كتَّاب إيلاف

معضلة الليبرالية في العالم العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تلقيت دعوة كريمة من الدكتور رونالد ميناردوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان، لحضور فعاليات المؤتمر الأول حول " دور الأحزاب الليبرالية المعارضة في العالم العربي " 12و13 يوليو الجاري، بمناسبة تأسيس " شبكة الليبراليين العرب " بالقاهرة، ويترأسها السيد محمد تمالدو مدير مكتب حزب الاتحاد الدستوري بالمغرب.
ومؤسسة فريدريش ناومان هي مؤسسة السياسة الليبرالية، وتتعاون مع الحزب الديموقراطي الليبرالي في ألمانيا والأحزاب الليبرالية في العالم. أنشأها تيودور هوبس سنة 1958 الذي شغل منصب أول رئيس لجمهورية ألمانيا الاتحادية. وتهدف إلي تعزيز حرية الفرد والليبرالية، متبعة في ذلك مبادئ فريدرش ناومان المفكر والسياسي الليبرالي الرائد في أوائل القرن العشرين، حيث دعم ناومان بإصرار فكرة التعليم المدني، إذ كان يعتقد ان الديموقراطية الفاعلة بحاجة إلي مواطنين يمتلكون ثقافة ومعارف سياسية، وان التعليم المدني شرطا أساسيا من شروط المشاركة السياسية، ومن ثم تأتي أهميته بالنسبة للديموقراطية بشكل عام، ولمجتمعاتنا العربية المهووسة بتديين كل شئ، وأولها " التعليم " بصفة خاصة.
وسوف أركز في مقالي هذا علي الرؤي المصرية تحديدا للأحزاب الليبرالية، وللتحديات والآفاق القائمة والقادمة. تناول د. محمد نور فرحات أستاذ القانون الدستوري جامعة الزقازيق (دلتا مصر)، الجانب الدستوري والواقع السياسي لأحزاب المعارضة، فأكد علي ان " كل " الدساتير العربية، دساتير مخادعة ومراوغة، وان المشرع الدستوري العربي يظهر عكس ما يبطن دائما، سواء في النص أو في التطبيق. فضلا عن الفجوات بين النص الدستوري والتشريعات العادية، ثم بينها وبين الممارسة العملية.
و" المباهاة الدستورية " هي الشغل الشاغل للمشرع من وضع الدساتير العربية، وهو لا يتوجه بها للمواطن العربي أصلا، لأن الغرض هو الإعلان الديكوري الموجه أساسا إلي المجتمع الدولي. ف " الحق في انشاء الأحزاب الدستورية "، هو الخدعة الكبري التي تقع فيها المعارضة دائما في العالم العربي، مشيرا إلي ان القيود المفروضة علي تشكيل الأحزاب ليست دستورية قانونية فقط وإنما أيضا سياسية ومجتمعية - ثقافية. كما أن التحديات التي يواجهها الليبراليون العرب ليست فقط الأنظمة المستبدة وإنما معظم التيارات السياسية في اعالم العربي، مثل التيار القومي العربي، الذي أفتقد من الناحية الكلاسيكية البعد الديموقراطي في خلفيته الإيديولوجية، واليسار العربي الدوجماطيقي، والإسلام السياسي وطابعه الشمولي التقليدي. الأهم من ذلك هو ان الحوار بين الليبراليين ومعظم هذه التيارات اليوم، محكوم عليه بالفشل مسبقا، لأن الحوار الصحي يكون عادة بين متساويين أقوياء، بينما الليبرالية لا وجود لها في الشارع العربي.
واستعرض د. وحيد عبدالمجيد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية " استراتيجيات عمل أحزاب المعارضة في العالم العربي "، ورأي ان هناك 8 دول عربية فقط تقترب من الحد الأدني للحياة الحزبية المحكومة من أعلي، وهي تكريس لحالة التعددية المقيدة، وأشبه بنظام تسلطي مفتوح، بإستثناء حالتي لبنان والمغرب، فالحالة اللبنانية هي حالة خاصة جدا، نظام سياسي قائم علي توافقية طائفية. أما الحالة المغربية ففيها درجة أعلي نسبيا من التطور السياسي، عن معظم الدول العربية. مشيرا إلي دراسة " لاري دياموند " في مجلة شئون خارجية الأمريكية (مارس - إبريل 2008) والمعنونة: " بالجمود الديموقراطي واحياء الدولة المتوحشة " حيث أكد دياموند علي ان ما بدا انه يمكن ان يكون مرحلة انتقالية للتطور السياسي في العالم العربي، انتهي إلي حالة من الجمود، مستثنيا حالة المغرب (الأقل سوءا الآن).
في ضوء ذلك عملت الأحزاب الليبرالية في ظروف بالغة الصعوبة، تمثلت في قيود أمنية وسياسية ودستورية، مانعة للحركة والتطور، فضلا عن اختلالات داخلية بسبب ضعف التقاليد السياسية والديموقراطية، وهشاشة النخب القيادية وغياب الرؤية، وحدة الصراعات الداخلية، وضعف تقاليد الحوار، والتقوقع حول الذات، وافتقادها للنزعة التوافقية.
فقد فشلت الأحزاب الليبرالية في بناء توافق سياسي ديموقراطي بين أحزاب المعارضة السياسية المختلفة يمكنها - بإعتبارها صاحبة رؤية ومنهج ومشروع تنويري - من الجمع بين قدراتها المحدودة وقدرات الآخرين، في عمل مشترك يسعي لتغيير البنية السياسية والاجتماعية في المجتمع العربي ونشر الثقافة الليبرالية.
وهناك مشكلة تاريخية ومعرفية، وهي ان رواد الليبرالية العربية لم يتكيفوا مع التقاليد العربية، فأصبح من السهل تشويه المفاهيم الليبرالية، وهو ما جعل كلمة " الليبرالية " ذاتها كلمة غير مفهومة، لوغاريتمية ان جاز التعبير، مما يتطلب اليوم تفكيك المفاهيم الليبرالية وإعادة صياغتها بصيغ عربية.
أضف إلي ذلك الحالة المعرفية والثقافية المتردية للمواطن العربي مما كان عليه قبل قرن من الزمان، وهي حالة لا تسمح بالتجاوب مع مفاهيم معقدة ومجردة، بينما الشارع العربي يريد شعارات عامة وفضفاضة تختزل الواقع ولا تقدم رؤية لهذا الواقع، يريد خطابا شعبويا ديماجوجيا، والمعضلة هي كيف يمكن إعادة انتاج المفهوم الليبرالي بشكل جديد، فيه قدر من التبسيط ومختزل وشعبويا؟.
أما د. مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الدولية بالبرلمان المصري، والسكرتير السابق للرئيس المصري للمعلومات، فقد اعترض علي عنوان ورقته " الدولة والمعارضة: رؤية الحزب الوطني الديموقراطي "، مؤكدا انه جاء ليتحدث " عن " الحزب الوطني (الحاكم)، وليس متحدثا بإسمه. فالحالة المصرية - برأيه - حالة خاصة وصعبة جدا، والنظام الحزبي ضعيف، ولا يوجد حزب مثل " حزب الوفد القديم، قبل يوليو 1952 اجتمعت لديه هذه الشعارات الثلاثة: 1- الوحدة الوطنية، حيث تزايد تمثيل الأقباط في البرلمان والحياة السياسية بين 1924- 1952 تلقائيا.
2- الليبرالية، حيث الانفتاح علي الآخر والتحرر. 3- العلمانية، حيث الفصل بين السياسة والدين. وهو ما جعل الشعب المصري بمختلف طوائفه وطبقاته يتعصب لحزب الوفد ويلتف حوله، ويردد: " لو رشح الوفد حجرا لانتخبناه ".
وبإستثناء تجربة حزب الوفد القديم، فإن كل الأحزاب الآن صناعية وديكورية لا تعبر عن الشارع المصري، وهي تمثيل سياسي فوقي لا وجود لها في الشارع. المشكلة - برأيه - تكمن في إدارة الحياة السياسية في مصر، فهناك زيادة في معدلات التنمية بلغت 7،1 %، بينما لا يشعر بهذه الزيادة الفقراء ومعظمهم يزداد فقرا، والسؤال هو: كيف يعيش شعبا بالأسعار العالمية وهو يتقاضي راتبه بالعملة المحلية؟.
كما توجد مشكلتان بحاجة إلي حل جذري، الأولي هي فك الاشتباك بين السياسة والدين، بين الدولة والإخوان، وحلها قد يأخذ عقودا من الزمان. والمشكلة الثانية، فصل التداخل بين السلطة والثروة، وما أثمر عنه من فساد، وهذا الحل ليس صعبا، وقد يأخذ ثلاث سنوات فقط عن طريق احكام الأجهزة الرقابية.
واكد الفقي علي أن كلا من الإخوان وحماس سقطا في الاختبار السياسي حين نجحا في الانتخابات البرلمانية، فالإخوان لعبوا لعبة الديموقراطية كما تمارس في الغرب وبمفهومها الغربي، وهم لا يؤمنون بها. وحماس دخلت الانتخابات وفقا لأوسلو، وهي ضد أوسلو. وهذا لعب " وألاعيب "، وليست حياة سياسية لها معني.
وطالب الفقي بخارطة طريق للمصريين، لأن المستقبل السياسي غامض، و" كل شئ في جراب الحاوي في مصر ".......
ولا عزاء لليبراليين!
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
دساتير مخادعة/مراوغة
كركوك أوغلوا -

وليست دساتير مواطنة كاملة ؟؟!!..لأن الشريعة هي الأساس في التشريع ولاتختلف في الجوهر عن الوديعة العمرية ؟؟!!..حيث الأقليات يعتبرون أهل الذمة , وأن لايدفعون الجزية , بل الضرائب ؟؟!!..

نقطة البدء
خوليو -

نقطة البدء لتأسيس مجتمع علماني لبيرالي هو إطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية ومنح الفرصة للفكر الحر لزعزعة أسس المجتمع الديتي ، والزعزعة تكون غير عنيفة، مبنبة على حرية الكلمة، وهذه تفيد في تثقيف الجماهير العريضة السائرة بركاب الفكر الديني وهي مغمضة العينين، ولا يمكن أن تفتح هذه الشعوب عيونها إلا بحرية الكلمة وحرية الأحزاب السياسية المدنية التي تقوم بنفض الفكر السلفي من أساسه، وهذا لايتطلب جهداً كبيراً لأنه متصدع من أساسه ولايحتاج سوى لدفعة بسيطة لتنهار أعمدته في هذا العصر ، نحتاج لحرية كلمة وأحزاب للبدء في بناء المجتمع الحديث.

كعادة الفلاسفة
حسن طعمة -

من يقرأ هذا التحليل لا بد أن يستنتج بسهولة أن كاتبه سياسي برغماتي وعقائدي وليس من الباحثين في علم الفلسفة . فهذه أول مرة أقرأ لمختص في الفلسفة يحال أن يسقط آراءه المسبقة الواضحة على تحليله لواقع الليبرالية في العالم العربي مع أنه يُفترض أن يحلل الفيلسوف الأشياء لا أن يقدمها بطريقة مضللة وفقاً لأهوائه وعواطفه . فهو يذهب في تضليله الى حد القول أن حزب الوفد هو أكثر الأحزاب المصرية شعبيةً وأي بائع للفول داخل مصر وخارجها يعرف أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة ويعرف من هو الحزب صاحب أكبر دعم جماهيري في مصر . .

جنة الاسلاميين ؟!!
حدوقه الحدق -

اطلاق الحرية يعني وصول الاسلاميين الى السلطة بسهولة تامه وهذا ليس في مصلحة اشياع الحرية واعداء الاسلام ، ؟!!

امريكا تراهن عليهم 1
مرتاد ايلاف -

برز التيار الليبرالي العلماني في الفترة الاخيرة بنظريات كثيفة تتعاطي في اعادة النظر الى مجمل قضايا الواقع الاسلامي من مختلف مغاير، وتقديم حزمة حلول تسهم في تحويل وتحوير المجتمعات العربية من التقليدية الى المصادمة مع هذه التقاليد غض النظر عن موقف النص الديني منها وذهب بعض الليبراليين العرب بضرورة نزع القداسة من القران الكريم والتعامل معه على انه مجرد نص تاريخي قابل للانسنة من جهة ومن جهة اخرى فقد حيويته وبريقه من مدخل الهيرومونطقيا (فن فهم الاثر الادبي في النص) كتعريف من ضمن التعريفات الاخرى المتداولة، مرورا بتاريخية النص القراني الكريم اذن المقال المنقول ادناه هو دراسة مبسطة لوجهة نظر امريكا وقبطتها لهذا التيار الليرالي باعتباره تيار اسلامي معتدل يمكن ان تتعامل معه الولايات المتحدة وعلى اعلى مستوى مستقبلا لما يحققه لها من مصالح استراتجية وحيوية في العالم الاسلامي، ضرورة الرهان على هكذا نوعية من الليبراليين وتقديم كافة انوع الدعم والمساندة والمنح الدراسية.. الخ، المؤسسة الامريكية التي قامت بالترتبيت والطبطبة على اكتاف هؤلاء الليبراليين هي مؤسسة راند للابحاث وهي تعتبر من اهم الدوائر في صناعة القرار الامريكي..نتركم مع العجب العجيب..

فتش عن الدولارات ؟؟؟
ابو وش عكر -

حينما عدت الى شبكة اللبراليين العرب وجدت انها تضم احزابا ومنظمات وافرادا يسارية متطرفة ؟!! كيف تحولوا في غمضة عين وانتباهتها الى ليبراليين سبحان الله ؟! ؟!!

تغيير شروط اللعبه
الايلافي -

اذا كانت قواعد اللعبة الديمقراطية تتضمن تخلينا عن عقيدتنا ومبادئنا وثوابتنا فنحن ندخل اللعبة لنغير شروطها ونوقف العبث بالمقدسات والاذعان للاعداء والمحتلين تحت مسمى الديمقراطيه

و يحملون الجنسية
الشوكاني -

و لنرى العجب العُجاب و نبدأ بما أنتهى اليه اللأخ مرتاد إيلاف(5)..فإنّ اللبرالية تخدم مصالح أمريكا و الغرب و إسرائيل..و كما جاء أنهم مُنِحوا دراسات عُليا في أمريكا لتخريج مَن يهدم المعتقدات و المقدسات الإسلامية و مسخ العربية و كل جميل في اللغة و الدين .. وهم بالمناداة (زورا وكذبا) بالديمقراطية و المحبة و الإخاء الإنساني و نبذ الحروب في العالم .. نرى أنّ كل الحروب الحالية تشنُها أمريكا و أوربا ضد كلما هو عربي و إسلامي ..الظلم هو القادم من أمريكا و أروبا .. و التهديد و الإذلال للأمتين من أمريكا و أروبا.. و تكريس و دعم الدكتاتوريات من أمريكا و أوربا ضد الشعوب و طموحاتها و مستقبلها لمَن خدمهم من ملوك و رؤوساء في الأوطان العربية و الإسلامية..ثمّ أننا قد رأينا في اللبرالية الإقصائية و معاداة الأخر والنيل من المقدسات و حرية الإنسان في الإعتقاد و الحرية في العبادة و التحقير ..كما كان يعمل الشيوعيون و الماركسيون في القرن الماضي من إستبداد وتنكيل بمن قال (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله )و لم يخدم الإحتلال الصهيوني والتستر على جرائمه البربرية الوحشية من قتل و حصار ومؤامرات و تشريد و تهجير ضد الشعب العربي الفلسطيني و العراقي و اللبناني و بقية الشعوب مثلما مارستها اللبرالية العربية .. و الإسلام ليس المسيحية و لا اليهودية.. و لا يمكن الفصل بين العبادات و المعاملات في دين متكامل أتمّه الله لنا.. فناكر ضوء الشمس لا يلغي وجودها .. و كما أنّهم يحملون الجنسية الأ....... الى جنب الجنسية الأصلية .. شكرا إيلاف