاير لمضمون المعنى، محور السياسات الخارجية ومسار ديبلوماسيتها ما بعد الحرب الباردة، ومحور غياب الرؤية الانسانية في العلاقات الدولية
وعليه فإن تصنيف الروابط بين "مفهوم القطبية وعلاقتها بالسياسات الخارجية" تكون على الشكل التالي:
منهج أحادي الجانب في نسق دولي أحادي القطب.
منهج متعدد الاطراف في نسق دولي أحادي القطب.
منهج أحادي الجانب في نسق دولي متعدد الأقطاب.
منهج متعدد الأطراف في نسق دولي متعدد الأقطاب.
منهج منفتح على جميع الاطراف في نظام دولي خالي من الاقطاب، وهو مانحلم به. أخيرا هذا الحلم،
ان حقيقة الوضع الراهن لآلية عمل مؤسسات المجتمع الدولي لم تعد تصلح للتعامل في عالم شديد الاكتظاظ والمتشابك بطريقة بالغة التعقيد في ظل تداخل ثقافي وعولمة اقتصادية شبه كليّة ؛ وبعد ان اصبح اتخاذ اي قرار دولي عملية "نفعية" خاضعة وبشكل دائم "للمصلحة الآنية " التي تصب في نهاية المطاف في جيوب "حيتان رؤوس الأموال" والشركات العملاقة في العالم، الأمر الذي جلب قدرًا كبيرًا من اللامساواة، واستشراء صارخ للنزعات السياسية والعسكرية التي لا تتوانى عن استخدام العنف المباشر او المقنع للوصول الى مصادر الثروة و تحقيق المصلحة الاقتصادية.فالواقع الدولي الحالي هو في حقيقته "ادارة علاقات صراع" لا يرقى لان يكون نظامًا لان لفظة "نظام" كمفهوم (حسب بورديو ) تشير الى "مركب يقوم على تضافر عدة مقومات هي: وسط اجتماعي، ومجموعة من القيم والآليات القانونية. ويتمثل دور هذه الاليات القانونية في كفالة وضع القواعد القانونية المنظمة للواقع موضع التنفيذ " ومن هنا فالدور ملقى على "وعي شعوب" وقدرتها على "الممانعة " من الانخراط في عنف المادة والآلة والسلطة ؛ كما ان الوعي ومكافحة شتى انواع الظلم بالطرق السلمية يمثل ورقة ضغط حقيقية على الحكومات لتبني سياسات خارجية أكثر "انسانية"، واكثر أمنًا "للبيئة" ؛ فالحروب لم تجلب للعالم الا الدمار وسباقات التسلح لم تنتج لنا الا "القنابل الذرية "، و الشركات العملاقة لم تولد لنا الا مصانع مدمرة للبيئة حارقة كوكبنا بغازات سامة، ويشكل "العصيان المدني اللاعنفي " إحدى أبرز الأدوات الواعية للتعبير.
نعم، نحن نحلم "بنظام عالمي جديد " يستوعب كافة شعوب الارض، يعتمد منهجًا منفتحًا على جميع الاطراف، خالٍ من الاقطاب يستمد عناصره من القيم الانسانية المشتركة للحضارة البشرية، ويتمثل دور الاليات القانونية فيه بكفالة وضع القواعد القانونية العادلة المنظمة للواقع الانساني موضع التنفيذ.نعم نحلم بعالم يسوده الأمان... عالم منزوع من الاسلحة الفتاكة المدمرة، عالم لا تتحكم به حفنة من الشركات.. عالم يحترم الانسان ويقدر حرية روحه.. عالم يحافظ على البيئة الطبيعية.. عالم لايعرف الا السلام...
نعم، نحلم بكوكب وادع جميل يتنفس على ايقاع منظومته الكونية، فما البشر كلهم إلا جزيئي صغير في عوالم أخرى لا متناهية. _____________1- البييان الصادر عن اجتماع رؤساء الكنائس المسيحية الاوروبية - في 5 شباط فبراير 2003 الذي عقد في برلين بدعوة من مجلس الكنائس العالمي والمجلس الوطني لكنائس المسيح في اميركا .. إبان الحرب على العراق
L. freedman amp; E. Karsh , The gulf Conflict 1990 - 1991 - London : Faber amp;Faber , 1993 page 24 2-
Challenge to the South - Report of the South Commission , Oxford 1990 3-
John Van Ordentilde;aren , Unipolar Versus Unilateral , Policy Review, No. 124, April 2004-4-
5- افضل استخدام مصطلح نسق وليس نظام ، والسبب ان ما نشاهده هو ادارة صراع قوى في منظومة لا مكان للقيم فيها وليس نظاما لان النظام يتضمن بالضرورة بعدا انسانيا
6- G. Burdeau. Meacute;thode de la Science politique , Paris; Dalloz 1959 p 436
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com كاتبة لبنانية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بحث جيد
قارئ -

مقال جيد في العلاقات الدولية نعم الاشارة الى ان النظام العالمي الجديد مطلب دول الجنوب اشارة مميزة . أشكر الكاتبة لاحترامها عقل القارئ النخبوي ، ولعمق الطرح وهو امر يتطلب جهدا وهو واضح من خلال مراجعها المعتمدة

بحث جيد
قارئ -

مقال جيد في العلاقات الدولية نعم الاشارة الى ان النظام العالمي الجديد مطلب دول الجنوب اشارة مميزة . أشكر الكاتبة لاحترامها عقل القارئ النخبوي ، ولعمق الطرح وهو امر يتطلب جهدا وهو واضح من خلال مراجعها المعتمدة