كتَّاب إيلاف

صحافة الرأي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يملك العالم العربي قدرة استثنائية على كسر كافة القواعد التي أنضجتها نظم الحكم الحديثة، وخصوصا الديمقراطية منها، كقاعدة "أن الصحافة هي سلطة"، إلى جانب السلطات الثلاثة المعروفة، بصرف النظر عن ترتيبها، إذ عجزت الصحافة العربية تماما على أن تكون سلطة أو حتى شريكا فيها، حيث تمكن أولو الأمر عندنا بامتياز من تثبيتها كوسيلة للتبليغ أو الانتقام أو التسلية، ولم يسمحوا لها أبدا، ولن يسمحوا لها مستقبلا، في أن تشاركهم الرأي و القرار أو القدرة على تغيير المسار.
والصحافة العربية بشقيها، القطري والقومي، المواطن والمهاجر، المستقل والحكومي، ما تزال ممنوعة من أن تكون مؤسسة حقيقية فاعلة، تماما كما هو شأن سلطتي البرلمان والقضاء، فقد اضطرت الحكومات جراء ضغط العصر إلى خلق وسائل إعلام أو السماح بظهورها، لكنها عملت بلا كلل على أن تجعلها تابعة، بقوة الحكم أو المال، وبالقمع أو التمييع، وبالترغيب أو الترهيب.
ولدى الحكم العربي قدرة على إيجاد الحلول القاتلة لكل المحاولات التي ظهرت لإيجاد صحافة فاعلة، ورقية أو الكترونية أو سمعية بصرية، فالمال العام والخاص مراقب ومتحكم فيه، والقدرة على فرض الرقابة متنامية متجددة، وإمكانيات الدولة والقطاع الخاص واردة في استعمالها لشراء الذمم أو فرض الرؤى، والأمية المستشرية معوق يحول دون أي قدرة على تشكيل رأي عام أو قوة شعبية مؤثرة.
إن استعراض حال الصحافة العربية، يبرز إلى الوجود نماذج متعددة لآليات عربية مبتكرة في التعامل مع أي ظواهر يمكن أن تنبئ ببروز وسائل إعلام قوية وملتزمة، وهو أمر يدفع كل حديث عن العوالم المفتوحة والحدود المتلاشية وتقنيات الاتصال المعولمة وغيرها من المفردات والمصطلحات التي فرضت نفسها بعد انتهاء الحرب الباردة، إلى دوائر الشك والارتباك، فقد أظهر الواقع العربي بسالة نادرة في التصدي لكل ما قد يحرك ساكن سياسته المستبدة وعقله المستعصي على التجديد.
ومن العوامل الأساسية في بقاء الصحافة العربية مرتهنة، عدم وجود رأسمال عربي مستقل حقا عن أنظمة الحكم، فالرأسمالية العربية هي بشكل أو بآخر، وفي مجملها، صنيعة الحكام، الذين هم من يغني ويفقر، وقد كان مصير كل رأسمالي أعلن بعض التمرد الإفلاس أو المنفى، ولهذا فقد فضل كل صاحب مال نشط في مجال الإعلام، أن يكون ملكيا أكثر من الملك، وأن يحترم ما يعتقد أنه خطوط حمراء، حتى وإن لم يحدثه بها أحد.
والمتفحص في خريطة التلفزيون العربية، سيجد أن أغلبها يتحرك في مجال الترفيه والتفاهة، وأن السياسي منها، إما حكومي ما يزال يعيش في عصر تشاوسيسكو، ولا يرى ضيرا في الدعاية لنظامه بترديد خطاب خشبي يخجل الممدوح من سماعه، أو مستقل يخاف أن يحرم من البث على قمر صناعي أو من عائد إعلاني، حيث أن سوق الإعلان في العالم العربي تابعة أيضا، يوزع الحكام حصصه حسب درجة الولاء.
و قد أثبتت الأنظمة العربية قدرات خارقة في التصدي لكافة التجارب التلفزيونية، حتى تلك التابعة لقوى الدولية نافذة، حيث لم تتردد في تحويل قضايا إعلامية إلى أزمات ديبلوماسية، ولم يحل أي عرف دون الإقدام على إغلاق سفارات وطرد سفراء، حتى إذا ما جرى التفاوض كانت النتيجة حتما لصالح الدولة المحتجة، وأقلها أن لا يقع التطرق إلى شؤونها، بالخير أو بالشر، وفي الأمر خدمة لمن بيده السلطة.
ولم تقدر الصحافة الالكترونية على تغيير المعادلة العربية، التي تحولت مع الوقت، جراء الرقابة وسياسة الإغراق، إلى ما يشبه النوادي المغلقة التي تخاطب أعضاءها ومشتركيها، حيث تظل هذه الصحافة من الناحية العددية نخبوية، ففي بلدان عربية كبيرة كمصر والمغرب والجزائر والعراق وسوريا وتونس، قد لا يتجاوز المتعاملون مع الانترنت نسبة 2%، وهي بيد المهاجرين العرب في كثير من الأوقات وسيلة للتنفيس أو لتصفية الحسابات الضيقة.
وإن الباحث في المواقع الالكترونية العربية، سيلاحظ أن الجيد فيها قليل، وأن المهني منها لا يتجاوز عدد أصابع اليد، وأن جمهورها أصبح أشبه بجمهور نوادي كرة القدم، أي أنه جمهور ثابت في مجمله، لا يتغير تقريبا، ويود سماع ما يتردد في داخله فقط، فإن سمع جديدا أو مختلفا، يضج بجنون، ولا يتردد في الاستنجاد بكافة وسائل المقاومة، مهووسا في ذلك بنظرية المؤامرة.
وعموما فإن الصحافة الالكترونية العربية، قد ظلت بكافة المقاييس عربية، سواء على صعيد رأس المال الذي يقف وراءها، أو من جهة احترازها من الخطوط الحمراء الرسمية والشعبية معا، أو لمعاناتها من الرقابة على اختلاف أنواعها، أو لعكسها واقعا فكريا وسياسيا مأزوما تغلب عليه قيم الإقصاء والتخطيط للإفناء والتخوين والمؤامرة.
وثمة سؤال لا شك أن كثيرا من الصحفيين وكتاب الرأي في الصحافة العربية يرددونه يوميا، أو بين الفينة والأخرى، لمن نكتب؟ وهل ثمة تأثير فعلا لما نكتب؟ وهل ثمة أمل في أن تكون لما نكتب قيمة؟ أما أننا نكتب لأنفسنا كما يقول أهل الشعر الحديث؟ ولإرضاء غاية في أنفسنا من باب إقامة الحجة على الذات وإراحة الضمير، أو لأجل مآرب أخرى؟
هذه فقط دعوة بسيطة للنقاش، وورقة متواضعة في الموضوع للحوار، فلا تتردوا رجاء في المساهمة!


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حرية التعبير
فرحان جوهر/كردستان -

انظمة العربيةغير ديموقراتى لذا لاتنتظرون ان يولدمنهاحرية الصحافة