كتَّاب إيلاف

مشروع الدولة المدنية في العالم الإسلامي!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الدولة المدنية هي دولة الفرد، أي الدولة التي تقوم على إقرار وحماية ورعاية حقوق الفرد، الفرد جوهر فلسفة الدولة المدنية، ولكن يا ترى وفي ضوء هذا التصور، ماذا سنقول عن الدولة التي تقوم أساسا على فكرة المجتمع، المجتمع قبل الفرد، هل نسينا الماركسية والإشتراكية بصورتيهما المتطرفتين؟ لماذا لا نطرح مشروع الدولة المدنية الذي يقوم على فلسفة (الفرد الإجتماعي)؟ أليس ذلك أولى من دولة مدنية قوامها الفردية الطاغية أودولة مدنية قوامها المجتمع المتسيِّد؟ ذلك هو منطق القرآن الكريم، وتلك هي (نزعة) التشريعات الإسلامية بشكل عام، أقول (نزعة) هذه التشريعات وليس (حرفيّة) هذه التشريعات.
كلامي هنا عن مشروع الدولة المدنية في العالم الإسلامي بطبيعة الحال، آخذا في نظر الإعتبار التركيب النفسي للإنسان المسلم، بل التركيب النفسي للإنسان الشرقي بشكل عام، فهو تشكيل مترع بالقيم الدينية، سواء كان ذلك عن إيمان وفهم أو عن تقليد ومواصلة لتاريخ الآباء والأجداد.
الدولة المدنية كما هو مقرر في الاجتماع السياسي تقوم على مبدأ التضاد مع الدين، هذا هو منطق الدولة المدنية في ظل الحكم الإشتراكي المتطرف، أي منطق الاتحاد السوفياتي في عز تاريخه، وهناك صيغة مخفّفة تقول أن الدولة المدنية تقوم على مبدأ الفصل بين الدين و الد ولة وليس التضاد، وذلك هو منطق الدولة في أوربا، فالدين لله والوطن للجميع، ولكن ما عسانا نعمل مع عالم مترع بالتدين؟ مع عالم يتغلغل التدين فيه إلى أعماق أعماقه؟!
ليس من المعقول أن نرسي مثل هذا الإمضاء دون قراءة دقيقة للواقع وممكنات التحقيق، تلك آفة وقعنا في شراكها المقيت، فأصابنا الفشل الذريع. هل يمكن أن يطرح مفكرونا العرب مشروع دولة مدنية ترشدها القيم الدينية السامية؟
أ ليس في ذلك حل منطقي وإلى حدٍ ما لدور الدين في عالمنا الإسلامي في بناء الدولة المدنية؟.
لقد كان محمد باقر الصدر عبقريا عندما أقر دور القيم الغربية في نهضة الاقتصاد الغربي، أي الفردية و النظرة الواقعية للحياة والنظر إلى الأرض قبل النظر إلى السماء، وكان عبقريا كذلك عندما أصر على إمكانية الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه قيم السماء والشرق في تأسيس إقتصاد قادر على النهوض بمستويات الفرد ومجتمعه في هذا الشرق. دولة مدنية لا تتضاد مع الدين، ولا تحكِّم الدين الحرفي في تأسيسها ومسارها، ولكن تستفيد من القيم الدينية في ذلك، بل ربما تستفيد أيضا من روح التشريع ومقاصده وأهدافه وغاياته، أقصد التشريع الإسلامي بالدرجة الاولى.
أن الفصل بين الدين وا لدولة في عالمنا الإسلامي وا لشرقي موقف صعب، وربما يؤدي إلى مضاعفات غير محمودة، وقد كان مكيسم رودنسن ذلك الماركسي اليهودي الفائق النظر وا لإنسانية على حق عندما راعى هذه العلامة الفارقة في العالم الإسلامي،حيث كان يصر على ضرورة قيام إجتماع سياسي خا ص بالشرق، يتلائم مع نشاته وصيرورته وضميره.
إن الصيغة المقبولة في هذا الشرق في هذه القضية بالذات هي الفصل بين الحكومة و الدين وليس بين الدولة وا لدين.فالدولة دينها الرسمي الإسلام، وتحتفظ بكل الحقوق لبقية الاديان الاخرى، وتسمح لحرية التدين أن تأخذ مساحتها الكاملة من الواقع، ولرجل الدين حقه في ممارسة السياسة، ولكن ليس باسم الدين، وتحت غطاء الدين. أنطلق من الحقائق على الارض، وليس من ضمير الإنسان العالمي، تلك أمنية، ربما نصل إليها بعد أجيال وأجيال.
يقولون: أن الدولة المدنية فوق الطائفية، والفكرة جميلة، والشعار أجمل، ولكن هل حقا كل الدول التي تعتبر مدنية هي فوق الطائفية الدينية؟ حتى في تلك الدول التي تبدو أنها علمانية صارخة، حتى في الدول التي مات الدين ــكما يقولون ــ في ضمائر شعوبها وناسها وأفرادها، هل نجد مصداقا صارخا لذلك في أمريكا بين البروتستانت والكاثوليك فضلا عن بريطانيا حيث تشخص قضية الكاثوليك في أرلندا وملابساتها؟ هل نجد مصداق ذلك في فرنسا، روسيا؟
الشرق ترسانة طوائف، وترسانة قوميات وأقليات على حد تعبير هنري كسينجر في مذكراته، فهل ننسى أو نتغافل هذا الواقع المرير؟ لنقل: أن دولتنا المدنية هي دولة التوازن بين الطوائف وليس دولة فوق الطوائف، ليس حبا في منطق الطوائف بل تقديرا وحسابا دقيقا للواقع المرير، ليست دولة محاصصة طائفية بل دولة توازن، تراعي الى حد كبير حقوق الجميع،وترسي وا جبات الجميع، وبذلك نقضي على الطائفية، نخلق مجتمعا متوازنا، لا ندعو إلى دولة تتشخص فيها وزارات مقاسة طائفيا، تقوم على توزيع طائفي، بل الى دولة ترعى أبناء كل الطوائف، وبذلك يتحقق التوازن بين الطوائف، ليس التوازن هو توزيع وزارات طائفيا، بل توزيع الثروة بالعدل بين كل أبناء الشعب، وبهذا لا تنفرز طائفة حاكمة وطائفة محكومة، ومن هنا ننجز منطق التوازن بين الطوائف، وأنا أركز على كلمة (طوائف) هنا، لأن الانتماء الى طا ئفة تحول إلى هوية في عالمنا الإسلامي وا لعربي للاسف الشديد، وأصبح أحد بل أهم آليات التحليل السياسي في عالمنا الإسلامي والشرقي.
يقولون: إن الدولة المدنية هي دولة القانون وليس دولة العشائر، ولا دولة الرجال النافذين، ولا دولة الحزب الواحد ولا دولة القانون الخالد hellip;
تبرز هنا ذات المشكلة التي تتعلق بموقع الدين و التدين في الضمير الإسلامي والشرقي، فالسؤال القائم هنا هو: ترى ماهي النتيجة لو أردنا ألغاء العشيرة من الحياة السياسية اليوم في العراق أو في الأردن أو في اليمن ؟ بل هل هذا ممكن فضلا عن كونه مشروعا على طاولة التساؤل؟
إن الحل في تصوري هو أن يتحرَّك مثقفو العشائر صوب تحقيق المجتمع المدني، مجتمع السلم وا لعدل والحرية، وذلك في سياق تشريعات مدنية مرنة تتعامل مع موقع العشيرة كوجود وقيم بدقة وموازنة، وليس ممّا يتضاد مع فلسفة الدولة المدنية الاستفادة من الرجال النافذين في المجتمع، ذلك فن ذكي لإنشاء الكثير من الحقائق الموضوعية، خاصة إذا كان هؤلاء الرجال من ذوي التحصيل العلمي والثقافي الجيدين، لابد أن نستفيد من كل الممكنات المتاحة لبناء الدولة المدنية في العالم الإسلامي، والزعامات الروحية وا لمالية والعشائرية ممكنات ليست عصية على التجيير لصالح الدولة المدنية. ويبقى الكلام عن دولة الحزب الواحد، فإنها تتناقض بالصميم وبالجوهر مع مبادئ وفلسفة ومسيرة الدولة المدنية، ذلك خط أحمر، أو أحد الخطوط الحمر، كذلك منطق القانون الخالد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
;أجل
سمير عب الله -

نقاط بالصميم ابو عمار كما يسمونك وكما قرات انك يسمونك كذلك ، كما هي افكارك السابقة ، واقعية علمية ، تشريحية ، بارك الله فيك ،زدنا معرفة ، اكلمك من جنوب العراق الذي كتبت كثيرا ،شكرا لك

أكثر من علم اجتماع
اكرم حمودي -

اشكر الكاتب على هذه الاثارة الجميلة ، ولكن اعتقد هنا اكثر من علم اجتماع سياسي ، هناك الماركسي وهناك ا لليبرالي ، الكاتب لم يميز بينهما بدقة ، ولكن بشكل عام هناك مشكلة هي مشكلة قوام الدولة هل هو الفرد ام المحتمع ، وهي قضية اشارا اليها الكاتب بنجاح حلها بمشرو علم اجتماع سياسي جديد يقوم على فكرة الفرد الا جتماعي ، لك حق ، وفكرة حلوة

لايمكن لرجل الدين أن
كركوك أوغلوا -

يجمع بين لبس العمامة والسياسة لأنهما متناقضان حيث الدين حنيف وصادق بينما السياسة قائمة على المراوغة وحتى الكذب ؟؟!!..عليه بنزع العمامة أولا ليدخل في معترك السياسة (فن الممكن) ؟؟!!..ورجل الدين لديه وظيفة دينية ولذا يستحق راتب و مخصصات لهذه الوظيفة ؟؟!!..

لا لتمذهب الدولة
اوس العربي -

من حيث المبدأ الدولة في الاسلام دولة مدنية بطبيعتها لا دولة دينية اي دولة لا يحكمها علماء الدين احبذ منطق عدم تمذهب الدولة اي ان الدولة لا مذهب رسمي لها اي ان الدولة تكون حيادية ازاء المذاهب هي دولة عربية ومسلمة بحكم الاغلبية العرقية و الدينية مع التأكيد على عدم الاجحاف بالعرقيات والاديان الاخرى داخل الدولة دولة تسمح للجميع بمزاولة معتقداتهم الدينية ـ لايشمل هذا الردة عن الاسلام بالتصريح بها او الترويج لها ـ ولا تسمح بالدعوة لغير الاسلام او بالافكار الهدامه ـ امن قومي ـ بالاتقان بالابداع بالمبادرة الشخصية بالترقي الى اعلى المناصب مهما كان دينه ومذهبه ـ بما في ذلك منصب رئيس الدولة ـ اذا اثبت الشخص نظافة يده وضميره وولائه لبلده وناسه ، وقدم مشروعه الانتخابية وانتخبته الامة على ضوء ذلك ورضيت به لا اوافق على حرمان عالم الدين من العمل السياسي بدعوى القول ان عالم السياسة مدنس لا قيمة له السياسة في الاسلام تعني حسن سياسة الامة وادارة شئونها والسهر على رعايتها وحسن ادارة الموارد والعلاقات الداخلية والخارجية الاسلام يرفض الميكافيلية ليس في الاسلام منطق ان الغاية تبرر الوسيلة الاسلام مع الغايات النبيلة يسعى اليها بوسائل نبيله

دولة أوس العربي
خوليو -

تسجل العلمانية نقطة لصالحها في دولة أوس العربي حيث يوافق على ترشيح مواطن غير مسلم لرئاسة الجمهورية بشرط نظافة اليد وتقديم مشروعه الانتخابي، وعلى فرض أن من ضمن مشروعه الانتخابي هي حرية المعتقد فما هو رأي السيد أوس، هل يسمح له بالترشيح؟ ، في الدول المدنية العلمانية يغّبر الإنسان دينه ولا حاجة لتسجيل ذلك في السجل المدني ولاحاجة لإعلانه، الدولة الدينية هي التي تلزم الشخص بتسجيل دينه في خانة الديانة ، لاندري كيف سيتدبر السيد أوس في دولته هذا الأمر دون أن يحذف خانة الديانة من ورقة قيد النفوس ،نعرف أن في الدولة الدينية يسمحون لللآخر بالصلاة، ولكن هذا غير كاف، الحقوق بالمساواة يجب أن تكون كاملة للمسلم والمسيحي والبهائي و الذي لايعتقد بأي دين ،في الدول المدنية حرية الرأي هي من أسمى الانجازات ومكفولة بالقانون،وحرية الصلاة يدعمها الدستور، في دولة قيس الشبه دينية يحظر على الآخر الدعوة لغير الإسلام ،عجباً لهذه الحرية المبتورة، على كل حال هو مكسب للعلمانية أن يسمح السيد أوس لشخص غير مسلم بالترشيح لهذا المنصب، و قد نرى في تعليق قادم أن السيد أوس يؤيد زواج المسلمة من غير المسلم، ولكن بدون إعلان ذلك، خطوة خطوة.

الدين والمجتمع المدن
شلاال مهدي الجبوري -

الدين واي دين لاعلاقة له بالمجتمع المدني . والمجتمع المدني هو آلية من آليات المنهج العلماني واريد ان اسال الاخ الكاتب وهو شيعي عراقي. وقوى الاسلام السياسي الشيعي تربت في مدارس قم في ايران وتنظر الى التجربة الايرانية كنموذج لها تحتذي به بالرغم من عدم تظاهرها لكن على ارض الةواقع العراقي تطبقه في مكان تحكم به في العراق فاسال هل هناك مجتمع مدني في ايران ام نظام شمولي استبدادي ذومميزات فاشية؟وفي السودان نظام اخوان المسلمين العسكري هل هناك مجتمع مدني وهل يوجد مجتمع مدني في العربية السعودية ان سمحت لي ايلاف ؟ وهل قوى الاسلام السياسي السنية والشيعية تؤمن بمناهجها واحزابها بالمجتع المدني؟ يااخي اهم مبدا من مبادي المجتمع المدني هي الحرية الفردية ومنها حرية المعتقد وحرية الراي والصحافة والحرية الحزبية... فهل المنهج الديني الاسلامي يسمح بذلك؟.

فهم مغلوط
وجيه ا لح امد -

لم يدع الك اتب الى دولة دينية ولكن يدعو للاستفادة من الدين وغيره من قيم سا ئدة لا ن من لصعب تجاوزرها ، ولكن يبدو انه فهم غلطا ، السيد وكل دول العالم تستفيد من قيمها وتراثها احببت التنويه لاني دائم القراءة للكاتب المحترم ولست ك اتب ، معذرة