الاستجواب والكباب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ناقش الصحفي الأمريكي جونثون تبرمان تقيم زعماء العالم في مقال بمجلة النيوزويك بعددها الصادر في الثالث والعشرين من يونيو من هذا العام وبعنوان، وقت الرجال القساة. يوصف الكاتب استطلاعات رأي قامت به جامعة ماريلاند الأمريكية لي 19,751 مواطن من عشرين دوله، حول ثقتهم بزعماء العالم. فبينت هذه الاستطلاعات انخفاض مقلق لهذه الثقة، فقد سجل الأمين العام للأمم المتحدة الكوري بان كيمون المرتبة الأولى في الثقة وبنسبة 35%، بينما سجل الرئيس الروسي بوتين المرتبة الثانية بنسبة 32%، ورئيس الوزراء البريطاني جوردن براون المرتبة الثالثة وبنسبة 30%، ثم الرئيس الصيني هوجنتو وبنسبة 28%. وانخفضت نسبة الثقة بين زعامات الديمقراطيات الغربية اللبرالية، فمثلا سجل الرئيس الفرنسي نكولاي ساركوزي نسبة 26%، بينما حصل الرئيس الأمريكي بوش نسبة 23%، لينافس الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي حصل على أدنى نسبة وهي 22%. فالغريب بأن الدول التي ينتقد الغرب أنظمتها كروسيا والصين هي المتقدمة في ثقة شعوب العالم بزعاماتها، بينما تتقدم المملكة المتحدة، التي يجمع برلمانها بين مجلس نيابي منتخب ومجلس لوردات معين، الديمقراطيات الغربية. ويعلق الكاتب بالقول: "أن الزعماء الذين يعتبرهم الغرب أكثر تسلطا يتمتعون بثقة عالية نسبيا بين مواطني دول العالم. وقد يكون ذلك إنذار لزعماء الغرب وبالأخص الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، حيث كانت فكرة تصدير ديمقراطيتهم الغربية للخارج على رأس أجندة سياستهم الخارجية."
وقد بينت استطلاعات الرأي الغربية بأن أكثر من 90% من شعوب الغرب مقتنعة بنظمها الديمقراطية، ولكن الغريب بأن ثقتها في برلماناتها تعاني من انخفاض مخيف. فقد أعلنت شبكة السي إن إن التلفزيونية بتاريخ 18 يونيو هذا العام، بأنه قد انخفضت ثقة الشعب الأمريكي بالكونجرس لحوالي 18%. ولم تختلف كثيرا استطلاعات الرأي في دول العالم الأخرى. فمثلا انخفضت ثقة المواطنين بالبرلمان في الفلبين وتايلاند لحوالي 22%، كما لم تزد ثقة المواطنين في استطلاعات الرأي في دول أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية عن 25%. ويبدو بأن ثقة مواطني دول الشرق ألأوسط ليست الأفضل من ما هي عليه في باقي دول العالم، فقد بلغ تشاؤم البعض لحد التساؤل إن كان من الأفضل هدم هذه البرلمانات وتحويلها لمقاهي ومطاعم تفيد المجتمع بتوظيف أبنائه وتوفير أماكن لتغذيته وترفيهه.
بدأت اليابان تجربتها البرلمانية في عصر الميجي، ففي عام 1882 أعلن اوكوما شنجنوبو تشكيل الحزب الدستوري التقدمي، الذي طالب بنظام دستوري قريب للنظام البريطاني. وقام أنصار الحكومة بتشكيل الحزب الإمبراطوري الحكومي، وأمر الإمبراطور ميجي بتشكيل حكومة دستورية وتهيئة دستور للبلاد. فصدر الدستور في عام 1889، ليوافق على برلمان مكون من مجلس نيابي منتخب من الرجال المتجاوزة أعمارهم الخمسة والعشرين، والذين يدفعون 15 ينا من الضرائب السنوية. كما عين الديوان الإمبراطوري مجلس للنبلاء من خيرة خبرات البلاد حكمة ونزاهة وقيادة، وأصبحت حكومة تكنوقراطية متخصصة مسئولة إمام الإمبراطور ومستقلة عن السلطة التشريعية. واستطاعت اليابان أن تحقق بنموذجها السياسي معجزتها الصناعية والاقتصادية ولتنافس دول الغرب. وبعد انتهاء الحرب أستبدل الحلفاء دستور ميجي بدستور عام 1948، والذي أستمر بجميع مواده حتى اليوم. وقد أتهم الغرب اليابان بنظام الحزب الواحد بسبب فوز الحزب اللبرالي الديمقراطي بمعظم مقاعد البرلمان في مجلسيه طوال الستة عقود الماضية، كما اتهمت بالمثل التجربة السنغافورية في إصلاحها الديمقراطي، مع ما حققته هاتين التجربتين من تنمية اقتصادية واجتماعية. وقد قارن الصحفي الأمريكي فريد زكريا في كتابه، العالم ما بعد أمريكا، بين تطور الصين المستقبلي ذو نظام الحزب الواحد والهند الديمقراطية. وتوقع بأن تستمر الصين بخطواتها السريعة في تحقيق طموحاتها الاقتصادية وتنميتها الاجتماعية، بينما ستعاني الهند من صراع سياسي ديمقراطيتها وبطاء بيروقراطيتها الحكومية. فالجدير بالذكر بأن الصين تتفوق بما يزيد المائة مليار دولار في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة. وتقدر المدخرات الصينية في البنوك لحوالي الألف وسبعمائة مليار دولار، والتي تفوق مدخرات اليابان المقدرة بحوالي الألف مليار، في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة من ديون تقدر بحوالي التسعة ألاف مليار.
وقد ناقش البروفيسور دانيال بل في مقال بصحيفة اليابان تايمز في العاشر من يوليو من هذا العام وبعنوان، رجوع الكنفوشيسية للصين. فأكد بفقد الديمقراطية الغربية بريقها بين مواطني الصين، وبتوجههم للاستفادة من ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم التاريخية لتطوير الديمقراطية الملائمة لبلادهم وخاصة بعد مرارة تجربة الإصلاحات السياسية في روسيا. ويعتقد الشعب الصيني بأن الفلسفة الكنفوشيسية تضم عناصر الاستقرار والشرعية لنظام سياسي معاصر، تهدف قيمها للتقدم مع المحافظة على استقلاليتها عن سلطة الدولة، واستعدادها الدائم للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية. وقد ناقش الأكاديمي الصيني جيانج كنج الحاجة لبرلمان صيني يهتم بمصالح المواطنين والتي هي عادة مصالح قصيرة الأمد مرتبطة بالتحديات الحياتية للموطنين في العمل والسكن وتوفر الغذاء والرعاية الصحية والتعليم لعائلاتهم. كما أكد بضرورة اهتمام البرلمان بمصالح الوطن من جهة والتي عادة تتعلق بمصالح شمولية طويلة الأمد تشمل الصناعة والتجارة والأمن والدفاع وتطوير التكنولوجية الصناعية والتدريب والتعليم، ومن جهة أخرى اهتمام البرلمان بثقافة المجتمع وتاريخه وقيمه الفلسفية والروحية الدينية، ليخلق توازن بين مصالحه المادية وأخلاقيات مجتمعه المثالية المرتبطة بقيمه وتاريخه. لذلك اقترح الأكاديمي الصيني برلمان بثلاث مجالس، مجلس نيابي منتخب يمثل المواطنين ومصالحهم القصيرة الأمد، ومجلس الأشخاص النموذجيين يتشكل من خيرة خبرات الصين علما وخبرة وحكمة ونزاهة، يهتم بالمصالح الوطنية الطويلة الأمد ويضمن جودة القرارات والخطط الحكومية، ومجلس ثالث لاستمرارية القيم الثقافية والدينية ويهدف للفت النظر للهوة بين المثالية والواقعية.
لقد اهتمت البرلمانات المعاصرة بالتشريعات لتوفر قوانين تنظم المجتمع وتنسق وظائفه، ولتزيد من كفاءة العمل الحكومي وإنتاجيته والوقاية من تجاوزاته. ومع تطور الأعلام وزيادة تكلفة دعاية الحملات الانتخابية، اهتمت الشركات بتغطية هذه التكلفة للمحافظة على مصالحها، ليصبح النائب المسكين بين مطرقة أرضاء هذه الشركات وسندان إرضاء مؤسسات المجتمع المدني ومنتخبيه. وتحولت البرلمانات لقاعات للخلافات الحزبية والعقائدية وللصراعات للمحافظة على مصالح الشركات وأحلام مؤسسات المجتمع المدني. وقد زاد الطين بلة حينما بدأت بعض البرلمانات الوليدة بالتركيز على المسائلة الإعلامية المتكررة لإرضاء عواطف منتخبيها، فأنشغلت الإدارات الحكومية للرد عليها، والتي كان من السهولة الحصول على اجوابتها بمكالمة تلفونية، أو بزيارة ايجابية لمسئول، أو بدعوة النائب للوزير في جلسة مصارحة مع المواطنين للإجابة على تساؤلاتهم، أو باجتماع للجان البرلمان مع الوزير لدراسة المعضلات. وتتهم هذه الاستجوابات بأنها سببا لعدم الاستقرار في الإدارات الحكومية، وضياع الوقت الكثير للرد عليها، بل ولتأخير تنفيذ خطط الحكومة. ويستغرب البعض لعدم استفادة النواب من وقت البرلمان لوضع تشريعات تحمي الوطن وتحسن أوضاع المواطن في العمل والتعليم والصحة والإسكان، ويأسف لتحول البرلمانات لقاعات لثقافة التفرقة، بدل أن تكون واحات سلام لحل الاختلافات، ومراكز لحكمة النقاش ولطف اللقاء وإنتاجية الحوار، وأمثلة جميلة لذكاء السيطرة على الانفعالات. ويعتقد البعض بأن هناك سوء فهم لأوليات العمل البرلماني، فوقت البرلمان محدود ومترافق بطموحات تنمية اقتصادية واجتماعية، وبتحديات عالمية في التلوث البيئي والتغيرات المناخية وأزمة الطاقة وارتفاع أسعار الأغذية وانتشار الفقر والإرهاب. لذلك تحتاج أن تحدد أولوياتها، ويتساءل البعض هل من الأولويات نبش تركة الماضي، والانشغال بالاستجوابات عنها، أم الحكمة في خلق جسور الثقة مع الحكومة، والعمل لوضع تشريعات تحقق الخطط الاقتصادية وتسهل المحاسبة بإتزان لتجاوزات تطبيقها. وباختصار شديد وبدون التعدي على حقوق الحماية الفكرية للأستاذ الفنان المبدع عادل أمام، هل ستعمل برلمانات المنطقة جاهدة ليستطيع المواطن توفير اللحمة والكباب لعائلته ليستمتع بالأكل تحت سقف بيت امن وضمن وظيفة منتجة، وفي وطن مستقر ومصان من التلوث والتطرف الفكري وإرهاب العنف، ومحصن أبنائه بالخلق الفاضلة والتعليم المستمر والذكاء الشامل، وتتجنب صراعات الاستجوابات الانفعالية الخاوية؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
ديمقراطية ال5%
اوس العربي -الحقيقة ان الكونكرس الامريكي لا يقل سوءا عن البرلمان السوري مثلا ؟!! والا كيف يبصم الكونكرس على الحرب على العراق ويصرف مليارات ويتغاضى عن جرائم وتجاوزات ارتكبها الامبراطور جورج بوش واركان ادارته وحربه كيف لايصيخ الكونكرس لصوت ملاييين البشر الذين خرجوا منددين بالحرب على العراق مطالبين بخروج قوات بلادهم منه وكيف يوافق الكونكرس على قانون الوطنية وهو نسخة معدلة من الماكارثية والتغول على الحياة الخاصة للامريكان حيث يتجسس على هواتف المواطنين ويسحبون كما يحصل في دول العالم الثالثة فجرا من اسرتهم الى التحقيق وكيف يجيزون معسكر غوانتناموا ووضع مليون مواطن امريكي قيد الاشتباه ؟!! هل هذه هي الديمقراطية هل هذه هي اللبرالية وسلطة الشعب مالفرق بين امريكا وزيمبابوي وبين بوش وموغابي ؟!! في بلد يمسك خمسة بالمائة من السكان بالاقتصاد والاعلام والسياسة وفي بلد يحكمه المجمع الصناعي العسكري مثل هذه الامور تحدث لاشك ؟!!
فكرة و أداة
عبد الباسط البيك -يمكننا أن نتحدث عن فساد الأداة و نجاح الفكرة أو التجربة . الديمقراطية فكرة طيبة لأقرب أنواع الحكم العادل إذا كانت الأدوات سليمة الصحة . البرلمان هو أحد أدوات هذا النظام لإنجاح هذا المنهج في إسلوب الحكم . و كلنا نرى أن البرلمانات في عدد من الدول لم يتم إختيارها بشكل صحيح و حر و نزيه , و أن الشوائب بأنواعها المتعددة قد أثرت بشكل واضح سلبيا في وصول بعض النواب الى قبة البرلمان و هم غير قادرين على العمل المفيد لصالح الشعب . و تلعب الأدوات دورا حيويا في إنجاح أو إفشال اي تجربة أو عمل . لذلك وجب النظر في آلية إختيار الأدوات الفاعلة في العمل السياسي حتى يكون مردود النظام إيجابيا على الشعب . و تقوم الأحزاب السياسية بدور مهم في عملية الإنتخابات عندما تقدم مرشحيها لأن أولئك المرشحين سيصبحون جزء من الأدوات الفاعلة , و بهم تتعلق نتيجة المحصلة العامة للمردود السياسي. فساد الأدوات يمكن أن يحصل في أي نظام و لو إرتدى ثيابا نظيفة لأنه قد تختفي تحت الثوب علامات القذارة و الإنحطاط في شخصية ممثلي الشعب . و نقول للمعلق رقم 1 أنك على قدر كبير من الحق عندما قارنت بين البرلمان السوري و مثيله في الولايات المتحدة , و لكن هذه المقارنة تنصب على المردود الجزئي و ليس على آلية إيجاد الأداة, و ذلك لوجود فارق كبير في عملية الإنتخابات و هامش الحركة السياسية بين سورية و الولايات المتحدة.