التمدد الأصولي وسيادة السلفيات السياسيّة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقوى الله خيار ومبدأ وعقيدة وانتماء ومطلبٌ روحيّ قبل أن يكون منهجا اجتماعيّا فكريا إنسانيّا تتوارثه الأجيال عن بعضها البعض، وإذا كان ثمّة دور أو فضيلة لأصحاب الدعوة الإسلامية في نشر تعاليم الإسلام بين العامّة والخاصّة على حدّ سواء، فهذا خيرٌ مثوبٌ في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة والعلم والأجر عند الله لكلّ مجتهد بكلّ تأكيد، إلا أنّ الحراك الإسلامي اليوم قد دخل مرحلة جديدة، جديرة بالبحث والتدقيق والتبصّر والتأمّل والمتابعة، إذ أنّ الدعوة الإسلامية لم تعد مجرد خطاب عقائدي إيديولوجي فكري معرفي ديني فقط يُعنى في تعميم التشريع الديني كأسلوب وتقليد وعادة وممارسة وسلوك وأخلاق وإرادة، بل تعدّى كل المألوف النظري إلى المنهجيّات التطبيقيّة المثيرة لكافة علامات الاستفهام والاستفسار والتعجّب.
ففي الوقت الذي كانت فيه الفرق والجماعات والحلقات والحركات الإسلامية كلها مهددة من قِبل الأنظمة ولا تزال في بعض الدول العربية، نجدها كيف استطاعت أن تجد لها منافذ عدّة في مناطق حيوية ومحوريّة ومتفرّقة من العالم، بعدما بدأت تتعاظم قواها بإيجاد الدعم الخارجي الكبير لها، وخاصّة فيما يتعلق بتوظيف المال بإدراج عملية التسلّح اللا مبرر من جهة، واللا أخلاقي أو اللا عقلاني من جهة أخرى، ولم يعد دور الفرق والتجمعات الإسلامية يقتصر على نشر عقائد وفكر ومبادئ وقِيَم وأخلاق وتعاليم الدين الإسلامي، بل صار خصما ضاريا في جملة الخصومات والتناحرات السياسيّة الشائعة في العالم، والمسوّغة لكثير من الحروب التي بدأت تُخاض في الألفية الثالثة باسم محاربة الإرهاب، لينضوي الدين الإسلامي بعد تسلّحه تحت لواء الأصولية الحديثة التي سهّلت للذئب الأميركي أن ينقضّ على مفاصل عدّة من العالم الإسلامي ويشلّها تماما، إذا استثنينا خرابها ودمارها الحاصل كما في أفغانستان أولا والعراق من بعده، وغزّة المحاصرة تحت طائلة حماس كحركة أصولية، والجنوب اللبناني المهدد على الدوام على شرف الحضور الفاعل لحزب الله، كلّ ذلك مرصود تحت المجهر الأمريكي والإسرائيلي والأوربي كمراقب ومهتم ومعني في محاربة الإرهاب، وبعيدا عن كافة المعايير الدولية، يتبادر إلى الذهن سؤال بسيط جدا، هل ما يحدث اليوم باسم الإسلام من شيوع في الخطاب التكفيري إلى فعل ناشط لاستشهاديين المقاومة الإسلامية المنتشرة عشوائيا في مختلف الأرجاء، أضف إلى التحالفات المُريبة التي نشهدها مؤخّرا بين العديد من الفعاليات السلفية والتي تتحوّل من مجرد فعاليات فكرية إلى قوى ضاغطة ومسيطرة ومهددة وممهّدة للنزاعات الداخلية، كمواجهات هزلية في أحسن الأحوال بين أبناء البلد الواحد، والدين الواحد، والمذهب الواحد كما يُستجدّ في العديد من الحوادث المتعاقبة والمتكررة في المناطق الساخنة للصراع السلفي التي تشهدها بعض الدول العربية كلبنان وفلسطين والعراق كأوراق رابحة لتحديد دفّة المواجهة أو دفع عجلة التفاوض بين اللاعبين الكبار في الساحة المشبوهة والمفتعلة حاليا، ويتجدد السؤال البسيط هنا، عندما ينهمك الجميع في توضيب المناخ السياسي، وينخرط الجميع في تعزيز المشروع السياسي، وينضوي الجميع تحت جناح التجديف السياسي، ويحترف الجميع مكر ودهاء اللعب السياسي، تُرى وقتها من سيحمل فعليا راية التنوير والتثقيف الديني؟
ومن هو المؤهّل حينها جدّيا للتوجيه والتعليم والتدريس والتمرّس الإسلامي؟،ولعلّ هذا السؤال تكمن بساطته بضرورة طرحه والتشديد على إيجاد إجابة تكمن في أعطاف جبّة أو ثنايا عمامة شاخصة وشاهدة على رسالة مبطّنة من هنا أو ملغومة من هناك يتواتر صداها بين مُكلّفٍ ومُحلّفٍ وجهبذ وجاهلٍ ودخيلٍ ومتعدٍّ أحيانا، فالرغبة الصادقة في تنشئة جيل على فقه التعاليم الإسلامية أصبحتْ مجازفة لا تخلُ من مخاوف ومحاذير عدّة ومحظورات الأسلم هو الاستغناء عنها، وإن كان الثمن التضحية بإسلامها المبني على أسس والقائم على أصولية والمُحاط بالسلفيات الجاهزة، التي حوّلت الإسلام من التسليم إلى التشكيك، ومن اليقين إلى الريبة، ومن المُعتقد إلى المُنتقد، ومن التراحم إلى التزاحم، ومن التعاضد إلى التباغض، ومن المُآخاة إلى المُراءاة، ودون ريب فإنّ النشرات والموجزات الإخباريّة، وكافة الحوارات والمُساجلات التي تُبنى عليها كفيلة بتجسيد الشرخ الإسلامي واقعا وتطبيقا في ظلّ المُستجدات اليومية وما يعتريها من تصعيدات درامية غير مبررة، فإنّ ذكر حادثة صغيرة حصلت في أكثر من مقام تختزل مايؤول إليه مفهوم الفكر الديني الإسلامي اليوم، ففي إحدى الجمعيات الناشطة إسلاميا والتي تدأب في نشر دعوتها العقائدية بجهوزية عالية وعلنية بجهود مُضاعفة تستقطب حتى أصحاب القلوب الصوّان التي لم تألف يوما ماهيّة الخطاب الديني الإسلامي وطبيعته، وإذا بالمُفاجأة الصاعقة بعد الاستدراج الكبير أنّ "الأطفال " المُلتحقين بصفوف هذه الدورة الصيفية التثقيفية المجانيّة هم عرضة للاستنطاق التفصيلي حتى يتمّ التعرّف على مرجعيّة الأهل المذهبيّة، وهكذا يتمّ فرز الأطفال حسب مرجعيتهم المذهبية إلى شطرين، شطر تحت مسمّى علني علّق على باب القاعة الأولى بلافتة عريضة كُتب عليها فئة الإمام "الشافعي "، و أخرى علّقت على بوابة القاعة الثانية كتب عليها بخط ٍّعريض فئة الإمام "عليّ "، وعاد الأطفال المظفرين بتصنيفهم، ليزفّوا بشرى أسياد الفكر الديني إلى ذويهم، بخيوط خفيّة تقوم بين دُعاة الإسلام الجُدد وأهالي النشء الجديد عن طريق البراءة المُتّفق على انتهاكها بين الطرفين، وهنا كان لا بدّ من السؤال هل صار الإسلام حكرا على الأئمّة وأتباعهم؟.
وهل يختلف إسلام الإمام الشافعي عن إسلام الإمام علي رضي الله عنهم وعنّا؟.
حادثة أبسط مما سلف تصوّر الذهنية الطارئة باسم الحركات الفاعلة والمؤثرة على المشهد الإسلامي الحالي، وصلاة الجمعة مدعاة لتضامن الجوار في خطوة واحدة لتفخيم الأجر وتعزيز الثواب، وهكذا قرر اليافعان أن يترافقا في قصد بيت الله، وفي أثناء الطريق إليه بدأ التوجه يأخذ طابعا غريبا عن نقطة الانطلاق، فواحد يريد أن يقصد "المسجد " للصلاة والآخر يأبى الصلاة عند هؤلاء ويفضّله عند أولئك في "الحسينيّة " ولأنّ قاصد المسجد كان أقل وزنا وعمرا وخبرة وعنادا وإصرارا لبّى دعوة داعيه وقصد الحسينيّة، وهناك كان لا بدّ من إعادة الصياغة بألفاظ تنطوي على دلالات العنف بكل أشكاله، منها على سبيل المثال لا الحصر، إياك أن ترفع الشهادة فإن لمحها أحد هنا سيقطعها لك بالتأكيد، حاذر أن تلمّ كفيك بقبضة واحدة إلى صدرك تكون قد حكمت على كفيك بالبتر،لا تنس أن تضع يدك فوق رأسك عندما يُرفَع الآذان حتى لا ينزلوا بك أسفل سافلين، اجمع إن جمعوا صلاة العصر وإلا سيمزقونك إربا، عندما يذكرون الحسين اضرب صدرك ما استطعت وإلا سيضربونك ما استطاعوا.
عاد اليافع مثقلا بالترهيب، ومدججا بالطقوس، ومخردقا بالتلقين، وبأفعال الأمر والنهي، حتى كانت الغلبة لممارسة الشكل ومنافسة المضمون على حساب المجالسة في سبيل الله والمؤانسة في ذكر الله، لقلب الآية الكريمة الداعية بعدم الإكراه في الدين، لتصبح لا بد من الإكراه في الدين.
فهل خرج الإسلام من فكره الشمولي ليدخل في خرم الطقوس المذهبية؟.
وهل تتوسّع رقعة الإسلام ومداميك التشكيك والانتقاد ترتفع بين دور العبادة بهذه الشراسة؟
وهل اكتمل بدر الإسلام حتى يتعلل المتمذهبين، العودة إلى ظلاميات الفكر الديني؟.
أسئلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها يكفي أن نسوق هنا أول غيثها، إذ أنه من حقّ المسلم على المبشّر أو الداعي في الإسلام، أن يضمن له حرية السؤال، وحرية الاستفسار، وحرية التلقّي، وحرية التطبيق بلغة وديّة بعيدة كل البعد عن التشنّج والتهديد والعصبيّات والتمذهب المؤدي للانفصال حتما لا للتواصل وإن بحكم الضرورة.
www.geocities.com/ghada_samman
gaidoushka@yahoo.com
التعليقات
كلمه ذهبيه
قارئ -يقولون بالامثال خير الكلام ماقل ودل ولذلك هناك جمله سأصنع لها اطار زجاجى واعلقها على الحائط : &; أنّ الدعوة الإسلامية لم تعد مجرد خطاب عقائدي إيديولوجي فكري معرفي ديني بل تعدّى كل المألوف النظري إلى المنهجيّات التطبيقيّة المثيرة لكافة علامات الاستفهام والاستفسار والتعجّب&;.
الاسلاميون
سالم -من حق رجل الدين ان يعطي الموعظة الحسنة التي دعت لها كل الاديان من اجل هدي الناس على العمل الصالح الذي ينفع المجتمع وتقديم النصح بالابتعاد عن الاعمال التي تضر المجتمع اي ان دورهم تربوي بالدرجة الاولى كما ان لرجل الدين الحق ان يتبوء منصبا سياسيا اذا ارتاى اهليته بذلك لكن ليس له الحق عند تبوءه المنصب السياسي بان يوظف الدين في سبيل تعزيز مركزه لان ذلك من شانه خلق الفرقة بين ابناء الشعب الواحد المؤلف من عدة مذاهب واديان وكذلك من شانه ان يتسبب في وقف عجلة التقدم عند دخوله في مفهوم الحلال والحرام في مجالات النشاطات الثقافية والفكرية والعلمية والرياضية في البلد كالموقف من الرياضات النسويةعلى سبيل المثال والزي المحلل او المحرم وكذلك الموقف من الفنون هل ان الموسيقى حلال ام حرام علما انها تمثل احد رموز الحضارة الانسانبة ويفتخر العراقيون بانهم اول من صنع القيثارة التي رمزت الى التطور الحضاري لبلاد وادي الرافدين
العالم تقاعس
yamolki -الاعتقاد العام أن الإسلام سينحسر بسرعة ليتقلص فى فرقتين صغيرتين، هما السلفية الپيوريتانية والقرآنية التأويلية.إن العالم تقاعس كثيرا عن التبشير بالعلمانية وعليه أن يعلم أن لا حل آخر إلا الانزلاق التدريجى لعصور ظلام جديدة .
بكل الود
عبدالرحمن سلامة -بكل الود قرأت ما كتبت المبدعة وصاحبة القلم الجرئ غادة عن السلفية وعلاقتها بالسياسة وهذا الموضوع من الموضوعات الحساسة والشائكة والتي تحتاج الى مزيد من التدقيق والتمحيص حتى لا ننجر وراء أمور نخسر فيها دنيانا ونغرق في سيول الدم وآخرتنا عندما نحيد عن جادة الطريق ، غادة ايتها الكاتبة المميزة كل اسبوع تطالعينا بموضوع شيق فلك منا كل الود
كلام غير مظبوط
بوعياد -مع الأسف الشديد اختلطت كثير من الأمور على الكاتبة حتى أخرجت مقالا فيه كل شيء إلا الموضوعية أما الاتهامات المجانية فحدث و لا حرج مما يفقد المقال المصداقية و هو إبعد ما يكون من حوار ودي