كتَّاب إيلاف

المنبوذون

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أن تقرأ عن المنبوذين، هذا شيء. وأن تستيقظ ذات يوم، فإذا بك واحدٌ منهم، فهذا شيءٌ آخَر مختلف تماماً. لم أشعر بمعنى هذه الكلمة، ولم أُحسّ بوطأتها الخانقة، على كثرة ما قرأت عنها في الأدب والتاريخ، إلا منذ شهور قليلة فقط. أي منذ بدأت الأوضاع تتفاقم في قطاع غزة، ومنذ أعلن العالمُ كله، عرباً وأجانب، محاصرتهم ونسيانهم لنا، نحن المليون ونصف المليون من البشر، القاطنين في هذه الرقعة الصغيرة من أرض المأساة.إننا منبوذون، بالمعنيين القديم و الحديث للكلمة. بالمعنى القديم : حيث " أُفردنا إفرادَ البعير الأجرب" كما تقول العرب. وبالمعنى الحديث : حيث حاصرَنا وقاطعنا العالمُ كل العالم : فغير مسموح لنا بالحركة إلا داخل أزقّة وزواريب غزة. أما خارجها، حيث الأفق الواسع والهواء الطلق، فممنوع ومرفوض. لا سفر ولو كنت مريضاً وبحاجة ماسة للعلاج. فما بالك بسفر الطالب الجامعي أو رجل الأعمال أو العروس لعريسها أو الشاعر لحضور مهرجان.. إلخ؟ دول الإتحاد الأوروبي امتنعت منذ شهور عن منح أهالي القطاع تأشيرة دخول إلى أراضيها. ومصر والإمارات العربية سبقتاها. ولا نعرف مَن أيضاً من بلاد العرب. أما أمريكا وكندا، فقد سبقتا الجميع. وهكذا بحجة [عدم استقبال ناس من " مناطق ساخنة "] ضاع أهالي القطاع، وطويت صفحتهم، ووُضع " مستقبل أبنائهم " على الرفّ.المؤلم في عالمٍ لم يعد يكترث بالألم البشري منذ أحقاب، أنّ هؤلاء المليون ونصف المليون من الفلسطينيين العاديين، يُعاقبون كما لو كانوا كلهم من " حماس ". وكما لو كانت حماس جاءت إليهم على ظهر دبابة، وليس عن طريق انتخابات نزيهة [مهما كان موقفنا الأيديولوجي والسياسي من هذه الحركة]
يُعاملون ككتلة واحدة لا مكان للتمايز فيها. فماذا يكون هذا إنْ لم يكن ضرباً من " العنصرية الجديدة " و " الفاشية الجديدة "، بالمعنى الفلسفي القديم للمفردتيْن؟نعم : إنها العنصرية، ولا نطلق التوصيفات جُزافاً. تُعاملنا معظم دول العالم الآن من منطلق عنصري. ولا أحد يقول لي : من منطلق سياسي. ففي عالم السياسة ثمة درجات وتمايزات واختلافات. ولا يجوز لك نسيان كل هذا حين تتخذ القرار. أما إذا نسيت أو تناسيت، أما إذا تواطأتَ أو تغاضيت، فعاقبت شعباً بأكمله، فأنت عنصري أو أقرب إلى العنصري، حتى لو فزعتَ من هذه الكلمة المذمومة والكريهة.حقيقة لا نعتب على العرب. فهم مسلوبو الإرادة، عاجزون، ولا فائدة تُرجى منهم. لكننا نعتب على دول الإتحاد الأوروبي بالأساس. هذا الإتحاد الذي تربطه بنا أحداث ومصالح، والذي ساهمت دولٌ كبرى فيه بقسط وافر من مأساتنا. كيف له أن يمنع عنا تأشيرات الدخول، فيساهم في محاصرتنا، كما لو كان، بل هو فعلاً يعاقبنا العقابَ الجماعي؟
نعتب بل نغضب على دول هذا الاتحاد. وعلى قرارهم الجائر _ غير المعلن _ باعتبار غزة منطقة منبوذة، في حين كان الأولى بهم اعتبارها منطقة منكوبة بخارجها الإسرائيلي وببعض داخلها، كما هو واقع الحال والمآل.نعتب بل نغضب على دول هذا الاتحاد، وبالذات على دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا. هذه الدول الكبرى اقتصادياً، ومن قبل ومن بعد ثقافياً وحضارياً. كيف لها أن تتخذ بحقنا هذا الموقف اللا مفهوم واللا منطقي واللا إنساني قبل كل شيء؟
مليون ونصف المليون محرومون من السفر. ولا أريد أن أتكلّم عن الأنواع الأخرى من الحرمان، كي لا نرهق القارئ. مليون ونصف المليون محرومون من الخروج من غزة التي هي، فعلاً ومجازاً، في ضيق زنزانة.
إنه قرار استعلائي إقصائي، قرار تمييز واضطهاد، لم نكن نظن أنّ أوروبا المتحضّرة، حقوقياً على الأقل، يمكن أن تجرؤ عليه. قرار يمنع عنا حقاً أساسياً من حقوق الإنسان وهو حرية التنقل والحركة. فهل أصبحت أوروبا مثل إسرائيل، ضالعة في العقاب الجماعي، ولا يهمّها مأساة ومعاناة البشر الأبرياء؟أكتب هذه الكلمات، وأنا عائد لتوّي من معبر رفح الحدودي، بعد جولة مبهظة طوال النهار، رأيت خلالها أكثر من ستين عائلة فلسطينية [تُخيّم ] في الأرض العراء بين مصر وغزة. ستون عائلة بنسائها وأطفالها وشيوخها، أبوا إلا أن يسافروا، مهما تقطّعت بهم السبل، ومهما طال الانتظار تحت قيظ الصيف وغباره. عوائل فقيرة ومريضة يؤتى لهم بالطعام والشراب من المحسنين فقط. هكذا وصلنا إلى قمة الهوان والامتهان. وصار حالنا أدهى وأمر من طبقة " الشودرا " أو " الداليت " في الهند وسريلانكا.بل ثمة منا، وقد سُدّت في وجهه كل المنافذ فوق سطح الأرض، مَن فكّرَ ومن نفّذَ ولم يكتف بالتفكير، فخرج من غزة عن طريق " ثقوب الأرض " أي الأنفاق، مقابل بضع مئات من الدولارات يدفعها لصاحب النفق.
وحين أقول النفق، ربما لا يستطيع القارئ المحترم تخيّل معنى ومبنى هذه الكلمة. فأنفاقنا لا تشبه قليلاً أنفاق الآخرين. بل تشبه جحور الأفاعي على الأرجح. فهي سراديب جد ضيقة ومتعرجة، بارتفاع ستين سنتمتر وبعرض ستين أو أكثر قليلاً على عمق خمسة عشر متراً وأحياناً عشرين من سطح الأرض. باختصار : إنها قبور لا أنفاق. قبور جد طويلة، يبلغ طولها أحياناً أكثر من كيلو متر كامل. فهل تتخيّل كيف تُرسَلُ عروسٌ في العشرين من عمرها أو ما دون ذلك، إلى عريسها الفلسطيني على الجانب الآخر من رفح المصرية؟
أيّ رعب هو هذا! وأية بدايةٍ لحياةٍ مستقبلُها الرفاهُ والبنين!لقد مات العشرات من الشبان وهم يحفرون الأنفاق أو يجتازونها. هالت عليهم طبقات الأرض، فكانت مثواهم الأخير. والبعض منهم سيبقى هناك إلى الأبد.
أعرف عشرات القصص من هذا النوع. بل وأعرف ما هو أرعب : بعض المرضى يفعلونها أيضاً! إنها أنفاق جديرة برجال المخدرات والهاربين من العادلة لا بطلاب أو عرائس أو مرضى غسيل كلى و سرطان.وكل هذا ليش؟ ومن أجل إيش؟ألا يكفي الغزواي ما يعانيه من تفشّي البطالة وجنون الأسعار وانقطاع الوقود والكهرباء وشحّ الأشياء، حتى يُمنع عليه السفر أيضاً وأيضاً؟لن نطلب شيئاً من مصر. فقط نطلب الشفقة لا أكثر ولا أقل.
ولا نطلب شيئاً من دول الإتحاد الأوروبي. فقط نطلب الشفقة لا أكثر ولا أقل.أما حماس وأما عباس، فلا نطلب منهم شيئاً كبيراً أيضاً. فقط نطلب الشفقة. فبعد ضياع مشروعنا الوطني، ومن قبله ومن بعده، نسيجنا الأخلاقي، نطلب منهم أن ينظروا إلينا، من منطلق إنساني لا غير. فنحن لم نعد مواطنين فلسطينيين، بل " شودرا " أو " داليت " : أي " منبوذون " بالمعنى الهندي للكلمة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حماس وأخواتها
خوليو -

قبل انقلابها الغير ديمقراطي لم تكن الحالة كذلك، فقد كان هناك بادرة أمل للوصول لدولة فلسطينية ولو على مضض وعذاب مع العدو الصهيوني، إلا أن انقلاب حماس السماوي جرّ على القطاع ويلات أكبر وصواريخها البدائية كانت الحجة لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة ومحاصرته، وأماالقاعدة التائهة زادت الطين بلة، فلم تعد أوروبا تميز بين الشاب العربي السليم وبين حامل الحزام الناسف الباحث عن الجنة وفلسفاتها، فارتعدت فرائض الغرب بعد مذابح القطارات ، لاتلم أوروبا ياسيد باسم ففيها من المنظمات الغير حكومية التي تدافع عن وجود الدولة الفلسطسنية بذكاء أكبر من ذكاء أصحاب القضية نفسها، فمصر المؤمنة تسد المنافذ وطهران اللاهثة وراء القنبلة الذرية على حساب لقمة عيش شعبها تقوي برؤوس حماس لحجب استخدام الذكاء العقلي في كيفية انقاذ الشعب بظل موازين القوى الحالية(لايزلون ينتظرون المدد أو الغائب المنقذ، أو بتهديدات فارغة مثل نكتة لاتضحك أحداً)،فلتعد حماس للوحدة الوطنية قبل انقلابها المشؤوم ولتتفعل المحادثات على الرغم من مراوغة العدو لأن في ذلك هو المخرج الوحيد حالياً،ولتعترف حماس بخطئها ولاتصدق قادتها الجوالون بلحاهم النظيفة وحلفاؤهم النظريون فلن ينقذ غزة من الوضع الحالي سوى قليل من الذكاء من قبل قادة حماس الذين لانراهم ينقص وزنهم غراماً واحداً. الوضع المؤسف يدمي القلوب ونأمل الخروج من النفق بدولة فلسطينية وعاصمتها نصف القدس التاريخية.

أرض مقابل جنسيه
سوري -

الشيء الوحيد الذي يمكن للفلسطينيين الحصول عليه هوا الجنسية الاردنية

آه يا غزة
رمضان عيسى -

ليتنى لم أعلم فكم جر علمى على نفسى الألم ، فكيف أن ارى بأم عيوتى فالمصيبة أكبر ، فماذا ارى ؟ أرى فى غزة التدمير للاٍنسان من الداخل ليصبح انسان خالى من الاٍنسانية شكلا ومحتوى ، مظهرا وجوهرا، فالشخص فى غزة أصبح واهيا باهت المنظر وله ردود فعل غير طبيعية بل وغير انسانية فهو يتوقع الخطر فى كل لحظة له أو لغيرة ، ولو وقع فى مشكلة لايتوقع المساعدة من أحد لااجتماعيا ولا ماليا وكثر الرياء والكذب والمداهنة وكثر الجرى خلف ما يملىء المعدة،والأسوأ من هذا أن الوطن والتحرير والعودة أصبحت كذبة لا تعنيه ووين ما تودى تودى وأنا مالى القضية ضاعت وهم بتقاتلوا على السلطة ولا ندرى متى الحل أو فى يد مين آه يا غزة الثورة آه يا غزة التى عليك حملآكبيرا وهو تحرير فلسطين والعرب والعالم وبناء جنة الأرض .

أتفق/البروفيسورخوليو
كركوك أوغلوا -

نعم حماس شعارها ليس وطنيا فلسطينيا وأنما أمميا وأخوانيا وجهاديا لدولة الخلافة الظلامية ؟؟!!..

أنت فين ... والواقع
زبن الهيتي -

استغربت كثيرا أن يتجاهل الكاتب حجم الكارثة الملمة بالشعب الفلسطيني وبأهل غزة بسشكل خاص من جراء اقتتال "الاخوة في الدم والمصير" على الكراسي وأن ينزل على العالم متهما اياه بالعنصرية والتمييز لا لشيء إلا لأن العديد من الدول سدت أبوابها في استقبال المسافرين من غزة إليها. فهل السفر إلى أوروبا هو فعلا من لهومم اليومية لسكان غزة الذين تطحنهم دوامة العنف والحصار واقتتال الاخوة. ربما يكون السفر إلى الخارج أو إلى أوروبا أمنية يشتهيها أو قد يحتاجخا الكاتب، لكنها بالتأكيد ليست كذلك بالنسبة إلى سكان غزة الاشقياء. لست هنا في معرض الدفاع عن غلق الأبواب أمام المسافرين إلى الخارج من أبناء غزة، لكن هذه القضية لا تستحق ذلك الاهتمام عندما تقف أمام الأهوال التي يعاني منها سكان غزة المبتلين بقادة لا يهمهم سوى كراسيهم. وحتى لو كان جميع سكان غزة راغبين في ترك المدينة والسفر إلى الخارج، فإنه كان على الكاتب أن يتحلى بشيء من الواقعية ليدرك بان العالم ليس على استعداد لاستقبال هذا الحجم الهائل من السكان الذين تضطرهم الظروف الصعبة والقاسية الناجمة عن السياسات العقيمة للقادة السياسيين المقتتلين على النفوذ والسيطرة والكراسي أن يتركوا دورهم وبلدهم.

هذا هو مصير الشعوب
كركوك أوغلوا -

في الأنظمة الجهادية الظلامية !!..والأمثلة كثيرة من أفغانستان الى السودان والصومال وغزة وحتى أيران وجنوب العراق وووو ؟؟!!..قدم الشكوى يا أستاذ باسم النبريص الى مؤتمر الدول الأسلامية ؟؟!!..ونعلم أنك لاتتمكن من الشكوى لحماس وجهاد غزة ؟؟!!..وألا سيكون السجن والتعذيب وربما الموت هو مصيرك ؟؟!!..

ماذا في غزة ؟
الغزاوي -

ما دام الظالم لا يشعر أنه يظلم الناس فهذا يعنى أن المظلوم مهما صرخ وتأوه فلن يعيره الظالم انتباها خصوصا اذا كان الظالم يتذرع بالمقدس وأن الله اختاره لهذه المهمة الاٍلهية والتى تمتد لتصل الأخضر واليابس فى قطاع غزة . والسؤال ما التبرير الدينى للهجوم على أكثر من أربعين مؤسسه واغلاقها وطرد موظفيها فى الشارع ، واحسب كم عائلة تعتاش من هذه المؤسسات ، وما هو التبرير للهجوم على مكتبة وزارة الثقافة وتشتيت كتبها هنا وهنا ك ، وما معنى الاٍعلان عن وظائف حكومية شاغرة ، وبعد الخروج من الاٍمتحان بدرجة ممتازة يقال له اٍسمك رقم 120 انتظر دورك ، أليس هذا ظلم ؟ وهل تشعر حماس بهذه المظالم ؟ وهل هذا هدايه من الله ؟أم لكى تقوم الخلافة يجب أن نفعل هذا ، أم هذا من أجل الوطن ؟ وأين الوطن ؟ اسئلوا أي شخص فى الشارع عن الوطن والثورة ، فستجدوا الجواب واضح فى العيون واشارات الاٍستغراب ، عن ماذا تسأل ؟ فالجرح من الأخ أصعب بكثير من جروح الاٍحتلال . وما هي هموم الناس فى غزة ؟ ان الهم يزيد بثقله كل يوم وليس هناك من أمل أن يزول عما قريب . وهذا بسبب الصراع على السلطة ، ولولا فساد السلطة الفتحاويه لما حدث هذا . من هتا فاٍ ننا نحتاج الى طريق غير طريق صراع الحزبين .

شرور غزة
مسلم العربي -

لماذا كل هذا الوضع المزري في غزة دون غيرها؟؟لماذا الوضع في الضفة افضل بكثير..؟؟لماذا تدير حماس الامور وتسيرها بهذه الطريقة؟؟لماذا تزداد سمنة البعض من قيادات حماس بسرعة كبيرة؟؟لماذا يسكت شعب غزة؟؟؟ والى اين سيقودونه ؟؟