حكايات الاحتلال... (٤): الولاة الأتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وجدير بالتنويه أن دارسي التاريخ يقسمون الفترة بين الغزو العربي (٦٣٩) والغزو العثماني (١٥١٧) إلى ثلاث حقب رئيسية: حقبة الولاة (العرب ثم الأتراك)؛ والحقبة الفاطمية؛ والحقبة الأيوبية المملوكية. ***
هل اختلفت الأمور بالنسبة للقبط تحت الولاة الأتراك؟
١٢ـ في أيام الأنبا شنوده، البطريرك الخامس والخمسون (٨٥٩ـ٨٨٠) يقول ساوري:
[[وكان في تلك الأيام جعفر المتوكل خليفة، وثار عليه ولده محمد (المنتصر) وأخذ مملكته. ولما تولى، عزل جميع الولاة الذين كانوا في زمن أبيه (..) وأنفذ إلى مصر أحمد ابن محمد المدبر، وكان رجلا شديدا وصعبا (..) ففعل أفعالا لم يفعلها أحد قبله. وكان قد أقام بفلسطين مدة كبيرة وأذاق أهل تلك البلاد صعوبة وبلايا (..) وعند وصوله إلى مصر (..) أنفذ إلى الديارات (الأديرة) بكل موضع وأحصى الرهبان التي فيها وطالبهم بالجزية والخراج عن الحشيش وعن النخيل والشجر. فلما وصل الخبر للأنبا شنودة بكى بكاء مرا وقال: "أيها الجبل المقدس وادي هبيب (شيهيت، النطرون) الذي هو ميناء الأنفس الضالة كيف أقام عليك الشيطان هذا البلاء الذي يحل بالساكنين فيك". وكان هذا الإنسان (الوالي) الظالم يطلب الأب (البطريرك) ليأخذه ويمضي ويضمن ما يتعلق بهذا الوادي وجميع ديارات مصر (..) فهرب منه (..). ومن شر فعله، أنفذ (الوالي) إلى كل البيع (الكنائس) وأحضر ما عند كل واحد (..) وأمر أن تغلق البيع بمصر (الفسطاط؟) إلا بيعة واحدة. وكان نوابه يأخذون القائمين على كل مكان يحبسونهم ويقيدونهم بالحديد ويحملوهم إلى مصر (..) وفي زمانه أجمعَ مال البيع والأساقفة والأديرة (..) وظل البطريرك هاربا ستة أشهر، فلما رأى أن غضب (الوالي) لا يتراجع بل يتزايد، استعد أن يسلم نفسه عن البيع والأساقفة (..) ومضى سرا إلى منزل (شخص قبطي) في الفسطاط وكتب للوالي يلتمس منه أمانا لكي يظهر له (..) فرد عليه بمكر :"إذا أنت حضرت عندي قبل أن يقبضك أحد ممن يطلبك من جهتي في كل الأماكن فأنت مطلق ومسامَح بالبلاء الذي أردت أن أنزله بك والبيع، فإن قبضك إنسان وأحضرك إليّ فإني أفعل بك ما أضمرت به لك وأكثر منه"]].
فذهب إليه البطريرك، فألزمه بخراج سنتين سابقتين على وصوله لمصر، وكان مجموع ما عليه سبعة آلاف دينار. [[وكان هذا بداية البلاء من عظم الخراج الذي ثبته على البيع وعلى الأساقفة والأديرة في كل كورة مصر (..) وكان الإنسان الفقير الذي يعجز (عن أن يجد) قوته يأخذ منه (دينارين) حتى ضج أهل مصر من عظم هذا العذاب وجحد (أنكر دينه وأسلم) كثير من النصارى لأجل قلة ما بيدهم (..) واجتمع الأساقفة بفسطاط مصر وقسطوا على أنفسهم ما (ألزم الوالي البطريرك بدفعه) وما قدروا أن يوفوه (..) وكانت كورة مصر في ضيق عظيم وافتقر الأساقفة والرهبان بسبب الغرامات]].
[[وفي تلك الأيام مات المنتصر ابن المتوكل، قاتل أبيه، وانتقم منه الله لأجل ما فعل مع أبيه (..) وملك بعده المستعين وكان رجلا صالحا، وفعل خيرا في أيامه (..)]] ثم خرج عليه أخوه المعتز ونزعه من الملك وجلس عو ضا عنه وتحارب الأخوان ثلاث سنين.
(وبعد أن انتصر المعتز) [[خُطِب له بمساجد مصر، وفرح (الجميع) من أجل ما كان من الخوف على البلاد، لأن العرب بأرض مصر كانت قد أفسدت، وهُم القوم الذين يسكنون الجبال والبراري (الأعراب)؛ وأفسدوا في الصعيد ونهبوا وقتلوا. ومن جملة ما نهبوا دير أبو شنوده ودير القلمون بالفيوم ودير أنبا باخوم بطحا (..) وحرقوا الحصون ونهبوا الأعمال وقتلوا (كثيرا) من الرهبان الذين فيها، وأفسدوا جماعة من الراهبات العذاري وقتلوا منهن بالسيف وفعلوا أفعالا إن ذكرنا اليسير منها طال الشرح وعلي القاريء فهمه]].
[[ولم يلتفت ذلك الرجل السوء، ابن المدبر، إلى تلك الحروب ولا لما وقع على البلاد من الخوف، بل كان يضمر للناس البلايا ويحصل الأموال]].
ثم في أيام الصوم الكبير ذهب البطريرك إلى برية شيهيت (النطرون) [[ فوصل الأعراب المفسدون، لأنه زمان نزولهم من أرض الصعيد إلى أرض الريف (الدلتا) بعد موسم ربيع دوابهم، (واستولوا على) بيعة الأب: المقار والحصون، ونهبوا جميع ما فيها وأخرجوا الشعب بالسلاح يوم خميس الفصح (..)]].
[[وفي ذلك الزمان قام إنسان مسلم من قبيلة المدلجة من سكان اسكندرية ومعه خلق كثير من أصحابه المقاتلين (..) فأحرقوا بلادا كثيرة وقتلوا كثيرين (..) وقوي أمرهم وملكوا أواسي دير أبو مينا بمريوط ودير أبو مقار، نهبوا جميعها وأكلوا زرعها وتقاسموها. ولما طغوا وبغوا (..) حاصروا مدينة الاسكندرية وطلبوا أن تسلم لنهبها كما نهب غيرها من البلاد وسبي الأولاد والنساء وقتل الرجال وأخذ الأموال (..) وطال الحصار و(قارب الناس على المجاعة لولا أن) أرسل لهم سكان رشيد مراكب غلة (..)]].
[[(..) ثم قام واحد من جنس الملك وحشد حوله أقواما كثيرة مقاتلة (القرامطة) وسار إلى الموضع الذي يسمى الآن مكة بأرض الحجاز ويسمى الكعبة، و(استولى عليها) وعلى البيت الذي يحج إليه المسلمون، وهو المكان الذي يقولون لا يدخله إلا شريف، لكرامته عند المسلمين. ولما ملكه هذا الثائر، احرقه بالنار (..)، وكان المسلمون في حزن عظيم لأجل خراب البيت]].
[[وأرسل (الخليفة) إلى مصر واليا اسمه احمد بن مزاحم (ابن خاقان)، كان في مذهبه تقيا عفيفا عارفا بفرائض دينه وعادلا في طرقه (*) وصحبه جيش من الأتراك. وكان هؤلاء القوم شجعانا مقتالين لا يقدر أحد على مقاومتهم لأن سلاحهم كان على خلاف سلاح أهل مصر وهو النشاب (..). وقاتل القوم الذين أثاروا الفتن (المدالجة) وقتلهم بالسيف (..) وأمنت أرض مصر وفرح أهلها]].
(*) بقي في منصبه شهرين فقط (توفي في ٢٥٤ هـ ـ٨٦٧م)
[[وأما ابن المدبر، الظالم الذي ذكرناه، فلم يرجع عن فعله الرديء، وكتب إلى جميع أرض مصر بأن يؤخذ من كل واحد خراجين في تلك السنة، ومن كل نصراني جزيتين. فعاد الناس إلي الفقر (..) حتى أن الأغنياء لم يقدروا على الخبز (..) وكان غضبه على البطريرك وطالبه بالخراج عن الأواسي وما يتعلق باسكندرية وبيعة مارمينا والأديرة، وجزية الرهبان التي كان قررها عليه وهي سبعة آلاف دينار ولم يوفها إلا بعد عذاب شديد وضيقة (..) ولم يقتصر ابن المدبر على أفعاله الردية وبخاصة على الرهبان الذين في البراري، ومطالبته لهم بما لا يقدروا عليه، إلى أن لم يقدر أحدهم أن يصبر فسقط في أسر الشهوة وتزوجوا وبعدوا عن (..) برية أبو مقار، وأبونا ينظر هذا وقلبه يحترق وهو مواصل الطلب ويسأل الرب (..)]].
[[وأنفذ الملك إلى أرض مصر واليا على الخراج (*) ولما وصل فعل الخير وأظهر بفعله خوف الله (..) ومضى أنسان راهب قديس إلى مدينة الملك (الخليفة؛ أي بغداد) واستعان بقوم نصارى (يعملون في ديوانه) وسأل الملك بشأن جزية الرهبان وخراجهم فكتب له سجلا (..) ورجع إلى مصر، وفرح الوالي بالسجل لأجل صلاحه ورأفته بالرهبان وتمم أمر الملك وكان يستشهد باستشهادات من القرآن (**) أن من يسكن الجبال لا يُلزم بخراج أو جزية (..)]].
(*) هل يقصد ابن خاقان السابق ذكره؟ لاحظ من الفقرات السابقة والتالية كمّ الفوضى والتضارب الناشيء عن تتابع الولاة ذوي السلطات المختلفة؛ منهم والي الخراج (المسئول عن الجباية) ووالي "الصلاة" (المسئول عن الإدارة العامة والأمن) الخ.
(**) هذه أول مرة في مخطوطات "تاريخ البطاركة" يأتي ذكر القرآن، إذ يبدو أنه لم يكن معروفا أو منتشرا من قبل (؟)
[[وكان ولاة (الأقاليم) من الغز (الأتراك)، ومنظرهم مخوف، مبغضين للنصارى. وكانوا يصهلون على النساء مثل الخيل ويخطفون أولاد الناس وينجسوهم بغير خوف، وينهبوا المواشي ويذبحونها ويأكلونها (..) في مداومة الأكل والشرب والفسق، وفعلوا أفعالا منكرة تضيق السيرة عن شرحها. وكان الآباء الأساقفة من شدة الخوف يتزيون بزي العلمانيين (للتخفي)]].
[[ووشي (راهب سابق من البشمور) بالبطريرك فخرج الجند أصحاب الخيل ومضوا إلى حيث كان مختفيا وقُبض عليه وحُمل إلى مصر (الفسطاط). وعند وصوله أمر الوالي بطرحه في السجن مع المعتقلين اللصوص والقتلة فعلة السوء. (وإذ كان مريضا بالوجع والنقرس) ناله تعب عظيم. وسمع أخباره جميع الناس النصارى والمسلمين. وأمر الوالي أن لا يدخل إليه أحد إلا تلميذ واحد يأتي إليه بطعام، ولا يمكنه الحديث معه والوصية بما يريد (..). وأرسل (الوالي) إلى جميع بلاد أرض مصر وقبض على جماعة من الأساقفة، وكان إذا قبض على أحدهم يشهر به وينزع عنه الثياب ويلبسه غيرها، إلا القلنسوة التي يلبسها الرهبان، ويركبه الدواب بغير سروج ويهزأ بهم قدام أهل البلاد (..) وأقام الأنبا شنوده في هذا الضيق أربعين يوما ثم أطلقه الوالي بعد أن طلب منه ما لا يقدر عليه (..) وأخلي سبيل الأساقفة وهم في طريقهم لمصر]].
ويفرد ساوري صفحات طويلة يحكي قصة راهب آخر (كان يريد منصبا ورُفض) اتهم البطريرك عند الوالي أنه "يسحر قوما من المسلمين ليُعمِّدهم". أمر الوالي بالتحقيق في التهمة، وأرسل كاتبَه مع جند إلى دير "أبو يُحَنِّس" بوادي هبيب فقبضوا على أحد الرهبان بزعم أنه كان في السابق مسلما، لكنه أكد أنه نصراني طول عمره وابن نصراني. فأحضر الكاتب شهود زور ثم وعد الراهب بمال إذا أعلن إسلامه، فرفض. وأرسل الكاتب قوما من الجنود الأتراك "الذين لا يعرفون الكلام بلسان أهل مصر" إلى حيث الأب البطريرك ليحضروه إلى مصر، وأقاموه من فراش مرضه وحملوه على أيديهم وأنزلوه مركبا بعد نهب جميع ما وجد في قلايته (مسكنه)، ومنها صناديق من الكتب البيعية (الكنسية) حيث كان عظيم الاهتمام بالكتب وعنده عدد من النساخ. ووصلوا ليلا إلى الفسطاط وأودعوه حبسا ضيقا مع اللصوص والقتلة. وبعد أيام طالبه الكاتب بمال ليفرج عنه فلم يكن معه. ثم أحضروا سمعان أسقف "بنا" الذي اتهم بأنه يخفي أموال البطريرك وأمر الكاتب فبطح على بطنه وضرب حتى جرى الدم من جسمه، ثم حُبس. وبعد ثلاثين يوما تأكد الولاة أن الراهب كان نصرانيا (طول عمره) فأطلقوهم. ثم علم بما جرى قومٌ تجار مسلمين مشهورين من الاسكندرية، كانوا يترددون على الأديرة ويبتاعوا الحصر وغيرها، فأخبروا الوالي فقبض على الراهب صاحب الوشاية الأصلية وحبسه سنة.
١٣ـ وفي أيام الأنبا خائيل الثالث (٨٨٠ـ٨٩٤) يقول ساوري أن أسقف سخا بعد عزله من منصبه بواسطة مجمع الأساقفة (بسبب مخالفات) [[مضى إلى الأمير أحمد ابن طولون (..) فشكا له البطريرك وقال إن معه مال عظيم. ففرح ابن طولون (*) لأنه كان مهتما بجمع ما ينفق على تجريد عسكر الشام، فأحضر الأب البطريرك وخاطبه قائلا: "أنت تعلم ما نحتاج إليه من الأموال لتُحمل إلى الخليفة ببغداد لأنه صاحب هذه الأرض، وخاصة لما عليه من الحروب. وأنتم يا مقدّمي النصارى تحت سلامه، وما تحتاجون إلى ذهب ولا فضة (بل فقط) خبزا تأكلوه وثوبا تلبسوه. وقد عرفت أن لك مال كثير وآنية لا تحصى ذهب وفضة وديباج، وأنا أحبك وأوقر شيخوختك (..)" فقال له البطرك: "(..) أنا إنسان ضعيف لا أملك ذهبا ولا فضة ولا شيئا مما سُعي به إليك، وعظمتك تعرف أننا قوم مأمورون (بديننا) ألا نكنز كنوزا على الأرض (..) وأنا بين يديك افعل ما تريد، فسلطانك على جسدي، وروحي بيد خالقها". فلما سمع ابن طولون ذلك غضب وقال: "حقا إن إكرامي لك أوجب إنكارك عليّ بمالك. وكل من هو خارج عن ديننا إذا أُكرم لا يعرف الإكرام". ثم أمر بحبسه (..) وكان الحبس مملوءا جدا. وبعد انقضاء سنة، دفع البطرك للسجان شيئا حتى يعمل له (مرحاضا) (..)]].
(*) ابن طولون (ابن مملوك من تركستان) كان قائما على أمر مصر نيابة عن باكباك، الذي أقطعه الخليفة مصر (أي أعطاها له إقطاعية)، وعن يارجوخ بعده؛ ثم أصبح واليا شبه مستقل لها. وكان متعسفا في فرض الضرائب واشترى الكثير من العبيد الترك والسود والحبش والبيض من سكان جزر البحر الأبيض. واهتم بالعمارة، وابتدأ ببنيان مدينة (القطائع) فأمر بحرث قبور النصارى واليهود وبنى موضعهما. وبنى جامعا ليس له نظير في البلاد الأسلامية كان مهندسُه (كما يقول المقريزي) رجلٌ قبطي حاذق.
[[وكان أحمد ابن الماذرائي، وزيرُ ابن طولون، له كاتب اسمه يؤنس (يوحنا) فسأله في البطرك (..)، فذكر الوزير حال البطرك (المسجون) لابن طولون فقال له: "أنا أقتله فإنه تجالد عليّ". (ثم أقنعه الوزير، فأطلق البطريرك لحين تقرير ما سيدفع). واستقر بعد سؤالات ومخاطبات كثيرة على عشرين ألف دينار، منها عشرة آلاف خلال شهر والبقية إلى أربعة أشهر. (فأمر ابن طولون أن يكتب على الكاتب يوحنا وولده مقار صك بما استقر) (..) ولما قرب مرور الشهر ولم يكن مع البطرك شيء قلق الأراخنة. ثم أحصوا الكراسي الخالية من الأساقفة فوجدوها عشرة (فاختاروا) لها عشرة أساقفة بعد أن قرروا على كل منهم أموالا، ورسمهم البطرك. وأحضر يوحنا وولده ألفي دينار واقترضوا (باقي المبلغ) من كتاب مسلمين وحملوا العشرة آلاف دينار إلى الأمير عند انقضاء الشهر (..) واجتمع البطرك إلى السنودس (مجمع الأساقفة) وتشاوروا في أمر المال المقترض وما تبقى للأمير، فاستقر رأيهم على أن يعودوا لكراسيهم ويأخذوا من كل (كاهن) قيراط ذهب. ونقضوا بفعلهم هذا قانون الآباء الحواريين ومعلمي الكنيسة القديسين القائلين أن لا يؤخذ عن (الكهنوت) لا ذهب ولا فضة (أي حظر الشرطونية). وأخذوا من العشرة أساقفة (الجدد) ما استقر عليهم. ثم مضى الأب البطرك إلى وادي (شيهيت) (..) فأخذ من كل راهب دينارا واحدا. ثم مضى للإسكندرية وسأل الكهنة أن يأخذ ما في الكنائس ليبيعه ويحمل ثمنه، فلم يطيعوه وأخيرا تقرر أن يبيع رباع الكنائس واشترطوا عليه أن يعطيهم في كل سنة ألف دينار ويكون هذا رسما عليه وعلى كل من يجلس بعده على كرسي مرقس الإنجيلي (..) فاجتمع له من كل ذلك (ما يكفي لسداد) ما اقترض، وبقي عليه عشرة آلاف لا يعرف كيف يجمعها (..) وصار في كآبة مما جرى من (الشرطونية)]].
وفي تلك الأيام (حوالي ٨٧٧) تحارب الروم والمسلمون، وأسر كل جانب من الآخر، فكتب ملكا الروم إلى ابن طولون يطلبان تبادل الأسرى نفسا بنفس، فرفض ابن طولون [[فكتب إليه الملكان يقولان: "السلام عليكم بمقدار استحقاقك. وصلتنا كتبك جوابا عما كتبنا عن المأسورين، فوجدنا فيه كلاما ينقض بعضه بعضا (..) بل شتمت مذهبنا (ديننا) وهذا ما لا يجب (..) فلا يجوز أن تشتم مذهبنا ما لم يظهر فيه عيب. وقد تأملنا ما وصل إلينا من غيرك منذ ظهور دينكم فما وجدنا فيه شيئا مثلما واجهتنا به من الشتم للمذهب، فعلمنا أن سابقيكم أجل منكم (..)rdquo;]].
(*) لاحظ غطرسة ابن طولون؛ ففضلا عن عدم اهتمامه باسترداد أسراه (وكلهم من العبيد المماليك الذين تشكل منهم جيشه)، راح يسب المسيحية في مراسلات سياسية لا علاقة لها بالدين!
[[ثم خرج ابن طولون لدمشق، ومات بعد عودته (٨٨٣) وجلس ابنه خمارويه موضعه (..). وعاد الأب البطريرك لقلايته (بعد إطلاق سراحه وإعفائه من باقي المبلغ) يمجد الله، لكنه كان حزينا على ما انحل من قوانين الكنيسة وعلى من يأتي بعده على كرسيه من حال الشرطونية وما جرى بينه وبين أهل الاسكندرية]]. ١٤ـ وجاء الأنبا غبريال، السابع والخمسون، (٩١٠ـ٩٢١) بعد خلو الكرسي المرقسي ١٦ عاما. وفي أيامه تفاقمت مشكلة "الشرطونية" بسبب استمرار ضغوط الحكام المالية. وأقام معظم فترة بطريركيته في وادي هبيب (النطرون). ولم تنصلح الأمور في السنوات التالية حيث تردت أحوال الكنيسة. ثم تولى الأنبا مينا (٩٥٦ـ٩٧٤).
كان الوالي على مصر محمد بن طغج الأخشيد، الذي كان أحد قواد الطولونيين، وحاول إقامة دولة شبه مستقلة عن الخلافة مثلما فعلوا، لكنه واجه منافسه سيف الدولة في الشام ومحاولات الفاطميين في المغرب دخول مصر. وأصبحت مصر في عصره من أعظم أسواق الرقيق الأسود والأبيض في ديار الإسلام. وظهرت في عهده وظيفة المحتسب الذي يراقب مراعاة أحكام الشريعة ويسهر على السلوك العام. واستمرت "مضايقات" القبط كالعادة.
[[ثم سار الإخشيد إلى فلسطين ومات هناك. ثم تولى بعده ولداه أبو القاسم وأبو الحسن وكان معهما أستاذ لأبيهما اسمه كافور، كان قد سُبي من بلاد النوبة (وهو طفل) وسلمه مولاه لمن علمه الخط والأدب فلما كبر ورآه ناجبا سلم إليه مملكته]].
[[ومات الولدان بعد سبع سنين فتولى كافور. ثم مات (بعد مائة يوم فقط)، فأخذه مقدمو الدولة وحنطوه وأجلسوه على كرسي عال في قصره وألبسوه ثوبا بأكمام طوال جدا حتى تصل إلى باب المجلس، وأقاموا خداما بين يديه وكل من جاء يسلم عليه منعوه من الدخول إليه قائلين أن سيدنا يأمر أن تقبل كمه وتسلم عليه من الخارج لأنه ضعيف (..) وجعلوا خلف كرسيه (شخصا) يحرك رأسه وكمه، إذا سلم عليه أحد. ولم يعلم أحد من قصره بذلك إلا الأستاذان الخواص وسراريه وأبو اليمن قزمان ابن مينا (كاتبه). فأقام هكذا ثلاثة سنين ووزيره يجبي الخراج ويدبر الأمور إلى أن عرف قوم الخبر فكتبوا إلى ملك المغرب، معد أبو تميم المعز لدين الله (..) فأرسل قائده جوهر ومعه جيش كبير (..) وملك أرض مصر (في ٩٦٩)]].
وبهذه النهاية الهزلية أسدل الستار على حكم الولاة الأتراك التابعين لدولة الخلافة العباسية، وبدأ فصل جديد من المآسي.
وفضلا عما تميزت به تلك الفترة من استمرار الأساليب الهمجية وتفشي الإفساد الذي قام به الأعراب، يبدو أن حرب الاستنزاف الشرسة ضد الأقباط وكنيستهم، التي استمرت لأكثر من ثلاثة قرون، قد بدأت تُؤتي أُكُلَها على شكل وشايات وطعنات وخلافات داخلية...
***
وإلى حديث آخر... adel.guindy@gmail.com
التعليقات
سلمت يداك للحق
مازن -التاريخ يعيد نفسه كانك تتحدث عن طالبان و حماس والقاعده ومن يتشدد لهم, نعم تاريخ يعيد نفسه مع تغير الاشخاص, اشخاص بينهم عامل مشترك رددوا و يرددون نفس الاسطوانة,ان الاسبان قد تعرضوا لنفس المعاملة اثناء الاحتلال العربي فكانت ردة فعلهم باقامة محاكم تفتيش بعد ازاحة الاحتلال والحكي للجميع و خصوصا حدوقة ورشاد وعماد وغيرهم ممن يحملون نفس الفكر و سيفعلون نفس لشيئ لو لا قدر الله
المشهد الحزين
هانى -المشهد: شعب من الفلاحين المؤمنين الحاذقين فى أعمالهم والذين اعتادوا فلاحة الارض ومراقبة النيل وترتيل الالحان على ضفافها اضافة الى اتقانهم العمل الادارى عن ابائهم من مصر الفرعونية .. معهم مؤسسة كنسية من البطرك والاساقفة والرهبان والقساوسة يهتمون بالفكر والنسخ والكتابة وتفسير الكتاب والصلاة وتعمير الاديرة وحياة النسك ، يرعون شعبا احبهم حتى الموت .. على الجانب الاخر من المشهد تنابلة السلطان اعراب ومملوكين على جياد شاحبة وبأيديهم السياط .. تنابلة السلطان يقتاتون على عرق الفلاحين والبسطاء .. حياتهم مقسمة بين السادية والاكل والجنس ... مشهد قاتم وقاتل يا استاذنا الجندى رحمة الله على اجدادنا
الحلقات
خوليو -الحلقات الأربعة للسيد الكاتب عادل جندي مع الوثائق المذكورة، نعتقد ولكن غير متأكدين بأنها ستخجل قليلاً كل من يقول ويصّر على التسامح الديني الإسلامي ، والسؤال لماذا هذا الشره الزائد في المال عند حكام التسامح ؟يؤمنون بنبي أهل الكتاب كما يقولون ويسلخون جلود أتباعه ورجال دينه،حالة جديرة بالبحث والدراسة، أم أنهم كعادتهم عندما لايعجبهم الخبر أو الحديث فيقولون أنه كذب ومدسوس، فهم مشهورون بتصديق ما يعجبهم فقط حتى ولو كان من نفس المرجع.
الانتظار عالرصيف ؟!!
قاريء ايلاف -لماذا العمل على طريقة حفار القبور ؟!! الاضطهاد التركي شمل المسلمين وغير المسلمين لا يجوز نسبة الاضطهاد الى الاسلام الاسلام امر بالاحسان الى اهل الكتاب واشاد بهم القرآن الكريم واوصى بهم الرسول الرحيم لماذا نبش الماضي اليوم انتم مواطنون متساوون مع غيركم في الحقوق والواجبات في دولة وطنية باعتراف كبير العلمانيين العرب عزيز العظمة لن تعود عجلة الزمن الى الوراء ان كان هناك ظلم واضطهاد فهذا يشمل الامة المصرية كلها بل ان معاناة الاغلبية المسلمة اشد المطالبات الحقوقية اذا كانت من طرف واحد فهي حقا طائفية وانعزالية لكي تنال الاحترام طالب لمجموع الامة بحقوقها المهدرة على يد النظام الحاكم لاحظ ان الاغلبية تدفع ثمن المطالبات سجنا وتعذيبا ومعاناة وتترفع عن الاستقواء بالاجنبي هلا اندمجتم في مشروع الاغلبية لمقاومة الاستبداد ام ستجلسون على الرصيف تنتظرون نتيجة المعركة ؟!!
الايذاء كان عاما
حدوقه -على خلاف ما يتوهمه او يحاول بثه صبية الكراهية فانه لم يتقصد لا الاميون ولا العباسيون ولا الترك ولا حتى المماليك ايذاء المسيحيين بكل كان الايذاء عاما لكل مجموع الشعب ولم يسلم من أذاهم احد ، ذلك كان تاريخ ونحن اليوم اولاد النهارده ولم نحضر تلك الايام ولا يجوز تحميلنا ما ارتكبه الاقدمون ولو عاشت الامم على الثارات التاريخية لنتج عن ذلك حرب عالمية ثالثه ورابعة
الحقيقة
عادل -بعض التعليقات تقدم دفاع اعمي عن الجرائم السابقة بادعاء أن الحكام "لم يقصدوا" إيذاء المسيحيين أو أن الإيذاء كان على الجميع في حين أن الجميع في البداية كانوا الأقباط أظن أن الكاتب ذكر بوضوح في أول السلسلة إنه ليس القصد تحميل اولاد اليوم ما صنعه الاجداد لكن اظهار الحقيقة. هل صعب لهذه الدرجة قبول الحقيقة؟
إلي عادل
متابع -تقول (بعض التعليقات تقدم دفاع اعمي عن الجرائم السابقة ) وأنا اسالك من ادراك أن هذه الجرائم وقعت اصلا !
هل فعلنا هذا ؟؟
اوس العربي -الحضارة الغربية خيرت الناس بين الانضواء فيها او الابادة يقول جنرال امريكي ساهم في ابادة الهنود الحمر في امريكا اننا كنا نخير الهنود بين اما ان يدخلوا في الحضارة المسيحية اي يتنصروا او يبادوا وقد عمد الامريكان الى فصل الاطفال الهنودعن امهاتهم وسلموهم للكنائس والاديرة والمدارس الداخلية وغيروا اسمائهم واسمالهم اي ملابسهم وغيروا ديانتهم وقطعوهم عن تراثهم فهل فعل المسلمون شيئا من هذا بالمسيحيين العرب ؟!! انتم مسيحيون عرب اتفهم هذا لكن لماذا تصطفون مع المسيحية الغربية التي ابادت البشرية بأخس واوضع الاساليب واليكم هذا المثال ومنها غمس البطاطين في جراثيم الطاعون واهداءها للهنود الحمر وابادتهم بهذه الطريقة هل تصطفون مع المسيحية الغربية نكاية في المسلمين هذا يعني ان وصايا مخلصكم التي تحض على عدم الكراهية لم تصل او لم تؤثر فيكم ؟!!
رواية المهزوم
ابو وش عكر -في كل الاحوال لايمكن الركون الى رواية المهزوم يعني لازم نقدر ظروف المهزوم لو بالغ حبتين عيط حبتين ضرب رجليه في الارض يعني عقدة الاضطهاد بتعمل اكثر من كده يا اخوانا ربنا يشفي ؟!!
الاحتلال المسيحي لنا
مشاغب -هتافات الاخوةالمسيحين وهم يرفعون صلبانهم ويهتفون باسم الارهابي بوش وزعيم عصابة الصهاينة شارون في مقر الكاتدرائية المرقصية في قلب القاهرة صحيحة ومسجلة صوت وصورة لمن يريد أن يراها ويحكم علي اخلاقهم و هم يستقوون بالاجنبي علي مواطني بلدهم ولايريدون الاعتراف بالنعمة التي يعيشون فيها بسبب تسامح المسلمين الذين مكنوهم من امتلاك 40% من ثروة مصر رغم انهم 6%من تعداد شعب مصر إلي جانب أن 65% من الوظائف المهمة مثل الطب والصيدلة والتوكيلات التجارية بايديهم باعتراف جمال اسعد عبد الملاك المسيحي المصري الشريف في مقالة منشورة له بجريدة (الاخبار) المصرية ،كما أن معظم اغنياء مصر وعلي راسهم نجيب ساويرس واخوته من المليارديرات هم من النصاري ومع هذا النعيم الذي يعيشون فيه ومعاناة غالبية المسلمين من الفقر والبطالة والمرض لايكفون عن الشكوي من الاضطهاد المزعوم لاستدعاء الامريكان لاحتلال مصر علي غرار العراق ليسلموها لهم ويطردوا منها المسلمين الغزاة كما تقول جريدتهم ( الكتيبة الطيبية ) التي يشرف عليها الاب متياس منقريوس لان متطرفي المسيحيين يرون انهم اصحاب البلد الاصليين وكأن معهم صك ملكية مصر مسجل في الشهر العقاري الامريكي مع أن التاريخ يؤكد أن الوثنيين والفراعنة هم اهل مصر الاصليين و قبل النصاري كان اليهود النصارى ( الايجبتوس ) جاءوا مع المحتل اليوناني !!الذي يحيرني أن المسيح عليه السلام يحرم الكذب ولكن هناك من يكذبون بعدد انفاسهم !!!
لغة الغزاه ؟؟؟
حدوقه الحدق -لماذا تكتبون بلغة الغزاه هاه ؟!!!!
احمدك ياااارب
برسوم -لو كانت الكنايس والاديرة والقلايات عباره عن حجاره وطين ما لفتت الانتباه اليها ؟!! اكيد مكدس فيها الذهب والياقوت والمرجان والسلاح ؟
إلي عادل جندي
متابع -عزيزي عادل لماذا نذهب بعيدا إلي اعماق التاريخ ونتعب انفسنا مع الاب ساويرس غير الصادق والذي تلقبه باسم (ساوري) للتمويه وهاهو العراق الديمقراطي الحديث والمحتل من الولاة الامريكان المسيحيين اتباع (الله محبة ) ليس للانسان فيه أي قيمة ، وفي تقرير اخير في صحيفة الغارديان البريطانية المعروفة بمصداقيتها واستقلاليتها كشفت الصحيفة النقاب عن حالة سجون العراق المأساوية وفضحت التصرفات الوحشية التي يمارسها حراس النظام الديمقراطي الجديد المدعوم اميركيا ممن يرفعون شعار (الله محبة)،عنوان تقرير الغارديان عدد الاثنين 8 ايلول 2008 جاء كالتالي نزلاء سجون الاحداث العراقية يتعرضون للضرب والاعتداء الجنسي والازدحام وفبركة الاتهامات تحت التعذيب وبدون كهرباء ولا مياه