كتَّاب إيلاف

أوكا الإمبريالي والعميل الخائن!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
ما قدمته جامعة الدول العربية من مخارج وحلول لإبعاد عمر البشير عن شبح المحكمة الجنائية الدولية، فيه ضرر كبير للبشير، ولمن سيلحق بالبشير من الديكتاتورين العرب، ولمن سيتبعهم بعد ذلك. وهو نوع من الأفيون السياسي، الذي يتعاطاه الحاكم العربي، لكي ينسيه للحظات صراخ وآلام ضحاياه، ويُفرّج كربه.
فالمحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسها المدعي العام أوكامبو، لم يتخذوا قراراهم بشكل تعسفي، ولأطماع سياسية معينة. فلقد أدرك ووعى القاصي والداني من العرب والعجم، ومن الحجر والبشر، أن مسؤولية البشير وحكومته عن مجازر دارفور واضحة وبيّنة وضوح الشمس. ولكن لا السودان، ولا العرب متفرقين أو مجتمعين، ولا الدول الأفريقية، تستطيع تمكين البشير من الإفلات من ضرورة المثول أمام المحكمة الدولية الجنائية، لأن هذه المحكمة تمثل الشرعية الدولية، والإرادة الدولية التي لا رادَ لها، كالقدر، أو كالرعد القاصف تماماً. -2-
الدواء المُسكِّن الذي اقترحته الجامعة العربية (عيادة العرب، وطبيب الأعشاب، والنطاسي الشهير عمرو موسى) والسودان، بإقامة محاكم سودانية تحت إشراف الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، هو ضحك على الذقون، و(تهليس) و(تهجيص)، و (شغل حشاشين) ودعارة سياسية ما بعدها من دعارة. وهو أمرٌ يباع بسهولة في أسواق خضار العالم العربي، ولكنه لا يباع في أروقة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والرأي العام الدولي، الذي ينكر العرب أثره، ودوره، وأهميته كل الإنكار.
فالكل يعلم، وأولهم الشعب السوداني، والبشير ذاته، بأن القضاء السوداني والقضاء العربي بشكل عام - مع احترامنا الشديد لكل القضاة العرب المغلوبين على أمرهم - هو خاتم من التنك، ذو فص (فالصو) في إصبع الحاكم، يخلعه متى شاء، ويثبّته متى شاء. والقضاء في العالم العربي رهن إشارة الحاكم. وهذا ليس بالأمر الجديد، بل هو واقع منذ عهود طويلة. وهذا ما دفع بالإمام أبي حنيفة إلى رفض منصب القضاء، في عهد الخليفة العباسي المنصور، وقال أبو حنيفة للخليفة، ذلك القول المشهور، في باب القضاء النزيه والشجاع:
"اتق الله، ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله.
والله ما أنا بمأمون الرضا، فكيف أكون مأمون الغضب؟
ولو اتجه الحكم عليك، ثم هددتني أن تغرقني في نهر الفرات، أو أن آلي (انقض) الحكم، لاخترتُ الغرق.
لك حاشية، يحتاجون إلى من يكرمهم لك، فلا أصلحُ أنا لذلك".
فرد عليه الخليفة المنصور غاضباً:
كذبت، أنت تصلُح!
فتبسَّم أبو حنيفة، وقال:
قد حكمت على نفسك، كيف يحلُّ لك أن تولّي من هو كذاب؟
وكان جزاء أبي حنيفة، الحبس والموت.
-3-
وما زال الحال في العالم العربي حتى الآن على هذا النحو.
فهل يستطيع قاضٍ سوداني، أن يقول للبشير قول أبي حنيفة، فيكون مصيره الموت أو السجن المؤبد؟
وهذا ما ينطبق أيضاً على غالبية القضاة العرب.
فما رأيكم بالقضاء السوري، والليبي، والمصري، والمغربي، والخليجي بشكل عام؟
هل هناك عدالة؟
وهل القضاء حر، وليس مُسيَّساً؟
فكيف نثق بالقضاء السوداني، الذي لا يقدر على جلب وزير أو حتى مسؤول صغير لساحة العدالة، فما بالك بالزعيم المزعوم البشير، الذي راح يجول بالأمس في مدن دارفور، وهو يحمل عصا المارشالية، ويرقص رقصة النصر على جثث الآلاف من ضحايا دارفور، دون حياء أو خجل، أو وخز ضمير، ويكيل السباب والتهم للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية.
-4-
لقد أصبح القاضي والمدعي العام أوكامبو بين يوم وليلة، هو العميل، وهو الخائن، وهو الامبريالي، وهو عصا أمريكا المجرمة، وبوق الصهيونية (أمريكا وإسرائيل لم توقعا على قرار إنشاء محكمة الجنايات الدولية) وهو المرتزق، وهو ابن زانية، ومرتكب للفواحش، إلى آخر هذه الاتهامات والألقاب السوقيّة، التي يطلقها الإعلام السوداني والإعلام العربي الديني والقومجي على المدعي العام الأرجنتيني أوكامبو، لا لسبب، إلا لأنه طلب محاكمة زعيم عربي مزعوم على جرائم ارتكبت. وربما تقوم غداً مجموعة من رجال الدين في السودان، ويثبتوا - شرعاً وقهراً - أن البشير سيّد من أسياد آل البيت، المُحرَّمة دماؤهم، كما سبق لحسن الترابي أن فعل ذلك مع الديكتاتور السابق جعفر النميري، ولقَّبه بـ "أمير المؤمنين"!
فنحن لا نملك تجاه الحق والعدل إلا أن نشتم الحق والعدل، ونكيل لهما التهم، دون أن نفكر، قبل أن نقدم على جرائمنا بحق شعوبنا، بالمحاكم الجنائية الدولية التي تترصد، وتتابع هذه الجرائم، غير غافلة عنها، في عصر عولمة كل مظاهر الحياة السياسية والقضائية والاقتصادية.
-5-
لا شك، في أن السياسة تتدخل في أمور المحكمة الجنائية الدولية. وأن السياسة في هذا العصر، قد أصبحت كملح الطعام، توجد في كل طبق بمقدار. ولكن هذا التدخل - على عكس المحاكم العربية- يبقى في أضيق نطاق، وفي أضيق الحدود. وتظل الجرعة القانونية والعدلية في هذه المحاكم أكبر بكثير من الجرعة السياسية أو جرعة التسييس.
فالسياسة في المحاكم الدولية كملح الطعام، أما السياسة في المحاكم العربية فهي الملح كله.
وعلينا أن ندرك بأن الشرعية الدولية غير غافلة عما نفعل بأنفسنا وبغيرنا في أوطاننا. ولكن لكلٍ ساعته، ولكلٍ ميقاته وأجله، كما سبق وقلنا.
-6-
لن يُبرِّيء البشير، أو يُجنّبه الملاحقة الجنائية الدولية، عمرو بيه موسى، ولا الجامعة العربية، ولا الدول العربية، ولا الدول الأفريقية، ولا جولات البشير الحالية في إقليم دارفور، ولا الرقص بالعصا المارشالية في فورة عاطفية مجنونة على جثث الضحايا، أمام جمهور دارفور الجائع والعاري والمشرَّد، الذي يحسب أن البشير هو المهدي المنتظر، الذي سيطعمهم، ويكسيهم، ويُسكّنهم، ويوفر لهم الأمن والسلام. وما جاءهم البشير إلا ليفلت من الحساب والعقاب، ويرتكب المزيد من الجرائم.
فالبشير، ومعه الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، والحكام العرب والأفارقة، وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين العرب - وأنا أولهم- كانوا ينامون في العسل، غافلين عما يحدث طيلة السنوات الماضية من جرائم إنسانية في دارفور. ولم يحركوا ساكناً، طيلة السنوات الماضية التي كان فيها سكان دارفور يُذبحون، وتُنتهك أعراض نسائهم، وتُسرق مواشيهم، وتُهدم بيوتهم. ولم نرَ أو نسمع بمظاهرة احتجاج، أو نقرأ بياناً استنكارياً، لما يحدث في دارفور من جرائم بشعة، وكأننا حجارة، تنبو الحوادث عنا، ونحن ملمومون، كما قال الشاعر الجاهلي تميم بن مقبل، في بيت من شعره الشهير:
ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ
تنبو الحـوادثُ عنه وهو مـلمومُ
وقد طابَ لنا العيش، حين أصبحنا حجارة صمَّاء، تُحيطُ بنا الجرائم من كل مكان، ونحن عنها غافلين، وساكتين، وخانعين.
السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نقد ذاتي
ايلافي مغربي -

أكثر مايروقني في أحاديث ومقالات الأستاذ النابلسي هذه الشجاعة التي لن تجدها عند أي مخاتل ولن يستطيعهاأي منافق أو دجال من كتبة هذا الزمن الأغبر ، والأهم فيها مصارحة الذات بأخطائها ، ولا سيما حين صمت أغلب المثقفين والاعلاميين العرب وخاصة المحسوبين على الصف الحداثي أو الليبرالي الديمقراطي حول ما يجري في دارفور ، يستطيع الغرب وقواه المناضلة ، - ولن يفعل حتما -أن يفخر بكونه سباقا الى الكشف عن الجرائم ضد الانسانية بهذا الاقليم ،ولا يمكن تبرير الصمت المفجع اياه ، لكن عدالة المنتظم الدولي كفيلة بتوجيه لطمة استيقاظ مرة وأخرى وثالثة كي يفيق الحكام من غشاوتهم ويصلح البعض منهم مابقي صالحا للاصلاح أو ينتظر دوره ببساطة أفضل دليل على حيادية محكمة الجنايات الدولية هو عدم انخراط أمريكا واسرائيل فيها ، فهل من متضع..؟ أم أن دروسنا لا نستوعبها كالعادة الا متأخرين

تلخيص
سلمى خميس -

مقال جامع مانع يلخص مصيبة العرب في داء الديكتاتوريةويحض على اليقظة.

البشير أيضا حصل
كركوك أوغلوا -

على مبايعة الترابي !!..لذا فهو حاكم بأمر الله ومعصوم عن الخطأ ومن الفرقة الناجية, وكل ما تم من جرائم وأبادة سيتم ألقاؤها على ظهر سيلفا كير والجنوبيين (يوم القيامة)؟؟!!..

الجهل والغباء
د علاء ابو دياب -

زعماء العرب يتمتعوا بصفة العنجهية والغباء التي تأتي بكوارث للأمة. ما حدث لصدام ينتظر دكتاتور السودان ودكتاتور ليبيا والحبل على الجرار.

أعتبرا ياولي الأبصار
منير محمد صلاح الدين -

الحقيقة المجردة والواقع المرير الذي يدافع عنة بالباطل بشراسة امثال العوا والجمل واصحاب التيار الأسلامي السياسي والعروبي الفج فالبشير مدان مدان مدان وافعالة ماثلة امام الجميع من ابادة جماعية لأهل دارفور والجنوب وابيي أما ان جاء الأتهام من اوكابوا فهو عميل ووووأخر التهم المعروفة نرجوا من الآخريين ان يعتبروا ام كانوا أولي أبصار أما ان كانوا عمي فالبقية تأتي

القليل
محسن المالكي -

في الحقيقه ان القليل من المثقفين والكتاب العرب يمتلكون هذه الشجاعه وكشف الحقائق

مقال شجاع
حمدي نور الدين -

مقال شجاع و لكن ارجو من الكاتب ان يكتب بنفس الحماس و الشجاعة تجاه الدولة العبرية و انتهاكها الصارخ لكل قرارات الامم المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني و امريكا تجاه الشعب العراقي ، يوم يتم تطبيق العدالة على العالم اجمع دون تفرقة و دون الكيل بمكيالين عندها يمكننا ان نلوم البشير و نلوم الجامعة العربية ام ان المبدا لدى الكاتب " اذا سرق الشريف تركوه و اذا سرق الفقبر اقاموا عليه الحد"

القضاء بدون عدل
ايلافي مغربي -

لا يوجد قضاء حقيقي مستقل في كل العالم العربي ، والدليل على ذلك المظالم المستمرة في حق المواطنين ( مهزلة العبارة المصرية التي برئ مالكها على سبيل المثال لا الحصر!!)، ومشاكل القضاء مركبة يتداخل فيها الفساد والولاء لأصحاب الحال والمال ، أما المواطنون الغلابة البسطاء فوحدهم يتحملون تبعة قانون لم يوضع لانصافهم ، حيث تنزل عليهم العقوبات القاسية كأمطار الشتاء بالحق وبالباطل والظالم قد يصبح مظلوما بجرة قلم والعكس صحيح ، فالقضاء العربي بعيد عن مقتضيات العدل في كل القضايا التي تخص الناس ناهيك عن قضايا الوطن الكبرى ، لذلك لا غرابة أن تتعالى صيحات الاصلاح دون جدوى ،ولا بدع أن يتجه المواطن العرببي المظلوم الى العدالة الدولية في المستقبل القريب ، وما فذلكات الجامعة العربية ومدير جوقتها البهلوان عمرو موسى لانقاذ البشير الا مهزلة عربية جديدة تثير السخرية والشفقةو لن تثني العدالة الدولية عن أخذ مجراها ومعاقبة المجرمين ،البشير ليس في الواقع الا الشجرة التي تخفي الغابة ، وما زالت أمام المنتظم الدولي مهام جسام في هذه المنطقة المنكوبة من العالم والتي يقف فساد القضاء كأبرز المعيقات في تنميتها وتقدمها

المحكمة
zuhdi alalfy -

اعزف يا نابلسي العزيز اعزف , ما اجمل عزفك الممتع والسلس والمريح , اعزف ومتعنا بهكذا مقطوعات لربما تنسينا ولو لوهلة مصاعب ومشاكل هذا الزمن العربي الاغبر ...

لتفتح الصحائف
وليد الحسناوي -

علنا اليوم وليس غداً نفتح صحائف المجرمين تباعاً وجميعا بعدما بدأت المحكمة الدولية بإقتفاء آثار الجرائم التي تواصلت على مدى قرن من الزمان. إني أتساءل لماذا لم تطلب المحكمة الدولية القبض على أركان نظام البعث في العراق بتهمة إبادة المجتمع العراقي على مدى 40 عاماً؟ لم تكن جرائم البشير تمثل عشر معشار مافعله البعث في العراق. لو فعلت علها قد جنبتنا الحرب المدمرة هذه الحرب التي جعلت من المجرمين وطنيين ومقاومين ليعودوا مرة أخرى ليذبحوا في الشوارع بعد أن كانوا يذبحون متسترين في المخابئ. إنه مجرد تساؤل. ومع ذلك فما زال في الوقت متسعاً ليبدؤا بالمجرمين الذين مازالوا على رأس السلطة.

مجرد سؤال
أنور -

الدي قلته ياأستاد في هدا المقال شيء جميل ونتفق معك . لكن مادا عن مجرمو الحرب الصهاينة الدين لازالوا يفتكون بشعب اعزل وأيضا مادا عن المحتل الامريكي الدي أرجع بلاد الرافدين الى القرون الوسطى وقتل مليون عراقي ناهيك عن ملايين المهجرين

كلام مكرر
محمد المشاكس -

هذا هو المقال الثالث كما أذكر خلال الاسبوعين الماضيين في إيلاف بقلم الكاتب حول نفس الموضوع. نفس الأفكار مكررة ومقال اليوم ليس سوى إعادة تغليف من دون تغيير المضمون. الشيء الجديد هو قصة أبو حنيفة والخليفة العباسي. كلام منمق للإستهلاك ولكنه مؤدلج وإنتقائي مما يفقده الكثير حتى ولو حاول الكاتب آيهامنا بأنه مع العدالة وضد العنف.

راي اخر
safwan -

ما راي الكاتب بالمحاكمات الي عملت لمرتكبي جرائم ابو غريب بالعراق اليست ايضا ضحك على الذقون، و( ) و( )، و ( ) ودعارة سياسية ما بعدها من دعارة. وهو أمرٌ يباع بسهولة في أسواق خضار العالم

الكذب هو كذبكم
ايلافي مغربي -

عوقب كل من ثبت تورطه في جرائم سجن أبي غريب ، وأتحدى من يقول غير ذلك ، ويا أخ أنور صيغةعن في اللغة العربية تجر ولا ترفع صحح من فضلك أنت الذي تزايد باسم الدفاع عن عروبتك ، واذا كانت الأشياء الجميلة في هذا العالم العربي المنكوب تتقرر بالتكرار فمرحبا به وألف مرحباويا ما كرر العقلاء لرأس النظام العراقي السابق أن يتنحى بسلام ليجنب شعبه ماسي استرجاع حريته وتحقيق ديمقراطيته فما سمعهم ، والأرجح أن هذه المنطقة المنكوبة من العالم لا تسمع لصوت العقل الا اذا تم عبر الدبابات والصواريخ بعد القرارات الدولية والعقوبات المتكررة مزيدا يا أستاذ النابلسي النور هو نور العقل وحده والواقع ملموس لا يعلى عليه والمجرم مجرم سواء في فلسطين أو العراق أو ايران أو جزر الواق واق

الزعيم شاكر النابلسي
جرجس -

احسب ان مديح و مصادقه كاتب مثلك خير من مصادقه كل الرؤساء مجتمعين فأمثالك يا سيدي هم صفوه المجتمعات بما يملكون من رجاحه عقل - و خير من كل صلاحيات الرؤساء المهدده