كتَّاب إيلاف

الخمول وأبحاث السرطان اليابانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان يعتبر مرض السرطان من أحد أكبر التحديات الصحية في هذا العصر، فهناك تزايد مستمر في نسب الإصابة، كما أن تشخيصاته وعلاجاته معقدة وعالية التكلفة. وقد أرهق العلماء في محاولة اكتشاف سبب محدد لهذا المرض، ويبدو حتى الآن بأن هناك أنواع مختلفة منه، ومرتبطة بأسباب متعددة، بعضها وراثية والأخرى مكتسبة. ويكمن سر هذا المرض في اضطرابات بشفرة جينية في بعض موراثات الخلايا، والتي تؤدي لتكاثر فوضوي وبدون توقف. وقد اعتمد العلماء على علم الابدميولوجي للربط بين السرطان وأسبابه، وذلك بدراسة نسب حدوثه في المجتمعات المختلفة، وعلاقتها بسلوك الأفراد والعادات الغذائية ونسب التدخين ونوعية العمل وكثرة النشاط البدني ونوعية التزاوج والخلفية الوراثية. وقد لفت نظر العلماء علاقة السرطان بظاهرة الخمول، وما يرافقها من قلة النشاط البدني وكثرة الملل وزيادة المتابعة التلفزيونية وتخمة الأكل. وقد طرحت هذا الموضوع صحيفة اليابان تايمز في عددها الصادر في السابع من شهر سبتمبر لعام 2008، من خلال بحثا طبيا يابانيا نشر في المجلة الطبية الأمريكية "أبيديميولوجي". يناقش هذا البحث علاقة الخمول وقلة النشاطات البدنية بالسرطان، وخلاصة هذه الدراسة بأن الكهول النشيطين بدنيا بانتظام أقل عرضة للإصابة بجميع أنواع السرطان. والسؤال المحير: ما سبب هذه العلاقة بين الخمول البدني وأمراض السرطان، وهل تضاعف تأثيراتها بزيادة الوزن وسوء التغذية؟
لقد قام الباحثون برئاسة الدكتور منامي أونو في المركز الوطني للسرطان بمدينة طوكيو، بدراسة 79771 مواطن ياباني بين سن 45 وحتى سن 74، ومتابعة حالتهم الصحية طوال عقد من الزمن. وقد أجريت هذه الدراسة خلال الفترة من عام 1995 وحتى عام 1999، حيث تابع الباحثون جميع النشاطات البدنية والحمية الغذائية والأساليب الحياتية الأخرى لهؤلاء الأشخاص، واكتملت هذه الدراسة عام 2004، وقد أكتشف الباحثون 4300 حالة سرطانية جديدة بين هؤلاء الأشخاص. والجدير بالذكر بأنه قد حدد هذا البحث تعريف النشاط البدني بجميع الجهود الجسمية التي يقوم بها الفرد من خلال وظيفة عمله والعمل في البيت والمشي للعمل، بالإضافة للنشاطات الرياضية المختلفة. وبينت هذه الدراسة بأن نسبة الإصابة بالسرطان تزداد مع ازدياد نسبة الخمول البدني، فمثلا الرجال الأكثر نشاطا بدنيا أقل عرضة للإصابة بالسرطان بنسبة 13% عن أقرنهم الخاملين، كما قلت نسب الإصابة بالسرطان بين النساء الأكثر نشاطا بنسبة 16% عن أقرانهن القليلي النشاط. وزادت نسبة الإصابة بالسرطان بتوفر عوامل أخرى كزيادة نسب الوزن وكثرة التدخين وتخمة الأكل وتقدم السن. وقد أكدت هذه الدراسة بأن الرجال والنساء النشيطين بدنيا بانتظام، أقل عرضة للإصابة بجميع أنواع السرطانات وبالأخص سرطان القولون والكبد والمعدة والبنكرياس، وتزداد هذه العلاقة بين الرجال والنساء ذو النسب الطبيعية من الوزن والملتزمين بتغذية صحية. وقد علق الدكتور منامي انو بالقول: "تقترح نتائج هذا البحث بأن النشاطات البدنية اليومية المنتظمة قد تكون مفيدة في الوقاية من الإصابة بالسرطان بين رجال ونساء اليابان." ويعتقد علماء الطب بأن النشاطات البدنية قد تقي من الإصابة بالسرطان بسبب سيطرتها على كمية شحوم الجسم، كما أنها قد تنشط مناعة الجسم المهمة في الوقاية من السرطان، وقد تغير نسب بعض الهرمونات، كهرمونات الجنسية وهرمونات النمو المشابه للأنسولين، وقد يتساءل البعض عن علاقة السرطان بالنمو.
يعتبر مرض السرطان نمو مرضي للخلية، بالتكاثر الفوضوي وبالانقسام المستمر، والذي يختلف عن تكاثر الخلية الطبيعي الذي يتم فيه التكاثر بالانقسام المنظم وبسيطرة منضبطة للمحافظة على حيويتها. ويحتاج تكاثر الخلايا وانقسامها لكومبيوترات منظمة ومصانع ميكروسكوبية صغيرة ومعقدة موجودة بداخل الخلية. وكومبيتورات الخلية هي المورثات التي تحتوي على أقراص تشغيل تسمى بالجينات تقوم بالسيطرة على جميع الوظائف المسئولة عن انقسام الخلية. وحينما تختل بنية هذه الجينات المكونة من مادة "الدي إن إيه" يضطرب التكاثر الخلوي ويؤدي لفوضى التكاثر والسرطان. ويعتقد العلماء بأن هناك أسباب كثيرة لاضطراب بنية الجينات والمسماة بالطفرة الوراثية، ومن أهمها اضطرابات هرمونات النمو، وتكون سموم كيماوية داخل الخلية، وتراكم الشحوم ومستقلباتها. فمثلا اضطرابات الضغوط النفسية تؤدي لزيادة نشاط الغدة النخامية الموجودة في أسفل المخ لتؤدي لإنتاج كميات هائلة من الهرمونات التي قد تنشط تكاثر بعض الخلايا وتؤدي لزيادة نمو الخلايا السرطانية. كما أن البدانة تزيد من كميات الشحوم ومستقلباتها السامة داخل الخلية، لكميات لا تستطيع الخلية التخلص منها مما يؤدي لاضطراب وظائف نموها والعرضة للإصابة بالسرطان. كما أن هناك مواد كثيرة كالسجائر ومادة الكربون وأصباغ بعض المصانع تؤدي لاضطراب وظائف الخلايا وتسرطنها. وقد بينت الأبحاث الطبية مؤخرا بأن الرياضة المنتظمة تنشط العضلات وتؤدي لفرزها مواد تنظم وظائف الخلية وتكاثرها وتقي من الإصابة بالسرطان.
وقد بدأت الدول بالاهتمام بالنشاطات البدنية والحمية الغذائية لمواطنيها للوقاية من الأمراض وزيادة الإنتاجية وخفض تكلفة الرعاية الصحية. فمثلا تلاحظ في مدينة طوكيو يحتاج المواطن لاستعمال مدرجات ولفترة طويلة للوصول لمركز القطار تحت الأرض، ويعتبر ذلك نوع من النشاط البدني اليومي. كما تشجع بعض الشركات والمصانع تجنب موظفيها استعمال المصاعد، بل استعمال السلالم لزيادة نشاطهم البدني. وتحاول بعض المؤسسات تشجيع موظفيها استخدام مواقف سيارات بعيدة عن مكاتبهم ليمشوا لمكتبهم. وبدأت بعض الدول تشريع قوانين تفرض على شركات الأغذية تحديد نسبة السعرات الحرارية ونوعيتها على مختلف منتجاتها، كما فرضت على المطاعم الإعلان عن نسب السعرات الحرارية على قائمة طعامها، لينتبه المواطنين لكمية السعرات الحرارية التي يستهلكونها. وقد نشرت مجلة الايكونوميست البريطانية في عددها الصادر في الثلاثين من شهر أغسطس عام 2008 مقالا عن قائمة الطعام في المطاعم، بينت فيه بأن مدينة نيويورك قد شرعت قوانين جديدة تفرض على المطاعم تحديد نسب السعرات الحرارية ونوعية موادها الغذائية على قوائمها. وقد قامت جمعيات المطاعم بمدينة نيويورك برفع دعوى قضائية لوقف هذا القانون بالعذر بأنه مخالف لمواد الدستور المتعلقة بالحرية الشخصية، للخوف من أن يؤدي معرفة الزبون لكمية السعرات الحرارية لنقص الطلب وقلة الإرباح، حيث تقدر مبيعات صناعة المطاعم الأمريكية السنوية بحوالي خمسمائة مليار دولار سنويا. وقد وجد البرفيسور ماريون نستله أستاذ التغذية بجامعة نيويورك، بأن رواد المطاعم قد استغربوا من كميات السعرات الحرارية المبينة على قوائم طعام المطاعم وكثرة الدسم فيها. كما أكدت الأبحاث الأمريكية مؤخرا بأنه قد أدت فعلا عرض كمية السعرات الحرارية في هذه القوائم لخفض الاستهلاك بمعدل اثنين وخمسين سعره حرارية في كل وجبة للشخص الواحد. وقد تشجع هذه القوانين المواطنين الأكل في المطاعم لمعرفتهم لنوعية الغذاء الذي يأكلونه بنسب سعراتها الحرارية وكمية الشحوم والسكريات والبروتينات. وقد قامت مطاعم كثيرة بتقليل كمية الأكل ونوعية الدهون بعد صدور هذا القانون، فمثلا شركة الستار بكس قد غيرت الحليب الكامل الدسم لحليب منخفض الدسم مما أدى لخفض السعرات الحرارية في شرابها 14%. كما أدخلت شركة دنكن دونت كعكة جديدة مخفضة الدسم لتشجع المهتمين بالتغذية الصحية لمراودة مطاعمها. وقد اكتشفت بعض شركات المطاعم بان القوانين الجديدة قد زادت من أرباحها، كمخابز لي بين كوتيدين بمدينة نيويورك، والتي زادت مبيعاتها عن المائة والخمسة والستين مليونا دولار سنويا. وقد صرح نائب شركة جاك مورغن بالقول: " في البداية كنا مرعوبين من أن يلاحظ المستهلكين الكميات الهائلة من السعرات الحرارية والشحوم الموجودة في مختلف الأغذية على قائمة طعام مطاعمنا، ولكن بعد هذا القانون الجديد قمنا بخفض السعرات الحرارية بحيث أصبحت مغرية للمستهلك، فزادت إرباحنا، لذلك قررنا أن ننفذ القانون الجديد في المدن التي لا تفرضه علينا."
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال رائع
سيد حسين _الأحساء -

شكرا لك يا دكتور خليل بصراحة مقالك فيه الكثير من الفائدة وأنصح القراء بقرائته الجدير بالذكر أن الدكتور خليل حسن كان وزيرا للصحة قبل أن يكون سفيرا للبحرين