(عرب إسرائيل) كسائر العربان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أنّ الأقربين أولى بالمعروف. ولمّا كان المعروف الّذي أعنيه هنا هو النّقد بما يحمله من اهتمام بأحوال النّاس، فقد رأيت أن أتطرّق في هذه المقالة إلى شؤون هؤلاء القوم من الفلسطينيّين الّذين بقوا في الوطن بعد النّكبة وصاروا إثر ذلك الحدث مواطنين إسرائيليّين. لقد مرّت ستّة عقود من الأعوام على هذه المواطنة، على هذه التّجربة العربيّة الفريدة. وأقول تجربة فريدة وخاصّة، إذ رغم كلّ الإشكاليّات المرتبطة بها إلاّ أنّ أبناء هذه الأقليّة بخلاف سائر المجتمعات العربيّة من المحيط إلى الخليج تعيش، وعلى الأقلّ من النّاحية النّظريّة والقانونيّة، تجربة ديمقراطيّة طوال هذه العقود. ليس هذا فحسب، بل وعلى مرّ الزّمن فقد أنشأ هؤلاء القوم أحزابًا، بعضها يدّعي القومجيّة، وبعضها يدّعي الشّيوعيّة، وبعضها الآن يدّعي الإسلامويّة، فأدخلت جميع هذه الأحزاب نوّابًا في الكنيست الإسرائيلي، حيث أقسموا جميعًا، على اختلاف تيّاراتهم، يمين الولاء لدولة إسرائيل من على منصّة الكنيست وعلى الملأ.
والولاء لإسرائيل لم يكن
مجرّد يمين يُتلى من على منصّة الكنيست، بل رافقته دعوات لاتّخاذ خطوات عمليّة ذات مدلولات كبرى. وهذا الولاء لإسرائيل لم يأت فقط من جانب مخاتير الحمائل والطّوائف الّذين ارتبطوا بالأحزاب الصّهيونيّة ابتغاء الوصول إلى كراسي النّيابة في الكنيست، بل تعدّاه إلى أحزاب وتيّارات من صنف أولئك الّذين تُسبغ عليهم في هذه الأيّام تعابير "الوطنيّة" وغيرها من الشّعارات. فها هو الزّعيم الشّيوعي "الوطني"، توفيق طوبي، والّذي كان نائبًا لعشرات السّنين في الكنيست عن الحزب الشّيوعي، وبالتّحديد في يناير من العام 1950، أي بعد عامين فقط على النّكبة، يطالب بتجنيد الشّباب العرب في الجيش الإسرائيلي، فيوجّه كلامه إلى رئيس الحكومة ووزير الدّفاع الإسرائيلي من على منصّة الكنيست قائلاً: "لماذا تستثني الحكومة المواطنين العرب في سنّ الخدمة العسكريّة، مع أنّ الكثيرين عبّروا عن استعدادهم للقيام بواجباتهم كمواطنين يطالبون بالتّمتّع بكامل الحقوق؟ لا شكّ أنّ هذه هي إحدى الظّواهر البارزة للتّمييز العنصري في سياسة الحكومة، الّتي تتعارض مع كلّ جهد لاستمالة صداقة الجماهير العربيّة".
والولاء لإسرائيل لم يتغيّر
رغم تغيّر الظّروف وتبدّل الشّعارات بعد كلّ هذه العقود، فالشّعارات الطنّانة الرّنّانة شيء والحقيقة شيء آخر مختلف تمامًا. وإذا كان يظنّ البعض أنّ هنالك من يريد الإنضمام إلى دولة فلسطينيّة مستقبلاً فظنّه لا يستند إلى أيّ شيء ملموس قولاً وفعلاً على أرض الواقع. فحتّى أقطاب الحركة الإسلاميّة، غلاتها ومعتدليها، شمالها بجنوبها، يعبّرون ليل نهار عن رفضهم الانضمام إلى دولة وطنيّة فلسطينيّة. إنّ هؤلاء الإسلامويّين كغيرهم من مراهقي العروبة الذّاهبين للحجّ بينما النّاس قافلة في رحلة العودة، يجدون أنفسهم في مأزق كبير حقًّا. فعندما يدور الحديث في السّنوات قيام دولة فلسطينيّة وطنيّة وحلّ للقضيّة يتضمّن تبادل للأرض، وترفع بعض الأحزاب الإسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة إمكانيّة التّنازل عن وادي عارة لضمّه إلى دولة فلسطينيّة، يسارع هؤلاء الإسلامويّون ومن لفّ لفّهم من مراهقي العروبة إلى رفض اقتراحات من هذا النّوع. فلماذا يرفض هؤلاء اقتراحات كهذه، إذا كانوا حقًّا فلسطينيّين وعروبيّين؟ ألا يريدون أن يكونوا هم وأرضهم جزءًا من دولة وطنيّة عربيّة فلسطينيّة؟ إنّه مأزق كبير لا يجرؤون حتّى على الخوض في دلالاته العميقة وأبعاده السّحيقة أبدًا، وبدل ذلك يتزنّرون بشعارات طنّانة رنّانة كعادتهم. فإذا كان هؤلاء الإسلامويّون ومراهقو العروبة يريدون أن يكونوا جزءًا من الدّولة الإسرائيليّة، ولا يريدون أن يكونوا جزءًا من الدّولة والعلم والنّشيد الوطني الفلسطيني، على ما يعنيه هذا الأمر وما له من أبعاد، فليقولوا ذلك علانية ودون لفّ أو دوران، ودون التّزنُّر بشعارات الوطنيّة الفلسطينيّة الكاذبة!
هل طبع عرب إسرائيل يغلب تطبّعهم؟
لقد كنت كتبت في الماضي في أكثر من مكان وأشرت إلى أنّ نشوء الحركة الإسلاميّة بين ظهراني "عرب إسرائيل"، "عرب الـ 48"، "فلسطينيّي الدّاخل" وما إلى ذلك من تسميات شائعة لدى العربان، هو من بين أهمّ الأسباب الّتي أدّت إلى "تطويف"، أي إلى تفريز طائفي، في صفوف هؤلاء العرب، ومن هنا خطورة هذه الحركة على المجتمع العربي في إسرائيل بأسره. فلكون هذا المجتمع كتعدّد الطّوائف فإنّ نشوء أيّ تيّار أو حزب على أسس دينيّة بحتة، أيًّا ما كانت تلك الدّيانة، فهذا يعني أنّه يعزل نفسه عن سائر الطّوائف، وهذا يعني أيضًا أنّه حزب عنصريّ بالقوّة وبالفعل. وفي الواقع كان لنشوء هذا التّيار تأثير كبير على تذرّر هذا المجتمع إلى طوائف، ومن ثمّ إلى قبائل وحمائل، كما يظهر ذلك جليًّا في الانتخابات المحليّة والقطريّة. وهذه هي الحال الّتي نشهدها في صفوف هذه الأقليّة رغم مرور ستّة عقود من تجربة ديمقراطيّة عربيّة فريدة، غير أنّ الطّبع على ما يبدو يغلب التّطبُّع.
إنّ سوسة الطّائفيّة والقبليّة تنخر عظام جميع الحركات "السّياسيّة" القائمة بين عرب إسرائيل، بدءًا من الحزب الشّيوعي وجبهته غير الديمقراطيّة، مرورًا بحزب مراهقي العروبة الّذين تيتّموا بعد فرار زعيمهم إلى أكبر قاعدة أميركيّة في الشّرق الأوسط، وانتهاءًا بهذه الحركة الإسلاميّة الّتي تقوقعت في الدّين قاصمة بذلك ظهر هذه الأقليّة المنكوبة بشعارات سياسيّيها البلهاء. وهكذا، وبعد عقود ستّة، لم يتغيّر شيء في ذهنيّة هؤلاء القوم.
ألم أقل لكم بأنّ الأقربين أولى بالمعروف؟
والعقل وليّ التّوفيق!
*
التعليقات
تعليق
ن ف -يبدو أن هذا المقال كتب خصيصاً لـ المهندس الاستشاري طارق الوزير واصدقاؤه القدماء والجدد منهم. (طبعاً) لا أستثني منهم المفكر الكبير عماد رشاد (ابو الرشد) أوس العربي والـ الإيلافي. عذراً إن نسيت أحداً منهم فهم كثرُ.
اكراد كوردستان
بشیر صبري بوتاني -بالحقیقة نحن اكراد كوردستان (في تركیا وایران والعراق وسوریا) لیس لنا حقوق مثل عرب اسرائیل. لكن اكراد العراق حاولوا دائما للحصول علی حكم ذاتي والآن یحاولون للحصول علی اقلیم فیدرالي. لكن النتیجة لحد الآن غیر واضحة وذلك لعدم قبول توركیا وایران وسوریا، للعلم بان عددنا حوالي 50 ملیون. علی كل نتمنی المساواة بین الیهود والعرب في اسرائیل والسلام بین اسرائیل والدول العربیة، كما وآملین بان الدول العربیة تعرتف بنا وبحقوقنا مثلما نحن نعترف بهم وبحقوقهم.
دعوة للبدء
مؤيد الصباح -هذا المقال يوجه دعوة للبدء باعادة النظر في منظومة العلاقات الاجتماعية وامكانية تظويرها بما يتناسب مع الرؤى الحديثة لبناء المجتمعات وتعريف المواطنية والتي تختلف شكلا وموضوعا عما هو قائم الان في المجتمع الفلسطيني, ول ضرر لو حاول البعض التعمق في قراءة التجربة البورقيبية في بناء الدولة التونسية الحديثة وما نتج عنه من رؤية اوضح وامتن للبناء المجتمعي التونسي خارج الرؤى التقليدية المتعارف عليها سابقا,
صدقت يا ن ف
وعد الكمالي -مع ان جميعهم واحد,إلا انك وضعت اصبعك على مكان الجرح, فكلهم لا يساون قرشا في سوق المثقفين والعقلاء, حياك الله.
new
خضر -لسنا عرب اسرائيل نحن عرب فلسطين العربية الاسلامية