انهيار التصنيم السياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ثمّة عوامل كثيرة تجعلنا نلقي الضوء مجددًا على "ثلاجة الأنظمة العربية"، بالرغم من انها شبعت نقدًا على امتداد ما يزيد عن نصف قرن حيث أصبح بعضها مضرب مثلٍ في طول العمر وقصر الهمة واستفحال الفساد؛ ونموذجًا تاريخيًّا للتأخر والتخلف وممارسة شتى أنواع العنف، بحيث استحقت فيه لقب "أنظمة التحنيط" بامتياز.
وعلى وقع التجارب "التسلطية " نشهد حراكًا، اشبه ما يكون بحياة رجل حيّ قابع في قالب من حديد، فالواقع السياسي في معظم بلادنا، التي لا ترقى لأن تسمى "دولا" بعد -لأنهاأشبه ما تكون ب"الكيانات الطائفية "- تخضع لأمزجة الزعماء وأهوائهم، والسياسة فيها قائمة على العشوائية والفوضى و"الاقطاع"، والخطاب الموجه من "امراء البلاط" الى "الرعية " "انفعالي رديء" بعيد عن الموضوعية....
إن اخفاقات الانظمة وفشلها منعكس في كافة المسائل بدءًا من القضايا الوطنية، مرورا باخفاقات البرامج والاستراتيجيات، وصولا الى العلاقات الدولية؛ فنحن نشهد حالة تقهقر مستمر في منسوب "الالتزام العربي" تجاه القضايا والثروات، وفشل ذريع في "البرامج التنموية الداخلية "، مترافق مع حالة "انصياع عجائبية "امام القوى الخارجية...
أسطورة الانظمة والصنمية السياسية:
لعل تحليل الأوضاع القائمة للمشهد السياسي، وعلاقة السلطة بالأنظمة في معظم الدول العربية وتاريخها، يجعلنا ندرك حجم التباين الموجود بين النماذج السياسية و الشروط المجتمعية؛ وهذا الامر يجعلنا ندرك جيدًا كيف ان العلاقات المؤسِسَة للبنية المجتمعية في دولنا العربية، التي كانت مطلع القرن الماضي "إقطاعية" او "عشائرية "، وتحول بعضها الى "اشتراكية الشكل اقطاعية المضمون"، أدى الى قيام انظمة "عسكرية " سلطوية تمارس سياسة الاذلال باحتراف...ولكن يبقى من غير الواضح ومن الصعب جدًا فهم استمرارية هذه الانظمة ردحًا من الزمن.
فسيرورة الحضارة الانسانية والمسار التاريخي، يشير الى أن أي سلطة تطرح نفسها على انها "سلطة مطلقة"، معرضة للانهيار والزوال والموت، لانه لا يمكن لها ان تُنصب نفسها كذلك على الدوام، لذلك فإنّا نجد ان كتب التاريخ عبارة عن سجل مجازر وحروب دامية، فالجانب الكارثي يشكل الجزء الاكبر من تاريخ الامم.
وعادة ما تُقدم السلطة نفسها على انها فوق النقد والشبهات، وان ما يدور في مؤسساتها هو عبارة انجازات جبارة للزعيم الذي يطرح نفسه على أنه "فريد عصره واوانه"، وانه النموذج "الحضاري المُمَيّز الذي على شعوب الأرض ان تحتذيه وتسير بركبه، لذلك تكثر في نشرات الأخبار عبارة "بناء على التوجيهات الحكيمة والرؤية السديدة ل"فلان " بعد سرد سطرين طويلين كاملين من الاوصاف الرنانة والالقاب المحشوة "جلالة وفخامة وسموا ومعالي وسعادة ونيافة...." مما يوسع الصورة "الأسطورية" للكائنات "السلطوية.
وقد عمدت بعض الانظمة العربية مؤخرًّا الى التخفيف من حدّة أسطوريتها خوفًا على نفسها من أن يصيبها ما أصاب جارتها من الانهيار، وتداركًا منها للمتغيرات، خصوصًا وانها تلقت درسا "عراقيًّا" حمل من العبر الكثير، غير انها لم تفلح حتى الآن في ان تقدم نفسها بشكل علمي موضوعي.
السقوط والانهيار:
لاشك من أن قطيعة الشعوب العربية مع الانظمة الحاكمة القائمة واضحة للعيان وان كانت نسبية؛ لأن مقومات التلف والتآكل قد أوهنتها وعملية "التصنيم" التي مارستها هذه الانظمة الشمولية على مدى نصف قرن، التي بواستطها منحت نفسها بُعدا لاهوتيا وسلطة مقدسة، قد انهارت تحت وطأة الانفتاح و تغيرات العصر والعولمة الاقتصادية.
إذن، ماذا تبقى من مشاريع "الانظمة " في منطقتنا؟ واين أصبحت شعاراتها ؟ وهل ستدوم هذه الانظمة إلى مالانهاية؟ وكأنه كُتب لها الخلود مدى التاريخ ؟!
لا شك في ان ايقاع الاحداث وتسارعها تُشير الى انها ستتعرض للانهيار الكارثي على مراحل، واحدة تلو الاخرى ما لم تعمد الى احداث تغيير جذري، واصلاح حقيقي.
المرحلة الاولى : تبدأ بعملية التآكل الداخلي والتلف و التعفن وانتشار الفساد وهي مرحلة تتسم بالبطئ.
المرحلة الثانية: وهي تخلخل الهيكل التنظيمي للمؤسسات يؤدي الى تفكك سريع لاجهزة الانظمة وهي مرحلة متسارعة.
المرحلة الثالثة :وهي الانهيار السريع و الأفول المفاجئ، وما العراق عنّا ببعيد.
إلى أين؟؟
ربما الشارع الجماهيري لا ينتظر "فلسفتنا ولا فكرنا " حتى يتحرك في حياته، فالناس يبنون علاقاتهم الاجتماعية قبل فكرهم وفلسفتهم، وآلام الشعوب وحاجاتها الحياتية الملحة تعطل عمل الفكر وتحد من الابداع، و ربما تصلح مقولة هيغل ونظريته في تمثيله لقصة "بومة منيرفا "التي لا تبدأ بالتحليق والطيران إلا بعد ان يرخي الليل سدوله ويحل الظلام... وكذلك الفكر والفلسفة لا يبدأ عمله الا بعد ان يكون الواقع الاجتماعي والسياسي قد تم بناؤه!
سيظل الملوك والحكام والامراء والشيوخ..."يحكمون ويحكمون ويحكمون"....من قصورهم الفارهة في قبورهم المؤقتة... حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.... غير انه من الواضح للعيان بمجالٍ لا يحتمل الشك ان العفن قد قضى على البنى التحتية لهذه الانظمة، وان هياكل المؤسسات "الفوقية " جوفاء" خاوية...
فأيتها الشعوب "البائسة"، أيتها الجماهير الغفيرة "الغفورة"....
لستم بحاجة الى وعظ فقد صُمَّت آذانكم بالخُطب البتراء والعصماء...
ولستم بحاجة الى نظريات "فارغة " كانت أو "ممتلئة"...
ولستم بحاجة الى "تهذيب" وإعادة "تربية" و"تأديب"....
ولستم بحاجة الى شعارات رنانة ومظاهرات صاخبة...
ربما جل مانحتاجه هو ترسيخ الوعي والممانعة اللاعنفية، فالانظمة تزول ويبقى الإنسان، وربما عمل كل "المُنظّرين والمُنظرّات" ليس الا محاولة لفهم أعمق لواقع سياسي بائس نعيشه كلنا في أنظمة احترفت القمع والخداع...
وربّ طموح السواد الأعظم منكم، أن يستيقظ آمنًا في بيته عنده قوت يومه، في بلد يحترم الانسان وتتحقق فيه العدالة...
فتصبحون على رغيفٍ ساخنٍ و وطن بلا عنف!
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
مافيش فائدة يا مروة
ميخائيل -لقد تبلدت الشعوب مما عانته من الأنظمة.. أقصر نظام عائش عشرون سنة..فلك أن تتخيلي ماذا يمكن أن يُفعل بشعوب حكمت من قبل حاكم و احد و بطانة سؤ مستنفعة و مستفيدة تشير على الحاكم بكل ما هو ضد الشعوب المسكينة المبتلاة بالركض وراء لقمة العيش و البحث عن سراب الشفاء لأمراض وفقر و جهل وخوف و إرهاب !! تعبنا و تعبت الشعوب.. و يئسنا من كل شىء..أدخلونا في دوامة تعجز عن صنعها شياطين الجن في الأرض و السماء!! فأصبحنا أرقاما ننافس الأموات في مساكنهم و نحسدهم على ما هم فيه ..وهم يتعجبون من حالنا..و لسان حالهم يقول انتم الأموات ونحن الأحياء !! نقول ستشرق الشمس غدا.. فلا تشرق ,و ننتظر فلا تشرق و لا تشرق !! كلامك حق(سيظل الملوك والحكام والامراء والشيوخ..."يحكمون ويحكمون ويحكمون"....من قصورهم الفارهة)فقد إحترفوا القمع و الخداع و ما هو أعظم .. فما فيش فائدة يا سيدتي الكريمة!!
نحن المشكلة
عاشق الحياة -من مبدأ النص القرآني( وعسى ان تكرهوا شيئ وهو خير لكم). لماذا نحن دوما نوجه اللوم إلى الحكومات ونتجاهل دور الشعوب في إستسلامها للكسل والخمول في النهوض بنفسها.بعض من الحكومات أحيانا تكون مجبرة على ممارسة نوع من القوة او القمع حفاظا على الأمن العام من المتصيدين في المياه العكرة الذين إذا حانت لهم فسحة من الديمقراطية أساءوا إستخدامها وجيروها لمصالح حزبية او طائفية او مذهبية وكلهاأمور من شأنها تمزيق الوحدة الوطنية. ثم إن البدائل المطروحة ليست بأفضل من الواقع إن تكن أسوء, خاصة تلك التي تحمل شعارات متطرفة ونوايا سلطوية أشد بطشا على حرية الفرد والكلمة.ياسيدتي وحتى نكون منصفين اقول في بعض من دولنانري حكومات اكثر ليبرالية وانفتاحامن شعوبها.المشكلة من وجهة نظري تكمن اكثر فينا نحن الشعوب, فنحن متطرفون بالفطرة, متطرفون في أفكارنا واتكاليون في بناء اوطاننا وغوغائيون في تصرفاتنا ونحن شطار ولكن في ملئ البطون ومبدعون وابطال ولكن في غرف النوم.
ومغمسة بالدم
خوليو -ومغمسة بالدم لقمتنا يقول وديع الصافي في إحدى أغانيه،حيث المواطن العادي في بلاد الشام يادوب يحصل على هذه اللقمة بينما حكامه يكدسون الأموال ويقتسمون كعكة الدخل القومي تحت مسميات الوحدة الوطنية(استر علي استر عليك)، ولكن هناك خاصية الآن في منطقتنا يصعب أن تجديها بمناطق أخرى وهو رجل الدين الذي يقول للأم أن ابنك الصغير مات لأنّ إرادة إله قابع في السماء يريد ذلك، وليس من نقص الحليب وسوء التأمين والعناية الصحية، فهذا الرجل هو شريك بما يسمونه الوحدة الوطنية، والأخطر من ذلك هو أن الشعب يصدق رجل الدين وما على الأم والأب والأخ إلا الصبر وانتظار يوم دخولهم الجنة الموعودة، بينما سيظل الجهل وأفيون الدين يخدر تلك الأدمغة التي أتلفوها منذ الصغر، وهؤلاء الحكام خرجوا من رحم هذا الشعب الرافع يديه نحو الأعالي منتظراً مدد الإله الذي قدم استقالته منذ زمن بعيد(عنوان مسرحية ممنوعة لنوال السعداوي(استقال الإله)
مش هيك كريدية
مراقب -ليس هكذا نفهم الخلل السياسي في الوطن العربي // نعم نظم خانعة وخائنة ومستبدة ومسيطرة وصنمية إلا أن هنالك دول أخرى تمارس فرض التسلط والتجبر وتسعى إلى تفتيت العرب إلى خلايا مجهرية متناحرة، وهذه الدول أمريكا وكيانها المصطنع في فلسطين، هما من جلبا لنا القهر والفقر والطفر والنق والنقيق والقيل والقال ولولاهما لما وجدتي نظاما يستطيع الاستبداد وممارسة عقده النفسية .. هما أس البلاء ورأس الفوضى في عاملنا العربي
الى مراقب
مسلم العربي -المعلق رقم 4 مراقب..يقول امريكا وصنيعتها اسرائيل جلبا القهر والفقر والطفر والنق والنقيق والقيل والقال ...الخاذن نستنتج ان العرب كانوا امة قوية ومتقدمين علميا وفي كل شيء قبل عام 1948 !!تصوروا لم اكن اعرف هذا !!!
إلى مسلم العربي
مراقب -لا ترتبط الحركة الصهيونية بالعام 1948م!!!، وإنما منذ نهايات الدولة العثمانية، إلى أن تمكنت من بناء جسم سرطاني لها في المنطقة، بطبيعة الحال بدعم قوىً غربية، وبعض العرب.وإن أردنا أن نكون أكثر دقة، فالعام 1948 وما أعقبه مثل تحولاً كبيرا في المنطقة العربية، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا ... الخ.أضف إلى ذلك؛ أن أمريكا تتحكم بالعرب ، فالقذافي في الثمانينيات إرهابي وخارج عن المنظومة الدولية، وحين رضخ صور في الغرب باعتباره تقدميا وإنساناً مصلحاً في النزاعات الدولية. مصر أليس نظامها مستبداً إلا أنه يوصف بالمعتدل، وتدعمه راعية الارهاب!، وقس على ذلك.من يدعم الاستبداد، ويساعد في انتشاره، أمريكا، والكيان المصطنع، فمتى ما زالت، هذه الدمى الحاكمة – التي ربطت عروشها بها – ستزول أما فيما يتعلق بالعرب، فإنهم – إن كنت تجهل – حكموا مشارق الأرض ومغاربها، قبل ما تسمى أمريكا ويكتشفها كولمبوس، وقبل أن يحتل الصهاينة فلسطين، حكموا العالم وكان سلطانهم عظيما، فلا يعني أننا نعيش في فقر واحتلال، أننا بلا تاريخ يذكر (قبل ولادة ماما أمريكا الحنونة!).