كتَّاب إيلاف

نكات بعثيّة غير مضحكة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بينما كنت أتابع الأخبار
الواردة من الشّام بخصوص مهازل المحاكمات الجارية هناك لموقّعي إعلان دمشق للتّغيير الوطني، تذكّرت كلامًا صدر عن أبي علاء قل قرون طويلة. لا، ليس المقصود أبا علاء، ذلك "الزّعيم" الفلسطيني الّذي طلب وحصل على هويّة إسرائيليّة لابنته، بل أعني، وشتّان بين الاثنين، فيلسوفَ المعرّة الّذي قال:
"ضَحِكْنا وَكانَ الضّحْكُ منّا سَفاهَةً - وَحُقَّ لسُكّان البَسيطةِ أَنْ يَبْكُوا".
فلو كان الأمر مُضحكًا لكُنّا ضحكنا حتّى استلقينا على أقفيتنا، ولكنّ الأمور تشي بغير ذلك. فالأخبار القادمة من دمشق الشّام لا تثير الضّحك بقدر ما هي تبعث على الانتحاب من هذه الحال الّتي آلت إليها الذهنيّة العربيّة، في الوقت الّذي يغذّ فيه العالم الخطى في هذا القرن المتسارع تطوّرًا على جميع الأصعدة. لعلّ أشدّ ما يثير الحزن والاشمئزاز في الآن ذاته هوذلك الصّمت المعيب والمريب من قبل أطراف وجهات تصفها الصّحافة العربيّة بالـ"نخبة"، والّتي كان من المفروض أن تهبّ دونما تلكّؤ لقول كلام صريح بشأن هذه المهازل البعثيّة وغيرها من المهازل العربيّة. والمهازل البعثيّة لا تُحصى، غير أنّي أكتفي هنا في هذه المقالة بتعداد ثلاث من هذه النّكات الّتي تثير الضّحك والحزن في آن معًا:
أوّلاً: نفسيّة الأمّة
لا شكّ أنّ الّذي رفع شعار "أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة" يعرف عمّا يتحدّث عندما يطرح مسألة "نفسيّة الأمّة". لأنّ الأمّة إذا كانت "واحدة" فهي بلا شكّ كيان حيّ ذو عواطف ومشاعر وتصوّرات وفوق كلّ ذلك، فهي ذات "نفسيّة". غير أنّ كلّ هؤلاء المنظّرين البعثيّين لم يشرحوا لنا في يوم من الأيّام ما هي مركّبات هذه النّفسيّة، وهل تمّ إحالة صاحب هذه النّفسيّة إلى تحليل نفساني في مصحّات البعث، أكان هذا التّحليل بحسب المنهج الفرويدياني أم بحسب المنهج اليونغياني لا فرق، كي نخرج على الأقلّ بشيء من كلّ هذا التّحليل العربي الأصيل. وإذا كان للأمّة "نفسيّة"، فهل هذه النّفسيّة هي "نفسيّة البعث"، أم نفسيّة الرّئيس القبليّ الّذي ورث الزّعامة البعثيّة في عرض مسرحيّ دستوري تراجيكوميدي، تمّ تسجيله كـ"ماركة مسجّلة" تنضاف إلى إبداعات الذهنيّة العربيّة المعاصرة؟ وهل تمّ اختصار واختزال "نفسيّة الأمّة" بنفسيّة هذا الزّعيم الّذي يعيث فسادًا وسحلاً وقتلاً في سورية ولبنان، والعراق أيضًا، بواسطة مخابراته المتوارثة كابرًا عن كابرٍ؟
ثانيًا: الشّعور القومي
ولأنّ الأمّة جسم حيّ، فما من شكّ في أنّ لها أحاسيس ومشاعر، ومثلما هي الأمّة كذلك هي الحال مع القوم، ولذلك أفردت قريحة البعث تعبير "الشّعور القومي"، كما لو أنّ القوم قد اختُزلوا في شخص لا يقترب منه إلاّ من كان على شاكلة زعيمهم القبليّ. في الغالب، كلّ من يطرح مصطلحات من هذا النّوع، في العالم بأسره وعلى وجه الخصوص في بلاد العربان، يجب التّشكيك في نواياه الحقيقيّة. لأنّ الشّعارات القوميّة والوطنيّة غالبًا ما تكون الملجأ الآمن لكلّ المستبدّين الّذين يزيّنون صنوف استبدادهم بتعابير من هذا الصّنف الآسن.
ما كنت لأتطرّق لهذه الأمور بمقالة سيّارة من هذا النّوع، لأنّ القضيّة بحاجة إلى بحوث نفسيّة وإلى أطبّاء نفسانيّين لمعالجة هذه الحالات المستعصية. غير أنّ الأخبار الواردة من دمشق الشّام بخصوص التّهم الموجّهة إلى ناشطين سوريّين من مختلف الطّوائف والنّزعات دفعتني إلى ذلك. فمن بين التّهم الّذي يوجّهها هذا "القضاء" السّوري المأزوم بنظامه، ما يتعلّق بهذه الأمور الخطيرة. أنظروا مثلاً إلى هذه التّهمة: "توهين نفسيّة الأمّة". وإن لم تضحككم هذه التّهمة، فلعلّ التّهمة التّالية تفعل ذلك: "إضعاف الشّعور القومي". فأيّ أمّة هي هذه وعن أيّ نفسيّة أمّة يتحدّثون؟ وأيّ قوم هم هؤلاء وأيّ شعور قومي هو ذاك الشّعور؟
وأخيرًا، أكثر النّكات إضحاكًا:
والنّكتة صيغت على النّحو التّالي: "تعكير الصّفاء بين عناصر الأمّة" الّتي وُجّهت إلى أمين الحزب اليساري الكردي. ألا تُقهقهون ضحكًا معي لسماع هذه النكتة؟
حريّ بنا أن نقول الكلام جهرًا. المشكلة لا تكمن في الصّياغة لذاتها، فالصّياغة هي من عمل البشر. الطّامة الكبرى هي في هؤلاء البشر الّذين يصوغون هذه النّصوص، والطّامة الكبرى هي في من يصادق على هكذا نصوص بوصفها بنودًا لاتّهامات تُوجّه إلى بشر آخرين. الطّامة الكبرى هي في ما يُسمّى زورًا وبهتانًا "مجلس شعب" يُقرّ نصوصًا من هذا النّوع. الطّامة الكبرى هي في زمرة هؤلاء القضاة الّذين ينظرون أصلاً في قضايا من هذا النّوع، بدل إصدار قرار فوريّ بتسريح "المُتّهمين" ببنود هي من مهازل قضاء العربان في هذا الزّمان. والطّامة الكبرى أيضًا هي في ما يُسمّى اتّحادات محامين عرب، اتّحادات كتّاب عرب إلى آخر قوائم الاتّحادات الهزليّة الّتي تبقى صامتة على هذه المهازل. أمّا "جامعة الدّول العربيّة"، الّتي يجدر أن يُطلق عليها "مجمع الكتاتيب العربيّة"، فهذه الأمور لا تعنيها لأنّها مشغولة بسيكار عمرو موسى.
هذه البنود الاتّهاميّة الّتي يقرّها نظام البعث ليست نكاتًا، وليست مثيرة للضّحك بالمرّة. هذه قضايا تعكس حال هذه الأنظمة، وتفضح إلى أيّ درك سفليّ أوصل هذا النّوع من الأنظمة الشّعوب العربيّة. من هنا، يجب أن نقول الكلام صراحة ودون لفّ أو دوران: كلّ من يصمت إزاء هذه المهازل الّتي ابتدعتها أنظمة عربان هذا الزّمان هو شريك في الجريمة البشعة الّتي شوّهت صورة كلّ ما هو عربيّ على وجه هذه الأرض.
والعقل وليّ التّوفيق!
*

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الأهم علمانية الحزب!
كركوك أوغلوا -

حيث كان من مؤسسيه مسيحيين ومسلمين (ميشيل عفلق ورفاقه) !!..ولكن صدام وأسد , خطفوا هذا الحزب وحرفوا مبادؤه !!!..حتى أن صدام تأسلم ووضع عبارة.......على العلم ذو النجمات الذي كان لمصر وسوريا والعراق ؟؟!!..المباديء وليس الممارسة للأفراد في السلطة هو المعيار ؟؟!!..وأنا لست بعثيا , وأنما علمانيا ليبراليا..

على مهلك
محمد المشاكس -

الكاتب السطحي لايعي أن مفهوم &; أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة&; شئ أكثر من رائع ولايهم من قائله ولو كان قرداً أو سمكة. أنا لم أكن ببعثي حسب المفهومين العراقي والسوري ولكنني مع أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. التجربتين العراقية والسورية لحزب البعث لاتعني بالضرورة فشل مشروع وحدوي عربي لأن هذا الحلم هو ماسيحقق للعرب مكانة بين الدول. عجبي منكم ياكتاب الهزيمة الفكرية: متى كان التشرذم أقوى من التجمع.

المضحكا لمقهقه
سالم فواخرجي -

المضحك المقهقه أنو داخل حزب البعث وفي وسط قياداته الرسمية العليا مليان من السلفيين والمتخفيين وراء العلمانية وهات يا رفيق وخود يا رفيق وهولاء من اشد الناس عداوة للنظام بس ما حدا عارف وين الخطر الحقيقي وكرة الثلج تتدحرج وتكبر يوم بعد يوم

الله ولي التوفيق
مازن الأحمد -

إنه كلام حق أريد به باطل. وما هذه النحيب إلا على لبن مسكوب. وصدق المثل القائل: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.هنالك أصول ضاعت أحق بالنحيب من الوقوف على ما زل به لسانك فأحصاه كتابك. الله ولي التوفيق أولا وآخرا يا أستاذ مصالحة

رمضان كريم
جاسم -

رمضان كريم ياخوة الكاتب مفلس اراد الاسترزاق من مال الله يامحسنين .الطريقة الوحيدة التي تدر علية ومؤكدة هي ان تشتم كل ما له صلة بالعروبة والاسلام ... في الغرب اذاراد كاتب فاشل, جريدة مصدية لا احد يقلبها, سياسي فاشل علية فقط شتم الرسول الاعظم (ص) الكاتب لايستطيع شنم رسولنا لا اسباب معروفة لذاشتم العروبة والقومية.. انصحك ان تستمر بهذا الاسلوب فهواسلوب سيقى مدرا عليك مادامت اسرائيل مهددةز.

إلى من يهمه الامر
ناطق فرج -

لو كان اهتمام العربان بعقولهم كـ اهتمامهم بنبريش وشيشة أرجيلاتهم (جمع أرجيلة أو نرجيلة)، لو كان اهتمامهم بعقولهم كـ اهتمامهم بـ المسلسلات والأفلام التي تعرض على شاشات الفضائيات ليل نهار، لو اهتمَّ العربان بالعلم والعمل مثقال ذرّة لكان الله ولي توفيقهم.. أو لاستحقوا التوفيق الإلهي..أو لمنحهم من لدنه التوفيق وأشياء اخرى لا تحصوها.. ولكن..!

إلى جاسم
ناطق فرج -

رمضان كريم ورحيم عليك وعلى العروبة! ولكن قل لي بربك: اسرائيل مهددة من قبل مَنْ؟

سمائهم على وجوههم
حمزة النجفي -

معلق الاول بعثي حتى النغاع!

حزب اللى يدفع
مواطن مخدوع -

حزب البعث مول بأموال ال سى اى ايه يعنى ميشيل عفلق ضحك على انصاف المتعلمين وقبض من الامريكان ولكن انصاف المتعلميين اتخدوا الحزب للسيطره على الجماهير بشعارات فجواء. يعنى حكايه الحزب ماهى الا اداه للسيطره على الحكم. يعنى الحكايه تمثيليه لا أكثر. هل يعتقد عاقل ان صدام كان بعثيا؟ او الاسد ماهم الا ديكتاتورين يستخدم مفهوم الحزب كغطاء لتشريع الحكم. هل هناك تعدد احزاب فعلى فى سوريا او فى عراق صدام؟ ينطبق الحال على الحزب الوطنى كلهم دكاكيين لبيع الخدرات لتخدير الشعب حتى يظل الدكتاتور فى الحكم. يعنى كل واحد عايز يظل فى الحطم يعمله حزب علشان تكمل التمثليه وللأسف يجدون من النخبه من يرتضوا ان يكونوا كومبارس علشان الفتات. مسكينه شعوبنا -- رزق الهبل على المجانيين

الله ولي التوفيق !!
محمد -

الله ولي التوفيق دائما وابدا.. لا العقل ولا القلب ولاغيرهما كانوا ولاة للتوفيق..انا طبيب اعمل في بريطانيا واحمل ٣ درجات جامعية ومقبل على الدكتوراةان شاء الله ، وكلما اخطو خطوة الى الامام اتيقن واتبثت في قرارة نفسي ان لا موفق الا الله..(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )) فالعمل من مهمة البشر والتوفيق من عند الواحد الاحد..وكل عام وامتنا العربية والاسلامية بالف خير..

الى الاخ كركوك اوغلو
شلال مهدي الجبوري -

تحيةالى الاخ اوغلو. كما تعرف ان العلمانية تعني فصل الدين عن الدولةوقدرتها الاستيعابيةللمجتمعاتالمتكثرة للاديان وضمان الدولةلفكرة استقلال الحياةالعامةللمجتمع عن مبادئ دين الاكثريةوالمساوات بين المواطنين جميعافي الفرص والمسؤليات والواجبات والحريات بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية وصيانة حرية الضمير والمعتقدواحترام حوق الانسان والعقلانية النقديةوالديمقراطية وغيرها. هل طبق البعثين هذه المبادئ؟ الا تعتبر هذه تهمة بحقهم مما موجود هو بعض مظاهر شكلية للمجتمع المدني بدون تطبيق الشريعة الاسلامية بالكامل ولم يوجد في منطقة الشرق الاوسط اي نظام علماني حتى تركيا فيها نظام قومجي ذو علمانية عرجاء وحتى نفسهم البعثين لم يصرحوا بانهم احزاب علمانية بقدر مايقول عفلق ان البعث هوبعث تراث الامة الاسلامية واخر ايامه اعتنق الاسلام

تحية
عراقي مهاجر -

تحية لك مني يااخي الكاتب مقالتك رائعة لانها تصف الوضع بشكل دقيق ان سيايات زج الامة بوحدة قصرية لاغراض سلطوية هي سياسات مكشوفة وهزيلة لقد عشت الجزء المهم من حياتي تحت سلطة وسياسة البعث لم ارى بحياتي اسوا وافشل من هذا النظام وان المؤمنين والانصار لهذا الفكر هم المنتفعون والانتهازيون ليس الا تبا لكل فكر متطرف يستغل شعارات عريضة لخدمة افكار شوفينيه وضيعة

الأخ شلال مهدي جبوري
كركوك أوغلوا -

كل عام وأنتم بخير (أيلاف الغراء وكتابها وقراؤها الصائمين), لقد جاء بردي :- الأهم المباديء وليس ممارسة أفراد في السلطة ؟؟!!..ولاتنسى أن هذه المباديء الجريئة في وقتها وعصرها في أربيعينيان القرن الماضي وأوروبا والعالم في أتون الحرب العالمية الثانية , فلامجلس أمن ولاحقوق الأنسان ولاهم يحزنون ؟؟!!..وشكرا