المشروع العراقي: أجندة بلا أية ميليشيات اوليغارشية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حـتّى أرى
شـريعـةَ الغابِ بِكُلِّ أهلِها
عائـدةً للغابِ. الشاعر احمد مطر
1/ مقدمة: الوباء المستطير
لا يمكن للعراق ان يبقى رهين الفوضى والتدمير على أيدي ميليشيات مسلحة، وعصابات اجرامية، ومرتزقة اوليغارية، اغلبها تابع لقوى حزبية وسياسية دينية وطائفية وقومية واقلياتية متسلطة قديمة او جديدة.. ولا يمكن التنديد بأية خطط تستأصل هذا الوباء الذي استشرى طويلا ومنذ سقوط النظام السابق الذي حكم العراق قرابة 35 سنة، ومذ رحل فان فراغا هائلا تركه من ورائه، بعد معاناة العراقيين من اوبئة الحروب والحصارات وتدنّي الخدمات والممنوعات. ان الثمن الذي دفعه الشعب العراقي كان باهضا جدا لما قبل 2003 او من بعدها، وكم نادى العديد من العراقيين كل الحكومات المتعاقبة ان تفعل شيئا ازاء تفاقم خطورة تلك الاوليغاريات المسلحة التي تنتشر في كل مكان جماعات وعصابات واشلاء فرق وحراسات.. بل وكان لها القدرة والامكانية على التحرك في اي مكان، وقد شكلت نفسها (كميونات) حاكمة في مناطق مقفلة معينة، وهي مضادة ليس للقانون والنظام فحسب، بل انها انها العدو اللدود للوحدة الوطنية والمجتمع العراقي كله..
2/ معنى الميليشيا: وقفة مهمة
اولا: التعريف
إنّها مشتقّة من مصطلح militia اللاتيني، ومعناه الأصلي بحسب معجم Quicherat et Daveluy اللاتيني- الفرنسي ( 1932 Paris ,) هو: "خدمة عسكرية، حملة مقاتلة، عملية عسكرية، حرب مرتزقة ". والمصطلح مشتقّ من miles أو milites، أي "جندي، رجل مسلح، أو رجل محارب لقاء ثمن ". واعتمادا على موسوعات ومعاجم اخرى، يتضّح أنّ مصطلح ميليشيا (malice) بالفرنسية، أو ) (militia باللاتينية هو مصطلح قديم جدا. المليشيا، تشير أيضا إلى حالات متباينة ولها معان اكثر دقة، فهي تعني بالتحديد: "تنظيم مسلّح شبه رسمي أو خاصّ مدفوع الثمن ". وهي قوى عسكرية اوليغارية مرتزقة عبر التاريخ مختلفة عن اي جيش نظامي يتبع مؤسسة عسكرية رسمية وطنية، وعليه، فهي لا تقع ضمن القانون العام للبلاد، وسواء ولدت على ايدي قوى سياسية او اجتماعية، او انبثقت عن انظمة رسمية حزبية كالتي عرفتها دول المنظومة الاشتراكية الثورية قبل خمسين سنة، فهي لا تقع في نشاطاتها ضمن القواعد النظامية، او ضمن مؤسسات الدولة الرسمية. اذ قد تعترف بها الدولة رسميا للاستفادة من انشطتها الميليشيوية شبه الرسمية في المجتمع لصالح النظام والدولة وليس العكس!
ثانيا: الامثلة في التاريخ
لقد كانت الميليشيات قد تشكّلت في كل من فرنسا ايام الاحتلال النازي ضد حكومة فيشي التي قابلتها بميليشات اخرى، والميليشيا البروليتارية الريفية ابان الثورة البلشفية التي تحولت بعدئذ الى جهاز تفتيش داخلي في الاتحاد السوفييتي، ولم يزل مصطلح "ميليشيا " يستخدم في روسيا واوكرانيا.. وفي الانظمة الثورية تلقى الميليشيات موافقات ضمنية من الحكومات لتعزيز رسوخها كونها تخشى المجتمعات.. وكثيرا ما توجد ميليشيات وحركات انصار مضادة لميليشيات اخرى.. وكل من الاثنين عصابات مسلحة ومحاربة ومرتزقة وقوى مسلحة مدنية تنتظم خلال دقائق بالبسة عسكرية وتنتحل صفة النضال في اوروبا سابقا، او الجهاد في العالم الاسلامي اليوم! ربما كان لبعضها بعض اهداف سياسية ووطنية وتحررية ولكن مع ممارسات قمع وارهاب، وان اغلبها يحمل تاريخا اجراميا في التاريخ الحديث. ان من يتعمق قليلا في دراسة ما فعلته الميليشيات من المرتزقة في المجتمعات من جرائم وما اقترفته من مجازر وعمليات اغتصاب وترحيل ونهب واغتيالات وحرق وتعذيب وكل الافعال العنيفة المشينة لوجدنا ان تاريخا اسودا وارهابيا كسيحا يختفي وراء التاريخ الرسمي العام الذي يعرفه الجميع! وخصوصا ابان الازمات والحروب والثورات المسلحة! او في ظل حكومات هشة ضعيفة لا تقوى على الحياة.
3/ معنى الاوليغارشية
اما مصطلح " الاوليغارشية " Oligarchies، فتقترن دوما بالمليشيات السياسية من الناحية التاريخية، وهي المجموعات التي تخلقها السلطات السياسية كمجموعات مرتزقة هي الاخرى عسكريتارية تدافع عن جموع الاقليات السياسية الفئوية في اي مجتمع، وتقترن تاريخيا بجذور قوى الارستقراطيات المنظمه التي تنتقي الاقوى والافضل والاذكى لتدافع عن مصالحها اذا ما حكمت كاقليات في مجتمعات من الاكثريات المضادة. وكثيرا ما كانت تلك الدول القويه التي تسيطر عليها اسر حاكمة، او احزاب متسلطة، او زعامات عسكرية، تستعين بشباب مرتزقة تشتري ولاءها بالمال والسلاح لدعم الحكم في ظل انتفاء اية حقوق للانسان، وفي ظل حكومات قمعية ودكتاتورية تنتفي منها الديمقراطية. ان الاوليغارشيات لا تمارس انشطتها بشكل علني، بل تتخفى بالبسة رسمية او شبه رسمية وبمباركة احزاب حكومية عقائدية سواء كانت في السلطة ام انها معارضة للسلطة، كما انها تمارس الرقابة والعنف بأقصى صوره ضد المخالفين مهما كان نوعهم وبوسائل غير اخلاقية. او الاوليغارية كانت قد وجدت منذ عصر الاغريق ولم تزل فعالة حتى يومنا هذا، ويقترب منها المصطلح plutocracy الذي استخدمه ارسطو بشكل دقيق مرادفا للسيادة من جانب القوى العليا التي تريد احتكار السلطة بأي ثمن، انها مرادفة لحكم الاقليه مهما كان نوعها فردية دكتاتورية او قوى حزبية او جماعات ثورية.. او زعامات اوتوقراطية او ثيوقراطية او تعصبات طائفية، او حراس لاعضاء في حكومة الاقليه وتكون فئة متميزه... لتبقي على امتيازاتها ومصالحها برغم انف الجميع!
4/ ميليشيات العراق: سوابق الماضي الصعب
لقد عرف العراق التنظيمات الاوليغارية المسلحة (الحزبية) شبه الرسمية (لا الرسمية) منذ خمسين سنة، وخصوصا بعد سقوط العهد الملكي، اذ بدا العراق وقد تأثر بالنظم الثورية التحررية والاشتراكية التي قامت على نضال المليشيات الثورية ضد الاستعمار بعيد الحرب العالمية الثانية.. وعليه، فلقد تشكّلت منذ انبثاق العهد الجمهوري على عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، اول تشكيلة اوليغارية باسم " المقاومة الشعبية " التي كان من ورائها الحزب الشيوعي العراقي، وقد غدت قوة مسلحة في الشوارع يحسب حسابها، وكانت وراء تشكيل اولى السيطرات ونقاط التفتيش من اجل حماية " الثورة " وتكونّت من رجال ونساء ومارست العديد من التجاوزات مما دعا الزعيم قاسم الى تحجيم دورها.. وفي عهد النظام البعثي الاول اثر انقلاب 8 شباط / فبراير 1963، تشكّلت اوليغارية حزبية من نوع آخر، اسميت بـ " الحرس القومي " وبمباركة النظام نفسه وفي الساعات الاولى من تسلمه الحكم، ويتذكر كل العراقيين من كبار السن تاريخ تلك الميليشيا السيئة، وما الذي اقترفته بحق العراقيين من افعال وجنايات بشهادة كل النظم السياسية اللاحقة! وبعد 17- 30 تموز / يوليو 1968، اقام النظام البعثي في عهده الثاني، ميليشيا اوليغارية من نوع آخر أسموها بـ " الجيش الشعبي "، وقد كبرت وتوسّعت جدا مع استمرار نظام الحكم قرابة 35 سنة، وغدت مؤسسة كاملة.. والكل يعرف اليوم ما الذي مارسه الجيش الشعبي وخصوصا ابان الازمات والحروب من ممارسات ظالمة! وكل العراقيين اليوم الذين تجاوزت اعمارهم الخمسين سنة يتذكرون تاريخ اوليغارية الجيش الشعبي ابان السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن 20، وكانت قد انبثقت في العراق العديد من الميليشيات المسلحة شبه الرسمية التابعة للنظام الحاكم عراقية وغير عراقية، معلنة ومخفية، وما ميليشيا مجاهدي خلق الا احداها.
5/ ميليشيات العهد الامريكي الجديد
ليكن معلوما ان البلدان العربية قاطبة (باستثناء لبنان وفلسطين حتى اليوم، والاردن لما قبل ايلول 1970) ليس فيها اية مليشيات اوليغارية شبه رسمية او حزبية.. وكانت هناك قوى وميليشيات مسلحة في الجزائر ابان ثورتها ضد احتلال الفرنسيين، ولكنها غدت تشكيلات الجيش الوطني الجزائري، وانتفى اي دور لأي ميليشيا فيها. وفي ايران، انبثقت ميليشيات قوات حرس الثورة الاسلامية بعد انتصار الثورة على حكم الشاه عام 1979، ولم تزل تلك القوات موجودة الى جانب الجيش النظامي الايراني. لا اعتقد ابدا ان مرحلة جديدة قد بدأت في العراق بعد مرحلة قتال عناصر تنظيم القاعدة التي عبثت بالعراق عبثا مستطيرا لا يمكن تخيله.. وبالرغم من وجود قوى مقاتلة معارضة خفية مدعومة من نظم سياسية حاكمة في المنطقة، فلقد تشكّلت العشرات من الميليشيات العراقية بعد ان اندحار النظام السابق وسقوط العراق بيد الامريكيين وقوى التحالف في 9 نيسان / ابريل 2003.. وخصوصا بعد ان تفككت المؤسسة العسكرية العراقية السابقة، وقدمت ميليشيات من الخارج، وانبثقت قوى اوليغارية حزبية متنوعة في الداخل (وقد عالجتها بالتفصيل في دراسة لي نشرت في فصلية " الديمقراطية" التي تصدرها مؤسسة الاهرام بالقاهرة، بعنوان " القوى الدينية الاسلامية في العراق "، ربيع 2008 ). ان السياسة الامريكية في العراق لم تمنع قيام اية ميليشيات في العراق، بل وقد اعترفت بمليشيات قديمة كالتي كانت للقوى الحزبية الكردية والمتمثلة بـ " البيشمركة "، كونها اصبحت قوى مسلحة رسمية في اقليم كردستان، فضلا عن قوات ميليشية اوليغارية للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية المسماة بقوات بدر.. بل واصبح لكل حزب من الاحزاب المشاركة في السلطة الجديدة مليشيته وحراسه ومرتزقته.. فضلا عن ان الامريكيين سمحوا لقوات اجنبية متدربة في الخارج ان تنتشر في العراق تحت اسماء مختلفة.
6/ فوضى الصراع القائم
يبدو ان اقوى الميليشيات الحزبية العراقية هي التي يمثلها جيش المهدي. ان المسلحين من جيش المهدي الذين تقاتلهم القوات الحكومية في البصرة وبغداد واماكن اخرى قد اصبحوا خطرا يهدد كل المؤسسات ـ بتعريف الحكومة المركزية ـ، ولا ادري ما سر الصراع المفاجئ بين جيش المهدي والحكومة، بحيث شبههم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بالقاعدة في حين رد جيش المهدي بتشبيه حزب الدعوة الحاكم بحزب البعث السابق ووصف كل منهما بالعمالة! وحتى هذه اللحظة، فان الحكومة المركزية ترفض رفضا قاطعا التفاوض مع جيش المهدي الذي يقوده الزعيم الشيعي الشاب السيد مقتدى الصدر، وعّد التفاوض خرقا دستوريا وقانونيا.. في حين كان قائد قوات التحالف بيتريوس يؤكد دوما بأن التيار الصدري: كتلة سياسية قوية ينبغي التعامل معها لا الصراع ضدها.. ولكن الحكومة تقول بان لا يمكن التهادن مع هذه المليشيات من اجل مستقبل العراق والعملية السياسية، بل وخطت الحكومة العراقية خطوة جريئة ان صح ما قيل عن منع اي حزب سياسي او كتلة او جهة سياسية المشاركة بالانتخابات المقبلة وفقا للدستور، ان بقي اي طرف سياسي يمتلك اية ميليشيات مسلحة!! فهل تّم تحقيق ذلك؟ كما وان هناك قرارا بجعل المدن المقدسة مناطق منزوعة السلاح ويمكن اضافة الاعظمية اليها وعدم السماح بعد الان ببقاء أية مدينة مغلقة لحساب جهة معينة، وقد شدد العزم على تحرير جميع المدن من العصابات والخارجين عن القانون. اما تجربة الحكومة المركزية في الموصل، فيبدو انها فاشلة، او انها ـ كما يقال ـ كانت مسرحية معدة سلفا، فالموصل لم تزل فاقدة للامن بوجود الصراع بين الفرقاء حتى هذه اللحظة، فضلا عن التوترات التي تعيشها اقضية ونواحي محافظة نينوى. فهل بالامكان مسائلة الحكومة عن كل تصريحاتها لمدى تطبيق فاعلية ما قالته من شعارات وتصريحات ام انه كان للاستهلاك السياسي والاعلامي فقط؟
7/ السأم العراقي من المليشيات
ثمة من يدافع عن واقع المليشيات في العراق، اما لمصلحة او تلاقي مصالح او لعدم فهم ما يجري، ولكن ان اتت اي " قرارات " متأخرة عن موعدها كثيرا، فان العراقيين قد سئموا المليشيات، وفرق الخطف والموت من المرتزقة الذين يظهرون امام الناس على العلن بفعل الفوضى والاهتراء الامني وضعف الحكومة المركزية والفساد المستشري في كل مكان.. ولكن ثمة اسئلة مهمة تقول: هل باستطاعة الحكومة ان تقضي على ميليشيات الجميع دون هذه المليشيا او تلك؟ وهل هي صادقة في استئصال كل المليشيات من الساحة العراقية؟ وان كانت؟ فهل يقترن ذلك بالخطط الامريكية؟ واذا كان جيش المهدي يشابه تنظيم القاعدة، فلماذا انتبه القادة الجدد الى هذا الامر وكانت كل من جماعات القاعدة وفرق الموت تعبث بالعراقيين على مدى اكثر من ثلاث سنوات؟ بل لماذا سمح لهذا التيار او ذاك الحزب او تلك الجماعة ممن يقود هذه المليشيات الدخول الى العملية السياسية؟ وهل كانت بقية المليشيات الاخرى التابعة لقوى سياسية اخرى مشاركة في الحكم اقل اجراما من هذه؟ ان هذه الاسئلة مهمة جدا في معرفة ما الذي يجري اليوم.. وستثبت الايام هل تأتي مثل هذه الصراعات لمصالح وطنية حقيقية ام لمصالح فئوية ومكاسب نفعية لاطراف وقوى متنوعة!
8/ وماذا بعد ماراثون الصراع؟
ان العراقيين بحاجة ماسة الى الوعي بمخاطر كل جحافل هذه العصابات والتشكيلات الاوليغارية والمرتزقة التي لا تخلو من ارتباطات بجماعات واطراف سياسية وبدول مختلفة ومنها دول مجاورة بالذات.. ان وعي العراقيين هو اهم ما يمكن الاعتماد عليه في زرع الثقة بين المجتمع والمؤسسات.. ان المصيبة تكمن في التشظي الهائل الذي اصاب العراقيين، واللعب على ما اسموه بـ " المكونات " الاساسية، وعبث الاكثريات بالمصالح العامة للبلاد، وانقسام الاقليات على نفسها في حرب استطيع تسميتها بـ " حرب الانتماءات ".. انه لا يمكن ان يبقى الاضطراب سائدا الى الابد مهما كانت المصالح النفعية المكتسبة من ورائه كبيرة، سواء كانت مصالح شخصية ام حزبية ام محلية ام خارجية.. ان تطبيق القانون وترسيخ هيبة الدولة لا يأتي من فراغ، اذ ينبغي على كل العراقيين ان يميزّوا بين تطبيق القانون وامن العراقيين وحياتهم ودمائهم واعراضهم واموالهم وبين اساليب مقاومتهم للمحتل.. ذلك ان المقاومة المسلحة او غير المسلحة لا يمكنها اقرار الاضطرابات والعبث ليس بالمؤسسات حسب، بل بالمجتمع وخدماته. وعليه، فان اي تنظيف للعراق من الاسلحة سيشكّل علامة فارقة ومتقدمة في تأسيس مشروع وطني في ظروف هادئة يشارك فيها كل العراقيين بتجرد ونكران ذات. ان التعويل ايضا على قوى ما اسمي بـ " الصحوة " لا يمكن ان يقتصر على وعود باثمان او لقاء اثمان سواء كان شراء الذمم بالمال او السلاح او المناصب، وكأننا نشارك في فلم كابوي لرعاة البقر في صحراء نيفادا.. وكأن العراقيين، وحاشا ان يكون اغلبهم، كالمفترسين المتوحشين يجتمعون بمساعدة حرّاس السفاري على صيد ثمين، هو العراق، وكل واحد يريد ان ينهش وينهب ما استطاع ان ينهش وينهب!
9/ ضرورة المسائلة عن شريعة الغاب
ان كل من اصابه الاذى والضيم من ابناء الشعب العراقي يتساءل مهما كانت ملته او انتماؤه او دينه او طائفته.. من المسئول الحقيقي عن كل ما اصاب ويصيب العراق من الفوضى؟ من هو المسؤول الحقيقي عن كل هذا التفتت والضياع؟ من هو المسؤول عن كل هذا القتل والخطف والذبح والارهاب؟ من ينكّل بالعراقيين؟ من يمنع عنهم الخدمات؟ من يسرق مواردهم؟ من يختلس اموالهم؟ من يتحدث باسمهم؟ من يخفي المعلومات عنهم؟ من يمزّق اوضاعهم؟ من يفجّر اسواقهم وشوارعهم؟ من يقايض على بركة دمائهم؟ من يتكتم على المجرمين الحقيقيين؟ من يساوم على رجالهم؟ من ينحر اكاديمييهم وصحافييهم وضباطهم وطياريهم وكل اختصاصييهم وفنانينهم؟ من يخفي اوراق محاكمة قاتل مطران الكلدان حتى اليوم؟ ولماذا لم يبح بها؟ ما اسرار هذا وذاك؟ من يحرس نفسه فقط وليذهب كل العراقيين الى الجحيم؟ من يعتمد على المرتزقة؟ من يبقي على المليشيات؟ من يريد ان يبقى العراق نموذجا للفوضى والتهتك؟ من يذكي كل التعصّب والغلو والتطرف لابقاء التناحر بين العراقيين؟ من نّصب بعض الرموز اسيادا على اسمي بالمكونات الاساسية الثلاثة؟ اين النزهاء؟ اين المخلصين؟ اين الاذكياء؟ اين الشرفاء؟ اين الاباة؟ اين النجباء؟ اين الدهاة؟ أين العلماء؟ اين عشاق العراق؟
10/ وأخيرا: الطريق الى مشروع وطني خال من الاوليغارية
ان العصابات والميليشيات والاوليغاريات في العراق لابد من اجتثاثها مهما كان الثمن وتثبيت اسس الدولة قبل المضي في اية انتخابات، وممارسة ما اسموها بـ " لعبة الديمقراطية "، وقد غدت ميدانا راقصا للمساومات والمقايضات والتحالفات غيرلا الوطنية.. وانها لابد ان تلقى دعما في المدن والبلدات والقرى سواء من اهالي المدن او الريف.. ان اخشى ما يخشاه اي عراقي ان تكون تجربة البصرة المريرة نهاية لمشروع انهاء المليشيات، كونها جاءت سريعة وانتهت بسرعة! او ان تكون تجربة الموصل بداية لمشروع تبادل مصالح غير وطنية اساسا كونها فاقدة لمعانيها! ولقد توضّحت الصورة المأساوية عن تفسخ فاضح في المؤسسة العسكرية التي تتفرق فيها الاهواء، وتتباين فيها الانتماءات بعيدا عن اي عقيدة عسكرية عراقية وطنية موحدّة للجميع، فلكل الدول الفيدرالية جيش واحد لا سلسلة جيوش ومركز واحد لصنع القرار وليس عدة مراكز قوى تتحكم فيها التحالفات والمصالح..
ان الحكومة العراقية قد وعدت بتنفيذ خططها في السيطرة على الموصل، ولكنها لم تستطع النجاح في تنفيذ اي خطوة هناك حتى يومنا هذا.. ولم تزل المدينة تعاني كثيرا من جراء الصراعات الداخلية والعصابات المتنوعة المدعومة من هذا الطرف او ذاك على حساب كل المجتمع واطيافه المتنوعة. ان الطريق طويل جدا، اذا كان كل طرف عراقي ينهش الاخر، وغير واثق بالطرف الاخر.. واذا كان ما اسمي بالمكونات الاساسية تتحكم بها احزاب غير متجددة وغير متفقة اصلا على مشروع وطني عراقي تجتمع على مبادئ عراقية اساسية، وان لها ميليشياتها ولا تدافع الا عن مصالحها الفئوية، فان العراق سيدفع اثمانا اخرى لا يعلم بها الا الله.. ان تثبيت اسس الدولة لا يمكنه ان يتم من فراغ، فالدولة بحاجة الى قوة عسكرية نافذة، وهي بحاجة الى دعم اجتماعي وشعبي منقطع النظير لانبثاق ارادة وطنية حرة وفاعلة، ولم يزل المجتمع العراقي يعيش تشظيا طائفيا وسياسيا واجتماعيا وعرقيا مريرا.. وكّل من الاثنين، الدولة والمجتمع، بحاجة الى سيادة القانون، فالمؤسسات هشة ويسودها الفساد الاداري والاخلاقي بشكل لا يصدق! ان اية انتخابات عراقية لا يمكنها ان تكون عادلة ونزيهة وواعدة ونظيفة ان لم يستقم الواقع، وتتغير الوجوه، ويتحرر الناس، وتلتئم الجروح، ويعاقب كل المقصرين والمذنبين والمختلسين والمفسدين.. ويختفي كل الطائفيين والمتعصبين والطفيليين الطارئين.. وآخر ما يمكنني قوله: ان الميليشيات والاوليغارشيات لابد ان تختفي مهما كان الثمن، وان كل ما يجري بمعزل عن اي مشروع وطني حضاري سيكون مصيره الفشل الذريع! ان من ينتظر اصلاح الاوضاع وينتظر ان يحقن بالدعابة والاكاذيب، او يطالبني بكلمات الامل وقرب بزوغ الفجر بعد العتمة الطويلة.. ان يعمل ليل نهار وباخلاص منقطع النظير من اجل مشروع حضاري جديد للعراق.. ولا يتحقق ذلك الا ان نكون عراقيين اولا واخيرا. www.sayyaraljamil.com
التعليقات
قارئة الفنجان
كان زمان -أعتقد التحليل والتوصيف والمصطلحات كنت موفقاً فيها , ولكني اختلف فيما سوف تأول اليه الامور من جزع من شجع المليشيات على العمل وحمل السلاح فهم سوف يحافظون عليهم كي يكونون على أهبة الاستعداد للمشاريع القادمة. وليس من العقل والانصاف أن يتخلون عنهم وخصوصاً أذا ما علمنا بأنهم منظري فكرة المؤمرات والخطط المعروفة لضرب المفاصل والمراكز الحيوية في العهد الحاكم السابق .
على ماذا نلتقي
د.حسـن الدليمـي -ان مخاطر الميليشيات جمة ومتعددة وتاريخ العراق الحديث يرسم الدلائل والمؤشرات السلبية لطبيعتها وتخلف مكوناتها وبنامجها.إذن هنالك عظة تاريخية شاخصة للجميع. أعتقد متواضعا بأن المشروع الوطني العراقي يحتاج الى تعريف وتفصيل أكثر من موضوع الميليشيا يا حضرة الباحث ، لأنه الأهم والاوسع والاخطر في صياغة المفهوم الوطني الممهد للمشروع الوطني. البحث عن القواسم المشتركة هو نقطة البداية للمشروع. على ماذا نلتقي أولا؟ وقبل البحث في تفاصيل الاختلاف يجب تعميق مفاهيم ومنطلقات وآفاق عوامل الالتقاء مع عموم الذين يحملون الهم العراقي وقياداتهم ومشاريعهم. وبما انكم تحملون الهم والمؤهلات فأنتم أهلا لتناول هذا المشروع والبحث معمقا بجوانبه الشاملة والتفصيلية المعقدة.ننتظر المزيد من المبدعين لتناول وإغناء هذا الموضوع الاستراتيجي الذي يتصدر أولويات الهم الوطني العراقي.
فتش عن السبب والمسبب
مازن الشيخ -ان كان هناك تاريخ مميز,ادى الى ماوصلت اليه حال العراق اليوم فهو,14تموز1958,فقبل ذلك التاريخ كان العراق الحديث يبنى بسواعد من حديد,لم تخلو تلك التجربة من الاخطاء,لكن الامور كانت تسير بشكل معقول.وان كانت ولادة ونمو وتسيد الميليشيات في العراق خطيئة كبرى(وهي كذلك فعلا)فان وزرها يقع على عاتق نوري السعيد وانقلابيو تموز مناصفة,فالاول حارب الحركات اليسارية واحتقرها وتكبر عليها,لكنه اساء تقدير قوتها,ولم يدرس اسباب تناميها,كما انه احس بوقوع انقلاب عسكري,لكنه لم يفعل شيئا لاجهاضه(وكان قادرا على ذلك)حتى وقعت الواقعة,وسقط العراق بيد مجموعة من العسكر المغامرين,الذين بدأ التناقض بينهم سريعا,وبدأ الكل يحاول ان يزيح الاخر ويستحوذ على اعلى المكاسب,فنجح بعضهم في استقطاب المريدين وتحولوا عن البناء الى تصفية الحسابات,وتبدلت القيم والاماني,فاصبح حلم الشاب ان يصبح ضابطا مقاتلا بدلا مما كان يحلم به ايام الملكية,بان يكون مهندسا بناءا او طبيبا يخفف الام الاخرين او عالما يطور بلده,هكذا جرت عصابات العسكريين احزابا الى عملية صراع بدلا من البناء,تفتت وحدة العراق الاجتماعية,وهان مواطنه الى الدرجة التي فقد فيها قيمته الانسانية فأصبح وطنه مشاع,يحتله الاخرين ويقيموا انتخابات ويفرضوا حكومات,ويفتحون حدوده لكل من هب ودب لمصارعته وتصفيته على ارض هذا الوطن الجريح الشهيد النازف.ان كان لابد من تاريخ تبدأ فيه نكبة العراق فهو 14تموز 1958