كتَّاب إيلاف

أولوية الإصلاح الديني على الإصلاح السياسي والاقتصادي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"الأغلبية تقول بالإصلاح السياسي والبقية بالإصلاح الاقتصادي ونحن كنا نقول بالإصلاح الديني أولا" (جمال البنا) اللقاء الأول مع المفكر المصري جمال البنا في تونس كان في منتدى الجاحظ يوم 27-07-2008 أين دار بينه وبين البعض من المثقفين حوارا شيقا حول عدة مدارات وقضايا تركزت في معظمها حول سيرته الذاتية وعلاقته بحركة الإخوان المسلمين وأسباب خروجه المبكر عنها ومضمون فتاويه الجريئة واجتهاداته المتمردة على السائد وأسباب معاداته للفقهاء وحقيقة تكفيره من طرف مشائخ الأزهر والدعاوي القضائية المرفوعة ضده. لكن الفكرة المركزية التي أكد عليها هي أولوية الإصلاح الديني على الإصلاح السياسي والاقتصادي فما مدى وجاهة رأيه؟ وفيم يختلف الإصلاح الديني عن الإصلاح السياسي والاقتصادي؟ ولماذا لا نبدأ بالإصلاح السياسي والاقتصادي ثم نقوم فيما بعد بإصلاح ديني؟ إذا كان أغلبية المنظرين يولون عناية خاصة بالإصلاح السياسي وينادون بالتعجيل بضرورة تطبيق واحترام المبادئ الديمقراطية وإذا كان البقية منهم يراهن على العامل المادي وينادي بإحداث تغييرات في البنية التحتية وخاصة في وسائل الإنتاج من أجل عصرنة الاقتصاد وتوحيد السوق وتطوير منظومة الخدمات وآليات التجارة فان جمال البنا يشذ عن هذه القاعدة ويرى أن كل ذلك يجب أن يكون مسبوقا بإصلاح ديني ويعطي الأهمية القصوى للتجديد الإسلامي بل انه يطلق على مشروعه اسم دعوة الإحياء الإسلامي وهي على خلاف دعوة أبي حامد الغزالي إلى إحياء علوم الآخرة متجهة نحو إحياء علوم الدنيا وتنطلق من الفرد باعتباره النواة الصلبة للمجتمع والدولة وإصلاح الفرد يعني تحرير العقل من الخرافة وإيقاظ الضمير من غيبوبة المنفعة. إذا كان الإصلاح السياسي والاقتصادي ينصب على الأوضاع والأحوال فان الإصلاح الديني سينصب على الفرد وهذا الأخير هو وحده المؤهل لإصلاح أوضاعه وأحواله إذا ما وقع الاعتناء بعقله وضميره أولا وانتصر على نفسه وتجاوز ذاته نحو ماهو أفضل والقرآن قد أكد على أسبقية إصلاح الذوات قبل التفكير في إصلاح الأحوال في الآية الكريمة:" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". الخطأ الكبير الذي وقع فيه المسلمون أنهم أهملوا مسألة الضمير والعقل ونسوا القيم الإنسانية الكونية التي جاء بها الإسلام مثل الجود والكرم والإيثار والتناصح والوفاء والعفو وإيتاء ذي القربى وحصروا الدين في أداء الشعائر والقيام بالتكاليف وأصبح المسلم عندهم يعني من يصلي ويصوم ويحج حتى وان اقترن ذلك بالسرقة والكذب والخيانة والنكث بالعهود والتقصير عن المواعيد رغم أن ذلك مخالف لما جاء به الإسلام. ان الإصلاح السياسي يعني مقاومة الحكم الفردي الشمولي وزرع نبتة الديمقراطية وتقسيم عادل للسلطة والثروة والمعرفة وبناء مؤسسات مستقلة وأن الإصلاح الاقتصادي يعني مقاومة الكساد والجمود والتضخم والانكماش وتحقيق التنمية والرفاه والرخاء والعيش الكريم للأغلبية المواطنين لكن الإصلاح الديني يعني استئناف باب الاجتهاد والقيام بتنوير أصيل وعلمنة جذرية للنص المقدس ونزع الأسطرة عن الحديث وعرض مختلف المدونة الفقهية على المناهج البحثية العلمية المعاصرة. ويترتب عن ذلك أن التنوير الديني عادة ما يكون الشرط الممهد لبناء ديمقراطية سياسية ولتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومن المعلوم أن ماكس فيبر قد بين في كتابه الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية أن الإصلاح الديني في المسيحية مكنها من نبذ الرهبنة والروحانيات وتقديس قيمة العمل والبذل مما أوجد مناخ ملائم لتشكل طبقة جديدة من الرأسمالية التجارية في مرحلة أولى والرأسمالية الصناعية في مرحلة ثانية ولولا إعادة الهيكلة اللوثرية الكالفانية لرسالة يسوع ما تحققت الثورة الفرنسية وما هدمت البرجوازية القلاع الآمنة الإقطاع، ونفس الفكرة أعاد تشغيلها ماكسيم رودونسون عند بحثه في التاريخ الإسلامي عن الأسباب التي منعت من تشكل طبقة برجوازية إسلامية منذ العهد العباسي على الرغم من توفر الشروط المادية المناسبة فوجد أن الأسباب هي عقائدية بالأساس وأن فهمهم للأحكام منع من تراكم في الثروة والتوسع في الاستثمار والإنتاج وتحقيق المزيد من الأرباح. نستخلص من ذلك أن التخلي عن هذا الفهم التقليدي المعطل لأي تراكم رأسمالي والشروع الجدي في بناء فهم عقلاني للدين على غرار المعتزلة والكالفانية كفيل بأن يجعل الإسلام مواكب للعصر مشجعا على التصنيع والتجارة والتنمية ومحققا للنقلة الاقتصادية المنشودة. لكن المعضلة التي لم يجب عليها جمال البنا هي: من يقوم بعملية الإصلاح الديني؟ هل هم الفقهاء ورجال الدين أنفسهم أم العلماء والمثقفون والمفكرون الأحرار؟ وكيف تتم هذه العملية؟ هل بتكوين مذهب جديد على غرار بقية المذاهب السابقة وبالتالي تكوين فرقة جديدة تنضاف إلى الفرق القديمة أم بتجاوز منطق الفرق نفسه وبالتعالي على عقلية التمذهب والملل والنحل؟ ثم هل تسمح السلطة السياسية في ظل تعثر عملية الإصلاح السياسي بأن تتم عملية الإصلاح الديني؟ ألا يتمترس الاستبداد السياسي عادة بالاستبداد الديني؟ وألا يستمد الحكام مشروعيته بشكل أو بآخر من المؤسسة الدينية؟
كاتب فلسفي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
المؤسسة السياسية هي
كركوك أوغلوا -

أصلا قائمة على شرعيتها الدينية وهي الشريعة التي هي الأساس والأصل للتشريعات الأقتصادية والسياسية والأجتماعية أيضا !!.., لايمكن أصلاح أي شيء بدون فصل الشريعة عن الدولة (سياسة وأقتصاد وتعليم وغيرها) ؟؟!!..فلماذا هذا اللف والدوران والأعتماد على رجل دين وأن كان جمال البنا ؟؟!!..