كتَّاب إيلاف

جورجيا والحلم العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أعاد الصراع في جورجيا الحلم العربي إلى الانتعاش، بعد أن مرت سنوات طوال وهو في حالة موت سريري، فالأنظمة العربية المناضلة، ومن حولها جوقة المتثاقفين والمطلبين والمزمرين الأشاوس، يدعون ليل نهار قائلين: "يارب مشكلة".. يرهفون آذانهم الطويلة، وقرون استشعارهم قصيرة المدى، لأي مشكلة بين روسيا والغرب، تعيد إلى العالم، وإلى الكائنات الطفيلية المترممة، أجواء الحرب الباردة.
الكائنات المترممة في عالم الحيوان، هي تلك الكائنات غير القادرة على اصطياد غذائها، ولأنها من آكلات اللحوم، فقد تأقلمت على الاقتيات بالجثث النافقة، الناتجة عن الصراع بين الأقوياء والقادرين، أو ما يتبقى من الفرائس التي نهش صائدوها أفضل ما فيها، وتركوا البقايا للضباع وما شابهها.
أما في عالم الإنسان، فهناك مثيل لهذه الكائنات، كما يوجد أيضاً في المجتمع الدولي ما يماثلها، وهي تلك المجموعة من الأنظمة التي أخفت في الماضي عوراتها، خلف ورقة توت كبيرة، وسميت بالكتلة الثالثة، أو مجموعة دول عدم الانحياز والحياد الإيجابي، وضمت نظم المغامرين والعسكر، المتحكمين في رقاب شعوب فشلت في امتلاك مقومات الحداثة والقدرة على الإنتاج، ولم تجد لها طريقاً غير ذاك الذي تسلكه الضباع، بالصبر على الجوع، حتى تتخلف عن الكبار فريسة أو بقاياها، وكانت ورقة التوت شعارات تقول بأن الكتلة الثالثة تقف في منطقة وسطى بين المعسكرين المتناحرين، للتقريب وتهدئة الخلافات بينهما، رغم أن ما تحت ورقة التوت كان عورة يشمئز النظر لمرآها.. عورة تلعب بجهل وسذاجة على الحبال أو الأوتار المشدودة بين المعسكرين، تحت وهم أن تلك القوى العظمى، يمكن أن تسوقها تلك الكيانات الهامشية المترممة، لتحارب لها معاركها، وقد تضرب بعضها بعضاً بالقنابل الذرية، من أجل سواد عيونها وبريق شعاراتها، التي لا يصل مجال فاعليتها، لأبعد من حدود تلك الكيانات، التي تسودها الأمية والعاطفة القبلية والبدائية.
ورغم أن تلك الكتلة الثالثة المزعومة قد انفضت، وذهب كل إلى حال سبيله، ونجح الكثيرون منها في الالتحاق بالركب العالمي المعاصر، وكثيرون أيضاً في طريقهم لتوفيق أوضاعهم مع العصر ومفاهيمه وشروطه، يتقدمهم التنين الصيني، الذي كان ماوياً في يوم من الأيام، إلا أن البقية المتبقية من تلك الأنظمة المنقرضة، والتي لم يكد يتبقى منها غير ما يمكن عده على أصابع اليد الواحد، هذه البقايا مازال زعماؤها الميامين يشنفون آذان المتثاقفين الأشاوس في عالمنا العربي، بعنترياتهم ومشاغباتهم، وبالأحلام الوردية أو الدموية، بالعودة إلى عصر الحرب الباردة.
الغريب في أمر الحالمين هؤلاء، أن العصر الذي يحلمون به، لم يكن أبداً عصر مكاسب وانتصارات.. هو فقط كان عصر صياح وشعارات ترتج لها الميكروفونات، وتلتهب بالتصفيق لها أكف الملايين المغلوبة على أمرها.. أما على المستوى العملي، فقد فشلت تلك النظم حتى في أن تكون كائنات مترممة حاذقة.
لم نخرج من الحرب الباردة إلا بالنكبات والنكسات، ففي مستهلها خسرت الجيوش العربية الجرارة أمام العصابات الصهيونية، بعد أن كان الاتحاد السوفيتي هو السبَّاق إلى الاعتراف بدولة إسرائيل، وفي أوج الحرب الباردة ضربت إسرائيل ثلاث دول عربية مناضلة، واحتلت أراضيها، بالإضافة لابتلاع كل فلسطين، التي كنا ومازلنا نتاجر بها، كما سبق للأجداد أن تاجروا بقميص عثمان، وعند نهاية الحرب الباردة، كنا قد فقدنا احترامنا لأنفسنا، بعد أن فقد العالم احترامه لنا، بما فعله صدام حسين في الكويت، وانقسمت الأمة العربية الواحد ذات الرسالة الخالدة إلى فريقين، فريق يهلل ويناصر البطل والزعيم الملهم صدام، وفريق تصطك ركبه رعباً، مما سوف يفعل به صدام في الجولة القادمة.
خبراتنا وذكرياتنا عن الحرب الباردة أليمة ومريرة، لكنها طبيعتنا، وربما هويتنا ككائنات طفيلية مترممة، تفرض علينا أن ننتظر ولو مصيبة تحل بالعالم، لتتصادم وتتصارع قواه، علنا نجد في الفتات أو الأشلاء المتناثرة، ما يصلح أن نقتات عليه.
هو الاستسلام لأضغاث الأحلام، أو العجز المزمن عن الرؤية الواقعية للعالم، ما يدفعنا إلى تصور إمكانية عودة الحرب الباردة أو الساخنة، وأن روسيا يمكن أن تعيد تشكيل إمبراطورية الشر من جديد، لتناوئ الغرب وأمريكا، وتعيد قسمة العالم الذي يسير في موكب واحد.. وراء مثل تلك التصورات ذلك الانفصال الأزلي بين أفكارنا وبين حقائق الواقع العيني، فمنذ الحلقة الأخيرة من القرن الماضي، انتهى إلى الأبد الانقسام الأيديولوجي للعالم إلى معسكرات متخندقة متعادية ومتصادمة، فالساحة العالمية الآن شركة قابضة واحدة، تتأسس العلاقات بين أجنحتها على التعاون والاعتماد المتبادل، كما تقوم على التنافس، الذي لا يندر أن يتخلله تعارض المصالح وتضاربها، ما قد يؤدي أيضاً إلى صراعات محدودة وتكتيكية، لكنها لن تكون أبداً صراعات أبدية أو استراتيجية، وما يتم هو مقاربة هذه الصراعات بمنهج حلها وتفكيكها، للعودة إلى قاعدة التعاون والاعتماد المتبادل، وليس كما يتصور صناديدنا، باتجاه تفاقم الصراع، للعودة إلى ما كان، وما لا يمكن أن يكون بعد الآن.
روسيا التي خرجت من مرحلة الاتحاد السوفيتي، وهي على شفا مجاعة حقيقية، وليست مجازية، وجميع مؤسساتها -وفي مقدمتها قواتها المسلحة- في حالة انهيار شبه تام، قد بدأت الآن تقف على قدميها، وهذا لم يحدث عبر انتهاجها للصراع والعداء مع العالم الغربي، بل تتأسس نهضتها على ثمار التعاون البناء مع قوى الحضارة العالمية، التي هي بالتحديد أمريكا وغرب أوروبا، ولا يعني رجوعها عن مسارها الجديد، إلا عودتها إلى ما كانت عليه من تهالك وتخلف سياسي واجتماعي وتكنولوجي.
نفس هذا يقال عن العملاق الصيني، الذي يتطلع إليه أشاوسنا، بأمل أن يعود مصدر تهديد للعالم الحر وحضارته، وهو بالتحديد ما لن يفعله، فالصينيون لا تحركهم مثلنا العداوات والكراهية عميقة الجذور للحضارة وأهلها، وإنما هم كما شاهدناهم في الحقبة الأخيرة، شعب قادر على الإنتاج، وقادر على العطاء في مسيرة الحضارة، والقادر على العطاء لا يستهويه الهدم والعداوة والصراع الدائم.
ليس من المتوقع أن تعدل روسيا نهجها الذي أقالها من عثرتها أو انهيارها، لمجرد أن الأسد السوري أو الفنزويلي قد عرضا عليها استضافة صواريخها وغواصاتها، كما من غير المتوقع أن تترك روسيا مقعدها في قطار الحضارة الإنسانية، لأنه قد استهواها الجلوس على عرش جبهة الممانعة الكورية الإيرانية السورية الفنزويلية.
نحن بأفكارنا أبعد ما نكون عن عالم العقلاء، الذين يتعاونون ويتناقشون ويتنافسون ويتصارعون، لكنهم في جميع الحالات يضعون نصب أعينهم مصالح شعوبهم.. أما أبطال الممانعة وصناديد العداء الأبدي، ورافعو رايات صراع الوجود وليس صراع الحدود، فهؤلاء ميدانهم الأثير الذي يصولون فيه ويجولون هو فراش الأحلام.
ولا عزاء للفاشلين.
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا ارادى
طبيب الحقيقة -

-- روسيا حجما واقتصادا وقوة عسكرية و بشر مصنفة دولة متوسطة الحجم ولهذا لا تقوى على شن حرب فعلية او مساعدة احد بغير البيانات المجانية من شجب واستنكار و موضوع جورجيا كان تورطا و ليس انتصارا لروسيا ولكنه غباء من رئيس روسيا و من رئيس جورجيا معا وعداءا شخصيا بين رئيسين وليس بين شعبين ادى الى مجابهه عسكرية بطريقة مجبر اخاك لا بطل - روسيا مازالت تناضل ولمدة تقدر بعشرات السنوات للحاق بركب العصر الحديث وليس لديها ما تصدره الا المافيا والنساء وبعض البترول ولهذا فليس لديها قدرة مالية ولا عسكرية لتفيد العرب او تتحالف معهم --لقد انتهت ايام السوخوى و بريجنيف ومنتجعات البحر الاسود وماتت و لكن تنابلة السلطان مازالو يحلمون احلام يقطة فى فراشهم --

تعليق
amedi -

قلت في مناسبة سابقة ردا على كاتب اخدَ يمدح بالقوة الروسية ويحلم بعودتها كقطب وقوة عظمى لتنافس الولايات المتحدة, قلت ان العرب وكتابهم وحدهم ونتيجة لمشاعر الكراهية والحسد التي يشعرون بها تجاه امريكا والغرب يتمنون ويحلمون بعودة الحرب الباردة لكي تأمن لهم روسيا كما الاتحاد السوفيتي السابق انظمتهم ,وشبهت حال العرب كحال الغريق الدَي يتمسك بقشة لتنقدَه,واتهمني احد الببفاوات بالبله لاني قلت ان روسيا اليوم ابعد ما تكون عن الاتحاد السوفيتي السابق وان قوتها اضعف من ان تقاس بقوة الغرب العسكرية والعلمية والاقتصادية, المشكلة ان هؤلاء يحلمون ولا يريدون ان يستيقظوا من حلمهم والا فهل ستخشى الدولة التي تمتلك عشرات حاملات الطائرات ومئات البوارج التي تجوب العالم كله من جعل ميناء طرطوس السوري قاعدة لبضعة سفن حربية روسية مهترئة,وهل يعتبر الاسد السوري انه بهدَا الاجراء سيحصن نفسه من عواقب افعاله في لبنان, وهل ستجبر روسيا الولايات المتحدة على منع اي دعم لدولة اسرائيل لكي يستطيع العرب القائها في البحر,وهل سيستفيد عمر البشير من هدَه الحرب الباردة لكي يتخلص من المحكمة الجنائية الدولية.الجواب قطعا لا لكل هدَه الاسئلة ولكن العقلية العربية تابى الحقيقة وتفضل الاوهام.

لا ارادى
طبيب الحقيقة -

-- روسيا حجما واقتصادا وقوة عسكرية و بشر مصنفة دولة متوسطة الحجم ولهذا لا تقوى على شن حرب فعلية او مساعدة احد بغير البيانات المجانية من شجب واستنكار و موضوع جورجيا كان تورطا و ليس انتصارا لروسيا ولكنه غباء من رئيس روسيا و من رئيس جورجيا معا وعداءا شخصيا بين رئيسين وليس بين شعبين ادى الى مجابهه عسكرية بطريقة مجبر اخاك لا بطل - روسيا مازالت تناضل ولمدة تقدر بعشرات السنوات للحاق بركب العصر الحديث وليس لديها ما تصدره الا المافيا والنساء وبعض البترول ولهذا فليس لديها قدرة مالية ولا عسكرية لتفيد العرب او تتحالف معهم --لقد انتهت ايام السوخوى و بريجنيف ومنتجعات البحر الاسود وماتت و لكن تنابلة السلطان مازالو يحلمون احلام يقطة فى فراشهم --

ايه ده كله
الحنين -

اولا اقدم اجمل تحيه الى الكاتب اذا كان بعض العرب يتمنى حدوث الحرب بين روسيا و الغرب فليسمح لى انى اصفهم بالضعفاء و الجبناء و لكن فى ذات الوقت يجب ان يعرف ان عددهم قليل جدا فنحن المسلمون العرب ننتظر ان ياتى قائد مثل صلاح الدين ليقودنا الى السياده على العالم مرة اخرى فهل تعرف ايها الكاتب ( الشمتان فى العرب) ان الاسلام وصل الاندلس و كاد ان ينتشر فى كل اوربا على العموم فلتستريح اكتر ان الاسلام ينتشر الان اكتر و اكتر فى اوربا بدون فتح لسماحته و انصافه و هل تستطيع ان تقرأ التاريخ جيدا و تعرف فضل العلماء العرب على اوربا واخيرا نحن لا نتمنى حدوث حرب باردة بين روسيا و الغرب لكن نتمنى ان من يحكمنا ان يحكم بشريعة الاسلام التى تحق الحق و تبطل الباطل و الى ان تاتى هذه الساعه فانا اشكرك جدا على مشاعرك و اشكرك اكتر على اظهارها

حقد ام شماته
الصعيدى -

اين كانت ورسيا و امريكا و الحرب البارده ايام الرسول (صلى الله عليه و سلم )و ايام سيدنا عمر عندما وصل الاسلام الهند و اوربا و اين الغرب عندما كانوا يستقوا علوم الطب و الكيمياء من العلماء العرب .. انا كنت ناوى انى لا ارد عليك لاننا نحن المسلمون العرب دائما نحتر القول الماثور( حتى ان كانت السفينة الان تصارع الامواج لكنها سوف تصل الى بر الامان عندما يتقى الربان ربه و يحكم بشريعه الاسلام و شكرا لك على مشاعرك

حقد ام شماته
الصعيدى -

اين كانت ورسيا و امريكا و الحرب البارده ايام الرسول (صلى الله عليه و سلم )و ايام سيدنا عمر عندما وصل الاسلام الهند و اوربا و اين الغرب عندما كانوا يستقوا علوم الطب و الكيمياء من العلماء العرب .. انا كنت ناوى انى لا ارد عليك لاننا نحن المسلمون العرب دائما نحتر القول الماثور( حتى ان كانت السفينة الان تصارع الامواج لكنها سوف تصل الى بر الامان عندما يتقى الربان ربه و يحكم بشريعه الاسلام و شكرا لك على مشاعرك

المتثاقفين
منى الجندي -

بعيدا عن مضمون المقال،الذي لا مضمون له في الواقع، أود أن أشير إلى عبارة الأخ كمال ((المتثاقفين والمطلبين والمزمرين الأشاوس))، فهو بالطبع أرادها ذما، ولكن أود توضيح أن التثاقف، ومنه المتثاقف، كلمة تعني التحاور بالثقافة، فالتثاقف بين الأمم يعني أن تستفيد ثقافة كل أمة من ثقافة الأمة الأخرى. أما المطلبين، فالحقيقة لم أجد لها أصلا أو فصلا مثل المزمرين، أي حملة المزامير ونافخوها. أعتقد أن كاتبنا الأخرق يحتاج قرون استشعار فكرية تلهمه الصواب

المتثاقفين
منى الجندي -

بعيدا عن مضمون المقال،الذي لا مضمون له في الواقع، أود أن أشير إلى عبارة الأخ كمال ((المتثاقفين والمطلبين والمزمرين الأشاوس))، فهو بالطبع أرادها ذما، ولكن أود توضيح أن التثاقف، ومنه المتثاقف، كلمة تعني التحاور بالثقافة، فالتثاقف بين الأمم يعني أن تستفيد ثقافة كل أمة من ثقافة الأمة الأخرى. أما المطلبين، فالحقيقة لم أجد لها أصلا أو فصلا مثل المزمرين، أي حملة المزامير ونافخوها. أعتقد أن كاتبنا الأخرق يحتاج قرون استشعار فكرية تلهمه الصواب