الدولة والعنف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ومن الطبيعي أن نتساءل لماذا تنتهج "الدول" السبل العنفية لتحقيق مآربها؟ وما هي الطرق التي ينتهجها " الساسة " للتوصل الى "الهيمنة " شبه المطلقة على الشعوب؟ وما هي الاليات التي اعتمدها "هتلر" او "ستالين" للسيطرة والتوسع... ممن أقحموا العصر في اتون حروب مدمرة، ولماذا أُدين هذين الرجلين مثلا دون سواهما؟ ولماذا يدان "المنكسر المنهزم" في الحروب الكبرى ويوصم ب"السفاح" في حين ان "المنتصر" المسيطر يُصور على أنه "فاضِلٌ بطل شجاع؟؟ واعتبار ان كل المعارك التي خاضها هي "حروب عادلة" و محض "دفاعٍ عن الانسانية"؟؟ مازال "زعماء الدول " حتى اليوم يمارسون شتى أنواع العنف الداخلي والخارجي ويزجون الشعوب في اتون حروب، مستعملين لذلك وسائل أكثر قذارة من تلك التي استخدمها "هتلر " في عصره ؛ فالابحاث التي تُحَضَّرُ لولادة اسلحة "جينية" وبحوث "الاستنساخ البشري والتعديل الجيني " جارية على قدم وساق والاسلحة النووية منتشرة في كثير من الدول، والاسلحة البيولوجية والفيروسية ما زالت تخصص لها ميزانيات ضخمة تحت مسميات " الابحاث العلمية"...
هذه القضايا لا تنذر بالسلام ولا بالخير العميم، وجشع "الهيمنة" يكاد يكون المسيطر الابرز على العلاقات الدولية الآن، وان اتخذ لغايته أقنعة منمّقة وادوات "راقية"، وتخفَّى بشعارات "انسانية"..... مجتمعات بلا دولة:
تاريخيًّا ؛ لقد شهدت الحضارات الانسانية مجتمعاتٌ بلا دولة، وحتى عهد قريب كانت بعض المجتمعات القبلية ترفض "سلطة الدولة " وتتهرب منها ولا تتعاون مع مؤسساتها مفضلة العيش في الادغال او الصحراء على الانضواء تحت سلطة معينة على بقعة جغرافية ضيقة. إن ملاحظة بزوغ الدولة عبر تاريخ الامم يُظْهِر أن ولادة "الدول" ارتبطت ب"العنف الدامي " حيث أن "الزعيم العسكري " يوّلد سلطته ب"النصر" و"الغزوات" وبقوة السلاح وبارتكاب المجازر في كثير من الاحيان.
فالمسار السلطوي لقيام دول أو انهيارها، ارتبط بالعنف "الكارثي " و"الحروب الدامية "، التي تعمل على توليد معطيات جديدة مغايرة للواقع السابق، تليها فترة كمون تستقر فيها المجتمعات، وتتبلور فيها العلاقات الاجتماعية وغيرها من جديد لتتمأسس السلطة على شكل "دولة" جديدة. وقد شكّل مفهوم الدولة وعلاقته بالسلطة محورًا أساسيًّا في البحوث السياسية، غير أن علاقة السلطة بالمعارف الانسانية، لم تحظى بالاهتمام نفسه من قبل الباحثين، وبقيت الطروحات الفلسفية ومفاهيمها التقليدية متمركزة خارج الدائرة السياسية وان اقتربت منها، علمًا انه لا يمكن لنا تناول الموضوعات الفكرية والفلسفية او دراسة اي حالة تخص الواقع الانساني والمجتمعات البشرية بمعزل عن السياسية وان حُيِّدَت عنها، فالمعرفة ترتبط بالسياسية وتتجاوزها، وهي غير مستقلة بذاتها وان ارتدت على كل السلطات ونقدتها.
لقد حاول هيغل في طروحاته الفلسفية ربط تاريخ الفلسفة والحق والمعرفة بتاريخ "الدولة". حيث اعتبر أن التاريخ السياسي هو ليس الا تاريخ الفكر الذي يتشكل في الاجتماع والعقلانية والعلاقات بحيث يتجسد على شكل دولة ؛ فالدولة بنظر هيغل هي هدف " العقل المجتمعي " وهي "جوهر" بحدّ ذاتها؛ أما ماركس فقد استبدل الاطروحة الفلسفية ب"القوى المنتجة" التي تحدد بنيات المجتمع الفوقية ومنهاالايدولوجيات والمؤسسات والدولة.. وعنده فإن الدولة تتضمن "الصراع الطبقي " و"عنف الطبقات"...
بطبيعة الحال فإن طرح ماركس هو تقييم "كلياني شمولي " للدولة يحدد شروط "أفول الدولة" بدلا من ولادتها،في مجتمع متصارع تغزوه الكثير من التناقضات. ولعل أحد اهم ثغرات الفكر الماركسي أنها لم تلحظ الانماط السلوكية والانشطة المجتمعية التي لا سمة طبيعية اومنطلقات مادية لها، فإرادة "القوة " و"الهيمنة " لا يمكن اختزالها كلها بالجانب "الاقتصادي" وحسب، وان كانت الموارد الانتاجية هي أهم مكونات السلطة وممارستها. مفهوم "السلطة" وعملية ادارة العنف:
تُحدد الشروط السلطة السياسية وحدودها بوجود الموارد الطبيعية والبشرية، اما عملية المحافظة على كيانها فيرتبط بادارة الموارد عبر "القوانين والانظمة والأعراف " التي تعيد انتاج العلاقات عبر المجتمع، وهنا تبرز اهمية الضوابط القيمية و الأيديولوجيات.
لقد تطور "استعمال العنف " في عصرنا الحديث؛ بعد أن كانت "السلطة" تمارس عنفًا "مباشرًا وخالصًا " عبر استخدام المرتزقة والنهب المباشر و السلب والاحتلال وفرض الجزية والخراج...فإن العنف الحالي في "السلطة الحديثة " يتمثل في ايجاد "ارضية قانونية " حديثة تقنّع العنف وتنطلق من خلالها، لان ديمومة انتاجية "العنف المباشر" انهارت تحت وطأة متغيرات العصر الحديث، ومع ذلك فإن "السلطة السياسية" تخرق الحدود"القانونية" التي وضعتها لنفسها عبر الحروب التي تصبح ممكنا بواسطة شروط معينة.
إن الدولة إذن هي عبارة عن كيان سلطوي اعتباري مجرد له وجود اجتماعي ومحسوس، مَثَلها كمثلِ القيمة الشرائية للنقود الورقية، وهي عبارة عن مجموعة علاقات مترابطة تتمثل في إدارة الوقائع، وهي بذلك ليست جوهرًا صِرفًا ولا ممارسة خالصة ؛ وان حاول البعض ربط الدولة بالمفاهيم المجردّة كالقانون والدستور والعدالة... فيما حاول البعض الآخر توصيفها بدولة المؤسسات واشكالها من تكنوقراط او بيروقراط... ولكنها كمفهوم تظل متأرجحة بين المجرد والمادة، وتتخذ من "العنف" و "القمع " المنظم أداة لتسيير إرادة "الهيمنة". لا نريد بحاول من الاحوال من خلال هذا المقال ان ندين "مفهوم الدولة" ونربطه ب"العنف" بإحكام، فمن المتعذر ان نجد واقعًا لا "سلطة " فيه. غير ان مشهد الانظمة السياسية السائدة في الشرق الأوسط يتطلب منا وقفة تأمل، حيث ان "الدولة " لا تمثل في أذهان أبنائها سوى جهازا تأديبًّا ومؤسسة "عقابية " تمارس العنف في محاولة منها للحيولة دون تطور الشعب حضاريًّا والانتقال به الى طور النضج والوعي الثقافي والانساني. رهاننا اليوم على "الانسان" فعملية "التحرر" الفعلي من السلطة "الجائرة" أي "سلطة " لا تتم الا عبر عملية "استيعاب " العنف السلبي واعادة انتاجه "قوة ايجابية" تحترم الانسان والكون وتجعل من "اللاعنف " شعارًا لها.
أتساءل دومًا: اليست انسانية الكائن كافية لتسقط كل جوازات السفر؟
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
لماذا تقبلين العنف؟؟
كركوك أوغلوا -أليس الحجاب نوع من أنواع العنف ضد المرأة , بحجبها بأعتبارها عورة ؟؟!!..متى ستتمردين على العنف الحاصل على المرأة ونرى صورتك المشرقة بدون حجاب ؟؟!!..هذا هو التمرد .........
أين المختصين ياعالم
محمد المشاكس -أتمنى أن أقرأ مقالاً مسنوداً على حقائق علمية. تبدآ الكاتبة بالقول أن عصرنا الحالي يتميز بإرتفاع وتيرة العنف وهذا كلام خطأ بخطأ لسبب بسيط وهو أن العالم قد مر بأعنف قرن ألا وهو القرن العشرين قرن القنابل النووية والحربين العالميتين والثورة الثقافية في الصين والحروب الأهلية في لبنان ويوغوسلافيا السابقة وحروب العرب مع إسرائيل ووووو... المنطق والعلم يقولان بأن العنف قد خمد قليلاً لأن البشر أصبحوا مع حقوق الإنسان ولغياب القوى الإستعمارية التقليدية العنيفة جداً التي عرفناها في القرن العشرين. ثم تقول الكاتبة إن قوة /الدولة/ قد تنامت أيضاً حيث /أمست الدولة حاضرة في وجدان المواطن/. هذا الكلام خطأ لأننا نلاحظ تفكك دول /العراق، السودان، يوغوسلافيا...الخ/ وأيضاً نلاحظ التدخل الدولي في إمور دول عديدة مما سوف يجعل الدولة غآئبة والمجتمع الدولي كقوة متزايدة.
أين المختصين ياعالم
محمد المشاكس -أتمنى أن أقرأ مقالاً مسنوداً على حقائق علمية. تبدآ الكاتبة بالقول أن عصرنا الحالي يتميز بإرتفاع وتيرة العنف وهذا كلام خطأ بخطأ لسبب بسيط وهو أن العالم قد مر بأعنف قرن ألا وهو القرن العشرين قرن القنابل النووية والحربين العالميتين والثورة الثقافية في الصين والحروب الأهلية في لبنان ويوغوسلافيا السابقة وحروب العرب مع إسرائيل ووووو... المنطق والعلم يقولان بأن العنف قد خمد قليلاً لأن البشر أصبحوا مع حقوق الإنسان ولغياب القوى الإستعمارية التقليدية العنيفة جداً التي عرفناها في القرن العشرين. ثم تقول الكاتبة إن قوة /الدولة/ قد تنامت أيضاً حيث /أمست الدولة حاضرة في وجدان المواطن/. هذا الكلام خطأ لأننا نلاحظ تفكك دول /العراق، السودان، يوغوسلافيا...الخ/ وأيضاً نلاحظ التدخل الدولي في إمور دول عديدة مما سوف يجعل الدولة غآئبة والمجتمع الدولي كقوة متزايدة.
العولمة العنيفة
ايلافي مغربي -العنف ازداد شراسة بسبب العولمة وانتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة ، والا فان العنف موجود منذ الأزل مورس من طرف الجميع ضد الجميع الا في القليل النادر حيث ظهر أفراد وبرزت تيارات تدعو للسلام والحب ( غاندي- المسيحية في أولى قرونها - البوذية - الكنفوشية - حركات السلام الحديثة )أما الدولة فاعتمدت العنف أيضا في ترسيخ سيادتها التي اعتبرت سيادة للمجتمع والشعب ، ولذلك كان مبررا دائما ، و هنا أرى عكس ما ذهب اليه صاحب المقال ، فقد تقلص دور الدولة في عصرنا هذا ، بل أصبح مفهوم السيادة نفسه محل أخذ ورد بسبب مقتضيات العولمة وتمدد الثقافات القوية المالكة لزمام التكنولوجيا وأسلحة الاشهار والاقتصاد الاستهلاكي ووسائل الاتصال العابرة للقارات ، وهذا التهديد أيضا يطال مفاهيم أصبحت تتقادم شيئا فشيئا كالمواطنة والحدود والقيم والقومية والانتماء الحضاري وغيرهافما محل الثقافات الضعيفة في عالم المستقبل ؟
جرءة وموضوعية
مهى -مودتي للكاتبة الكريمة وكنت تابعت كتابك الجديد الجريء حقا وفي وقت كثرت فيه المقالات تميزت كتاباتك سيدتي ...نعم العنف يرتبط في الدول العربية بالدولة .. وايلاف عودتنا على الصراحة ... اعتز بامرأة عربية صريحة وخالية من العقد لا يهمها الا ان تقدم المعلومات بموضوعية
جرءة وموضوعية
مهى -مودتي للكاتبة الكريمة وكنت تابعت كتابك الجديد الجريء حقا وفي وقت كثرت فيه المقالات تميزت كتاباتك سيدتي ...نعم العنف يرتبط في الدول العربية بالدولة .. وايلاف عودتنا على الصراحة ... اعتز بامرأة عربية صريحة وخالية من العقد لا يهمها الا ان تقدم المعلومات بموضوعية