رفع التناقض الظاهر بين الإسلام والليبرالية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"المتدينون ديانة عقلانية لا يعتبرون أنفسهم "أصحاب الحقيقة" وإنما يفهمون تدينهم بمعنى أنهم "طلاب الحقيقة"، فتدينهم لا يعني أنهم امتلكوا الحقيقة بل إنهم شرعوا بطلبها"[1]
الليبرالية موجة اكتسحت العصر مع نهاية القرن العشرين ومستهل القرن الواحد والعشرين وخاصة بعد انهيار جدار برلين وتفكك حلف فرصوفيا ومجموعة الدول الأوروبية التي تحسب على الكتلة الاشتراكية ومع رحيل بعض من رموز الأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث وتحولت إلى قوة ضاربة تهدد عدة مرجعيات مغلقة وتسعي إلى تفكيك إيديولوجيات الجنات الموعودة وقد حاول البعض الحد من جرأتها وتقليم أظافرها بتكفير روادها واتهامهم بأبشع النعوت وهي عند البعض الآخر طريق نحو الإقلاع والتجديد إذ كل من لا يرضى بالسائد ويثور على الموجود ويطمح نحو ماهو أفضل ويسعى إلى التطوير يركب هذه الموجة القديمة الجديدة ويسمي نفسه ليبراليا، والليبرالية هي مفهوم يستخدم في الأخلاق والسياسة والإلهيات والاقتصاد وهو يعني أول ما يعني الانفتاح والتحررية واحتضان الآخر وبذل الجهد للتفاهم معه والتعاون والتبادل والمشاركة في الفضاء العمومي والمساهمة في المشترك البشري بطريقة مرموقة على جهة الإبداع والاستفادة وليس على جهة التقليد والصد.
كتاب المفكر الإيراني مصطفي ملاكيان: "العقلانية والمعنوية ،مقاربات في فلسفة الدين" عالج قضية العلاقة بين الليبرالية والإسلام في فصل بعنوان تجاذبات العلاقة بين الإسلام والليبرالية[2] وحاول أن يزيل سوء التفاهم الذي وضعه بعض التأويلين بينهما واشتغل على إسهامات المناهج العلمية في تصور المسلم لحياته من الناحية الأخلاقية والدينية والاقتصادية والسياسية مستفيدا من المرجعية الليبرالية، فكيف عالج هذا المفكر المتأثر بالمرجعية الهرمينوطيقية العلاقة بين الإسلام والليبرالية؟
بين ملاكيان أن اللبرالية تقف في المجال الأخلاقي على الضد من تصنيم القانون أو الشرع وتعمل على سن قواعد سلوكية على غابة من الإسهاب والتفصيل وتثبت الكثير من المرونة في التطبيق واليسر في الالتزام. كما تحارب التزمت السلوكي والجمود في العمل وتدعو إلى الحركة والتجديد والعصرنة وتعرف النظام الأخلاقي على أنه:ما لا يرى لكل الأوضاع والأحوال الممكنة قاعدة أخلاقية صارمة مضبوطة بل إن الكثير من الأمور تقع في "منطقة الفراغ" . وكشف عن أن الليبرالية لا ترى وجوب إتباع القانون الأخلاقي دائما وأبدا إلا إذا نتج عي ذاك زوال أو فقدان هذا القانون.
بينما تنحاز الليبرالية السياسية إلى:
إحداث تغيرات تحصل وفق نظام وترتيب معين بعيدا عن الثورات والاضطرابات.
تقليص أو إلغاء الامتيازات والفوارق التقليدية بين الأفراد والشرائح والطبقات.
توسيع نطاق الفرص والإمكانيات.
ترحب الليبرالية بالتغيير ولكنها ترفض التحولات الفجائية والثورية والتعسفية.
كذلك تنادي بتقليص التراتبية المبنية على العرف واللون والجنس والانتماء والدين واللفة والوضع الاجتماعي والرأي.
ترى ضرورة توزيع الفرص والإمكانيات بين كل المواطنين بالتساوي وأهمها حق التمتع بشتى أنواع الحرية الطبيعية والأساسية.
تؤمن الليبرالية السياسية بالمبادئ التوجيهية والأفكار الناظمة التالية:
الإنسانية كانت ولا تزال وستبقى تسير في تطور مستمر.
الطبيعة الإنسانية هي طبيعة خيرة وطيبة.
الإنسان موجود حر يمتلك نفسه.
أصالة النزعة الفردانية تقوم على مبدأ تأكيد الفرد لحقوقه الذاتية واحترامه لحقوق المجموعة التي ينتمي إليها والمجموعات الأخرى.
حقوق الفرد تجاه السلطة متلازمة مع واجبات السلطة تجاهه، فالسلطة مطالبة بترك الحريات وصيانتها وخاصة حرية التعبير والسلوك.
التحرر من القيود الاجتماعية ومن الإكراه المذهبي والاصطفاف الإيديولوجي وذلك بتجديد النصوص القانونية بما يواكب روح العصر.
أما الليبرالية الدينية فهي تحمل ضد الدغمائية والتعصب واللاتسامح مع الأقليات وتسعى إلى تحطيم التزمت والجمود الذي يلتصق ببعض الكهنوتيين.
ترى أن حقائق الدين الأصلية لا تقترن اقترانا ضروريا بأي نمط ثقافي بل تبقي على نفسها محايدة ومتعالية فوق الخصوصيات ومتفاعلة مع العديد من الأنماط الثقافية على مر العصور وباختلاف المجتمعات.
تخضع النظم الفكرية والدينية القديمة إلى تأثيرات الثورات العلمية ومستحدثات المعارف البشرية المتجددة والخاضعة لجدلية الهدم والبناء.
تركز على البعد الأخلاقي التربوي للدين وعلى وظيفته النفسية والاجتماعية في مستوى الاستقرار النفسي للذوات والتلاحم والترابط في الجماعات وتترك مسألة العبادات والشعائر والطقوس في مرحلة ثانية ومتأخرة.
يقوم المفهوم العام لليبرالية على ما يلي:
سعة الصدر والثقة بالنفس وتقبل الآخر.
التركيز على أن يكون التغيير وفق نظام وسياق سلمي تدريجي.
احترام حرية الفرد وقيمته بلا أي تمييز بين إنسان وآخر.
الليبرالية الاقتصادية تفيد اعتماد الاقتصاد الرأسمالي وتشيع الملكية الخاصة والنزعة الفردية في الاستثمار والربح وذلك بتقديس قيم السوق واعتماد منظومة التجارة الحرة وإبداء مرونة تجاه البضاعة الأجنبية وتفعيل آلية المنافسة والاحتكام إلى مبادئ الجودة والمردودية. لكن إذا كان هذا هو تعريف الليبرالية فماذا سيكون حال الإسلام؟
من الضروري التمييز بين ماهو تقليدي وماهو حداثي في الإسلام وبين جوهر الدين والمذهب الخاص وبين المعطيات المنزلة عن طريق الوحي والاجتهادات التي أضافها الناس لها.
الإسلام التقليدي يرى أن حجية وقيمة العقل البرهاني ترتبط بقدرته على اكتشاف واستنباط الحقائق من الكتاب والسنة ويشدد على المظاهر والشكليات والطقوس والعبادات، ولذلك فهو إسلام شرائعي يرى أن كل شيء متعلق بأحكام الشريعة والفقه ويؤمن بمنطق الفرقة الناجية ويرفض التعددية والاختلاف ويعارض كل نظام حكم لا يتقيد بالشرع ويعمل على تأسيس المجتمع على الأحكام الفقهية ويعارض الثقافة والقيم الغربية ويقر بأن الدين يلبي كل احتياجات الإنسان مادية دنيوية أو معنوية أخروية. في المقابل هناك فهم تقدمي للإسلام يركز على البعد المعنوي العقلاني.
إن المعنوية التي تجمع بين الروحانية والدنيوية هي جوهر الدين والمقصد من تدين الإنسان هو تخفيف المعاناة والألم وتحقيق السكينة والأمل والبهجة.
يمكن التمييز بين التدين والدين والتاريخ فالدين ظاهرة اجتماعية تتكون في تاريخ وتتطور على مر العصور أما التدين فأمر فردي ناتج عن رغبة فطرية تنتاب الإنسان وتجعله يتعلق بالمطلق ويبحث عن هدف سامي لحياته ولا يرضى بماهو محدود.
ويرى وجود ثلاثة معاني للدين هي على النحو التالي:
1) تارة أريد من الدين مجموع النصوص المقدسة للأديان والمذاهب الموجودة في عالم اليوم. المعنى الأول يعنى بالنصوص المكتوبة والمقدسة لدى الأديان.
2) وتارة أخرى أقصد من الدين مجموع الشروح والتفاسير التي أحاطت بتلك الكتب والنصوص. المعنى الثاني يراد منه النظريات والآراء والعقائد التي ترجع إلى أكثر من حقل معرفي( فقه، أخلاق، إلهيات، عرفان، فلسفة) بل يشمل بعضها الآراء والنظريات الوضعية كالتاريخ والجغرافيا.
3) وتارة ثالثة أقصد منه جميع الأعمال والممارسات التي قام بها أتباع دين معين على مر التاريخ مع إلحاق النتائج والآثار التي ترتبت على تلك الأعمال والممارسات.[3]
التدين هو التجربة الشخصية والممارسة الفردية للإنسان ويتسم بتنوع كبير لأنه حالة وجدانية تحدث للمتدين يختلط فيها الجانب العقائدي مع العبادات والأخلاق وتتحقق هذه الحالة تدريجيا حينما تختلج في ضمير الإنسان جملة من الأمور الغيبية والتي يريد أن يترجمها على صعيد الجوارح.
يقوم الإسلام الحداثي على إيمان عميق بأن العقل هو مصدر من مصادر المعرفة إلى جانب كونه أداة لا غنى عنها لاكتشاف واستخلاص حقائق الكتاب والسنة، يؤكد على الروح والمضمون بالنسبة لرسالة الإسلام وليس على الظواهر والشكل.
يرى ملاكيان أن التدين هو أن يعيش الإنسان حياة أخلاقية وأن يخضع حياته إلى جملة من القيم والمبادئ الإنسانية الوجدانية وحتى أحكام الشريعة والفقه فهي تقبل التغيير لأن معظمها من صنع الزمان والمكان والظروف.
لا يسعى الإسلام الحداثي إلى إقامة حكومات على أساس شرائعي فقهي بل يدرج نفسه ضمن ثقافة المجتمع المدني ويدعو إلى الإصلاح الديمقراطي وتحديث أنظمة الحكم وآليات التسيير والتنظيم للعلاقات بين الأفراد والهيئات والتحكم في الشأن العام.
يؤمن بافتراق الشأن السياسي عن الشأن الديني وبتخفيف تواجد الرموز الدينية في المجال السياسي وينادي باحترام التنوع والاختلاف وقيام تعددية سياسية حقيقية.
يعترف الإسلام المستنير \انه في حاجة إلى رؤى أخرى مثل الفن والعلم والفلسفة من أجل تلبية الحاجيات المادية والمعنوية للبشر ولذلك نراه يدافع عن كل القيم الكونية بما في ذلك الثقافة الغربية وخصوصا عندما تتخلى عن تمركزها حول ذاتها وتسعى إلى خدمة الإنسان أينما كان.
يطالب الإسلام الحداثي المتدين أن يكون فردا عقلانيا مزودا بقيم الحداثة ومتجذرا في تراثه متفهما لماضيه ومزودا بفلسفة حياة ورؤية للعالم تنتمي إلى المعايير الجديدة وأن ينخرط في ممارسة نقدية تفكيكية لكل الأقوال والأفكار والأفعال وأن يتبنى أخلاقا كونية ويكون مطمئنا دون الاعتقاد الوثني في أي حقائق نهائية وأن يكون صريحا مع ذاته مستعدا للتضحية ومبتعدا عن كل نزعات التأله والشخصنة.
نستخلص من هنا أن الإسلام الحداثي يتفق ويتلاءم مع الليبرالية خاصة على المستوي الديني والأخلاقي والسياسي وأنه من حيث الجوهر دين الحرية وكل ما يقال عن التناقض بينهما فهو مجرد رأي ظاهري وسوء فهم للإسلام في كونيته وإنسانيته.
كما ننتهي إلى القول بضرورة الإشادة بالمحاولة الرائدة للمفكر الإيراني ملاكيان في قراءة الإسلام قراءة عقلانية تأويلية ولكن يمكن اعتبارها محاولة ظلت حبيسة النزعات العرفانية وحتى مفهومه عن المعنوية فانه بقي قريب من النزعة الاشراقية التي خطها ابن سينا والتي مازالت المدرسة الفلسفية الإيرانية متأثرة بها إلى الآن، فمتى نرى اليوم التي يؤسس فيها حكماء حضارة اقرأ فلسفة دين بالمعنى الحقيقي للكلمة ومميزة عن اللاهوت وعن علم الكلام؟ وماهي شروط إمكان قيام هرمينوطيقا للوحي الإسلامي فيها؟
في نهاية المطاف لا يقتصر الإسلام الحداثي فقط على المواءمة مع الليبرالية بل نراه يستفيد أيضا من عدة مناهج وينهل من عدة مرجعيات تحديثية أخرى كالوجودية والبراغماتية والريبية والتفكيكية، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل عن حال الإسلام منظورا إليه من زاوية تقليعات ما بعد الحداثة المجنونة والغريبة، فهل يؤدي ظهور مفهوم جديد عن الإسلام المعولم والمابعد حديث إلى التخلي عن الإسلام الحداثي؟ وهل بدأت الإنسانية تحلم بعصر ليبرالي دون دين أم أن الأمر يتعلق بتصور للعالم ما بعد ليبرالي؟
كاتب فلسفي
[1] مصطفي ملاكيان، العقلانية والمعنوية ،مقاربات في فلسفة الدين، ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف ،دار الهادي للطباعة والنشر الطبعة الأولى بيروت 2005ص 94
[2]مصطفي ملاكيان، العقلانية والمعنوية ،مقاربات في فلسفة الدين، ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف ،دار الهادي للطباعة والنشر الطبعة الأولى بيروت 2005ص439
راجع في هذا الأمر كتاب: مصطفي ملاكيان، العقلانية والمعنوية ،مقاربات في فلسفة الدين، ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف ،دار الهادي للطباعة والنشر الطبعة الأولى بيروت 2005ص 177[3]
التعليقات
ليبرالية التوماهوك ؟
اوس العربي -تعرف الحداثه انها القطيعة مع الماضي وما يمثله من دين واعراف وتقاليد وثقافة وتاريخ فاذا نقلناهذا المصطلح الى الاسلام الحداثي فسنحصل على النتيجة ذاتها؟!! اسلام امريكاني صهيوني بريطاني فرنسي يخضع للمعايير الغربية اسلام مقطوع الصلة بالسماء العوبة في يد البشر ، مالنا ومال اللبرالية وقد اكرمنا الله تعالى بالاسلام وفي الاسلام كل شيء خاصة اذا علمت انه من لايبتغ الاسلام دينا له فهو من الخاسرين اذا اعتنقت اللبرالية بازاء الاسلام فقد اشركت يا ابني وهنا مفاصلة لابد منها اما الاسلام واما الكفر ان الاسلام العظيم قد احتوى بشكل مذهل كما يعترف المنصفون من اهل الغرب دعك من غلاة المتطرفين يعترفون انه استوعب الاعراق والثقافات والملل والنحل وهذا المزيج الممتزج من البشر من مراكش وحتى كانتون بالصين والعقل ياولدي لا يصلح معيارا لكل شيء فما يراه عقلك حسنا يراه عقلي قبيحا والعكس بالعكس ولذا فلنرح عقولنا ولنذهب الى معيارية سماوية وضعت ،لا يأتيها الباطل من لدن عزيز حكيم عليم باحوال البشر الا يعلم من خلق وهو السميع البصير ثم اين هي اللبرالية في دنيا الناس في الغرب الذي استخدم البارود لاحتلال وابادة الشعوب السمراء والمتخلفة والتخلف يا اخي هو الوحشية والانانية وسقوط الاخلاق وهذا كله متوفر في الغرب اللبرالي الحداثي الديمقراطي الانساني الذي رجمنا بالتوماهوك والكروز والقنابل العنقودية واليورانيوم النابض والفسفور الابيض وجرب فينا احدث وافتك اسلحته التدميرية هذه ليبرالية الغرب ؟!!
الاسلام والعلمانية
محمد -النقطة الفاصلة بين الاسلام والفكر العلماني ان الانسان المسلم يعتقد ان الولاية لله لذلك يكون مصدر الحقوق والحريات والواجبات من قبل الله تعالى اما الفكر العلماني يعتقد ان السيادة للعقل فقط لا لغيره وهذا يعني بالضرورة ان مصدر الحقوق والحريات والواجبات من قبل العقل اي بمعنى اخر من الانسان نفسه ولكن هناك مكتسبات للعقل لا يمنع الاسلام من الاخذ منها بشرط ان تثبت شرعيتها من خلال عدم مخالفتها للشريعة او وضع شروط شرعية لاثبات شرعيتها ان الاسلام لا يلغي دور العقل بل يلغي سيادة العقل وهذا نقطة الفصل بين الاسلام وبين اي فكر بشري وهناك كثير من انجازات العقل في شتى حقول المعرفة لا ينكرها الاسلام
سيصلون الى الاسلام
الايلافي -واذا كانوا طلاب حقيقة حقيقيون فسيصلون حتما الى الاسلام !
اثراءا للنقاش 1
مرتاد ايلاف -ما هي العلاقة من وجهة نظركم بين الإسلام والديموقراطية ..؟ فقلت له إن مثل هذه المقارنة المباشرة بين الإسلام والديموقراطية فيها شئ من الخلل .. قال وما خللها .. ؟ قلت : 1. الإسلام كما هو معروف نظام كامل ومتكامل له رؤيته الشاملة عن الكون والحياة . 2. بينما الديمقراطية هي جزء من اللبرالية , التي هي أيضاً نظام شامل له فلسفته الخاصة عن الكون والحياة . وعلى أساس من ذلك , فليس من الموضوعية بمكان أن تعقد مقارنة بين جزء من نظام مع نظام آخر , فالجزء لا يمكن أن تتضح مفاهيمه إلا عبر موقعه من نسيج النظام الذي ينتمي إليه , ومن هنا ستكون المقارنة على النحو الشائع بين أوساط الكثير من المثقفين المسلمين وغيرهم مخلة ومضرة بالجانبين " الإسلام , والديموقراطية " .. وهذا هو الخلل , وهذه علة اعتبار مثل هذه المقارنة المباشرة بين الإسلام والديموقراطية من الأخطاء الشائعة . قال : وما هي المقارنة الصحيحة من وجهة نظرك .. ؟ قلت : المقارنة تكون الصحيحة إذا عقدت بين الإسلام , وبين اللبرالية , باعتبار أن كلاً منهما نظام شامل في نظرته وقيمه , وكذلك تكون المقارنة صحيحة إذا عقدت بين الأجزاء المتقابلة من النظامين . قـال : ما هو الجزء من نظام الإسلام الذي يقابل الديمقراطــية في النظام الليبرالي .. ؟ قلت : هذا السؤال صحيح وموضوعي ,ولكن قبل أن أجيبك . دعني من فضلك أعرض فهمي للنظام الليبرالي , فإن وافقتني على فهمي فسأنتقل للإجابة على سؤالك المهم .. فرحب بذلك . قلت : الليبرالية وبفهمي المتواضع تتكون باختصار من : 1. نظرة خاصة بها عن الكون والحياة . 2. مرجعية تشريعية جعلتها على الإطلاق " للشعب " . 3. عقد اجتماعي " عقد أداء " يسمى " الديموقراطية " . 4. منهج وآلية للتطبيق تتم عبر مؤسسة " البرلمان " . ثم قلت : فهل هذا الفهم صحيح ومقبول عندكم .. ؟ قال : إنه مقبول جداً .. بل أستطيع أن أقول ربما يعجز الكثير من الليبراليين أن يقدموه بمثل هذا " الإيجاز البارع " على حد تعبيره .
اثراءا للنقاش 2
مرتاد ايلاف -قلت : دعني بالمقابل أن ألخص لكم فهمي عن نظام الإسلام . قال : يسعدني ذلك وأن محتاج لأفهم ما هو نظام الإسلام .. ؟ قلت : إن نظام الإسلام وباختصار كذلك يتكون بشكل عام من : 1. نظرة متكاملة وشاملة عن الكون والحياة . 2. مرجعية تشريعية جعل الإسلام ثوابتها على الإطلاق لله تعالى ورسوله , ومن ثم " للمشرعين " من أهل الدراية والاختصاص للاستنباط والتشريع في ميادين الحياة في إطار ثوابت الشريعة ومقاصدها العامة . 3. عقد اجتماعي " عقد أداء " يحكمه ويضبطه " عقد إيمان مع الله تعالى " وهذا العقد يسمى " البيعة " . 4. منهج وآليات للتطبيق تتم عبر مؤسسة " الشورى " . فهل الأمر بهذا الشكل واضح لديكم أم تحتاجون لتفصيل أكثر ..؟ قال: إن الأمر واضح وأشكرك على هذا التلخيص المركز . قلت : الآن أجيبك على سؤالك .. فقاطعني قائلاً : الجواب واضح إن ما يقابل الديموقراطية من وجهة نظركم هي البيعة . قلت : نعم .. لأن كل من البيعة والديموقراطية عقد اجتماعي , وهنا أستطيع القول : أن عقد أدائكم الاجتماعي يتوافق مع عقد أدائنا الاجتماعي بنسبة كبيرة قد تصل إلى 80 % . قال : مندهشاً أحق ما تقول .. ؟ قلت : نعم وهذا ليس كرم عربي . قال : ولكن ما علة الفرق بين العقدين بنسبة 15 % قلت : هذا الفـرق جاء بسبب عقد الإيمان , الذي تجاهلتموه في عقدكم الاجتماعي .. أما نحن فلازلنا ملتزمين به , لأننا نعتقد ونجزم أنه العقد الأســاس والمهم في حياتنا , ونصر على التمسك والاعتصام به , لأنه أســـاس ترشـــيد وضــــبط صــحة أدائنا الاجتماعي والحضاري , وهناك سبب آخر للفارق بين عقد أدائنا الاجتماعي وعقد أدائكم الاجتماعي يتعلق بالخصوصيات الثقافية. قال : إذا المشترك بيننا كبير .. ؟ قلت نعم .. ؟ قال : ولما هذا الخلل في علاقاتنا إذاً .. ؟ قلت : لأسباب متعددة منها : 1. النقص المعرفي بين أتباع الثقافتين , 2. سوء الفهم أو غياب الفهم لدى قطاع كبير من أوساطكم وأوساطنا الثقافية لمعنى البيعة والديموقراطية , 3. غياب بلورة المساحة والغاية المشتركة بين البيعة والديموقراطية , 4. سوء الأداء في ممارسة كل من البيعة والديموقراطية في غالب مجتمعاتنا ومجتمعاتكم, 5. نمو نزعة الاستغناء عن الآخر في ثقافتكم .. لاعتقاد الكثير منكم أنكم قد بلغتم قمة الإبداع الثقافي والحض
فلسفة اللبرالية 1
حامد -لوعدنا إلى جذور فلسفة النظام اللبرالي , ومحاضن ولادته اليونانية , لتمكنا مــن معـــرفة ولادة الديمقراطية ( كعقد اجتماعي ) , ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , من أجل تحقيق مقاصد اللبرالية , وفلسفتها الاجتماعية بعامة , فاللبرالية كما هو معلوم وباختصار شديد – أرجو ألا يكون مخلاً - قامت على نزعة وفكرة تعظيم وتقديس حرية الإنسان , وعبارة ليبر (Liber ) في اليونانية معناها إله الحرية , ومن معانيه عند قدماء اليونان ( إله الجنس ) .. ومن هنا يبدوا جاءت فلسفة الإباحية الجنسية في المنهج اللبرالي , ثم جاءت فكرة التعاقد بين الحاكم والشعب , لتضبط جموحات الحرية المطلقة التي هي روح ومرتكز الفلسفة اللبرالية,والتي رسّخوها بسلوكيات الأفراد وتكوينهم التربوي , بعد أدركوا خطورة مقولة الحرية المطلقة , فالحاكم يبقى إنسان, فإذا لم تضبط حريته ونزواته فسيكون وبالاً على الشعب ومصالحة, ومع تطور آليات وقواعد ضبط مقولة الحرية المطلقة , برزت في الأوساط الغربية عبارة جميلة ومنصفة تقول : " حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر " . ومن جهة أخرى , قرروا في إطار العقد الاجتماعي مبدأ حرية التخاصم, والتعارض, والتناقض في الرأي , وأحدثوا مؤسسة تنظم مبدأ التخاصم والتناقض سموها " Parliament “ وعبارة برلمان مأخوذة من جذرها الإغريقي واللاتيني " Parley “ وعبارة " بارلي " تعني التحاور بين متخاصمين, أو عدوين , وهذا هو منشأ فلسفة المعارضة, أو الصراع في المنهج البرلماني , فالتعارض,والتناقض,والتخاصم هو سمة وأصل العلاقة بين البرلمانيين في الأداء البرلماني السليم , والتوافق والانسجام مؤشر خلل في الأداء أو تراجع في مبدأ الحرية وتنوع الرأي والتضاد !
واما فلسفة الاسلام
حامد -اما الإسلام فقد قرر ابتداءً مبدأ الحرية المنضبطة , وشرّع جملة من القواعد الأخلاقية لتضبط هذا المبدأ وتنظمه , ولتبقى حرية الفرد منضبطة بحدود مصالح حرية الآخرين والمجتمع بعامة , واعتبر الإسلام الحرية المطلقة تمرد,واعتداء على الضوابط وحرية ومصلحة الآخر , وانا شخصياً ومن خلال تأمل مبدأ الحرية,وآليات ممارستها على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول , أقول : أن الحرية المطلقة مفسدة ومهلكة مطلقة . ولكون الإسلام هو منهج الرب العليم اللطيف الخبير بخلقه , فقد أقام نظامه على قواعد وأخلاقيات , تنزهه عن من مثل هذه التناقضات والعبثيات – التي تعاني منها غالب النظم الأخرى - وتأصل لحالة وجدانية إيمانية , تجعل مرضاة الله تعالى هي غاية الإنسان المؤمن,وبوصلة توجيه سلوكياته في ميادين الحياة, مثلما أصل نظام الإسلام قاعدة التلازم والتكامل بين مصلحة الفرد والمجتمع, وقرر مبدأ التعاون والتناصح بين أفراد المجتمع حكاماً ورعية من أجل تحقيق المصلحة العامة,والتنافس في تحسينها وتطويرها, وشرّع لتحقيق هذه الغايات النبيلة السامية مبدأ الشورى بين فعاليات الأمة, لتتعاون وتتنافس باتجاه الأفضل للجميع , وعلى أساس من هذا التشاور, والتناصح, والتعاون, تقوم منهجية الشورى وآليات أدائها. فالشورى والتشاور: هي عملية تأمل وتدارس الآراء والتصورات المطروحة من أعضاء مجلس الشورى, للوصول إلى الأفضل في تحقيق الغاية المشتركة, وهي مرضاة الله تعالى عبرتحقيق مصلحة الأمة , وانطلاقاً من هذه الروح تنتفي نزعة التعارض والتصادم, التي تقوم عليها فلسفة النهج البرلماني في النظام اللبرالي , وبعبارة أخرى مختصرة: فإن الشورى تقوم على التناصح بينما البرلمانية تقوم على التناطح , والشورى تنزع إلى التسامح بينما البرلمانية تؤثر التفاضح , والشورى تعمل من أجل تكامل المكاسب في تحقيق المصلحة , بينما تعمل البرلمانية على أساس التنازع والتفرق في المكاسب في تحقيق المصلحة , ومن معاني الشورى في اللغة "العسل " فالتشاور إذاً يقتضي التعاسل والتحاسن في القول ¸لا التلاعن والتفاحش بالقول , كما هو للأسف شأن الساحات البرلمانية في النظام الديمقراطي, ولعلك أيها القارئ الكريم استمعت مثلما استمع الملايين من بني البشر لأحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية , وهو يقول للأمريكيين مقللاً من شأن منافسه في انتخابات الرئاسة : إن كلبتي فلانة تفهم بالسياسة أك
أبلغ من المقال
الشوكاني -بإختصار شديد .. وجدتُ ما جاء في تعلقيات الإخوان أوس العربي و محمد ما هو أبلغ رد, و أصدق تحليل, و أعمق فكر, و أجمل طرح , في الأسطر البسيطة التي سطروها مما جاء في المقال المطول الذي حاول هباء إقناعنا بما لا يمكن ..!! شكرا لهما و لإيلاف
لب الفكرة
احمد عبد الحافظ -مالا استطيع استيعابه ان اخوتى اللذين سبقونى فى تعليقاتهم يجمعون على ان الاسلام منهج حياه كامل وومتكامل وملزم للمسلمين وانه حكم السماء اللذى لا ريب فيه وان حكم العقل وما ينتجه لا يقارن بمنهجية الاسلام لان العقل قد يخطا احيانا اود تذكيركم جميعا ان الاسلام هو بالفعل ذلك التصور ولكن للمسلمين فقط وليس لغيرهم فالمسيحى ينظر نفس النظرة لمسيحيته وكذلمك اليهودى وبقية الديانات كذلك وبناء على تجربة بشرية استمرت لسنين بل الاف السنين شهدت تطور لعلاقات البشر مع بعضهوم البعض ومع ظهرت فكرة الدول والحكومات والحدود والقانون وانتهت الى افضل شكل وصلت له البشرية الان وهو الشكل الحديث للدولة وليس شرحها هذا المقال . ولان احد اهم سمات الديانة الاسلامية هى التعايش والتطور والنمو والاستكشاف وهو هدف يتفق معه العديد من البشر بغض النظر عن دياناتهم واجناسهم فلماذا لا نتعايش سويا حول مصلحة مشتركة هى حياة افضل وتطور للبشرية ولنصل الى حلول توافقية ولنتعايش .