كتَّاب إيلاف

روسيا والغرب: لعبة التحدي والتناقض

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وافق الاتحاد الروسي على استقلال كل من إقليمي أبخازيا وأوستيا عن دولة جورجيا التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي أيام الحقبة الشيوعية وتقع على السفوح الجنوبية لحبال القوقاز وتطل على البحر الأسود وتتكون من ثلاثة وخمسين مقاطعة وجمهوريتين مستقلتين ذاتيتين هما أجاريا وأبخازيا ومحافظة مستقلة ذاتيا هي أوسيتا الجنوبية وتضم أكثر من أربع ملايين نسمة معظمهم من المسيحيين الأرثوذكس وأقلية من المسيحيين الكاثوليك والمسلمين واليهود وينتج عن هذا الإعلان انفصال الإقليمين عن جورجيا انفصالا تاما وانتمائهما إلى الاتحاد الروسي أسوة بأوسيتا الشمالية.
من المعلوم أن تاريخ جورجيا الحديث شهد ثلاث مراحل: الأولى هي مرحلة الرئيس جامسياخورديا الذي وقع انتخابه ديمقراطيا ووقع الانقلاب عليه عسكريا ليصل شيفاردنادزه إلى الحكم في مرحلة ثانية والذي أبقي على تبعيتها للباب العالي الروسي ضمن رابطة الدول المستقلة والمرحلة الثالثة هي مرحلة ساكاشفيلي التي أوصلته ثورة الزهور الديمقراطية إلى الحكم بعد الهبة الشعبية سنة 2003 ضد التلاعب بالانتخابات ونتيجة الدعم الذي لقيته هذه الثورة من طرف الغرب وقد تميزت هذه الحقبة بالموالاة للغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ودعم الشيشانيين في حربهم ضد روسيا.
اللافت للنظر أن قادة الكرملين بدؤوا سياسة حازمة بخصوص ملف الأقليات في الدول المجاورة والتي أصبحت تتبع حيويا للإمبراطورية القيصرية الجديدة التي ربما تعثر تشكلها مع بوريس يلتسين المريض وبدأت ترى النور بعد الترتيبات والإصلاحات التي قام بها القيصر الجديد بوتين والإصرار على المضي قدما الذي أبداه سلفه وتلميذه الوفي ميدفيد.
لكن الأسئلة الذي تطرح هنا هي: ما طبيعة العلاقة التي أقامتها روسيا مع العالم الغربي؟ وهل يعني إشارات التحدي الذي بدأت تظهر هذه الأيام أن موسكو أصبحت في جبهة متناقضة مع الغرب؟ والى أي مدى تستعيد روسيا موقعها الدولي عندما تركب موجة التحدي هذه؟
يتمثل الموقف المتبع من طرف روسيا من أحل بناء دولة عصرية تستعيد الأمجاد القيصرية منذ انتهاء موجة التفكك التي أصابت أكبر قطب في المعسكر الاشتراكي في نهاية الثمانينات في المحافظة على المجال الحيوي وتبعية الدول المستقلة للكرملين والمحافظة على قواعد عسكرية في بعضها وقد قامت برفض استقلالية الأقليات التي تنتمي إلى الاتحاد الروسي وناهضت بالقوة كل نزعات الانفصال التي بدأت تظهر عند الأقليات المسلمة في القوقاز مثل داغستان والشيشان وأنجوشتيا وعلى العكس من ذلك شجعت استقلال الأقليات الروسية المتواجدة في الدول المستقلة والتي خرجت عن بيت طاعتها وأصبحت موالية لدول مزاحمة لها وأبدت في سيل ذلك مساندتها لهذه الأقليات من أجل حمايتها ضد أي تهديد تمارسه الدول التي تتبع إليها وهو ما حصل في أبخازيا وأوستيا التي هي جزء من الدولة الجورجية.
لكن روسيا اتجهت في الآونة الأخيرة نحو دفع كل من إقليمي أبخازيا وأوستيا إلى إعلان انفصالهما عن جورجيا بعد حرب مدمرة خلفت العديد من الضحايا الأبرياء وكارثة إنسانية حقيقية وأدت إلى تدخل الجيش الروسي وإظهار الدب لمخالبه أمام المساعدة الأمريكية والإسرائيلية والتركية لجورجيا بعد دخول قطع من الأسطول الأمريكي لفرض التوازن العسكري وحماية بعض المصالح وتهديد الأسطولي الروسي بتفتيش كل سفينة ترسو على الموانئ الجورجية وهو ما أدي إلى نشوب توتر كبير في منطقة البحر الأسود.
تلويح الاتحاد الأوربي على لسان ساركوزي بعقد قمة حاسمة من أحل اتخاذ اجراءات ردعية ضد تدخل روسيا في جورجيا وتشجيعها لبعض المحافظات على الاستقلال قابله تهديد روسيا بالانسحاب من اتفاقية التجارة العالمية ونيتها استعمال قوة الردع العسكرية في أي اتجاه من أجل حماية الأمن القومي الروسي والحفاظ على المصالح الإستراتيجية.
اللهجة التي تحدث بها المسؤولون الروس جديدة وفيها إحساس بالقوة وتعبر عن توجه جديد في السياسة الخارجية للدولة الروسية التي يبدو أنها تريد أن تحاكي النموذج الإمبراطوري السوفيتي الذي اتبع سياسة اختراقية توسعية ممركزة للهيمنة الدولية والذي استعمل الايديولوجيا اليسارية من أجل تقاسم النفوذ على الكوكب الأرضي مع العالم الحر الغربي.
البعض من الكتاب العرب الذين لم يستخلصوا العبر من الماضي بدؤوا يطمعون في المضلة الروسية من أحل تخليصهم من الورطة التي وقعوا فيها والخروج من حالة التخبط ولعل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد وإبرامه صفقة أسلحة متطورة تندرج في هذا السياق، كما أن دور روسيا في بناء الترسانة النووية والعسكرية لإيران يدل على هذا الخيار في التعاون بين الكرملين والدول المعادية لأمريكا والغرب وفد وصل الأمر بهوغو تشافيز أن صرح بترحيبه بالأسطول البحري الروسي في موانئ فينوزويلا وهو ما يعني تحريضا لروسيا كي تستعيد مناطق نفوذها السابقة في أمريكا اللاتينية خصوصا وأنها تربطها علاقات تعاون وشراكة كبيرة مع كوبا.
غير أن التعويل الكامل على روسيا بالنسبة للعرب من أجل استعادة الدور الإقليمي المفقود هو محاولة في غير محلها وعبثية أولا لأن دولة روسيا الجديدة مازالت في بداية التشكل وتحتاج عقود لكي تعود إلى المسرح الدولة كقوة عالمية وثانيا لأن هذا النموذج في التعامل مع الملفات الساخنة وقع استخدامها وأثبتت التجربة التاريخية فشله سواء مع عبد الناصر والمخابرات السوفياتية عام 67 أو مع صدام حسين وروسيا أيام يلتسين في 91 و2003 عندما انطلقت طائرات التحالف من قواعد عسكرية منصوبة على أراضي تابعة للجمهوريات المستقلة لتقصف بغداد أمام أنظار حكام موسكو.
ان العرب لن ينهضوا ويقوموا من كبوتهم إلا بالتعويل على أنفسهم وليس بتشكل قوى إقليمية موازية للغرب مثل إيران وروسيا والصين تساعدهم على التحديات التي تمثلها تركيا وإسرائيل والغرب.
ان الاستنتاج من سيرورة الأحداث في البحر الأسود بأننا أمام حرب كونية بين روسيا والغرب هو استنتاج في غير محله لأن هذا الحدث هو مجرد نزاع إقليمي في محيط حيوسياسي مغلق، علاوة على أن الموقف الذي صدر عن لندن من موسكو مغاير لموقف الاتحاد الأوروبي وبعيد عن نظرة كل من ألمانيا وفرنسا ويأتي متفهما لتدخل موسكو في تبيليسي.
صفوة القول أن الحلم بعالم متعدد الأقطاب هو حلم معقول وضروري من أجل إنهاء حالة الحرب المترحلة وإبرام حالة من السلم الدائمة بين الدول وأن حق روسيا في أن تكون قوة إقليمية هو حق طبيعي خصوصا عندما يقترن ذلك باحترامها للقيم الديمقراطية واقتصاد السوق ولكن كل ذلك يجب ألا يكون على حساب سيادة الدول وأرواح الناس ودون تدنيس القيم الكونية التي ناضلت الإنسانية من أجل فرضها على الجميع وخاصة حق تقرير المصير بالنسبة للشعوب المظلومة واحترام الحدود بين الدول. لكن أليس من المفارقة أن تحرض روسيا إقليمي أبخازيا وأوستيا الجنوبية على الانفصال وتحرم شعب الشيشان وغيره من الأقليات من هذا الحق؟ كاتب فلسفي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مفارقة
علي أمزيغ -

وأليس من المفارقةأن يساعد الغرب إقليم كوسوفو ويدفعه إلى الاستقلال عن صربيا، وينكر حق تقرير المصير والاستقلال على أبخازيا وأوستيا الجنوبية؟

عجب
راصد زروق تونس -

لم يعجبني في هذا المقال غير هذه النسبة الغريبة للكاتب ;فلسفي ; فلم أسمع من قبل عن مثلها في هذا الميدان لذلك يتملكني العجب حتى يعرف هذا ;الكاتب ; نسبه الحقيقي فلسفة أم شؤون دولية !!!!