جذور الحداثة الغربية: إبن رشد الدليل الهادي إلي النهضة (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أول من بلور هذه المعاني فلسفيا " مارسيليو فيتشينو" بترجمته لأفلاطون وأفلوطين معا، والمفاهيم الأفلاطونية المحدثة وخاصة مفهوم " النور الأصلي " الذي خلق العالم ولايزال يضئ الكون. غير انه عمد إلي " تأويل " فلسفة أفلوطين بما يجعل حياة الحاضر ذات قيمة ومعني، وتابعه في هذا الصدد فلاسفة النهضة إذ اتخذوا من " التأويل " منهجا، وطرحوا من خلاله أفكارهم الجديدة عن الإنسان والكون، وهذا المنهج يدين به فلاسفة النهضة العظام للفيلسوف العربي " إبن رشد ".
فالحياة في نظر فيتشينو تستنير بفضل نور داخلي أشبه بمصباح مرمري شفاف، ولكننا لانصبو مطلقا إلي هذا النور، لأن انعكاسه أكثر جمالا منه، فالإنعكاس هو الجمال، وعلي ذلك فإن كل ما هو مقدس وسام وغامض تنكشف لنا أسراره عبر جمال العالم، فالجمال هو شاهد النور، وهو أيضا يثبت أن العالم تحكمه قوي رائعة.
ويذهب فيتشينو إلي القول بأن صور الكائنات الإلهية التي انبثقت الروح منها إنما تحمل في ذاتها علل الاشياء الأدني وصورها التخطيطية، تلك الأشياء التي علي الروح الإنسانية أن تعيد خلقها كما لو كانت خاصة بها، فتكون الروح مركزا للكل ومالكة للكل. وبوسعها أن تتحول إلي هذا وأن تنفذ إلي ذاك، دون ان تغادر هذا أو ذاك، لأنها الرباط الحقيقي للأشياء، ومن ثم فإنه يمكن دعوتها بحق أنها مركز الكون ومحوره.
هذه النظرة الجديدة للإنسان في عصر النهضة الأوروبية تكتسب دقة أكثر مع فيلسوف آخر، وريث التقاليد المدرسية، هو " بيكو دي لا ميراندولا " - Mirandola (1463 - 1494) الممثل القدير لأكاديمية فلورنسا، والذي تلقي تعليمه في جامعات " بادوا " و " باريس "، وكان ملما بالعديد من المصادر الأصلية لفلسفة القرون الوسطي لدي العرب واليهود.
وقد عنون كتابه، الذي يحوي مجمل فلسفته، بهذا العنوان المثير: " خطبة في كرامة الإنسان " - Oration on The Dignity of Man، الذي يقول فيه: " أن الخالق الأعظم قد أعطي الإنسان مكانة مرموقة، كما أعطاه حرية الاختيار، ووضعه في وسط العالم ليري كل ما يحيط به من كائنات، ولما كان الإنسان لم يخلق كائنا ملائكيا ولا كائنا أبديا، فإن السبيل أمامه ميسر ليهبط بنفسه إلي درك الحيوانية أو يسمو بنفسه إلي الذروة السماوية، فمصيره ومستقبله رهن اختياره الحر ".
ولعبت الفلسفة الأرسطية مع الفلسفة الافلاطونية والنزعة الإنسانية دورا مهما في تأكيد هذه المعاني في ذلك المنعطف التاريخي المهم. فالفلسفة الأرسطية أو " الأرسطية الإنسانية " أو " الإنسانية الطبيعية "، أنطلقت أساسا من التقليد المدرسي للجامعات في القرون الوسطي. وهذا التعليم الأرسطي وتركيزه الأساسي علي المنطق والمنهج والفلسفة الطبيعية والميتافيزيقا، ظهر في إيطاليا منذ أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر مع " جان دي جاندون " والرشديين اللآتين، واستمر في إحداث تأثيرات مهمة داخل وخارج الجامعة وقتئذ.
بيد أن هناك اختلافا واضحا بين الطريقة التي فهم بها أرسطو في معظم جامعات باريس وجامعات إيطاليا، ففي باريس كان الفلاسفة الأرسطيون إما لاهوتيين أو طلاب منطق أو فلسفة طبيعية في كلية الفنون الحرة، وهم الذين كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم ضد سلطة لاهوتية قوية.
أما الجامعات في إيطاليا فلم تكن بها لفترة طويلة كليات للاهوت، ومنذ البداية تطورت الأرسطية الإيطالية كإستعداد للطب فضلا عن استعدادها للاهوت، وكان هذا الفكر الفلسفي العلمي الموجه، مستمرا دون انقطاع في عصر النهضة وبلغ ذروته في القرن السادس عشر.
هكذا نجد أنه خلال عصر النهضة استمر أرسطو في بعث حياة فكرية قوية في الجامعات الإيطالية والتعليم الاحترافي للفلسفة. وظهرت الاتجاهات الإنسانية الجديدة في أكاديمية فلورنسا علي سبيل المثال وسط هذا المناخ الأرسطي، بل كان هناك تحالفا ضمنيا بين الأرسطية والنزعة الإنسانية.
فكل من " بومبوناتزي " و " فيتشينو " ركزا الاهتمام علي الإنسان ومصيره، وكلاهما أكد علي " الفردية " والقيم الشخصية، وبهذا المعني كان كلاهما " انسانيا ". ويكمن الخلاف الأساسي بينهما في أن إنسانية فيتشينو وأترابه في فلورنسا كانت ذات مسحة مثالية دينية، بينما كانت إنسانية بومبوناتزي " طبيعية محضة "، ترتكز إلي التقليد الطويل للأرسطية الإيطالية وتتفق مع روح العلم الطبيعي.
ومثل معظم المدرسين، بدءا من " توما الأكويني "، اعتبر الأرسطيون في جامعات إيطاليا الفيلسوف العربي " ابن رشد " الدليل الهادي والمفسر الأوحد لأرسطو، لكن علي عكس الأكويني، كانت لهم دوافع مختلفة بالنسبة للعديد من الموضوعات التي أتبع فيها أرسطو.
هذا الفهم المغاير لأرسطو، والبعيد عن الإيمان المسيحي، عرف ب " Averrosism " أو "الرشدية الإيطالية "، وقد صاحبت " الرشدية " دخول أرسطو إلي باريس في القرن الثالث عشر، منذ ان أتهم " سيجر الباربانتي " في عام 1270 وتلميذه " دي داسي " عام 1277.
ولأن الكنيسة روضت تماما في " بادوا "، وضمنت " فينسيا " حرية التعليم بعد عام 1405، بعد مقاومة عنيفة للأكليروس، فلم تكن الجامعات في إيطاليا معنية بشكل كاف " بالمسيحية " فكانت سيادة العقل الطبيعي وإنكار الخلق والخلود الشخصي ووحدة العقل، مع نتائجها اللاهوتية تدرس في الجامعات هناك التي كانت معادية لما فوق الطبيعة، أكثر من الطبيعة الإيجابية والإنسانية التي كانت تؤمن بها المدن الشمالية في إيطاليا القرن الخامس عشر، التي نصبت أفلاطون ضد أرسطو، وأصبح الخلود الشخصي هو الراية التي حارب في ظلها الإنسانيون من أجل مزيد من القيم الفردية والشخصية، مثلما فعل الأفلاطونيون تماما في فلورنسا، التي أعلنت حملة صليبية ضد " بادوا " الطبيعية.
من هنا فإن المتنافسين الفلسفيين العظميين في إيطاليا نهاية القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر ( ذروة عصر النهضة ) هما: إنسانية دينية وإنسانية طبيعية، حيث انتشرت الفلسفة الأرسطية الطبيعية بفضل الرشديين اللاتين، والتي أدت إلي الفصل بين اللاهوت والفلسفة في نهاية المطاف، علي العكس تماما مما سعت إليه الفلسفة الأفلاطونية أو الإنسانية المسيحية، وتلك نقطة هامة جدا لفهم الدور المحوري الذي لعبته الرشدية اللاتينية.
dressamabdalla@yahoo.com
التعليقات
دون شك
خوليو -لقد اعتمد ابن رشد في فلسفته بالفصل بين علوم الغيب وعلوم التجربة العلمية على قراءة أرسطوا الذي فهمه فهماً جيداً بعقله المستنير ، والسؤال الآن هو لماذا لايأخذ الإسلاميين بنصائح ابن رشد بفصل السلطات وهم الذين يتغنون بالحضارة الإسلامية التي هي سبب الحضارة الغربية كما يقولون، هذه المقالة الجيدة للسيد الكاتب تبين لنا تلاقح المعرفة بين المستنيرين من كل الشعوب وبدون شوفينية مغلقة يتحلى بها الآن أصحاب النظريات الدينية والتي لم يقدموا بتاريخ وجودهم شيئاً مفيداً للبشرية.
دون شك
خوليو -لقد اعتمد ابن رشد في فلسفته بالفصل بين علوم الغيب وعلوم التجربة العلمية على قراءة أرسطوا الذي فهمه فهماً جيداً بعقله المستنير ، والسؤال الآن هو لماذا لايأخذ الإسلاميين بنصائح ابن رشد بفصل السلطات وهم الذين يتغنون بالحضارة الإسلامية التي هي سبب الحضارة الغربية كما يقولون، هذه المقالة الجيدة للسيد الكاتب تبين لنا تلاقح المعرفة بين المستنيرين من كل الشعوب وبدون شوفينية مغلقة يتحلى بها الآن أصحاب النظريات الدينية والتي لم يقدموا بتاريخ وجودهم شيئاً مفيداً للبشرية.
العقل المهزوم
عبدو المغربي -ابن رشد يمثل قمة العقلانية العربية الاسلامية،وهي العقلانية التي استفادت منها أوربا في نهضتها وأهملها أو همشها العالم العربي و الاسلامي الذي أغلق باب العقل والاجتهاد مع تكفير الغزالي للفلاسفة ومصادرة تراث المعتزلة والعلماء (الذين لم يكونوا فقهاء)على تواضعه وانحصاره في الالهيات وبعض المقولات الأرسطية والأفلوطينية والجهود التي أتمت مابدأه اليونان في بعض العلوم الرياضية والتجريبية ،فأدى ذلك الى الجمود الشامل والتخلف الثقافي والتاريخي الذي جعل بدوره الظاهرة الاستعمارية ممكنة وعجل بها فأصل الخلل اذن من داخل المجتمعات والثقافة العربية الاسلامية وليس من خارجها
العقل المهزوم
عبدو المغربي -ابن رشد يمثل قمة العقلانية العربية الاسلامية،وهي العقلانية التي استفادت منها أوربا في نهضتها وأهملها أو همشها العالم العربي و الاسلامي الذي أغلق باب العقل والاجتهاد مع تكفير الغزالي للفلاسفة ومصادرة تراث المعتزلة والعلماء (الذين لم يكونوا فقهاء)على تواضعه وانحصاره في الالهيات وبعض المقولات الأرسطية والأفلوطينية والجهود التي أتمت مابدأه اليونان في بعض العلوم الرياضية والتجريبية ،فأدى ذلك الى الجمود الشامل والتخلف الثقافي والتاريخي الذي جعل بدوره الظاهرة الاستعمارية ممكنة وعجل بها فأصل الخلل اذن من داخل المجتمعات والثقافة العربية الاسلامية وليس من خارجها
الصورة الاخرى
اوس العربي -ابن رشد قبل ان يكون فيلسوفا فهو ابن الحضارةالعربية الاسلامية وكان قاضيا شرعيا وهو كان يفكر ويبحث ويتفلسف من داخلها ووفق ضوابطها الزعم انه فصل الغيبيات عن العلميات زعم غير صحيح لا تناقض في الاسلام بين العلم والايمان او الغيب والعلم ! وان الابحاث والاسماء التي تحدث عنها المقال بالنسبة للاوربيين كانت تنحر على ارض الواقع فالهجمة الشرسة على العالم القديم والعالم الحديث من قبل الغربيين كان وحشيا وعنصريا وذا خلفية دينية متطرفة وفاشية وقد اباد الغرب شعوب وحضارات سامقه ونهبها واقام على ركامها حضارته الطفيلية ؟!! متى سنكون موضوعيين ونكف عن تمجيد ا لغرب ؟!! متغافلين عن الصورة الاخرى له صورة التدمير والابادة والنهب المنظم المستمر الى الان ؟؟؟
الصورة الاخرى
اوس العربي -ابن رشد قبل ان يكون فيلسوفا فهو ابن الحضارةالعربية الاسلامية وكان قاضيا شرعيا وهو كان يفكر ويبحث ويتفلسف من داخلها ووفق ضوابطها الزعم انه فصل الغيبيات عن العلميات زعم غير صحيح لا تناقض في الاسلام بين العلم والايمان او الغيب والعلم ! وان الابحاث والاسماء التي تحدث عنها المقال بالنسبة للاوربيين كانت تنحر على ارض الواقع فالهجمة الشرسة على العالم القديم والعالم الحديث من قبل الغربيين كان وحشيا وعنصريا وذا خلفية دينية متطرفة وفاشية وقد اباد الغرب شعوب وحضارات سامقه ونهبها واقام على ركامها حضارته الطفيلية ؟!! متى سنكون موضوعيين ونكف عن تمجيد ا لغرب ؟!! متغافلين عن الصورة الاخرى له صورة التدمير والابادة والنهب المنظم المستمر الى الان ؟؟؟