صبر قصير على الديمقراطية.. طويل على الاستبداد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ولربما وجد كل عربي في تاريخ بلده المعاصر ما يؤكد هذه الحقيقة، فالحرية عندنا غالبا ما تقود إلى الفوضى، ثم شيوع الفتن والاضطربات، التي عادة ما تدفع عامة الناس إلى الاعتقاد بأنه ليس أفضل لها من المستبد مع الاستقرار، على الحرية مع الفوضى، ولو كان الاستقرار كما الوضع في المقابر، والفوضى خلاقة للاستقرار بمعناه الحقيقي.
وليس فساد الأمم إلا من فساد نخبها، وقد أثبت الدرس الموريتاني هذه الأطروحة، فالديمقراطية لم تكن مطلبا شعبيا أيام الدكتاتور ولد الطايع، بل كانت مطلبا نخبويا، قبل أن تتحول مع حكم الرئيس الانتقالي ولد فال إلى منة عسكرية لا ضمانة شعبية لها، وهو أمر أكده الانقلاب الأخير، الذي لم يحرك رد فعل شعبي معارض، بقدر ما وجد سندا في مساندة عدد من النخب وقدر وافر من الشعب.
ولو أن النخب السياسية الموريتانية أجمعت أمرها جميعا على رفض الانقلاب، ولم يتهاوى عدد من النواب والوزراء والديبلوماسيين إلى إغراءات الاتقلابيين، لأرجعوا العسكر إلى ثكناتهم إلى الأبد، حتى تكون الكلمة الوحيدة للشعب، هو من انتخب الرئيس والبرلمان، وهو من يعاقب ويعزل، لا حارس الرئيس الذي قرر التحول إلى رئيس وزعم بدوره أن الشعب الموريتاني الذي قال كلمته قبل أشهر، قد منحه التفويض للقيام بذلك.
ربما كانت غلطة الرئيس المنتخب ولد الشيخ، أنه كان طهوريا أكثر من اللازم، وأنه لم يدرس التاريخ العربي جيدا، فقد أراد أن يعيد العسكريين إلى حجمهم الطبيعي كما في سائر الأنظمة الديمقراطية، لكنه نسي أنه في موريتانيا، وأن من يملك قوة العنف هو من يقرر، وليس الشعب، فلما بادر إلى قطع رأس الفتنة العسكرية، أجابه الجنرال الحارس بأنه هو الذي يقطع الرؤوس لا غيره، وكان أن تحول الحارس فعلا إلى رئيس.
وأذكر أن الجنرال ولد عبد العزيز قد فشل في أول لقاء تلفزيوني له، سويعات بعد انقلابه، حتى في توصيف انقلابه الحقير، بمنحه إسما يليق على غرار مال يفعل الانقلابيون العرب عادة، حيث قال أنه "ردة فعل"، قبل أن تسعفه النخب السياسية الفاسدة الجاهزة للبس حلة الملك الجديد سريعا، بمصطلح "الحركة التصحيحية"، وقد كان الانقلاب "حركة تخريبية".
لقد كشفت الأحداث المتلاحقة في موريتانيا، أن الشعب لم يكن مستعدا للدفاع عن ديمقراطيته الوليدة، وأن السلوك الديمقراطي القويم لم يترسخ لدى النخب السياسية الموريتانية حقا، فقد أيد ولد داده زعيم المعارضة العتيد أيام الرئيس ولد الطايع الانقلاب العسكري، وحمل ولد الشيخ المسؤولية عما وقع، وأحسب أن دافع الرجل كان الانتقام لعدم فوزه في الانتخابات الرئاسية، لأن بعض زعمائنا السياسيين يعتقدون بأن الديمقراطية هي فقط ذلك النظام السياسي الذي يفضي إلى فوزهم، أما إذا حدث خلاف ذلك فكل وضع آخر سيكون أفضل.
زعيم الانقلابيين الجنرال ولد عبد العزيز استهزأ عمليا بالمعارضة الخارجية المحتشمة للانقلاب، وعزا ذلك إلى نقص في المعلومات لدى هذه الجهات، مراهنا على أن الزمن سيلين مواقف الممانعين والمتشككين، خصوصا إذا ما استكان الشعب إلى النظام الجديد، وليس مستبعدا أن يستكين، فصبر العرب على الديمقراطية قليل قليل، لكن قدرتهم على التعايش مع المستبدين يفوق كل تصور.
النقاش والحوار واختلاف وجهات النظر بين السياسيين ومساءلة الوزراء أمام اللجان البرلمانية وتصادم المؤسسات الدستورية فيما بينها وووقوف البرلمان في وجه الرئيس وحرص الرئيس على تطبيق برامجه الانتخابية، كل ذلك لا يعد في نظر شعوب ألفت الاستبداد مظاهر تعاف للحياة السياسية، وتأسيسا لتقاليد سلطوية حيوية جديدة، بل مظاهر عدم استقرار وفوضى، أما القرارات السريعة الأحادية والمزاجية والشخصية الصادرة عن الذات الإلهية الحاكمة في الأنظمة الاستبدادية فليست إلا دليلا على عبقرية خيارات القائد وعظمة إنجازاته اللامتناهية.
وليكن معلوما إذا، أنه إذا لم يعد سيدي ولد الشيخ عبدالله إلى سدة رئاسته الشرعية، بمعية رئيس وزرائه المتضامن، فسيعلم الموريتانيون أن الانقلابيين لن يعودوا بعد انقلابهم الأخير هذا إلى ثكانتهم العسكرية، وأنهم حتى وإن نظموا انتخابات جديدة لا يشاركون فيها كما وعدوا، فسيظلون هم من يحكم من وراء الستار، ربما كما رغبوا في فعل ذلك مع ولد الشيخ، الذي رفض فيما يبدو أن يكون رئيسا "طرطورا".
* كاتب تونسي
التعليقات
شموس كثيرة
خوليو -شموس كثيرة يجب أن تغرب وتشرق حتى تتعلم هذه الأمة ماهي الديمقراطية لتمارسها، انظر حماس وعلى الرغم من فوزها ديمقراطياً عالجت أمور الفساد بحد السيف وليس في البرلمان، وكأن السيف هو من ركائز الديمقراطية وليس أكبر فساد صنعه الإنسان.، وقد قالت العرب سابقاً من شب على شيئ شاب عليه،عندهم كلمة اسمها شورى بين بعضهم البعض لتقسيم الغنائم وتنصيب من يخدمهم أكثر ويظنونها ديمقراطية، انظر لبنان لديهم برلمان منتخب وتجتمع رؤساء الطوائف والعشائر والأزلام للتفاوض ويسمونه حوار وطني، انظر سوريا استفتاء والنتيجة 99،9 بالروح بالدم نفيدك ياملك ، وعندما يزول الملك بالروح بالدم نفديك ياملكنا الجديد، انظر الأردن ،الملك يعّين 25% من النواب ، انظر العراق ذهب الديكتاتور وانفجرت دمامل الطائفية، ورؤساء الطائفية لاتزال خطبة الحجاج في أدمغتهم :أيها الناس إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها... الدول الأخرى لاتستحق النطر إليها للبحث عن الديمقراطية فقد أفتوا أنها كافرة مستوردة تطعن في ديننا الحنيف، ،الديمقراطية الحقيقية يلزمها أحزاب حقيقية وانتخابات نزيهة واعتراف للمنتصر، وهذا المنتصر عليه أن يحترم الممارسة الديمقراطية وينازل خصمومه أمام القضاء المستقل، والديمقراطية يلزمها دستور مدني يتساوى فيه المواطنون ، والديمقراطية تتأسس على فكرة المواطنة لا القبيلة والدين وتستمد سلطتها من المواطن، المواطن الحقيقي، وغياب هذا الأخير هو سبب فشل كل التجارب الديمقراطية: في سوريا الخمسينات وقبل الوحدة العتيدة خرج أتباع البعث ينادون بدنا الوحدة باكر باكر مع هاالأسمر عبد الناصر، وجاء عبد الناصر وفرض نظرية الحزب الواحد والإله الواحد، وأجهض جنين الديمقراطية .
النخبة: اين الشعب.
واغد محمد -اول مرة في تاريخ انقلابات الدول العربية تخرج النخب بتأييد شعبي الى الشارع لتندد وترفض الانقلاب الاخير في موريتانيا دون اي خوف..انها في رأي ثمرة الديمقراطية الفتية التي ولدت عقب الاطاحة بولد الطايع، تلك التجربة التي ان قدر لها الاستمرار لتنسمت وداعبت الديمقراطيات الغربية..لكن وللاسف قطع عليها الطريق كالعادة من الملهمين والتصححيين من العسكر، الذين وضعوا العصي من جديد في دواليب النظهة الديمقراطية في موريطانيا بدعوى ارجاع القطار الى السكة. وحتى لو كان هدف العكسر نبيل فتدخلهم لن يجلب الاستقرار ابدا كما يدعون وانما سيشجع ملهما اخر ليطل علينا عن قريب ويتحف اسماعنا بكلمة التصحيح..وهكذا هو الحال وتبقي موريتانيا وغيرها رهينة التقدير الشخصي لا الشعبي.